هل تصبح القاهرة عاصمة لـ «منظمة الدول المصدّرة للغاز» ؟

هل تصبح القاهرة عاصمة لـ «منظمة الدول المصدّرة للغاز» ؟

مال واعمال

السبت، ٢٤ فبراير ٢٠١٨

عانت مدينة شيكاغو خلال النصف الأول من أربعينات القرن الماضي، من إرهاب عصابة إيطالية يتزعمها ألفونسو (آل) كابوني، الذي نقلت هوليوود سيرة حياته في فيلم اشتهر باسم «العرّاب».
 
تمكن ذلك الشقي طوال مدة طويلة، من بث الرعب في قلوب رجال المال والأعمال بعدما فرض عليهم الجزية عملاً بشعار عصابته: «ما لنا يبقى لنا… وما لكم هو لنا ولكم.» ومَن يخالف العمل بموجب هذه القاعدة كان نصيبه التعذيب أو الموت.
 
ومع أنه نجح لمدة طويلة في تفادي الملاحقة، إلا أنه أدخِل السجن بسبب تهرّبه من دفع الضرائب.
 
واللافت، أن إدارة الرئيس دونالد ترامب طبّقت شعار آل كابوني، وعملت بموجبه بواسطة وزير الخارجية ريكس تيلرسون، الذي نصح الحكومة اللبنانية بتقاسم الغاز مع إسرائيل. ففي زيارته بيروت الأسبوع الماضي، أبلغ المسؤولين اللبنانيين أنه من الأفضل قبول العرض الأميركي الذي يقضي باقتسام البلوك – 9 بنسبة ستين في المئة للبنان وأربعين في المئة لإسرائيل.
 
ومثل هذا الاقتراح المستهجن يذكّر بشعار آل كابوني المطابق لعرض الوزير تيلرسون: «ما لإسرائيل لإسرائيل… وما للبنان لإسرائيل ولبنان!
 
وإلاّ كيف نفسر استثمار إسرائيل الغاز مدة 17 سنة في حقلين مجاورين، هما «ثمار» و «ليفياثان»، من دون أن تطلب من لبنان تطبيق مبدأ المشاركة. وهي اليوم تطالب بواسطة وكيلتها الحصرية واشنطن، بضرورة تطبيق عرض تقاسم الإنتاج.
 
وزعم تيلرسون – وهو خبير سابق في هذا الحقل – أن ما يعرضه على الجانبين يستند إلى القانون الدولي المعمول به في ترسيم الحدود البحرية بين الدول.
 
وكان من الطبيعي أن تتبنى إسرائيل عرض الوزير الأميركي، مدّعية أن أي تقسيم قانوني للحدود البحرية بين البلدين يسمح لها باقتسام الإنتاج الموجود في الرقعة – 9.
 
وفي لقائه مع رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، حاول تيلرسون شرح وجهة نظره، مستنداً إلى المعايير الدولية واتفاقية الأمم المتحدة التي تنظم آلية تقاسم المواقع المشتركة للغاز بين البلدين، وفق حجم الموقع وكمية إنتاجه.
 
ويرى المسؤولون اللبنانيون أن الوزير الأميركي ومساعده السفير ديفيد ساترفيلد، قد تجاهلا حقيقة الأمر الواقع خلال طرح مقترحاتهما التي تصب في مصلحة إسرائيل. والأمر الواقع يشير إلى تاريخ حافل بالحروب والغزوات التي شنتها إسرائيل ضد لبنان طوال نصف قرن. كما يشير إلى أن واشنطن سهلت للدولة العبرية سرقة مياه الليطاني والحاصباني والوزاني. وهي حالياً تسعى إلى سرقة حصته من الغاز والنفط.
 
تقرير شركات النفط الثلاث يؤكد أن عمليات التنقيب ستتم في الرقعتين 4 و9 داخل مياه لبنان الإقليمية. ووفق شركة «توتال»، فإن أعمال التنقيب تشكل ما نسبته ثمانية في المئة من الرقعة -9، وأن هذا الجزء سيُستثنى من أعمال التنقيب. وعلى رغم عرض هذه الإيضاحات، فإن إسرائيل تصر على منع الشركات من المباشرة في الحفر. وقد لوّح وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان باحتمال استخدام القوة المسلحة من أجل تنفيذ قرار المنع. كما لمّح بأن بلاده بدأت تصنيع سفن حربية بحرية سريعة في ألمانيا، مخصصة لحماية منصات الغاز والمنشآت الاقتصادية في المياه الإسرائيلية.
 
وكان بهذا التهديد المبطن ينسف نتائج المحادثات التي يجريها وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتز مع ساترفيلد، ويحول دون تحقيق التسوية المطلوبة.
 
ولما ازدادت هذه التهديدات، دخل الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله على خط الأزمة ليعلن وقوفه ضد محاولة العدو الإسرائيلي الاعتداء على حقوق لبنان، ومحذّراً من مغبة القيام بأي مغامرة عسكرية.
 
وعلق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش على هذا الوضع المتوتر بدعوة كل الأطراف إلى وقف التصعيد الذي يصعب التنبؤ بنتائجه في المنطقة عموماً، وفي لبنان خصوصاً. وقال للصحافيين في لشبونة: «إن أسوأ كابوس قد يتحقق هو إذا حدثت مواجهة مباشرة بين إسرائيل و «حزب الله». عندها سيكون حجم الدمار في لبنان شديداً. لهذا أطلب من جميع المعنيين ضرورة الانتباه والحذر».
 
