الطفل المشاكس.. بحث دائم عن الفوضى.. خروج عن اللباقة التربوية.. وتقليد لشخصيات كرتونية تشوّه الطفولة

الطفل المشاكس.. بحث دائم عن الفوضى.. خروج عن اللباقة التربوية.. وتقليد لشخصيات كرتونية تشوّه الطفولة

صحتك وحياتك

الجمعة، ٣ فبراير ٢٠١٧

يمكنه تحطيم جميع القيود الأسرية، ولا يلتزم بأي أمر يسمعه، بل على العكس تماماً قادر على استنزاف أعصاب والديه بعناده المستمر، وشقاوته العنيفة والمؤذية له ولأسرته، هي شكوى دائمة نسمعها من الأهل لمن لديه طفل مشاكس بامتياز تجعل الأسرة غير قادرة على السيطرة عليه، كشكوى السيدة الهام التي حاولت بشتى الطرق تهذيب سلوك ابنها قصي، ولكنها لم تنجح شاكية قدرته على تحمّل العقاب، والاستمرار في إثارة المشاكل مع إخوته وأصدقائه بسلوكه العدواني، وخروجه عن حدود الأدب واللياقة حتى أصبح مصدر إزعاج حتى للغرباء، وتضيف الهام: إنها حاولت اتباع كل الوسائل التربوية الحديثة لتهذيب شخصيته وسلوكه، إلّا أنها فشلت ولجأت إلى الضرب لقمع هذه الظاهرة لدى طفلها، ما زاد عناده، فهل فشل الأهل في تربية أبنائهم رغم اتباعهم أساليب تربوية متطورة، أم أنهم ضحايا عالم من الفوضى، شكلته برامج الأطفال المليئة بالعنف وألعاب الفيديو المفعمة بالقسوة غير المدروسة، وقدمت إلينا من الغرب لتشوّه شخصياتهم ونفسياتهم؟.
أسباب وراثية!!
هناك من يرى أن الطفل المشاكس لديه جينات وراثية، تتحكم به، كالسيدة عليا لديها طفل مشاكس الذي أتم عامه السادس، وجاء نتيجة ولادة متعسرة جداً، أنها سمعت من صديقاتها أن الولادة المتعسرة تخلق طفلاً صعب المزاج قلقاً ومتوتراً، وورث الكثير من مزاجها العصبي وسرعة غضبها، فكانت النتيجة على حد قولها بيتاً متوتراً، والأبوان متعبان والطفل لا يكف عن العنف والمشاكسة، وتقول عليا: من النادر أن أرى طفلي يتصرف بتهذيب، ويحترم الكبار، ويعطف على الصغار، ويطلب الإذن قبل أن يشرع في فعل ما يريد، بل إنه لم يتردد في إحدى المرات بصفعها أمام إحدى صديقاتها في المنزل، لأنها رفضت سماع ما كان يقوله، وانشغلت بالدردشة مع ضيفتها.

دراسات وآراء
وجد الباحثون أن 39% من الأطفال الذين يعانون من اضطرابات ومشكلات سلوكية، قد تعرضوا للضرب قبل بلوغهم العامين من أعمارهم حسب استطلاع استهدف طرق التربية، وتصريحات الأمهات عن أساليب التعامل مع أبنائهن، فالأسلوب التربوي يشكّل ما يقارب 70% من شخصيته في المستقبل، كما يحدد طرق التفكير وردود الأفعال والاستجابة، حيث أكدت الدراسة لجوء بعض الأمهات إلى أسلوب العقاب البدني، والضرب مع أطفالهم المشاكسين والأشقياء في المنزل، ما يؤدي إلى تفاقم المشاكل النفسية والسلوكية لديه، متجاوزين بذلك كل النظريات التربوية والافتراضات العلمية في التربية، إلى الضرب والإيذاء البدني الذي يشوّه شخصية الطفل، ويترك كماً متراكماً من العقد والخوف، ليظهر مشاكل سلوكية في مراحل متقدمة من أعمارهم، لتؤكد الدراسة على ضرورة مواجهته عن طريق استخدام أساليب التوجيه والإرشاد، وإتاحة الفرصة أمامه لإشباع حاجاته في وقتها المناسب، والاستماع إليه عندما يكون شاكياً حتى تقوما بعملية التفريغ النفسي، لأنه بذلك يشعر براحة نفسية تصرفه عن أي سلوك عدواني.

العنف ليس حلاً
وفي رأي علم الاجتماع يؤكد طلال العلي أن  بعض الأسر تلجأ إلى الضرب كوسيلة أسرع لقمع العناد والمشاكسة في سلوكية الأطفال، متناسين الآثار السلبية التي يتركها العنف على نفسية وشخصية الطفل، لكن ما لا يفهمه الكثير من الأسر أن المشاكسة ليست طفرة نوعية في سجلاتهم، بل ظاهرة طبيعية لنتائج التربية غير الموجهة، وعدم معرفة تطور الطفل العقلي، فالمشاكس يملك إدراكاً غير الذي يملكه الطفل الهادئ، وقد يقال على عناد الطفل بمشاكسة، بل هو شيء جيد عند الأطفال، ويجب الحفاظ عليه، ومحاولة إقناع الطفل بأسلوب تربوي صحيح بعيد عن العنف، فالضرب يؤدي إلى كبت في الطاقات التي يملكها الطفل في الوقت الذي كان حرياً بنا أن نتفهم هذه الطاقة الخلاقة، ونعيد توجيهها بشكل سليم لتحويل المشاكسة إلى منهج ارتقاء وتعلم وتطوير، ومن أهم الطرق التي تطور الطفل هي (اللعب) مع المراقبة، لأن اللعب من أهم صيغ تعبير الشخصية السلوكية في حياة الأطفال، فعلى الأسرة تعليم طفلها اللعب، ودفعه إلى ممارسته بشكل مدروس، بكونه إحدى آليات التعبير، والذي من خلاله تتم أيضاً معالجة الأخطاء السلوكية، وأن استبدال أساليب العقاب من البدني إلى المعنوي يجب أن تكون هناك مراقبة وتوجيه واختيار سليم للألعاب، لأنها قد ترسم بعض السلوكيات المستقبلية، فمثلما هو لغة يتعلمها الطفل، فهو سلوك يقوم به أيضاً، وعلينا أن نميّز ما بين اللعب العشوائي، واللعب الفكري والتطويري، فالأول يشبع الاحتياج العاطفي، والثاني يكمل بناء الشخصية الفكرية، وينمّي الملكات العقلية، ومن الخطأ التعويل على أحدهما، لأنها ستولّد ضغطاً عاطفياً أو فكرياً، فلكل مرحلة عمرية نسبة من الذكاء، ومحصلة معرفية، وأن ممارسة التكثيف، ورغبة الأهل في تطوير إمكاناته إلى طفل ذكي جداً، قد يتحول إلى نتائج سلبية، وعليه يكون اللعب أحد المخارج البديلة للضرب، ولكنه في الوقت نفسه يخلق المشاكسة والأخطاء، إذا لم يكن هناك اختيار مناسب ومراقبة وعلاج.
فاتن شنان