اقتراح لمؤتمر إنقاذ اقتصادي يشارك فيه الجميع … كيف يعيش السوريون بين خط الفقر السوري والفقر الدولي؟

اقتراح لمؤتمر إنقاذ اقتصادي يشارك فيه الجميع … كيف يعيش السوريون بين خط الفقر السوري والفقر الدولي؟

مال واعمال

الثلاثاء، ٢٩ مارس ٢٠١٦

علي نزار الآغا
أصبح السؤال الكبير اليوم بعد هذا الانخفاض في قيمة الليرة السورية: كيف يعيش السوريون؟ علماً بأن بناء مقاربة دقيقة لشكل الحياة- المعاناة الاقتصادية التي يعيشها السوريون اليوم، من حيث مستوى دخلهم، وحاجاتهم الأساسية الدنيا، يبقى سديمياً، لعدم وجود أرقام وبيانات دقيقة، وخاصةً أن خط الفقر المحلي في سورية هو أعلى بكثير من مستوى خط الفقر العالمي المحدد حديثاً بنحو 1.90 دولار للفرد يومياً لتلبية الحاجات الدنيا من المأكل والملبس والسكن، وذلك بسبب قسوة ظروف الحرب في سورية، وما فرضته من احتياجات إضافية، وخاصةً أن جزءاً لا يستهان به من السوريين فقدوا المسكن والعمل والورشة والمعمل والمدخرات.. ، ومن بقي منهم، تكبد عناء البحث عن سكن جديد، أو حلّ ضيفاً ليزيد أعباء أسر أخرى. إلى جانب انخفاض مستوى التشغيل والإنتاج، وما رافقه من ارتفاع في مستوى البطالة، وهذا ما عقّد مسألة إيجاد فرص عمل، فيأتي التضخم وانخفاض القدرة الشرائية لليرة، ليزيد الطين بلة. كل ذلك وغيره الكثير من العوامل، جعلت خط الفقر السوري اليوم أعلى من العالمي، فأقله، لا توجد حروب في باقي الدول الفقيرة الداخلة في حساب خط الفقر العالمي كالتي قائمة في سورية منذ خمس سنوات
إلى هنا، يمكن الاعتماد على مؤشر خط الفقر العالمي، لرصدّ الحدّ الأدنى من الاحتياجات الأساسية الدنيا من مأكل ومسكن وملبس، وهو سيناريو تفاؤلي بالنسبة للحكومة، لكونه أقل بكثير من الواقع في سورية، لذا من الضروري التنويه بأن الأرقام المحسوبة على خط الفقر العالمي تمثل أدنى رقم مطلوب للدخل لتلبية الحاجات الدنيا للمعيشة.

المعاناة بالأرقام
تشير البيانات الاقتصادية الحديثة، محلياً وعالمياً، إلى اتساع كبير ومطّرد في عدد الفقراء في سورية. ومن المؤشرات التي يمكن الاعتماد عليها، مؤشر خط الفقر العالمي الذي يصدره البنك الدولي، إضافة إلى سعر صرف الدولار الأميركي أمام الليرة السورية (يفضل مستوى التضخم لكن لا يوجد رقم دقيق حوله).
وفقاً للمعايير العالمية للفقر التي يحددها البنك الدولي (1.9 دولار أميركي للفرد في اليوم)، وبناءً على سعر صرف الدولار الأميركي أمام الليرة السورية وهو 500 ليرة للدولار، فإن حاجة الأسرة السورية المتوسطة (5 أشخاص) تقدر بنحو 142500 ليرة سورية كحدّ أدنى شهرياً للبقاء على خط الفقر العالمي، فتلبي حاجاتها الدنيا من التغذية والملابس والمسكن.
علماً بأن جهود فريق البنك الدولي تركزت في الأيام الماضية حول رفع خط الفقر من 1.25 دولار للفرد في اليوم إلى 1.90 دولار، ما يتوافق مع تطور الفروق في تكلفة المعيشة حول العالم. وعلى سعر صرف تقديري 500 ليرة للدولار، يصبح خط الفقر للفرد الواحد 950 ليرة سورية، وبهذا تكون حاجة العائلة السورية (المتوسط 5 أشخاص) 4750 ليرة سورية في اليوم الواحد، وبالتالي 142500 ليرة سورية في الشهر لتكون على خط الفقر العالمي، في حين تحتاج رقماً أكبر لتكون على خط الفقر المحلي.
وحسب البنك الدولي، يستخدم خط الفقر العالمي الجديد بيانات محدثة للأسعار لرسم صورة أكثر دقة لتكلفة الاحتياجات من الأغذية الأساسية والملابس والمسكن حول العالم. بعبارة أخرى، فإن القيمة الحقيقية للخط الجديد 1.9 دولار بأسعار اليوم هو الخط القديم نفسه 1.25 دولار المستخدم عام 2005.