لبنان الرسمي استغرب افتعال إسرائيل أزمة غير مبررة، إلا إذا كان وراء الأكمة ما وراءها. ذلك أن وزير الطاقة اللبناني سيزار أبي خليل كان قد أبلغ الأمين العام للأمم المتحدة، في رسالة بعث بها الشهر الماضي، أن الإجراءات التي يقوم بها لبنان قانونية، وأن المربع -9 يقع بكامله داخل المناطق المائية التابعة له. مقابل هذا التوضيح، وجّهت البعثة الإسرائيلية في الأمم المتحدة رسالة إلى الأمين العام تدّعي فيها «بأن الحكومة اللبنانية رفضت دعوات إسرائيل المتكررة للحوار والتعاون من أجل إيجاد حل سلمي متفق عليه». والثابت من نص الرسالة، أن إسرائيل تتخذ من موضوع الحدود البحرية ذريعة لفتح حوار مع الحكومة اللبنانية يكون في مثابة مدخل للتوصل إلى اتفاق سلام.
 
وتدل الاعتداءات المتكررة على لبنان، وبينها اعتداء 1982، أن غاية مناحيم بيغن كانت تنحصر في دفع لبنان إلى توقيع اتفاق سلام كالاتفاق الذي ألغاه (17 أيار 1983). وهذا ما أفصح عنه بيغن أثناء لقائه مع الرئيس بشير الجميل في نهاريا. لكن هذا المطلب سيظل بعيداً عن التحقيق ولو أدى ذلك الى خوض حرب سابعة.
 
الاحتمال الثاني الذي جعلته إسرائيل جزءاً من استراتيجيتها الأمنية يتلخص في عدم تمكين جاراتها العربيات من منافستها في الحقلين الاقتصادي والعسكري. ومعنى هذا أن ما تنتجه الدولة اللبنانية من ريع الغاز أو النفط سيكون كافياً لتسديد ديونها البالغة 80 بليون دولار.
 
والمؤكد أن إسرائيل تطمع من اتباع سياسة المماطلة والتهديد في إرغام شركات النفط على إلغاء عقودها مع الدولة اللبنانية، الأمر الذي يحرم لبنان من الأموال الكافية لتسديد ديونه المتزايدة يوماً بعد يوم. وفي حال تعرّض اللبنانيون لمواجهة هذا المأزق الاقتصادي الخطير، فإن النتيجة التي تتوقعها وتتوخاها إسرائيل زيادة الاضطرابات والإضرابات، مع مواصلة الهجرة التي أفرغت البلاد من مخزونها البشري.
 
الأربعاء الماضي عاد إلى بيروت السفير ديفيد ساترفيلد بغرض مراجعة التحفظات التي قدمها المسؤولون في شأن جدار الفصل والرقعة البحرية -9. وشملت اجتماعاته هذه المرة قائد الجيش العماد جوزيف عون، والمدير العام للأمن العام عباس ابراهيم. وقد كرر العماد أمام الوسيط الأميركي خلاصة البيان الذي يعكس موقف الجيش المتمسك بسيادة لبنان الكاملة على أراضيه ومياهه الإقليمية.
 
ومن المؤكد أن الدولة اللبنانية كانت حريصة على إظهار موقفها الثابت من سيادتها على المربع -9، وأن الجيش النظامي يُعتبر القوة المحافظة على حقوق المواطنين.
 
ويقول المطلعون على سير الاجتماعات، أن ساترفيلد حمل إلى اللبنانيين وعداً بحماية حقوقهم السيادية، وإن إسرائيل على استعداد لتخلّيها عن التحفظات السابقة. والسبب – كما تراه الصحف الإسرائيلية – يتعلق بحبل النجاة الذي رماه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وقد سارع نتانياهو إلى «التعمشق» بحبل اتفاق تزويد مصر بالغاز الإسرائيلي، واعداً المواطنين بـ15 بليون دولار لمدة عشر سنوات، وقال إنها ستُصرف في التعليم والصحة والرفاهية.
 
وشارك مع فرقة المديح والتسبيح بحمد رئيس الحكومة وزير الطاقة يوفال شتاينتز، الذي وصف الاتفاق بأنه أكثر الصفقات التصديرية أهمية مع مصر منذ أن وقّع البلدان معاهدة سلام تاريخية سنة 1979.
 
السؤال المطروح في هذا السياق يتعلق بمشروع حقل «ظهر» للغاز الذي اكتشفته شركة «ايني» الإيطالية. وقد وصفه الرئيس السيسي بأنه من أكبر أحواض الغاز في منطقة الشرق الأوسط، لكن الإنتاج لن يبدأ قبل خمس سنوات. ومعنى هذا أن مصر تستعد لتصبح الموقع المركزي للدول المصدرة للغاز الطبيعي في منطقة الشرق الأوسط. وهي بالطبع ستجذب البريق الذي حققته منظمة «أوبك»، أي منظمة الدول المصدرة للنفط. وكانت الحكومة المصرية قررت إرجاء استيراد الغاز من إسرائيل وغيرها، خصوصاً أنها على أعتاب تحقيق اكتفاء ذاتي من الغاز. علماً أن حقل «ظهر» يضخ إنتاجاً يومياً من الغاز يصل إلى 350 مليون متر مكعب.
 
من المؤكد أن نتانياهو سيستغل هذه الصفقة لإلهاء الشعب عن المطالبة بمحاكمته وإسقاطه. وهو بالطبع سيستفيد من هذه العملية التجارية لتأخير موعد رحيله بعد اختيار خلفه.
 
لكن المحللين في مصر لم يكتشفوا حتى اليوم الإفادة التي يجنيها السيسي لتحسين وضعه الانتخابي، من وراء صفقة الغاز الإسرائيلي!