سعر الدولار استقرّ… وتكاليف الإنتاج والنقل انخفضت… فلماذا أسعار السلع تترنّح ولا تهبط؟

سعر الدولار استقرّ… وتكاليف الإنتاج والنقل انخفضت… فلماذا أسعار السلع تترنّح ولا تهبط؟

مال واعمال

الثلاثاء، ٤ سبتمبر ٢٠١٨

رحاب الإبراهيم:
انتظر السوريون مطولاً سماع أنباء عن تحسن أحوالهم المعيشية منذ ثماني سنوات، لكن هذا الانتظار لم يكن كما يأملون أقله حتى الآن، فرغم تحسن الواقع الاقتصادي بعد عودة الأمان إلى أغلب المناطق، وما فرضه ذلك من عودة شرايين النقل بين المحافظات وعودة زراعة العديد من المحاصيل الزراعية ودخول العديد من المنشآت الصناعية إلى دائرة الإنتاج، إلا أن ذلك لم يقابله استثمار جيد للتطورات الجديدة، فلا يزال المسؤولون في الوزارات المعنية غير قادرين على التقاط الطريقة المجدية لاستثمار الإنجاز الميداني الكبير، عبر عكسه على تخفيض أسعار السلع في هذه الفترة وصولاً إلى تحسين الأجور وزيادتها.
جمود
في جولة ميدانية على مدار يومين على أسواق دمشق، يلحظ وجود جمود نسبي في الحركة الشرائية، أرجعه بعض التجار إلى الموسم الدراسي، حيث تفضل الأسرة في هذه الأوقات صرف ما تمتلكه من نقود على تأمين مستلزمات العام الدراسي لأبنائها، فمثلاً سوق باب سريجة لا يبدو على عادته المزدحمة، رغم عرض الباعة لمستلزمات المونة، التي ينتظر من يشتري أصنافها، وهنا نحاول معرفة مقدار الانخفاض الذي طرأ على العديد من السلع وخاصة الأساسية، ليتبين أن الانخفاض المرجو لا يشمل سوى عدد قليل من السلع كالسكر مثلاً، في حين مر مرور الكرام على بقية السلع والمستغرب حصول ارتفاع على بعضها الآخر، ليرجع الباعة ذلك إلى تحكم المستوردين الكبار بأسعار السلع ورفضهم تخفيضها كما يتطلب الأمر ذلك، حيث يؤكد أحد باعة هذا السوق حصول انخفاض أسعار بعض السلع كالسكر, لكن عموماً أغلب السلع المستوردة لم تنخفض بسبب المستوردين الكبار، وهذا يعود إلى التكلفة المفروضة عليهم، حسب قوله، مشيراً إلى أن السلع المنتجة محلياً لم يشملها التخفيض أيضاً حيث يصر الصناعيون على بيعهم بأسعار مرتفعة كالسنوات السابقة من دون لحظ أي اكتراث بالتطورات الاقتصادية الجديدة وخاصة سعر الصرف.
تحكم الحيتان
في حين يقول بائع آخر رفض التعريف عن اسمه، بتأكيده بقاء الأسعار على حالها من دون تخفيض، ويرجع الأمر كما زميله إلى تحكم التجار الكبار بأسعار السلع، وذلك يعود في طبيعة الحال لعدم محاسبتهم من قبل الجهات المعنية، التي تفرض عقوباتها على التجار الصغار من دون التجرؤ على محاسبة الحيتان، مشيراً إلى أن أغلب التجار الموجودين في سوق باب سريجة «متعيشون» أي يعملون من أجل تأمين لقمة عيشهم، فإيجار المحل وحده لا يقل عن 150 ألف ليرة، ومع ذلك تتم محاسبتهم في حال عدم الالتزام بتسعيرة ما بينما من يتلاعب بالأسعار ويسعر على هواه لا يقترب منه.
أفضل من العام السابق!
