الفساد اللعين! 30 مليار ليرة مبالغ مكتشفة.. لم تكد الحكومة (تعطس) فجاءت 8 مليارات ليرة!

الفساد اللعين! 30 مليار ليرة مبالغ مكتشفة.. لم تكد الحكومة (تعطس) فجاءت 8 مليارات ليرة!

مال واعمال

الخميس، ١ يونيو ٢٠١٧

على خلاف ما كان يتوقعه كثير من السوريين، وما يفرضه المنطق، فإن الأزمة بسنواتها الست الماضية أفضت إلى فساد أخطر وأسوأ مما كان سائداً قبل العام 2011، سواء بالنسبة لحجمه وانتشاره أو بالنسبة لأشكاله وأساليبه.

ورغم اعتراف الجميع أن فساد الأزمة يمثل خطراً كبيراً على مؤسسات الدولة واستمراريتها، لدرجة جعلت الكثيرين يطلقون مصطلح "دواعش الداخل" في إشارة منهم للفاسدين، إلّا أن ذلك لم يحفز على رصد علمي وموضوعي لظاهرة الفساد وأشكالها وأساليب مرتكبيها، رصد يمهد لإطلاق استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد وفق آليات وخطوات منظمة ومتكاملة، فمثلاً إلى الآن ليس هناك تقديرات حول حجم الفساد والعائلات المعتاشة عليه، أو خسائر الدولة سنوياً جراء عمليات الاختلاس والتجاوزات وهدر المال العام، أو طبيعة التحولات التي طرأت على الفساد خلال سنوات الأزمة، والأهم أين تذهب أموال الفساد؟ وأين تستثمر أو تنفق؟!.

في ضوء ذلك، حافظت الدولة على آلياتها التقليدية المتبعة قبل الأزمة في مكافحة الفساد داخل مؤسسات الدولة، أي الاعتماد على عمل الجهتين الرقابيتين الشهيرتين: الجهاز المركزية للرقابة المالية، والهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، إضافة إلى التحقيقات التي تجريها بعض الجهات، ويجري تحويلها لاحقاً إلى القضاء.

هذا في الوقت الذي كان فيه الفساد يستغل الأزمة بتداعياتها وتحدياتها الاقتصادية والاجتماعية ليطور من أشكاله وأساليبه، وبوسع من عمله ومساحة انتشاره مهدداً الدولة والمجتمع وقدرتهما على مواجهة أعباء الحرب، والتي تؤكد الأحداث يوماً بعد يوم أن نهايتها لن تكون قريبة.

إذاً.. لابد من مواجهة الفساد ومحاصرته بشكل مختلف عم هو مطبق حالياً، وهذا لن يتحقق إلّا بتشريع جديد يضع الجميع تحت المحاسبة، وبأجهزة تفتيشية أكثر استقلالية ومهنية وموضوعية في عملها وتحقيقاتها، وإلّا فإن الجهود المبذولة ونتائجها ستبقى قاصرة عن اللحاق بالظاهرة، والحد من خسائرها، وهذا يتضح من خلال الوقوف على نتائج الجهود الرسمية في ملاحقة الفساد، ومقارنتها مع "الانطباعات" أو المؤشرات غير الرقمية لتنامي ظاهرة الفساد.

فمثلاً، وحسب المعلومات من وزارة المالية، فإن عدد قرارات الحجز الاحتياطي التي صدرت خلال العام الماضي على الأموال المنقولة وغير المنقولة للمتهمين بقضايا فساد وتجاوزات وهدر مال عام بلغ نحو 754 قراراً، وذلك ضماناً لنحو 23.047 مليار ليرة.

ووفق ما يؤكده مصدر خاص في الوزارة فإن قرارات الحجز الاحتياطي تصدرها عادة وزارة المالية كإجراء احترازي ريثما تستكمل الجهات المعنية تحقيقاتها، ويأتي إصدار تلك القرارات بناء على طلب من الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش ونتيجة لخلاصة تحقيقات أجرتها حول ملابسات ملفات ما، وكذلك بناء على طلب بعض الوزراء، وعلى اقتراح من مكتب الأمن الوطني، لاسيما في القضايا المتعلقة بتمويل الإرهاب، والتي يبدو أنها كانت السبب في ارتفاع عدد قرارات الحجز ومبالغها مقارنة بأعوام ما قبل الأزمة أو حتى في العام الأول على اندلاعها، إذ زادت قرارات الحجز مقارنة بالعام 2011 بنسبة 301 %، كما أن المبالغ التي تم اكتشاف اختلاسها وهدرها وضياعها على خزينة الدولة زادت بنسبة تصل إلى 480 %.

كذلك الأمر بالنسبة للمبالغ المكتشفة من الجهاز المركزي للرقابة المالية، فتحقيقات مفتشي الجهاز أشارت إلى وجود سبعة مليارات ليرة كمبالغ مختلسة أو مهدورة تم اكتشافها خلال العام 2015، بزيادة قدرها مليار ليرة عن العام 2014، في حين لم تتجاوز المبالغ المكتشفة بنتيجة تحقيقات الجهاز في العام 2010 على 400 مليون ليرة، أي أن هناك زيادة نسبتها نحو 1650 %.

بالمحصلة، فإن حجم مبالغ الفساد التي وضعت الجهات الرقابية يدها عليها لم تتجاوز في العام الماضي 30 إلى 35 مليار ليرة، وهذا مبلغ يبدو ضئيلاً مقارنة بحجم الفساد، التي تذهب تقديرات غير رسمية إلى القول إنه بات يشكل نحو ثلث الناتج المحلي الإجمالي، وهذا يبدو قريباً من الواقع في ظل انتشار الأعمال غير المشروعة خلال سنوات الأزمة، واستغلال كثيرين الأوضاع الاقتصادية الصعبة والعقوبات الخارجية المفروضة على البلاد لتحقيق أرباح ومكاسب كبيرة بشكل غير قانوني، فضلاً عن عمليات الاختلاس الكثيرة التي تعرضت لها أموال العديد من مؤسسات الدولة والقطاع الخاص، ونهب وسرقة الموارد والثروات الوطنية، ولا ننسى بالتأكيد التهريب، الذي تذهب تقديرات خاصة إلى أن قيمته الشهرية تتجاوز 150 مليون دولار.

لكل ذلك، لا يمكن الحديث عن مكافحة الفساد والحرص على محاصرته بالآليات والبنى الهيكلية القانونية والإدارية الحالية، فهناك حاجة لبنى جديدة تأخذ بعين الاعتبار كل ما قادت إليه الأزمة من مظاهر وأشكال وأساليب فساد جديدة، وعندئذ سيسمع ويقرأ المواطن عن إحالة كثير من الفاسدين إلى القضاء، مسؤولين ورجال أعمال وأصحاب نفوذ، وباستعادة الدولة لمئات المليارات المنهوبة على مدار سنوات، وبناء مناخ أعمال جاذب ومؤثر فعلاً في الحياة الاقتصادية والاجتماعية للبلاد.