البانوراما الفنية السورية لعام 2017 … الدراما حافظت على مكانتها لكن طبيعة الموضوعات المطروحة انحدرت بطريقة تقديمها وتناولها

البانوراما الفنية السورية لعام 2017 … الدراما حافظت على مكانتها لكن طبيعة الموضوعات المطروحة انحدرت بطريقة تقديمها وتناولها

فن ومشاهير

الأربعاء، ٢٧ ديسمبر ٢٠١٧

وائل العدس

لم تنجح الحرب في وقف حياة السوريين الذين تغلبوا على الصعاب ونجحوا في تحقيق الإنجاز تلو الآخر على الصعيدين الفني والثقافي.
أخذ الأمل السوريين إلى حيث الأجمل وأعطى الدنيا معانيها وزاد ألوانها بهاءً وأعطاهم القوة للمقاومة لتبدو حياتهم زاخرة.
ساعات قليلة نودع بعدها عام 2017 بلحظاته الحلوة والمرّة ليسدل الستار على 365 يوماً كانت حافلة بالنشاطات الفنية، لنستقبل عاماً آخر نأمل أن يكون أفضل من سابقه على كل الصعد.
وشهد العام المنصرم إنتاج عدد كبير من المسلسلات، عُرض النصيب الأكبر منها في شهر رمضان الكريم، إلى جانب عدد من الأعمال عُرضت خارج الشهر الكريم.
وما زالت الدراما السورية محافظة على مكانتها على الشاشات العربية، وإن كانت طبيعة الموضوعات المطروحة قد انحدرت بطريقة تقديمها وتناولها، وما لا شك فيه أن المحافظة على الكم أثر في الكيف وأدى إلى تدهور المستوى الثقافي، من خلال السهام الملوثة التي نقلت الصورة السوداوية وإن كانت تمت للواقع بصلة، فليس كل قبيح يُنقل للشاشة.
وبكل الأحوال لم يكن أشد المتفائلين بالدراما السورية يتوقع لها أن تنتج 29 مسلسلاً متنوعاً في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها البلد، فأثبتت علو كعبها وأنها أكبر من كل المطبات.

مركز الصدارة
تتبوأ أعمال البيئة الشامية في كل موسم درامي مركز الصدارة وتحظى بمتابعة جماهيرية كبيرة لتدر على المنتجين أموالاً طائلة باعتبارها تجارة رابحة ومضمونة. ورغم نجاحها إلا أنها تبقى مثار جدل حول محتواها وقصصها التي تسرد وتتناول أقدم عاصمة مأهولة في التاريخ.
البعض اعتبر أن هذه الأعمال تشوه تاريخ دمشق الحقيقي والغني فكرياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً، على حين كان الصراع الأبرز على دور المرأة وكيفية تصويرها وتوجيه أصابع الاتهام إلى هذه الأعمال التي شوهت صورة المرأة الدمشقية وأظهرتها بأنها مجرد امرأة «ثرثارة» وحياتها مُكرسة للأحاديث الفارغة، إضافة إلى خدمة زوجها.. على حين أظهرها التاريخ أنها عنصر فاعل في المجتمع بعد أن كانت ناشطة سياسياً وفكرياً واجتماعياً.
إذاً شكلت هذه الأعمال ما يقارب ثلث المسلسلات لهذا الموسم، والملاحظ أن نصفها أجزاء جديدة لأعمال عرضت في وقت سابق.
ومع بدء كل موسم درامي جديد، يحسم الأمر مبكراً بعودة مسلسل «باب الحارة» الذي يدر على صانعيه أموالاً طائلة، فالعمل مستمر، ما دام يحقق نسب مشاهدة عالية، ويستقطب المعلنين، وتطلبه المحطات بناء على طلب الجمهور.
ورغم الانتقادات والأخطاء الإخراجية والقصص المفبركة والوقائع الخاطئة والأحداث المصفوفة والاتهامات بتشويه التراث الشامي العريق إلا أن مسلسل «باب الحارة» احتفظ بنسبة مشاهدة جيدة هذا العام أيضاً، وهي حقيقة علينا الاعتراف بها، ويعود السبب ربما لأن الأجزاء الأولى مازالت راسخة في الأذهان وما زال الناس يرغبون في مشاهدة ابن الشام الأصيل والقبضاي والست الشامية الرقيقة والحنون.
ورغم كل ذلك، فإن العمل الشامي أصبح ظاهرة درامية لن تتكرر، باعتباره المسلسل السوري الأكثر عرضة للنقد والانتقاد والمتابعة في آن واحد، خصوصاً بعد تحوله إلى سلسلة درامية قد تتحول إلى فانتازيا وثائقية.
صحيح أن أعمال شامية أخرى شهدت متابعة جماهيرية كبيرة مثل «عطر الشام» و«طوق البنات» لكنها لم تتلق حجم الانتقاد نفسه كما «باب الحارة».
إذاً العديد ﻣن التغييرات والكثير من الأحداث والمزيد من التشويق، هي السمات الرئيسية الأبرز للموسم التاسع الذي أمسى بنجومه ومفرداته وحكاياته ومحاكاته البصرية للماضي الدمشقي جزءاً من حياة متابعيه، ورفيقاً لسهراتهم الرمضانية، والعمل من تأليف سليمان عبد العزيز وإخراج ناجي طعمي.
وعاد مسلسل «خاتون» بجزء ثان من تأليف طلال مارديني وإخراج تامر إسحق، وقد حقق نسبة مشاهدة عالية في سورية ولبنان، وقد اعتمد تصاعداً درامياً قدمته رموز الانتقام والتضحية والخيانة وإثبات الذات، وصولاً إلى التعامل مع الغرام وحب الأرض والوطن في آن واحد، إضافة إلى نزاعات دامية في العائلة الواحدة أحياناً.
ولعل الميزة الأبرز التي طرحها المسلسل، هي البطولة النسائية التي توازي على أقل تقدير البطولة الرجالية، إذ تحظى الأدوار النسائية ببصمة واسعة في القصة والسيناريو.
وبعدما أخرج الجزء الأول وغاب عن الثاني والثالث، عاد المخرج محمد زهير رجب إلى مسلسل «طوق البنات» بجزئه الرابع الذي ألفه أحمد حامد، وأثبت العمل أنه مازال محافظاً على ألقه.
كما عاد مسلسل «عطر الشام» بجزء ثانٍ كتبه مروان قاووق وأخرجه محمد زهير رجب، ولم يقل هذا العمل شأناً عن الذي قبله.
أما مسلسل «قناديل العشاق» الذي ألفه خلدون قتلان وأخرجه سيف الدين سبيعي، فقد طرح قصصاً جديدة لم نألفها سابقاً في حارات الشام، وشهد المشاركة الأولى للفنانة اللبنانية سيرين عبد النور في الدراما السورية.

