خبز السوريين.. تحرير سعره الآن.. ولماذا؟!

خبز السوريين.. تحرير سعره الآن.. ولماذا؟!

مال واعمال

الثلاثاء، ٢٥ أكتوبر ٢٠١٦

أثارت تسريباتٌ صحافية عن خطة حكومية سورية لرفع الدعم الحكومي عن موادّ غذائية عديدة، بينها الخبز والسُكر والأرزّ، ردود فعلٍ في الأوساط الشعبية، وحتى الأكاديمية، في سوريا، لأن هذه الإجراءات إن أُقرّت، فستُضرّ مباشرة بالمواطنين على جميع المستويات، خصوصاً أنها تتعلق بمادّة أساسية، هي الخبز، التي لطالما كانت بمثابة «خط أحمر» منذ سنوات طويلة.
وفي هذا السياق، علمت «السفير» أن لجنةً متخصصة تشارك فيها وزارات عديدة، أبرزها التجارة الداخلية وحماية المستهلك والشؤون الاجتماعية والعمل، تعكفُ على دراسة تحرير أسعار هذه السلع، مقابل إصدار بطاقات إلكترونية للعائلات الأشدّ فقراً، لتستفيد من دعم ماليّ يعوضها عن تحرير الأسعار.
وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك عبد الله الغربي رفض خلال لقائه مجموعة من الصحافيين عدّ هذا الإجراء الجديد «رفعاً للدعم»، معللاً ذلك بأن البديل الموضوع سيؤمن للأسر المحتاجة تعويضاً نقدياً، يتم صرفه لهم عن طريق «المصرف التجاري السوري» دورياً. وحاولت «السفير» التواصل مع الوزير الغربي للوقوف على حيثيات هذه الدراسة ووجهة نظر وزارته، إلا أنه لم يجب على الاتصالات.
أمام ذلك، تؤكد مصادر حكومية وأكاديمية أن هذا الإجراء، وإن ظهر بشكل تغييرات إجرائية، يمثل انتقالاً فعلياً من حالة الدعم إلى تحرير الأسعار. وبحسب ما تسرب، فإن تحرير أسعار الخبز مثلاً، سيرفع ثمن ربطة الخبز من 50 ليرة سورية (السعر المدعوم) إلى نحو 175 ليرة سورية، الأمر الذي يعني ارتفاع سعر الربطة نحو أربعة أضعاف، وهو ما سيضيف أعباءً كبيرة على عاتق الأسر الفقيرة التي يمثلُّ الخبز لبعضها القوت اليومي الوحيد في بعض الأحيان.
الإجراءات الجديدة التي تجري دراستها تُعلّلها المصادر الحكومية بأنها تأتي من باب «تخفيف المصاريف وضبطها وتوجيه الدعم للمستحقين فعلاً»، إلا أن التجارب الحكومية السابقة لإجراءات مماثلة تتعلق بالوقود مثلاً تركت آثاراً سلبية لدى المواطنين، وحتى المسؤولين السابقين، بينهم على سبيل المثال وزيرة الاقتصاد السابقة لمياء العاصي التي كتبت عبر حسابها على موقع «فايسبوك»: «رفع الدعم عن الخبز سيكون خطأً قاتلاً»، متسائلةً «كيف يمكن رفع الدعم عن الخبز وهو المادّة الوحيدة التي يستطيع الناس شراءها؟ كيف يمكن تحديد الأسر المستحقة، وقد سبق أن دفعت الحكومة أضعاف المبالغ التي وفرتها من رفع الدعم عن المازوت جراء الفساد في إنفاق المقابل المالي وعدم القدرة على تحديد الأسر المستحقة».
نائب عميد كلية الاقتصاد في جامعة حلب الدكتور حسن حزوري أكد خلال حديثه لـ«السفير» أن الراتب الحالي (رغم سعر الخبز المدعوم) لا يكفي إلا لثمن الخبز وبعض المتطلبات الأساسية جداً، وفي حدها الأدنى، معتبراً أنه» لولا توفر مادة الخبز لمات الناس، أعرف الكثير من العائلات غذاؤها ماء وخبز في غالب الأحيان»، معتبراً أن «هذه تذكّرنا بالتجارب الفاشلة سابقاً، حينما قدم الدعم النقدي لمادة المازوت أو حين وزعت كوبونات، فعبارة «مستحقيه» عبارة مطاطة، وفي ظل العلاقات اللاموضوعية والمحسوبيات والفساد قد تمنح البطاقة الذكية أو الدعم النقدي لمن لا يستحق، وفي الوقت ذاته، تحرم عائلات هي بأمس الحاجة للدعم».
الدكتور حزوري رأى أنه يمكن للحكومة تعويض العجز في الموازنة من موارد أخرى غير رفع الدعم، معتبراً أنه «لو كانت الحكومة جادّة فعلاً، يمكنها تعويض العجز من خلال محاسبة كبار المتهربين ضريبياً، ومن خلال فرض ضرائب على تجار الأزمة والحروب وشركات الترفيق (الشركات المتخصصة بمرافقة الشاحنات لتأمينها على الطرق) والتهريب وغيرها من كبار المكلفين». وأضاف أن «الحكومة قوية على الضعفاء ولكنها ضعيفة أمام الأقوياء».
وتواصل الحكومة السورية تجاربها لضغط النفقات وسدّ الفجوات الكبيرة التي ولدتها الحرب في الاقتصاد السوري والتي دفعت سوريا، المنتج الأبرز للقمح في الشرق الأوسط سابقاً، إلى استيراده بشكل شبه كلي، بالإضافة إلى الانخفاض الكبير في قيمة الليرة السورية التي خسرت أكثر من 90 في المئة من قيمتها خلال السنوات الست الماضية، إلا أنها مسّت هذه المرة قوت المواطنين اليومي والرئيسي، فإن قبل المواطن عمليات رفع الدعم التدريجية التي جرت خلال السنوات الماضية والتي طالت موادّ عديدة بينها التيار الكهربائي والوقود وغيرهما، فهل سيقبل رفع الدعم عن الخبز هذه المرة؟ وكيف سيتمكن من تأمين الاستمرار في الحــياة إذا تم تطبــيق هذا القرار فعلاً؟ أسئلة عديدة يجد المواطــن السوري نفسه مجبراً على طرحها، فيما لا يتجــاوز متوســط الأجور في القطاع الحكــومي عتبة الـ80 دولاراً شــهرياً، كما تتجاوز نســبة الفقر الـ80 في المئة من سكان سوريا.