انحسار المضاربة على الليرة وتكبد المضاربين المزيد من الخسائر.. «المركزي قادر وبقوة على تثبيت سعر الصرف»

انحسار المضاربة على الليرة وتكبد المضاربين المزيد من الخسائر.. «المركزي قادر وبقوة على تثبيت سعر الصرف»

مال واعمال

الجمعة، ٢٣ ديسمبر ٢٠١٦

مما لاشك فيه اقتصادياً، أن استقرار سعر صرف أي عملة ضمن هامش تحرك ضيق نسبياً، لفترة من الزمن، هو مؤشر لقدرة عالية لدى المصرف المركزي (السياسة النقدية) في ضبط سوق الصرف، في حال عدم حدوث تغيرات كبيرة في العوامل الأساسية المؤثرة في سعر الصرف، بمعنى ضبط أقنية المضاربة والتلاعب. وهذا ما يعتبر هدفاً أساسياً في جميع الاقتصادات لما له من دور أساسي في إرساء الثقة في الاقتصاد، التي تنعكس على التجارة والاستثمار، والوضع المعيشي للمواطنين.

ومن خلال متابعة سوق الصرف في الأشهر الماضية، لاحظنا انضباطاً حقيقياً في سوق الصرف، واستقراراً نسبياً لسعر الصرف، فبرزت مؤخراً تأثيرات العوامل الأساسية السياسية والعسكرية والاقتصادية.. في سعر الصرف، مع تحسن الليرة أمام الدولار نسبياً في السوق الموازية، واستقرارها قرب الأسعار الرسمية، بوسطي 515 ليرة، تقريباً، بعد أن تجاوزت 535 ليرة قبل أسبوعين. بعد أن أفشلت الدولة حملة تلاعب بسعره قام بها عدد من تجار عملة بهدف خفض سعر صرف الدولار أمام الليرة، لشراء كميات كبيرة من الدولار، ثم إعادة بيعه بسعر أعلى، في وقت لاحق، وهذا ما يسمى «جني الأرباح»، باستخدام بعض الصفحات المنتشرة عبر «فيسبوك» التي تبث أسعار صرف غير مبنية على عوامل اقتصادية، أو مصادر حقيقية معروفة.

اللاعب الأساسي

وأوضح أستاذ الأسواق المالية الدكتور كنان ياغي أن مصرف سورية المركزي يبث رسائل لجميع الفعاليات الاقتصادية والتجارية بأنه اللاعب الأساسي والمتحكم بسعر الصرف، وهو قادر وبقوة على تثبيت سعر الصرف، وإذا حدث تحسناً فسيكون تدريجياً ومدروساً.
مضيفاً إن المصرف المركزي متمسك بالسعر الرسمي الذي يصدره ما بين 514 و520 ليرة سورية كي يعطي انطباع أن هناك استقراراً في السعر، وكي لا يسمح للمضاربين بالتلاعب من خلال نشر الأخبار عن هبوط شديد لسعر الصرف وبالتالي الشراء بسعر منخفض ومن ثم جني الأرباح والبيع بسعر مرتفع.
ولذلك نجد المصرف المركزي متمسكاً بتثبيت سعر الصرف عند مستوى معين، وخاصة أن موضوع سعر الصرف لم يعد يشغل حيزاً كبيراً في تفكير المواطن بعد أن كان خلال العام الماضي يشكل حالة فوبيا لدى الناس فتصحو على سعر وتنام على سعر.
ويرى ياغي أنه مع عودة مدينة حلب وإعادة عجلة الإنتاج للمعامل المتوقفة سوف نشهد هبوطاً في سعر الصرف ولكن المعني فيه بالدرجة الأولى هو المصرف المركزي الذي يفترض أن يعطي إشارة بخفض السعر وهذا أمر يتعلق بسياسة عمله وما يراه مناسباً ولكن يفضل أن يعطي إشارة لسعر الصرف بالهبوط (للدولار) لأنه المعيار الرئيسي على مستوى معيشة المواطن، في ظل عدم وجود زيادة في الرواتب والأجور أو زيادة في إيرادات الخزينة العامة أو استثمارات داخلية أو خارجية تحقق عوائد على المدى المنظور، ومن ثم فإن الناس تعتبر سعر الصرف هو العامل الرئيسي في مستوى المعيشة ومن ثم هبوط سعر الصرف ينعكس على انخفاض الأسعار ورفع مستوى المعيشة. وكاقتصاديين نرى أن يقوم المركزي بدفع السعر للانخفاض بشكل مدروس على اعتبار أن لا أحد يملك دراسة حقيقية ودقيقة عن سعر الصرف التوازني الحقيقي هل هو أقل أو أكثر ولا أعتقد أن أحداً لديه هذه الدراسات بشكل مبدئي ما لم تثبت العوامل الأساسية المؤثرة في سعر الصرف، ولكن لربما رؤية المصرف المركزي أن ينتظر حتى يستقر الوضع الأمني والعسكري في مدينة حلب بشكل أوسع وتبدأ حركة عجلة الإنتاج في المعامل المتضررة كي يعطي المؤشر الحقيقي لخفض سعر الصرف وتثبيته بشكل مطلق عند مستوى محدد.

