أغفلت حالات الهدر العام والفساد ودخل الموظف المتدني ..هل تعكس ملاحظات «الصنـاعة» الأربعون مسـتوى الإصلاح الإداري المنشود

 أغفلت حالات الهدر العام والفساد ودخل الموظف المتدني ..هل تعكس ملاحظات «الصنـاعة» الأربعون مسـتوى الإصلاح الإداري المنشود

مال واعمال

الأربعاء، ٢٦ يوليو ٢٠١٧

بعد أن وجهت رئاسة مجلس الوزراء إلى كل الجهات العامة ومن بينها وزارة الصناعة لإرسال ملاحظاتها على مشروع قياس الأداء الإداري مؤخراً, ردت الأخيرة بإرسال ملاحظاتها في كتاب رفعته إلى المجلس وحصلت «تشرين» على نسخة منه حيث سجلت الوزارة في كتابها أربع عشرة ملاحظة على مؤشرات قياس الأداء الإداري الواردة في المشروع, بينت من خلال بعضها رؤيتها بشأن إمكانية تطبيق بعض المؤشرات، واقترحت إضافة مؤشرات قياس أخرى تكمل ما جاءت به بعض مؤشرات المشروع, فضلاً عن التباس فهم بعضها ما جعلها تطالب بالتوضيح.
لا تعكس حالة الهدر العام
في التفاصيل بينت الوزارة عدم لحظ مؤشرات القياس للقطاعات الاقتصادية والإنتاجية على الصعيد المالي والكمي والتسويقي مبررة ذلك بكون المؤشرات الواردة في المشروع لا تعكس معيار الأداء الاقتصادي للجهات الاقتصادية, حيث يمكن لشركة ما تحقيق مؤشرات القياس المذكورة في المشروع وهي ضمن الشركات الخاسرة وتالياً فإن المؤشرات لم تعكس حالة هدر المال العام, في حين علقت الوزارة حين وردت أتمتة الدورات المستندية بإحدى شرائح قياس تبسيط الإجراءات الواردة في المشروع بشكل يجعل عملية تبسيط الإجراءات سابقة للأتمتة, مؤكدة أن أتمتة الدورة المستندية تحتاج مراجعة شاملة سابقة لمرحلة تبسيط الإجراءات لأن أتمتة العمل حسب رأيها هي مرآة الواقع.
غير واضحة
تتضمن ملاحظات الوزارة على مؤشرات قياس الأداء الإداري أيضاً عدم وضوح شريحة القياس المتعلقة بتطبيق أحد أنظمة إدارة موارد المؤسسات, مطالبةً بأنها بحاجة إلى توضيح و معرفة من قبل العاملين القائمين على تنفيذها لاحقاً, إضافة إلى ضرورة توضيح عبارة «المعالجة الشاملة» الواردة ضمن إحدى شرائح القياس, وهنا تتساءل الوزارة: هل المقصود منها معالجة حالة ما وتطبيق نتائجها على كل الحالات المشابهة لتصبح معالجة شاملة للموضوع أم المقصود معالجة شكوى تتعلق بشريحة معينة من المواطنين, وفي السياق ذاته نوهت الوزارة بموضوع عامل الزمن, مشيرة إلى المدد الزمنية المقترحة لمعالجة الشكاوى ولم تلحظ الحالات التي تتطلب معالجتها عدة جهات أو وزارات أو موافقة جهات أعلى, وهنا تبين الوزارة أن المدد الزمنية تتغير حسب طبيعة الشكوى وعدد الجهات المشاركة في معالجتها.
تثقيل نوعي
وفيما يخص معايير جودة الهيكل التنظيمي ضمن مؤشرات القياس أكدت الوزارة في كتابها على وجوب تحديد معايير جودة الهيكل المذكور وجودة التوصيف الوظيفي مثل اعتماد هيكل أنموذجي حسب طبيعة العمل بغية تقييم الهيكل التنظيمي والتوصيف الموجود وقياس هذه المؤشرات, إضافة إلى ضرورة لحظ مقترحات الموظف لحل الشكاوى والإشكاليات في الاستمارات المقدمة من قبله ليكون الموظف مساهماً مع إدارته في حل المشاكل واتخاذ القرارات, كما اقترحت الوزارة ضرورة وضع علامات تثقيل وزن نوعي لكل مؤشر من مؤشرات قياس الأداء الإداري يراعي أن مسألة اختلاف العلامات باختلاف طبيعة نشاط الجهة وارتباطها بتقديم الخدمات المباشرة للمواطنين, فعلى سبيل المثال مؤشر رضا المواطن يتعلق بشكل مباشر بالجهات التي تقدم خدمات عامة للمواطنين وهو مؤشر يختلف باختلاف الجهة وارتباطها بالخدمات المقدمة للمواطنين, فوزارة الإدارة المحلية جهة مقدمة للخدمات في حين هيئة التخطيط و التعاون الدولي جهة لا تتعامل مع المواطنين بشكل مباشر.