التاجر سامر حمدي «أجبان» أكد أن بعض أصناف الأجبان ارتفعت أسعارها كون موسمها قد شارف على الانتهاء، لافتاً إلى أن ارتفاع سعر الحليب رفع سعر الجبنة، مؤكداً أن عودة الأمان إلى العديد من المناطق وخاصة الغوطة لن تسهم في تخفيض أسعار الأجبان والألبان حالياً، فهذا لن يحدث بين ليلة وضحاها، وخاصة أن المواطنين حتى لو عادوا إلى بيوتهم لن يكون هناك أبقار يربونها كما في السابق، وهذا ما يتطلب استيراد أبقار جديدة بعد النزيف الكبير الذي حل بالثروة الحيوانية من جراء الحرب، فالحكومة قد استوردت الأبقار لكن الفلاحين لم يحصلوا عليها بالعدد المطلوب، لكن عموماً أسعار هذه المنتجات أفضل من العام السابق.
هم الإيجار!
وبين أن سبب جمود الأسواق حالياً يعود إلى الموسم الدراسي، إضافة إلى الإيجارات المرتفعة التي يدفعها المواطنون، والتي تصل إلى أكثر من مئة ألف ليرة شهرياً، فالأسر قد بدأت تعود إلى بعض المناطق كداريا مثلاً، لكن ما تمتلكه من مال تصرفه على ترميم البيوت، وتالياً عند الخلاص من هم الإيجار سينفرج حالها، وما كانت تنفقه ستنفقه على تحسين أوضاعها المعيشية ويجعلها تفكر في ترفيه نفسها أكثر، فمن كان يفكر في شراء كيلو جبنة مثلاً سيشتري 3 كيلو مادام توفر بحوزتهم بعض السيولة.
لن تنخفض!
حال اللحوم لا يختلف عن حال بقية السلع الأساسية، وهو ما يشير إليه اللحام أسامة أبو قورة بتأكيده عدم حصول انخفاض في أسعار اللحوم حتى مع تحسن وضع الطرقات بين المحافظات، فيقول: لم يحصل فرق عن العام الماضي ولن يحصل، بسبب تحكم تجار اللحوم الكبار بالتسعيرة حسب رغبتهم، أما الباعة الصغار فهم يشترون على «قدهم» ويربحون القليل، أما الربح الدسم فيكون من نصيبهم، مشيراً إلى أنه مادام سعر الدولار بحدود الـ 400 ليرة فلن تنخفض الأسعار، التي ستبقى على حالها إذا لم ينخفض الدولار إلى 130 ليرة، مشيراً إلى أن كل تاجر يحاول زيادة أسعار سلعه لتعويض رفع الآخر أسعار منتجاته وخدماته أيا كانت، فمثلاً حينما يأخذ التكسي أضعاف ما يستحقه يفرض عليه زيادة أسعار اللحوم، وكل تاجر يفعل ذلك، ويعتمد على الآخر للخلاص من غلاء الأسعار عموماً.
وحدها الخضر بدت أسعارها مقبولة، وإن طرأ عليها بعض الارتفاع أثناء العيد لتعيد إلى موازنة نفسها، وهنا يؤكد أحد التجار أن التصدير أحيانا قد يرفع أسعار الخضر والفواكه، والتصدير الآن قائم ويستفيد منه التجار وليس الفلاحين.
منح قروض
لا يرى الخبير في شؤون السوق والمستهلك د.جمال السطل أنه بالإمكان قياس جميع السلع في ميزان واحد، حيث أكد ضرورة التميز بين أنواع السلع عند التحدث عن انخفاض الأسعار بالتزامن مع الوضع الاقتصادي المستجد وتداعياته الإيجابية وخاصة تحسن حركة النقل بين المحافظات، فالخضر والفواكه يلحظ انخفاضها, وأسعارها تعد معتدلة، وهذا عائد إلى توافرها وعرضها بكميات كبيرة، وهي لا تقاس حكماً بأسعار الألبسة المرتفعة جداً، وهذا يشمل المنتجات المصنعة محلياً والمستوردة، حيث لم تشهد أي انخفاض بسبب عدم وجود رحمة عند هؤلاء التجار، وهنا الحل يكمن في قيام السورية للتجارة باستيراد الألبسة كما كانت تفعل سابقاً عبر شرائها من الصين، بغية منافسة التجار ومنعهم من التحكم بالأسعار.