استقلال القرار في المركزي

أما الحديث عن تثبيت السعر لمدة 6 أشهر تلبية لمطالب التجار في أوقات سابقة، فاعتقد ياغي أن المصرف المركزي أصبح مستقلاً بقراره بشكل كامل ويريد أن يوضح أنه لو انخفض سعر الصرف قليلاً في السوق الموازي فهو كمصرف مركزي لن ينجر وراءه وخاصة أن عوائد الحوالات تتحسن بشكل كبير وهذا أمر إيجابي ينعكس على تحسين إمكانياته في التدخل لاحقاً ليفرض السعر الذي يريده لأن السوق السوداء بأضيق نطاق لها حالياً وهي أصغر من أن تجر المصرف المركزي وراءها وذلك بعد إعادة الدور للمصارف العاملة في سورية وتحجيم عمل شركات ومكاتب الصرافة.
ولفت ياغي إلى أنه لا يوجد تصور دقيق للسعر الذي يمكن أن ينخفض له سعر الصرف ولكن منطق الأمور يقول إنه ضمن نطاق 400 إلى 450 ليرة سورية سيكون مقنعاً ومقبولاً في هذه الظروف، كما أن التفكير بعودة السعر لما كان عليه قبل الأزمة لا يجب البحث فيه بعد أن توازن الاقتصاد الكلي مع تغيرات سعر الصرف لما فوق 400 ليرة، ولكن البحث عن سعر الصرف الحقيقي والتوازني يحتاج إلى دراسات دقيقة عندما تتوضح جميع المعلومات، بما يخدم الصادرات والمستوردات ومستوى المعيشة والمالية العامة والعجز.

انحسار المضاربة

بدوره رأى التقرير الاقتصادي الأخير الصادر عن مركز دمشق للأبحاث والدراسات «مداد» وجود عدة عوامل ساهمت في تحسن سعر الصرف مؤخراً، من بينها إعلان اتفاق التسوية في حلب بعد تحريرها على يد الجيش العربي السوري، وانحسار عامل المضاربة على الليرة السورية، عدا تكبد المضاربن المزيد من الخسائر مع التحسن الذي تشهده الليرة السورية، الأمر الذي أسهم في زيادة جانب العرض من القطع الأجنبي في السوق وذلك للحد من خسائر المضاربين، ولاسيما أن اتجاه التوقعات القصيرة الأجل حول سعر صرف الليرة يميل نحو المزيد من الانخفاض، إضافة إلى تزايد الثقة بالليرة السورية نتيجة استقرار سعر الصرف خلال الأشهر القليلة الماضية، وذلك مع استمرار الحكومة في اتباع سياستها المتشددة في ضبط المستوردات، ومتابعة مصرف سورية المركزي تدخله في سوق القطع الأجنبي عن طريق المصارف العاملة لتلبية الطلب التجاري وغير التجاري على القطع الأجنبي وفق ضوابط محددة، إضافة إلى ترشيد استخدام القطع الأجنبي المتاح لدى السلطات النقدية.

  الوطن