الصادرات السـورية.. بين الواقع واحتياجات الإقلاع.. تصل إلى 80 دولة ولكن بكميات محدودة.. بينما الآفاق كبيرة!

الصادرات السـورية.. بين الواقع واحتياجات الإقلاع.. تصل إلى 80 دولة ولكن بكميات محدودة.. بينما الآفاق كبيرة!

مال واعمال

الخميس، ١٣ يوليو ٢٠١٧

مع التحضيرات المتسارعة لافتتاح معرض دمشق الدولي والدلالات الكثيرة لهذا الحدث في هذا التوقيت، يعقد كثيرون الآمال على هذه الفرصة لجهة تسويق المنتج المحلي وضرورة استغلالها بالشكل الأمثل، انطلاقاً من ذلك تبدو أهمية الحديث عن مشكلات التصدير وسبل النهوض به، ولاسيما أنه المخرج الوحيد اليوم لإنعاش الاقتصاد ودوران عجلته، فالمصدّرون يتحدثون عن مشاكل يعانيها هذا القطاع بعضها خارج عن الإرادة فرضته الحرب وبعضها الآخر متعلق بإجراءات حكومية ضبابية تعرقل هذه العملية في بعض الأحيان، بينما تؤكد الجهات الحكومية أنها تسعى دوماً وضمن الإمكانات المتاحة لتذليل العقبات.
عراقيل وصفارات إنذار
اللافت بدايةً أن جميع من تواصلنا معهم من مصدرين وصناعيين أشادوا بالدعم الحكومي الذي لقيه معرض «سيريا مود» الذي انعقد مؤخراً والتسهيلات التي قدمت للمصدرين خاصة في مجال الشحن الجوي غير أن محمد السواح رئيس اتحاد المصدرين رأى أن النقل هو أبرز المعوقات أمام المصدرين مع اختلاف طرقه عما كان سابقاً قبل إغلاق المعابر البرية، كما أن شركات التأمين العالمية تطلب مبالغ خيالية إضافة للحصار والعقوبات الاقتصادية وخاصة المصرفية وعدم توافر الطاقة ما يؤدي لانخفاض الإنتاج.
أما سمير الشامي عضو مجلس الإدارة في الاتحاد فتحدث عن إشكالية تتمثل بعدم موافقة الحكومة على تصدير جلود الأبقار في كل مراحل تصنيعها ولفترة مؤقتة كحل اسعافي لأن ذلك يسهم في تصريف البضائع المكدسة في المستودعات والحصول على القطع الأجنبي، ولاسيما أن المستهلك المحلي لا يمتلك القدرة على شراء الجلد الطبيعي الغالي الثمن، مضيفاً أنه خلال هذا العام تم توقيع عقود مع شركات إيطالية لتصدير منتجاتنا لكن الحكومة اشترطت موافقة وزارة الصناعة والمؤسسة العامة لصناعة الأحذية على ضرورة توفير المواد الأولية للسوق المحلية، محذراً من أن اندثار هذه المهنة سيؤدي إلى كارثة اقتصادية.
نافذة وحيدة
بدوره عضو غرفة الصناعة ماهر زيات أوضح أنه خلال الأزمة كانت المعارض الخارجية هي النافذة الوحيدة للتصدير وأن التعويل كبير على معرض دمشق الدولي الذي يعقد هذا العام مبيناً أن الغرفة حجزت مساحة 20 ألف م2 لعرض منتجــــاتها الغذائيـــة والنســـيجية والكيميائيـــة والهندسية، ويتم التخطيط لدعوة حوالي 2000 من رجال الأعمال غير السوريين من مختلف الدول كالعراق والأردن ومصر ولبنان وغيرها من الدول، معبراً عن أمله بفتح الحدود البرية مع العراق في القريب العاجل لأن ذلك يسهم في حركة تصدير قوية لكون السوق العراقية متعطشة للبضائع السورية من كل الأصناف، مشيراً إلى أن صادرات الغرفة وصلت خلال الربع الأول من العام الحالي لحوالي /50/ مليار ليرة.
وشدد على أهمية معرض دمشق كتظاهرة اقتصادية وفرصة ثمينة تبرز أهميتها في التسويق الخارجي وليس الداخلي، لذلك يجب أن تستغل بالشكل الأمثل وأن تكون العقود التصديرية التي توقع خلال المعرض خطاً أحمر لا أحد يقترب منها.