ثلاثة سيناريوهات للدخل
لمقارنة هذه البيانات مع دخل الأسرة، سنستخدم ثلاثة سيناريوهات للدخل كالتالي:
1. معيل واحد للأسرة بدخل 35000 ليرة شهرياً
2. معيلان للأسرة بدخل 70000 ليرة شهرياً
3. عمل حرّ أو مشروع صغير بدخل 100000 ليرة للأسرة شهرياً
في السيناريو الأول، معيل واحد للأسرة بدخل 35000 ليرة شهرياً، فتتم تغطية 25% فقط من الاحتياجات الأساسية الدنيا للأسرة (من أصل 142500 ليرة)، وهنا إما يتم حرمان الأسرة بشطب 75% من احتياجاتها الدنيا لكي تبقى على قيد الحياة، وبالتالي مستوى متدنٍ جداً للدراسة، وتسرب من التعليم، وزيادة الأمراض وسوء التغذية. أويتم سد جزء من الفجوة (الفرق بين المطلوب وهو 142500 ليرة وما هو محقق من الدخل وهو 35000 ليرة) عبر بعض الأعمال كالبسطات واليانصيب والتسول واستخدام الأطفال في هذه الأعمال، وهذا في أحسن الأحوال لا يغطي أكثر من 50 إلى 60% من الاحتياجات الدنيا وفق المعايير العالمية للدول الفقيرة. علماً أن هناك من يسعى إلى تلبية جميع الاحتياجات وما يزيد عنها باللجوء إلى الأنشطة المحظورة فيما يسمى «العالم السري» عبر أنشطة التهريب والاتجار بالمخدرات والسلاح والبشر، والبعض يلجأ إلى السرقة والسطو والدعارة أو الالتحاق بالجماعات الإرهابية والعمل المسلح وأغلبه متطرف دينياً.
وهناك أسر تعتمد في تمويل عجزها على حوالات المغتربين، وهي جيدة، أو من يلجأ إلى العمل في أكثر من مجال عمل لسد أكبر نسبة ممكنة من الفجوة بين الدخل والمطلوب للعيش.
في السيناريو الثاني، معيلان للأسرة بدخل 70000 ليرة شهرياً، تتم تغطية نحو 50% من الاحتياجات الأساسية الدنيا من غذاء وملبس ومسكن، وفي هذه الحالة يكون التقشف حلاً أساسياً، بشطب أكبر قدر ممكن من الاحتياجات في الغذاء والملبس، واللجوء إلى الملابس المستعملة، والغذاء الأقل جودة، وقد تساعد الحوالات الخارجية بعض الأسر على سد أكبر نسبة ممكنة من الفجوة بين الدخل والمطلوب للعيش على خط الفقر.
في السيناريو الثالث، عمل حرّ أو مشروع صغير بدخل 100000 للأسرة شهرياً، هؤلاء يغطون أكثر من 75% من الاحتياجات الأساسية الدنيا، ووضعهم أفضل من غيرهم من الأسر المتوسطة الحال، حيث تلجأ إلى التقشف في الملبس والغذاء، ومن شأن أي حوالات خارجية أن تحسن وضعهم أكثر، فتخفف من مستوى تقشفها.
أما باقي الأسر التي لها مصادر دخل فوق 100000 فهي موجودة، وما تقوم به هو التخفيف من مستوى رفاهيتها، علماً هناك أفراد من جميع الشرائح انجذبت للعمل في أنشطة «العالم السرّي» لجني الثروات، ومنهم من سيحاول تبييضها في المرحلة القادمة، متحولاً إلى رجل أعمال، يسمع له، وينظّر علينا ويقترح.

مؤتمر إنقاذ اقتصادي
أمام هذا الواقع، نقترح على الحكومة أن تحاول سماع صوت غير صوتها، فتؤسس لمؤتمر إنقاذ اقتصادي، شعبي واسع النطاق، وفق ترتيبات معينة، فتسمع للشعب معاناتهم الاقتصادية الحقيقية، وكيف يعيشون في ظل هذه الحرب، وكيف يقيمون عمل الحكومة وأدائها، وتستمع لمقترحاتهم لمعالجة الخلل لاقتصادي، علّها تفضي إلى نتائج إيجابية، على الأرض، ما دامت جربت فينا كل أشكال القرارات والإجراءات العادية والاستثنائية، من دون جدوى فعلية.
أو على الأقل، يصبح هذا المؤتمر أداة رقابية لأداء الحكومة، بعد أن يصبح الحق بيّناً والباطل بيّناً، في ميدان الاقتصاد.