قرارات تحتاج التعديل
ومن جملة الملاحظات أيضا طالبت الوزارة بضرورة تعديل قرارات رئاسة مجلس الوزراء المتضمنة إيقاف التدريب المأجور والسماح بتنفيذ التدريب والتأهيل المستمر مع وضع ضوابط له, لكون التدريب والتأهيل المستمرين من أهم أركان المشروع, إضافة إلى وجوب ان تكون استطلاعات الرأي مبنية على نتائج استبيانات معدة وفقاً للمعايير المعتمدة في هذا المجال ليصبح في الإمكان مثلاً تمييز الشكاوى الكيدية من خلال انسجام أو عدم انسجام الاجابات عن الأسئلة الموضوعة في الاستبيان.
رضا المواطن
أما المؤشرات التي طالبت الوزارة بإضافتها إلى مؤشرات المشروع فتمثلت بإضافة شريحة قياس إلى المؤشر الرابع «قياس رضا المواطن» تخت مسمى «سعر الخدمة» لكون سعر الخدمة مؤشراً مهماً في قياس رضا المواطن ويتيح ذلك – حسب الوزارة – للجهة مقدمة الخدمة معرفة رأي الزبائن بأسعارها وخدماتها ومراجعاتها وفقاً لذلك, إلى جانب إضافة مكون للجانب التنظيمي واللوجستي الوارد ضمن شرائح قياس المؤشر الرابع تحت مسمى «وجود نافذة واحدة للتعامل مع المواطن» لتسهيل تقديم الخدمات للمواطن وعدم احتكاكه مع العاملين, فضلاً عن إضافة شريحة قياس للمؤشر الخامس « قياس رضا الموظف» تحت مسمى مدى استجابة الإدارة للمبادرات المقدمة من الموظف لتشجيع تقديم المبادرات الذاتية بهدف تطوير أداء العمل.
رصد ومساعدة
إضافة إلى ما سبق بلغت حصة مركز دعم وقياس الأداء الإداري من ملاحظات الوزارة اثنتين أبدت من خلال الأولى رأيها في عدم تناسب الهيكل التنظيمي المقترح للمركز مع المهام وآليات العمل المنوطة به مبررة ذلك بعدم كفاية البنية التنظيمية للمركز لتلك المهام, في حين تضمنت الثانية ضرورة تعديل عبارة «رصد الوزارات والجهات العامة» لتصبح «رصد ومساعدة المذكورتين», لكون الغاية من المشروع حسب الوزارة هي مساعدة الجهات العامة على تطوير أدائها الإداري..
صلة الوصل
رصيد النافذة الإلكترونية «منبر صلة وصل» سجل ست ملاحظات للوزارة تأتي على رأسها ضرورة تضمين الاستبيانات المقدمة من المواطن (الزبون – العميل) تقييم جودة السلع المنتجة لدى القطاع الإنتاجي لكون الاستبيانات الموجودة في المشروع خاصة بالخدمات المقدمة, إضافة إلى ضرورة تضمين الاستبيان الخاص بالشكاوى الواردة من المواطن بنداً يتضمن عرض الشكوى على الجهة المستهدفة. ونوهت الوزارة بأن المشروع لم يوضح تبعية منبر صلة الوصل ضمن الهيكل الإداري لمركز دعم قياس الأداء الإداري مبينة أن توصيف مهام المنبر أظهره كمزود لمديرية تبسيط الإجراءات بالاستمارات من دون أن يتضمن الهيكل الإداري للمركز التبعية الواضحة للمنبر. وبالوتيرة ذاتها اقترحت الوزارة ترويج «منبر صلة وصل» من خلال حملة إعلامية ضخمة تهدف إلى إيصال أهداف المنبر والغاية منه, إضافة إلى إقامة مركز لاستقبال شكاوى المواطنين بشكل شخصي والمركز الالكتروني, لكي يتمكن المواطنون الذين لا يمتلكون الطرق الالكترونية من إيصال شكواهم, واقترحت الوزارة أيضاً تغيير مسمى «المواطن» بمسمى (العميل – الزبون – طالب الخدمة) لأنه قد يكون طالب الخدمة مواطناً أو جهة عامة أو خاصة أو شخصاً اعتبارياً.