أما فيما يخص أسعار اللحوم فيرى أن بقاء أسعارها على حالها مرهون بواقع الثروة الحيوانية حالياً وأعدادها وليس النقل بين المحافظات، لكن على العموم أسعار اللحوم هذا العام أفضل من العام السابق وتحديداً في العيد، وذلك ناجم عن العرض والطلب.
ويشدد السطل على أن المواطن لن يشعر بأي انخفاض في الأسعار، فالمشكلة حالياً لا تتعلق بها وإنما في الدخل المنخفض، وهنا لا بد من زيادة الأجور لكن طالما هذا غير ممكن يفترض التوجه إلى إعطاء منح أو قروض، كما فعلت الحكومة في قرض المستلزمات المدرسية بغية تخفيف الضغوط المعيشية على الأسرة ريثما تنخفض الأسعار كما يأمل.
انكماش!
عضو مجلس إدارة في غرفة تجارة دمشق محمد الحلاق أكد أن الأسواق تشهد حالياً انكماشاً واضحاً سببه ضعف التصريف والبيع، فحينما يكون هناك ضعف شديد في البيع والتصريف يكون هناك ضعف في حركة دوران رأسمال المال، وتالياً جمود في الأسعار.
وأكد الحلاق أنه لا يمكن قياس جميع السلع في وعاء واحد وتصنيفها تصنيفاً واحداً، فمادة السكر شهدت تذبذباً بين ارتفاع وانخفاض خلال الفترات الماضية سببه أن حركة دورانها تتأثر حسب التكلفة، لكن عموماً حال هذه المادة لا ينطبق على كل المواد والسلع، كزيت الزيتون الذي انخفض سعره، لكن استهلاكه ضعيف نسبياً، لكن عموماً السلع الأساسية كالطون والسردين والشاي لم تنخفض كما هو مطلوب.
وأكد الحلاق أن بقاء أسعار السلع على حالها لم يكن سببه المستوردين الكبار, كما قال باعة المفرق، باعتبار أن هؤلاء يتحملون تكاليف كبيرة وخاصة أن جميع عناصرها قد ارتفعت بشكل يفرض عليهم إضافتها إلى تسعيرة السلع.
ولم ينف الحلاق أن الظروف الاقتصادية المستجدة بعد إعادة الأمان إلى أغلب المناطق وعودة شرايين النقل بين المحافظات واستقرار الدولار يفرض أن يؤثر ذلك في تخفيض الأسعار، مضيفاً أنه بسبب ذلك انتفت أسباب كانت تؤثر في غلاء السلع لكن في المقابل طرأت تكاليف أخرى يتحملها التاجر، كأعباء سيارات التوزيع، التي كانت تكلف سابقاً 6% لكن اليوم أصبحت تصل إلى 13%.
لن تنخفض إلا..!
ولفت الحلاق إلى أن الأسعار لن تنخفض بالمستوى المطلوب إذا لم يكن هناك دعم من الحكومة أو مساعدات خارجية من الأقارب كالتحويلات مثلاً، لأن جمود حركة السوق سببه ضعف السيولة، وتالياً عند تحريكها سيؤدي ذلك إلى دوران عجلة الأسواق والخلاص من انكماشها الحالي، مبيناً أهمية تدخل مؤسسات التدخل الإيجابي وبشكل أكبر في تخفيض الأسعار بغض النظر أنها ربحت أو خسرت في نهاية العام، ما يسهم في تحقيق المنافسة في الأسواق عبر دفع التجار إلى تخفيض أسعارهم، فوجود لاعب قوي مع اللاعبين الآخرين سيؤدي حكماً إلى تخفيض الأسعار، لافتاً إلى أهمية أن يكون التخفيض الذي تقوم به تلك المؤسسات مدروساً ومقبولاً لكيلا يلحق خسائر كبيرة في القطاع الخاص، الذي يعد وجوده أساسياً وضرورياً لمد الأسواق بالسلع والنهوض بالاقتصاد المحلي، لافتاً إلى أنه من المهم منح تسهيلات إضافية من أجل خلق منافسة حقيقية، فكما هو معروف، كلما كثر اللاعبون انخفضت الأسعار.