دعم على كل الجبهات
طالب السواح بتوفير موارد الطاقة للمنشآت الاقتصادية ولاسيما بعد التحسن التدريجي للأوضاع الميدانية، إضافة إلى دعم الشحن الجوي والبحري والاستمرار في العمل بقرار مصرف سورية المركزي المتضمن إعفاء تعهدات إعادة قطع التصدير لأن العودة عنه ستساهم في عرقلة الوضع.
أما الخباز فأشار الى الدور الكبير الملقى على عاتق الجهات الحكومية لتقديم الدعم الأمثل للمصدرين وضرورة التنسيق بين كل الجهات المعنية بقطاع التصدير ووجود رؤية واضحة مبدياً التخوف من أن تكون هناك معوقات تواجه المصدّر فيما يتعلق بالشحن وخاصة بالنسبة لعقود التصدير المبرمة خلال فترة المعرض قائلاً: حتى الآن لا توجد خطوط عريضة واضحة وهناك ضبابية، نخشى أن تخرج وزارة الاقتصاد بقرارات تسبب العرقلة، مشيراً إلى أهمية التقيد بمواعيد الشحن «حتى لا نفقد مصداقيتنا ويلتزم المصدر بوعوده» متسائلاً: «لماذا لا يكون هناك خط شحن بحري مباشر بين سورية والدول المراد التصدير إليها كموسكو مثلاً»؟
نقدم ما علينا
من جهته المهدي الدالي- مدير عام الهيئة العامة لتنمية وترويج الصـــادرات فــي وزارة الاقتصــــاد طمـأن بأن الهيئة حالياً في إطار وضع آلية لدعم الشحن للعقود الموقعة خلال المعرض، مبيناً أنها ستكون محفزة وسيتم إقرارها خلال اجتماع مجلس إدارة الهيئة الذي يضم كل الفعاليات المعنية..
ويرى الدالي أن أهم مشكلات التصدير تتلخص بتعرض البنية التحتية في أغلبية المدن الصناعية للتخريب الممنهج ونهب وسرقة المعامل التي كانت موجودة وتعرضها للإرهاب، كما أن الحرب التي تمارس علينا اقتصادية بامتياز، ولأن أسطول الشحن هو أسطول بري تم اغلاق المعابر الحدودية البرية مع العراق والأردن ما أدى إلى رفع تكلفة منتجاتنا لافتاً إلى أن معبر التنف أهم معبر بري للصادرات.
كما أشار إلى فقدان الأيدي العاملة وتحول أغلبية المشاريع الصناعية إلى مشروعات صغيرة بالمقياس العالمي ومتوسطة بالمقياس السوري وأن استمرار سنوات الأزمة أدى إلى فقدان أسواقنا بالتدريج ودليل ذلك التراجع التدريجي لصادراتنا وبشكل كبير خلال سنوات الأزمة.
وعن دور الحكومة وما قدمته للنهوض بالعملية التصديرية في ظل الواقع الراهن أوضح أنها أبدت اهتماماً واسعاً بهذا القطاع نظراً لأهميته فدعمت المنتجين من خلال تأمين أسواق لتصريف إنتاجهم وتالياً مساعدتهم على العمل وإعادة دوران عجلة الإنتاج وتأمين القطع الأجنبي اللازم وتخفيض العجز في الميزان التجاري.