قصص متنوعة
العمل الاجتماعي كان حاضراً بقوة ككل عام، لكن الملاحظ هذا الموسم، تراجع في عدد الأعمال التي تتناول الأزمة السورية كموضوع أساسي، على حين شهدنا تزايداً في الأعمال التي تتناول العائلة، بخاصة الحياة الزوجية ومشكلاتها، وذلك من خلال عودة الأعمال المتصلة المنفصلة، التي تتناول قصصاً متنوعة في عمل واحد، وهو النوع الذي اشتهرت به الدراما السورية منذ بدايتها.
مسلسل «الرابوص» صور مع نهاية الموسم قبل الماضي، وقدم لنا حكايات ضمن إطار الرعب والتشويق، حيث يتتبع جرائم عديدة ومشاكل مجتمعية مختلفة يقع فيها أبطال المسلسل تحت ضغوط أو أمراض نفسية معينة، ويبقى أثرها يطاردهم في حياتهم كالأشباح.
وقدم مسلسل «حكم الهوى» جرعة من الرومانسية والعاطفة، مع الاعتماد على الحرب كخلفية للأحداث بعيداً عن التأطير الاجتماعي المعتاد، وهو من تأليف عدة كتّاب وإخراج محمد وقاف.
أما مسلسل «شوق» فعرض قبل شهر رمضان وخلاله وبعده، حيث نجح بنقل معاناة السوريين بمختلف فئاتهم وطوائفهم خلال الحرب ليعلنوا جميعاً الشوق والحنين للعودة إلى وطنهم الأم بعد أن مزقتهم الغربة وذوبهم الأنين، وهو من تأليف حازم سليمان وإخراج رشا شربتجي.
وبعد ما صور العام قبل الماضي، ارتأى صانعوه تأجيل عرضه إلى رمضان الماضي، حيث شهد ثنائياً متميزاً هما عبد المنعم عمايري وكندا حنا، وخاض المسلسل في عوالم الفساد، والصراع الطبقي عبر شخصيتي والديهما، وعلاقة كل منهما بأسرته، وهو من تأليف فتح اللـه عمر وإخراج ناجي طعمي.

عودة ولكن!
حاولت الكوميديا السورية إعادة ترتيب أوراقها ورسم صورة جديدة ناصعة بيضاء بعد سقوطها لعدة مواسم.
ولأن الحياة لم تنجح في ثني الناس عن الضحك في ظل الواقع العربي المتأزم، فإن السوريين المحبين للحياة لم يتبق لهم سوى الارتماء في أحضان الكوميدياً بحثاً عن الابتسامة.
العام الحالي شهد عودة المخرج هشام شربتجي إلى الكوميديا التي برع فيها بعد غياب عشر سنوات منذ إخراجه «مرايا» 2006، فقدم «أزمة عائلية» لكنه لم يحقق نصف النجاح الذي حصده في أعمال سابقة مثل «عيلة خمس نجوم» و«جميل وهناء» و«بطل من هذا الزمان»، والعمل من تأليف شادي كيوان.
وبعد الليث حجو وهشام شربتجي وناجي طعمي وسامر برقاوي وعامر فهد وسيف الشيخ نجيب، استلم المخرج فادي سليم دفة إخراج الجزء الثالث من مسلسل «بقعة ضوء» للمرة الأولى، وكان أسوأ الأجزاء نصوصاً وإخراجاً عن جدارة واستحقاق.
وككل عام، قدم فادي غازي عملاً خفيفاً لم يحصد الكثير من المتابعة بعنوان «جنان نسوان» رغم مشاركة الكثير من النجوم وعلى رأسهم وائل رمضان وديمة قندلفت وعبير شمس الدين ورواد عليو ومحمد خير الجراح وتولاي هارون.
وعادت أمل عرفة إلى الكوميديا بمسلسل «سايكو» (قصة وسيناريو وحوار عرفة وزهير قنوع، وإخراج كنان صيدناوي في تجربته الإخراجية الأولى)، لكن عملها لم ير النور حتى الآن.
وخاض المخرج يمان إبراهيم تجربته الإخراجية الأولى عبر مسلسل «سنة أولى زواج» من تأليف نعيم الحمصي، وشهد البطولة الأولى لكل من يزن السيد ودانا جبر.

