«بقعة ضوء 13»... فاقد الضحك لا يعطيه!

«بقعة ضوء 13»... فاقد الضحك لا يعطيه!

فن ومشاهير

الثلاثاء، ٢٠ يونيو ٢٠١٧

وسام كنعان
 

غادة بشور في العمل

لا شك في أن إصرار شركة «سما الفن» السورية على إنجاز جزء سنوي من سلسلة «بقعة ضوء» قصّر المسافة على المشروع لتحقيق التراكم المطلوب، ومن ثم التروي اللازم لاختيار نصوص لمّاحة، توازي أهميتها، قيمة المسلسل وتاريخه الحافل بالنجاح. لكن في بلد انقلب رأساً على عقب على مدار سبع سنوات، وأفرزت مجتمعات جديدة هي وليدة الحرب، يمكن لمسلسل شبيه أن يعيش حقباً متواصلة، متكئاً على ما أنتجه الواقع المرير في الأعوام الأخيرة فقط. لذا، فالموضوع لم يقف عند هذا الحد في ما يخص السوية المتهالكة التي وصل إليها العمل الكوميدي في السنتين الأخيرتين، وخاصة بجزئه الثالث عشر الذي يعرض هذا الموسم على «سما» و«سوريا دراما» (مجموعة كتّاب وإخراج فادي سليم)، لأن الأمر مرتبط جوهرياً بخيارات الشركة بالنسبة إلى المخرج الذي توليه قيادة المشروع، وبراعته في فن إلقاء الطرفة التلفزيونية الرشيقة، أو فهم معادلها الحياتي بعمق وذكاء، وسرعة البديهة في التقاطها ولو من نسمات الهواء.

ليس بالضرورة أن يكون المخرج التلفزيوني كوميدياناً، لكن الحكمة الحياتية التي تقول «فاقد الشيء لا يعطيه» تنطبق على مشروع مثل «بقعة ضوء» لأن القاصر عن سبك لحظات كوميدية ممتعة في حياته، سيكون بالضرورة عاجزاً عن تقديم جرعة من الضحك الممزوج باللهفة إلى مشاهديه. هذا الكلام ينطبق غالباً على المخرج فادي سليم، الذي ترقى من مهنته الأساسية كمونتير ليتسلم دفة الإخراج في «فارس وخمس عوانس» (اجتماعي لايت ــ لم يحظ بفرصة العرض) ثم راح نحو خيار اجتماعي معاصر يقترب من الأكشن في «دومينو» (عرض الموسم الماضي ــ كتابة بثينة عوض وغسان عقلة). وها هو يعود هذا العام في «بقعة ضوء 13».
الخيارات الثلاثة تشي بغياب المشروع الإخراجي الواضح المعالم، بالنسبة إلى سليم، وإن كان الحديث بهذا التفصيل يعتبر ترفاً في حالة الفوضى والعشوائية والترنح التي تشهدها الدراما السورية، إلا أن أسئلة ملحة ذات علاقة بجوهر الفن، ومفهومه، غالباً ما ستخطر في بال أي مشاهد يمتاز بعين تحليلية لدى متابعته «بقعة ضوء 13» حتى الآن، بدءاً من كيفية حكم المخرج على الورق، إلى طريقة إدارته اللوكيشن، وحدود الاجتهاد أو الارتجال التي يمنحها لممثله، في عمل يحتمل شططاً على صعيد عفوية الممثل وارتجالاته. لكن كيف تضبط هذه الارتجالات في حال بالغ الممثل في اللعب الأدائي؟ غالباً لم يخطر للمخرج أن يطرح على نفسه هذه الأسئلة أثناء التصوير، لأن ما سمعناه عن المسلسل من بعض ممثليه حينها، تواءم كلياً مع النتائج المخيبة حداً لا يحتمل مهادنة.

الأخبار كانت تتردد عن ضعف في فهم بنية العمل من قبل ربانه، وتقديم اللوحات بمنطق اجتماعي معاصر يخلو من النفس التهكمي الساخر، إضافة إلى طلب نصوص لوحات من الممثلين أنفسهم حتى يتمكنوا من الشغل بسبب نقص في النصوص، إلى جانب إدارة العمل وفق مزاجية تعتمد على التحكم الفائض بالوجوه الشابة، والانصياع التام لخيارات النجوم المكرسين. تلك التسريبات ظهرت جلية في ما أنجز من لوحات حتى الآن كونها قائمة على الثرثرة، والتطويل، والأمية المطلقة في البناء الدرامي للحلقات التلفزيونية القصيرة، التي تصنع بمنطق «الاسكتش». في الجزء الثالث عشر، حقق العمل قفزة نوعية في التردي، كونها المرة الأولى التي تتسلل فيها لوحات طويلة تبدأ وتنتهي من دون أن يعرف المشاهد ماهية الفكرة، وأين الطرفة في ما شاهد، وما هي البنية المجتمعية التي توجه سهام النقد لها. كأن نشاهد سيدة تتسول، ثم تعمل خادمة، لنكتشف أنها موظفة تسامح براتبها لأنّ العمل في تلك المهن أربح، أو نشاهد بائعاً جوّالاً امتعض من طلب زبون له فاكهة، وهو يجلس في سيارته ثم تنتهي اللوحة، أو رجلاً (كاركتر سبق أن أطل به أيمن رضا مراراً ويعاود استعارته من جديد) يرفض تزويج ابنته، إلا عندما يعرف أن صهره يجيد لعب الورق، ثم نشاهده يلعب الورق مع رفاقه في الشارع، محاطين بجمهور وتنتهي اللوحة! على هذا المنوال، نشاهد في هذا الجزء شخصيات عائمة ضائعة، كأنها تسير من دون وجهة، وتدور بلا حامل يتحكم بحواراتها، ولا تصعيد يأخذها نحو الذروة. تظهر كأنها تنازع متسلحة فقط بأداء ممثلين بارعين، حتى إن خفة ظلهم وخبرتهم الساطعة هما الملمح الوحيد الذي يستحق الاحتفاء. بعض اللوحات تخطت الابتذال في مطارح عدّة وخاصة في لوحات «سيفون» التي كتبها ولعب بطولتها أيمن رضا. هي عبارة عن سلسلة تلاحق رجلاً يعيش في حمام بيته الفاخر يأكل ويشرب ويتعاطى الحشيش فيه، ثم يتابع الأخبار عبر شاشة حديثة. يشغل كل مرّة كاميرا فيديو ليسجل اعتراضه على تفصيل معين ويختمه بجملة «إذا هدوليك ما اتفقوا ما رح تخلص» قبل أن يمحو التسجيل وهو خائف. طبعاً لن نحيل اللوحات وصانعيها إلى قواعد الترميز والدلالة التي يقوم عليها الفن أصلاً، وضرورة الالتفاف على أي حالة مباشرة أثناء تصنيعها درامياً، لأن ما أنجز هنا يبدو أكثر تواضعاً من تقييمه بجدية. لكن مَن هذا المتخوم بالثراء الذي قرر أن يحكي عن أحوال الشعب بهذه الطريقة المفتعلة؟!
ربما لو هيئت الظروف مرة جديدة لصنّاع «بقعة ضوء 13»، لشاهدنا الممثلين يخلعون ثيابهم أمام الكاميرا في استجداء عبثي لإضحاك الجمهور..