إضافة لاستقرار أسعار الصرف وتوجيه الهيئة لدعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات من خلال الترويج للمنتجــات الســــورية والعمــــل على تذليل العقبات أمام المصدرين، لذا كانت إقامة المعارض التي هي أساس الترويج للبضائع، من أولى اهتمامات الهيئة وذلك من خلال تحمل الهيئة تكاليف إقامة المعارض بنسبة تبدأ من 50 % وصولاً لتحمل كامل تكاليف إقامة معرض بالكامل حسب أهمية القطاع المستهدف وعدد الأيدي العاملة وعائديته، وذلك ما كان من خلال معرض خان الحرير ومعرض «سيريا مود» إذ تحملت الهيئة تكاليف المعرضين بنسبة 100 %.. ولما كان مقياس نجاح المعرض وفشله هو كمية البضائع المشحونة جاء توجيه وزارة الاقتصــــاد بتحمل تكاليف الشحن لكل البضائع التي تم التعاقد لها خلال المعرضين، ما حقق أسعاراً منافسة لمنتجاتنا ونهضت الصناعة النسيجية نتيجة ذلك فتم تصدير ما يقارب 300 طن من الألبسة السورية للعراق وتم شحنها جواً وتحملت الوزارة تكاليف شحنها ووصلت في الوقت المناسب للعراق وتم شحن ما يقارب مليوناً وثلاثمئة ألف قطعة من الألبسة السورية لموسمي ربيع وصيف وبذلك خرج المنتج التركي من الألبسة من أسواق بغداد لمصلحة المنتجات السورية، مشيراً إلى أن الوزارة تحملت عن المصدرين التكاليف الثابتة لمنشآتهم والمتمثلة بدفع بعض المطارح عنهم من كهرباء وماء وتأمينات وضرائب، وتحملت تكاليف شحن، فعادت الأسعار المنافسة للمنتجات.
تراكمات قاتلة
الخبير الاقتصادي الدكتور سليمان سليمان يؤكد أن القاعدة الذهبية في الاقتصاد تقول: كلما زاد التصدير انتعش ميزان المدفوعات، فالتصدير يزيد القطع الأجنبي المتدفق نحو البلد الأمر الذي يحافظ على القوة الشرائية للعملة المحلية.
وأضاف أنه خلال سنوات الأزمة عانت البلاد من الحصار والمقاطعة والحظر والعقوبات والتهميش وتدنت القدرة على المنافسة مع قلة الموارد بكل الأشكال فلجأت الحكومة لكسر الجمود بمساعدة الأصدقاء وأدركت أن القطاع الخاص يمكن أن يساهم في إزالة العراقيل والقيود المفروضة والحصار الخارجي، لأنه أكثر ديناميكية من القطاع العام في سعيه إلى الربح والتنافس فتعاونت مع غرف التجارة والزراعة والصناعة وهيئة تنمية وترويج الصادرات من خلال التوجه شرقاً إلى الدول التي تربطنا بها علاقات صداقة غير أن هذا التوجه كان متواضعاً ولم يرتقِ للمستوى المطلوب لأسباب كثيرة منها الجودة وعدم استقرار سعر الصرف وقلة المواد الأولية وضعف القوة الشرائية لليرة وعدم وجود كفاءة حقيقية للتسويق وتوفير برامج لدعم وتمويل التصدير.
ورأى د. سليمان أن هناك جملة من التراكمات والأخطاء ارتكبت خلال الأزمة أضرت بالاقتصاد الوطني وبالتحديد قطاع الصادرات نتيجة سياسات إسعافية متفرقة غير منسجمة بين القطاعات والسياسات النقدية والمالية والاقتصادية.
مشيراً إلى أن أكبر هذه الأخطاء كان بيع الدولار بمزادات علنية وتسهيل عملية تحويله للخارج، إضافة إلى القرار الذي سمح بموجبه بتسديد تعهد القطع بالليرة السورية بدلاً من الدولار في وقت ما نكون نحن أحوج لتوفير القطع الأجنبي اللازم للاستيراد وسد حاجات السوق من القطع الأجنبي هذا عدا عن السياسة «الانكماشية» في التمويل من قبل مصرف سورية المركزي والسماح للمصارف بإخراج ما تملكه من القطع الأجنبي، لا بل سهل عمليات تحويل القطع إلى خارج البلد بقرار هوية وسجل تجاري وفاتورة وأطلق العنان لمؤسسات الصرافة وزاد في الأمر التهريب المتواصل هذا عدا عن الرشوة والمحسوبيات التي تمارس نتيجة قرارات تمويل المستوردات أو حتى تعهدات التصدير التي كانت سبباً في رفع التكلفة للسلعة، أياً كان نوعها، وهذا انعكس بدوره ارتفاعاً على سعر السلعة وأدى إلى انحسار التصدير وزيادة التهريب مشدداً على أننا اليوم بعد سنوات الحرب نحتاج إلى شفافية ودعم في تقديم المعلومات والبيانات التي يحتاجها كل قطاع من أجل دوران عجلة الإنتاج المولدة للقوة الاقتصادية المربحة وغير المربكة من أجل نهوض الاقتصاد من جديد مع تفعيل الحس الوطني لأصحاب الشأن لتعميق البحث العلمي واستثمار الموارد البشرية الكفوءة ونحن نعلم أن الحكومة وحدها غير قادرة على إيجاد حلول سحرية من أجل تحصين الاقتصاد الوطني، فنحن نحتاج إلى قرارات مسؤولة لا إلى قرارات تقليدية «تسكيجية».
