انعدام الرؤية الاستثمارية للمصارف أوقعها في دوامة خسائر..!! أدوات فاعلة مكبلة بسياسات منفعلة.. والمطلوب استدراك سريع وغير متسرِّع

انعدام الرؤية الاستثمارية للمصارف أوقعها في دوامة خسائر..!! أدوات فاعلة مكبلة بسياسات منفعلة.. والمطلوب استدراك سريع وغير متسرِّع

مال واعمال

الاثنين، ١٧ أكتوبر ٢٠١٦

نعتقد أن الاجتماع النوعي الذي عقد مؤخراً في رئاسة الوزراء حول الأداء المصرفي، جاء في مكانه وزمانه، وخاصة في ظل تواضع الأداء المصرفي خلال سنوات الأزمة لاعتبارات تتعلق بالدرجة الأولى بتداعيات الأخيرة، ونعتقد أيضاً أنها مناسبة للحديث عن هذا الأداء وأسباب تراجعه، ولماذا لم تضع المصارف المشروعات الصغيرة ضمن فوكس التمويل على اعتبار أنها أقل مخاطر مقارنة مع نظيرتها الكبيرة من جهة، وتشكّل العمود الفقري للتنمية ولاسيما الاجتماعية من جهة ثانية..؟.

ففي الوقت الذي يبرّر فيه بعضهم إحجام المصارف عن التمويل خشية الوقوع بمطبّ مخاطر لها علاقة بالأوضاع الأمنية، مدعومة بهواجس تعثر العملاء عن السداد، يبرز رأي آخر يُحمِّل المصارف مسؤولية تكدّس الأموال في خزائنها بمنأى عن الاستثمار، دون أن تضع في حساباتها انخفاض القوة الشرائية لليرة إثر تراجع صرفها مقابل الدولار خلال سنوات الأزمة.

معدومة
لقد كانت رؤية المصارف الاستثمارية معدومة خلال سنوات الأزمة ولاسيما بالنسبة للمشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر، فعلى اعتبار أن لدى بعضها –وهنا نقصد بالتحديد المصرف الصناعي- تجربة قاسية بتمويل المشاريع الصناعية وعدم تحصيله ديونه لأسباب ربما تتعلق بالضمانات وما شابه، وعلى اعتبار أيضاً أن إيداعاته تناهز الـ30 مليار ليرة، وكذلك على اعتبار أن تمويل المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر تتراوح بين 500 ألف – 2 مليون ليرة، وبالتالي فإن المخاطرة ليست كبيرة، وقد تكون معدومة إذا استفاد بالفعل من تجربته القاسية الآنفة الذكر ووضع آلية تضمن السداد، فبإمكانه بالمحصلة وبناء على ما سبق من اعتبارات، إنعاش هذه العجلة الاستثمارية ذات الطابع الاجتماعي..!.

غياب الرغبة
يؤكد الصناعي علي عبود وجود حاجة ماسة إلى تمويل المشاريع التنموية ولاسيما الصناعية منها لتحقيق تنمية مستدامة يمكننا من خلالها تقوية أواصر اقتصادنا الوطني التي تضعضعت خلال سنوات الأزمة، معتبراً أن معظم المشاريع الصناعية التي أنشئت بجهود شخصية –حتى قبل الأزمة– كانت دون مستوى التمويل المطلوب، ولو توفر لها التمويل المطلوب لكانت أقوى مما هي عليه الآن، علماً أن هناك بعض المشاريع الصغيرة تنتج سلعاً جيدة ولا تلقى الدعم لترتقي بمنتجاتها وتطوّرها للمنافسة.
وأشار عبود إلى أنه لا يوجد توجّه نحو تمويل الاستثمارات الصناعية لعدم وجود رغبة واضحة لدى أصحاب القرار في البنوك لهذا التوجّه، حيث إن القرارات التي تخضع لها البنوك هي قرارات شخصية واعتباطية وغير مدروسة.

اعتراف مصرفي
بالمقابل لم تخفِ مصادر مصرفية ضرورة اهتمام البنوك أكثر بالناحية الاجتماعية من خلال تمويل الصناعات الصغيرة، حيث يوجد بعض الحرفيين ليس لديهم القدرة المالية والضمانات الكافية، وهذا التمويل يتطلب جهوداً كبيرة من البنك، حيث إن دراسة المشروع الصغير مثل دراسة نظيره الكبير، فهناك متطلبات وبنود يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، وعلى البنك أن يستوفي جميع هذه الأركان، مبيّنة أن تمويل هذا النوع من المشروعات يتطلب فريق عمل كبيراً لأن المشروعات الصغيرة موزعة على مناطق بعيدة عن مقرات البنوك، وهي تحتاج إلى متابعة مستمرة، لأن أصحابها لا يدّخرون أموالهم للتسديد، ويقومون بالتصرف بكل ما يدخل إلى جيوبهم، لذلك لابد من المتابعة لتسديد الأقساط، وفيما يخصّ تمويل المشروعات الاستثمارية الكبيرة نسبياً بيّنت المصادر أن ضماناتها تتمثل بالضمانات العقارية التي كما هو معروف غير مسجّلة نظامياً بالسجل العقاري، والقروض الاستثمارية تتطلب هذه الضمانات بموجب الـ”الطابو الأخضر” غير المتاح دائماً، في حين أن المتاح لدى أغلب المواطنين هو (حكم محكمة – إرث – أراضٍ غير مثبتة) وغيرها من الأوراق والمستندات التي لا يستطيع البنك وضع إشارة رهن عليها.

الخطوة الأهم
نعتقد أن الخطوة الأهم حالياً والواجب اتخاذها على المستوى المصرفي تتمحور حول تفعيل عجلة التمويل لأنها تشكّل المحرّض الرئيس للعجلة الإنتاجية وخاصة في هذه المرحلة بالذات، والأخيرة كفيلة بإنعاش التصدير وبالتالي تحقيق زيادة بتأمين القطع الأجنبي، الذي سينعكس بالمحصلة على استقرار سعر الصرف كمرحلة أولى، وتحسين قيمة الليرة كمرحلة لاحقة، مع الإشارة إلى أن المفهوم التنموي للمصارف يعني تنمية المجتمع من الناحية الاقتصادية والاجتماعية من خلال الاستثمار الأمثل للموارد الاقتصادية وعدم تبديدها عبر التصنيع الشامل لها، وتقليل البطالة السافرة والمقنّعة، والاهتمام بالعنصر البشري وتحقيق التنمية النفسية والعقلية له من خلال التعليم والتدريب، وإيجاد الحوافز واعتبار الإنسان غاية التنمية وأداتها، لا أداة لها فقط، لذلك يتوجّب على كل المعنيين بهذا الأمر بذل كل طاقة ممكنة وعدم ادخار أي جهد من شأنهما أن يحققا الغاية المتوخاة من التنمية بجميع أشكالها.
حسن النابلسي