دم الدورة الشهرية ثمين جدا للعلاجات المستقبلية

دم الدورة الشهرية ثمين جدا للعلاجات المستقبلية

صحتك وحياتك

الخميس، ١٢ يناير ٢٠١٧

بعدما ازداد الاهتمام في السنوات الماضية بالخلايا الجذعية التابعة للحبل السرّي ووُجدت بنوك لها في العالم للاستقبال وللتخزين نظرا لأهمّيتها في العلاج الذاتي- التجديدي القائم على إعادة حقنها المحفزة للشفاء، تتّجه الأنظار نحو تعميق الدراسات حول الخلايا الجذعية المتواجدة في دمّ الطمث الشهري.

منذ عشر سنوات، برزت مجموعة من المنشورات العلمية التي طالت الخلايا الجذعية الخاصة بغشاء الرحم والتي تخرج مع نزيف الميعاد. هذه الخلايا التجديدية التي تُسمّى Endometrial regenerative cells (ERCs) هي خلايا تتكاثر بسرعة وأشادت الدراسات بعجائبها التي إن استطعنا الاستفادة منها، لشفينا أمراض على غرار السكري وتشمّع الكبد والتليّف الرئوي والتصلّب اللويحي.
وبدءا من عام 2013 صبّ اهتمام الأبحاث على توضيح أنّ الخلايا الجذعية الخاصة بغشاء الرحم قد تكون ذات مقدرة لعلاج الإجهاض اللاإرادي المتكرر وهبوط الأعضاء التناسلية النسائية والتهاب القولون. ومع تنامي الطروحات العلاجية في الطب التجديدي، تأسست في العالم بنوك عدّة لتخزين خلايا الحبل السري كبنك Cryo-cell في الولايات المتحدة الأميركية (www.cryo-cell.com) الذي يحرص على تجميد الخلايا الجذعية إلى حين الحاجة إلى الاستعانة بها في العلاجات المستقبلية.

أمّا الجديد الطارئ على ملفّ الطبّ التجديدي الذي يشهد توسّعا في الأفكار العلاجية المستحدثة فكان بتأسيس بنك لتخزين الخلايا الجذعية الخاصة بدم الدورة الشهرية في الهند حمل إسم LifeCell (www.lifecell.in).

الاهتمام بتلميع صورة الدورة الشهرية التي ما زالت تثير خزي النساء هو ليس فقط مسعى من مساعي الطب الحديث. إنّما يجتهد صحافيون في رفع شأن دمّ الميعاد كالصحافية الفرنسية- النسوية Elise Thiébaut التي تستنكر وصف نزيف الطمث بالوسخ في كتاب صدر لها حديثا عن دار الاكتشاف وجاء تحت عنوان:
« Ceci est mon sang, petite histoire des règles, de celles qui les ont et de ceux qui les font » .

السبب الجوهري الذي دفع Elise Thiébaut إلى نشر كتابها حول أهمية الدورة الشهرية ورموزها في التاريخ حسبما صرّحت إلى مونت كارلو الدولية هو أن تسمح لكلّ امرأة أن تنظر إلى نفسها بعين العطف وبلا خجل أثناء الأيام الخمسة التي يأتيها الميعاد فيها. فحسن الالتفات إلى النفس بعدم الاشمئزاز من الدورة الشهرية هو المفتاح لتحرر المرأة وانعتاقها.

وما لفتت إليه Thiébaut هو أنّ المرأة في العصر الحالي تختبر ما بين 400 إلى 450 دورة شهرية خلال أربعين سنة من حياتها وهذه سابقة في التطوّر البشري بأن يصل الميعاد عند المرأة إلى هذه النسبة ما لم يكن يحصل في الماضي نظرا لتأخر انطلاق الدورة مع الاقتراب من عمر 18 سنة. أمّا اليوم فبعض الفتيات تبدأ دورتهنّ الشهرية في عمر مبكر بدءا من سن 12 سنة.

فلذا تعتقد الصحافية الفرنسية Thiébaut أنّه من الضروري أن تجتمع النساء ضمن جمعيات أو تعاونيات سعيا منهنّ إلى إيجاد الطرق الأمثل لتجميع دمّ الميعاد ووضعه بتصرّف الباحثين لتسهيل الدراسات حوله والاستفادة لاحقا من الخلايا الجذعية التي تتوفّر فيه من أجل تسهيل العلاجات المستقبلية في الطب التجديدي Médecine régénérative.

يُعوّل جدا على الخلايا الجذعية الكائنة في دمّ الدورة الشهرية في العلاج المستقبلي للأمراض ومكافحة الشيخوخة إلى أقصى حدّ. كما أنّ هذه الخلايا مثلها مثل خلايا الحبل السري ستخدم تطلعات تيّار إنسان ما بعد الإنسان Transhumanisme الطامحة إلى الحقّ في الخلود.

وبزغت الشرارة الأولى لنشاط هذا التيّار يوم 18 سبتمبر 2013 في إحدى بلدات كاليفورنيا، حيث أطلق حينها «مشروع كاليكو «Calico Project الذي سعت إليه شركة «غوغل» بهدف توجيه دينامية الهندسة الوراثية وتقنيات النانو ومهارات البرمجة العصبية ومعطيات علوم الأعصاب نحو تطويل أمد حياة الإنسان إلى 500 أو لألف عام. وبحسب هذا المشروع، قد يتغلّب الإنسان على الفناء حالما يتمكّن جينياً من وقف القابلية الوراثية لنشوب جميع الأمراض وحالما يتمكّن من منع عوامل الشيخوخة التي تغيّرت النظرة إليها في العلوم بعدما أصبحت بدورها كمرض وراثي قابل للعلاج الوراثي.

إنّ تيّار الخروج من عصر الإنسان المُواجه للمرض والشيخوخة والألم والموت، والدخول من ثمّ إلى عصر الإنسان المتمتّع بحقّ الخلود يسعى إلى إسقاط العبارة الشهيرة للفيلسوف الألماني مارتن هيدجر الذي قال: «الإنسان كائن من أجل الفناء». لم تعد فرضيّة الخلود وهْما خرافيّا بعيد المنال بل أصبحت هدفا في الطب التجديدي قد نتلمّس بوادره الأولى بعد مئة عام من الآن أو ما يزيد. فنحن دخلنا فعلا في بدايات الثورة الوراثية التي قد تغيّر طبيعة النوع البشري بصفة جذرية بفضل الطب الجيني والطب التجديدي عبر الخلايا الجذعية.
الإيضاحات مع Elise Thiébaut الصحافية- النسوية الفرنسية.