بانوراما تصديرية
قبل الأزمة بفترات غزت البضائع السورية الأسواق و كان الميزان التجاري موجباً، أي أن ما نصدره أكبر مما نستورده.
بالعودة إلى بيانات وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية نجد أن قيمة الصادرات تجاوزت عام 2016 عتبة 600 مليون يورو.
وبحسب مصدر في الوزارة فإن الرقم الحقيقي يتجاوز 900 مليون يورو (أي ما يعادل نحو 660 مليون دولار)، وأن مستوردات العام نفسه سجلت 2617 مليون يورو (2879 مليون دولار) لتتراجع المستوردات عن العام الذي قبله بقيمة 400 مليون يورو حيث سجلت مستوردات العام 2015 نحو 305 ملايين دولار.
وقياساً على الأرقام الرسمية يكون العجز التجاري خلال 2016 بلغ نحو ملياري يورو، ما يعادل تقريبا 2.2 مليار دولار، أي نحو 1100 مليار ليرة سورية (بسعر وسطي للدولار 500 ليرة).
وتشير البيانات إلى تحسن مؤشر تغطية الصادرات بنسبة 3% في العام 2016 مقارنة بالعام السابق، وبالنسبة للقطاع الخاص حيث سجل هذا المؤشر نسبة 26%، ما يعني أن أكثر من ربع واردات القطاع الخاص مغطاة بصادراته، على حين تراجع هذا المؤشر بالنسبة للقطاع العام إذ انخفض بنسبة 23% عن العام السابق ليسجل نسبة 1% فقط في العام 2016.
وكانت قيمة الصادرات عام 2010 (قبل بدء الأزمة) بلغت حوالي 8.8 مليارات دولار، لتنخفض في 2011 إلى 7.94 مليارات دولار، أما في 2012 فتسببت العقوبات الاقتصادية المفروضة على دمشق بتراجع قيمتها بنسبة 37.6% لتصل إلى حوالي 2.1 مليار دولار، وإلى 1.18 مليار دولار في 2013 بنسبة تراجع 42.9% عن العام الذي قبله.
وكانت المشتقات النفطية تشكل 74% من قيمة الصادرات قبل الأزمة، إلا أنها انعدمت بسبب سيطرة تنظيم «داعش» الإرهابي.
وهنا تشير الأرقام الرسمية إلى الانخفاض الكبير الذي طرأ على الصادرات والتي بلغت حوالي 610 ملايين دولار في عام 2015 مقابل 8.5 مليارات دولار في عام 2010 أي أنها تراجعت بما يقارب 14 مرة عما كانت عليه في عام 2010. وذلك بعدما تأثرت التجارة الخارجية تأثراً كبيراً نتيجة العقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية وخروج العديد من القطاعات الاقتصادية من الخدمة (حقول النفط) والتدمير الممنهج للمعامل، إضافة إلى تأثر القطاع الزراعي وتدهور إنتاج المحاصيل التي كانت كفيلة بتشغيل العديد من المعامل لتغطية حاجة السوق المحلية وتصدير الفائض.
وتقول بيانات وزارة الاقتصاد أن هناك صادرات سورية مازالت تدخل عدداً كبيراً من الدول يتجاوز عددها 80 دولة ولكن بكميات.
بجدارة وطنية
بعد تطهير أغلبية المناطق التي كان يسيطر عليها الإرهاب بفضل التضحيات الكبيرة التي قدمها الجيش العربي السوري يأتي اليوم دور الجهات الحكومية والفعاليات الاقتصادية للنهوض من جديد وإتمام مسيرة البناء، وهي مسؤولية كبيرة يجب أن توازي الانتصارات العسكرية وليكتسح شعار (صنع في سورية) أسواق العالم من جديد وبجدارة وطنية.