ستة عشر مقترحاً إضافياً
اللافت في الموضوع هو تسجيل الوزارة إضافة إلى ما سبق ستة عشر مقترحاً إضافياً يلبس بعضها عباءة الملاحظة في حين يأخذ الآخر شكل المطالب والاقتراحات, تأتي في مقدمتها دعوة الوزارة إلى إعادة النظر في الوثائق والثبوتيات المطلوبة من الجهات ذات الصلة بـ(الجهاز المركزي للرقابة المالية – التأمينات الاجتماعية) المتعلقة بقرارات (التعيين – النقل – الندب – الإسناد) وصولا إلى مرحلة انتهاء خدمة العامل لكونها وثائق مطلوبة تمكن الجهات العامة من وضع برامج تبسيط الإجراءات المتعلقة بهذا الشأن ما يتطلب تضافر جهود الجهات المعنية كلها, على أن يتعدى ذلك ضرورة مراعاة المشروع لآلية محاسبة الأطراف المشاركة في عملية الفساد, من العاملين في الدولة أو الزبائن, ذات المصالح الخاصة, لأن الفساد _ حسب الوزارة – عملية متكاملة بين الموظف من جهة وصاحب المصلحة من جهة أخرى, وعليه يجب توضيح دور الأجهزة الرقابية في مكافحة الفساد والخلل الإداري والتركيز على الرقابة المسبقة الوقائية, إضافة إلى ترتيب الجهات العامة حسب الأداء من خلال اعتماد معايير ومقاييس تمكن الوزارات من ترتيب الجهات التابعة لها بالطريقة نفسها وذلك بهدف إيجاد تصور لدى الجهات العامة عن أداء جهاتها التابعة ومكامن الخلل و العمل على تلافيها, كما أكدت الوزارة في إحدى ملاحظاتها ضرورة أن يلحظ المشروع قياس دخل العامل وتناسبه مع مستوى المعيشة من جهة ومع طبيعة عمله ومرتبته الوظيفية من جهة أخرى.
40 ملاحظة
لم يكن ذكر عدد الملاحظات أعلاه الذي قارب بعد إجراء عملية جمع بسيطة الـ 40 ملاحظة بهدف الإحصاء أو التوثيق بل لعله ينطق جواباً عن سؤال يطرح نفسه مفاده: «أي واقع إداري نعيشه في مؤسساتنا إذاً؟» إن كانت الملاحظات والمطالبات المقدمة من قبل الوزارة المذكورة أو غيرها غير واردة بشكلها المطلوب والمفترض وجوده منذ زمن بعيد يعود تاريخه إلى عيد ميلاد تصريحات المسؤولين على المنابر, فمفاد المطالبات ومحتوى الملاحظات المقدمة ليسا بغريبين على مسامعنا فهو ذاته ما تتكرر تلاوته على رؤوسنا في كل المناسبات والأعياد والخطط الإسعافية والمستقبلية, وذلك يجعلنا في حالة تخوف أمام, إضافة ما جاء به المشروع المنتظر إلى حصيلة ما سبق بمعنى أن يبقى أسير تلك المنابر عصياً على التنفيذ أو مجرد ورقة تتكرر كلماتها كلما تمت المطالبة بالإصلاح والتحديث.. قد يواسينا جواب افتراضي عن تساؤل آخر بشقين, الأول هل المطالبات والملاحظات التي تقدمت بها الوزارة ذات أساس وأرضية موجودة في عملها وعليه طالبت بها على افتراض أن المشروع لم يتنبه لها ؟ وهنا جواب «نعم» قد يخفف من وطأة الخلل الإداري الذي نعيشه ويجعلنا نتفاءل بجني ثمار ذلك المشروع قريباً؟ أما الثاني فيجسد حالة أن يكون الجواب يلمح إلى افتقاد الوزارة وجود تلك الملاحظات و المطالبات في بيئة عملها, ما يجعلنا أمام طامة كبرى من شأنها أن تجعل الطريق إلى تنفيذ المشروع المأمول شائكاً وصعباً ومجهولا فيه التماس النتائج .