المواطن خارج الحسابات!
شهدت الأوضاع الاقتصادية تغييراً إيجابياً كبيراً نتيجة الانتصارات العسكرية، التي أعادت الأمان لكثير من المناطق وزادت الموارد الاقتصادية نتيجة إعادة إحياء الطاقات الإنتاجية، والثقة بالاقتصاد المحلي والدولة والعملة، لكن رغم ذلك, حسب الخبير الاقتصادي د.سنان ديب لم يشعر المواطن بذلك بسبب عدم التغيير بالعقلية التنفيذية، حيث لم تنعكس نتائج التطورات الجديدة على سعر الصرف الذي بقي ثابتاً، مع عدم القدرة على كسر الاحتكار لأغلب المواد وتقييد حماية المستهلك بدور المراقب المعاقب لا الرادع وتاجر يتبع السوق ولا يتدخل به، وتالياً لم تتطور العقلية من الإدارة الأزموية المقيدة بعرض محدود نتيجة خروج طاقات إنتاجية نتيجة الدمار بخسائر تقدر بحوالي ٣٠٠ مليار دولار ونتيجة العقوبات، مشيراً إلى أن التعافي السابق الملحوظ اقترن بجمود الأسعار وسط قوة شرائية قليلة محدودة، فالتسعير الإداري العادل لم يعمل به ورغم كل التسهيلات الاستثمارية ظلت الأسعار على حالها المرتفع في ظل بقاء أسعار الطاقة والوقود مرتفعة ووجود عمالة منخفضة الأجر.
خيارات ذات جدوى!
وأشار د. ديب إلى أن أحد أسباب عدم تخفيض الأسعار عدم قبول المنتج أو التاجر التخفيض التلقائي للأسعار، محتجاً بسعر الدولار وارتفاع التكاليف في ظل عدم وجود أدوات ضغط تلعب بالعرض وتقوض الاحتكار أو عقوبات ردعية فاعلة، علماً أن العقوبات كانت تطل بمستوى معين كتأدية وظيفية وليس لغاية ردعية، وهنا يرى د.ديب أن الحل في هبوط تدريجي لسعر الصرف مترافقاً بتخفيض أسعار الطاقة والضغط على الأدوات الرقابية لتأخذ دورها الحقيقي، والعمل على خيارات كهذه يعطي جدوى وأريحية اقتصادية ومعيشية للمواطن أجدى من زيادة أجور محددة يقوضها التضخم في ظروف كهذه.
 
شدة في غير محلها!
واقع حال عدم تخفيض الأسعار استلزم منا التوجه بداية إلى دائرة التسعير في مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك لمعرفة كيفية تسعير المواد وعكس الانخفاض الحاصل على المنتجات، لكن مدير التسعير رفض التصريح لكون الأمر يتطلب موافقة مدير التجارة الداخلية شخصياً، وفعلاً قصدنا مكتبه لكن المفاجأة أنه نتيجة مواقفه المسبقة من الإعلام رفض الإبداء بأي تصريح، مشدداً على ضرورة الالتزام بتعليمات وزارة التجارة الداخلية بتقديم الأسئلة مكتوبة إلى المكتب الصحفي والرد عليها بعد ذلك، الأمر قد يستلزم حسب ما عهدناه وقتاً طويلا، كما حاولنا الاتصال مراراً وتكراراً مع مدير الأسعار في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك نضال مقصود، لكن لم يكن هناك أي تجاوب منه.