تاريخي وفنتازي
سجل مسلسل «الإمام» الذي كتبه محمد اليساري وأخرجه عبد الباري أبو الخير عودة المسلسلات التاريخية إلى الدراما السورية بعد غياب طويل، لكنه مر على الشاشات مرور الكرام.
وتناولت أحداثه قصة حياة رابع أئمة الإسلام الإمام أحمد بن حنبل، متعرضاً للعديد من الأحداث التي وقعت في حياته، إضافة إلى تناول حياته الشخصية بدءاً من مولده ودراسته وعلمه حتى وفاته.
من ناحية ثانية، واجه مسلسل «أوركيديا» سيلاً من الانتقادات، ابتداءً من الأزياء الفضفاضة ومروراً بالنص الممل والبطيء وغياب العنصر الدرامي المشوق، وانتهاءً بضعف أداء الممثلين الذي لم يصل حد الإقناع، والعمل من تأليف عدنان العودة وإخراج حاتم علي.
ورغم الميزانية الضخمة التي قدرت بخمسة ملايين دولار أميركي، إلا أن العمل باء بالفشل وسقط سقوطاً مدوياً، ولم ينجح في جذب المشاهدين وتذكيرهم بالأعمال الفانتازية التي صنعها المخرج الكبير نجدة أنزور وحقق من خلالها نجاحات كبيرة رسخت بأذهان الجمهور العربي أمثال «الجوارح» و«الكواسر»،

صعوبة التسويق
مما لا شك فيه أن تسويق أعمال الدراما السورية عربياً بات من أكثر الأمور صعوبة في ظل الأزمة التي تعيشها البلاد منذ أكثر من ست سنوات، بسبب مقاطعة بعض القنوات من جهة، ولغياب السياسة التسويقية لدى كثير من شركات الإنتاج من جهة أخرى.
وعانت الجهات المنتجة أزمة شديدة، إذ لم يعد من السهل أن تقوم ببيع مسلسلاتها لأي فضائية حتى لو ضمت عدداً كبيراً من نجوم الصف الأول بسبب ما يشهده الوطن العربي من حروب انعكست على الواقع الاقتصادي، إضافة إلى إدراج الأعمال العربية المشتركة التي بدأت يوماً بعد يوم تتصدر المشهد الدرامي خاصة مع الاعتماد على الكتّاب والمخرجين والممثلين والفنيين السوريين، إلى جانب الدراما المدبلجة التي كانت ومازالت مادة مطلوبة.
سوق البيع هذا العام يوحي بأن نسبة كبيرة من عملية التسويق اعتمدت على علاقة المنتج بأصحاب المحطات الفضائية، وكلما كان المنتج أقوى نفوذاً كانت مسلسلاته أكثر تسويقاً، أما اسم النجم فلم يعد يتحكم في التسويق إلا بنسبة ضئيلة جداً، حيث إن كثيراً من النجوم أصحاب الأسماء الكبيرة لم يبيعوا مسلسلاتهم أو إنها بيعت لكنها لم تحصل على السعر المستحق أو بيعت لقنوات قليلة جداً.
ورغم دخول القنوات المحلية (الفضائية السورية، سورية دراما، سما) جو المنافسة من الباب العريض واستيعابها لعدد كبير من المسلسلات، إلا أن كثيراً منها بقي من دون عروض ليكون خارج السباق الرمضاني.
القنوات السورية وحدها عرضت خلال رمضان 14 مسلسلاً، وهي بادرة تستحق الاحترام، عرضتها كلها «سورية دراما» مقابل ستة مسلسلات عبر «سما» وخمسة عبر «الفضائية السورية» مع غياب قناة «تلاقي» هذا العام بعد إغلاقها.
وقد تكفلت 45 قناة محلية وعربية بعرض 17 مسلسلاً في رمضان، على حين خرجت 13 أخرى خارج السباق الرمضاني لأسباب مختلفة ومتعددة وهي «وردة شامية»، «جسر البيت»، «غبار الجوري»، «سايكو»، «هواجس عابرة»، «طلقة حب»، «شباب ستار»، «فارس وخمس عوانس»، «شبابيك»، «آخر محل ورد»، «ترجمان الأشواق»، «فوضى»، «الغريب».