الوسائط الرقمية.. أنماط سلوكية مثيرة للقلق.. وعواقب صحية خطيرة!

الوسائط الرقمية.. أنماط سلوكية مثيرة للقلق.. وعواقب صحية خطيرة!

صحتك وحياتك

الجمعة، ٢١ يوليو ٢٠١٧

يضع سعيد سماعات صغيرة في أذنيه تنتهي بجهازه المحمول، وفي حالات أخرى بقارئ للوسائط المتعددة المسمى بالانكليزية (MP3  أو MP4)، يسير أو يركب وسيلة نقل ما معزولاً، أو عازلاً أذنيه، وربما نفسه، عن الوسط الخارجي.

والحالة مشهد متكرر أو صورة نراها في جوانب وأماكن مختلفة من الحياة الاجتماعية اليومية في مجتمعنا، وتبدو للمراقب حضوراً لا يُنكر للتكنولوجيا ومخرجاتها التي لم تترك أي مجتمع بمعزل عنها، وهذه الصورة، وإن لم تكن بالجديدة، لكنها بالتأكيد منتشرة، بل أصبحت مألوفة، ولها جمهور انقسم بين فريق مؤيد ومتبن، وآخر رافض دون أن يملك ناصية التغيير.

جو خاص

استخدامها يعزلني عنهم، هذا ما أكده أحمد الشاب الجامعي الذي قال: لست مضطراً كي أسمع ما يفضله سائقو الميكرو (من أركب معهم صباحاً)، وأنا متوجه إلى جامعتي، وكمثال فأنا أحب في مثل هذا التوقيت الاستماع إلى فيروز، فإن حصلت المصادفة، وكان السائق يستمع لفيروز شاركته طربه الصباحي، وإلا فلدي طرقي الخاصة، واستخدام الجوال لسماع الأغاني طريقة تبقيني، وتبقي مستخدمها كما يقال (في جوه الخاص)، ويتابع أحمد: أظن أن المسألة شخصية نوعاً ما، خاصة أنك لا تسيء لمن حولك، وربما يكون سائق الحافلة الذي يطرب أو (يضرب) كل من يركب معه من الصباح الباكر بصوت مرتفع لأغنية شعبية هابطة، أكثر إساءة ممن لا يضر أحداً بما يسمع.

ليس للموسيقا

في حين يقول (رامي)، مستخدم آخر: يخطئ من يظن أن هذه الوسائط تصدر الأغاني والموسيقا فقط، والصحيح أنها تصدر أي محتوى صوتي يخزن فيها من قبل مستخدمها، فمثلاً أنا، (يبدأ في شرح استخدامه لها)، أخزن فيها أشعاراً صوتية، وقصائد لعدد من الشعراء، وأستمع إليها أثناء ذهابي وعودتي من وإلى العمل.

ويكمل: لا يعنيني كيف ينظر الآخرون لهذه الأداة، المهم أني أجدها مفيدة، ومسلية، وعملية، وسهلة الحمل، والأهم من هذا كله أني أسمع ما أريد وفي أي وقت أريد.

آراء أخرى

(راما) تقول: فقط للاستماع إلى الأبراج الصباحية، ولسماع بعض الأغاني، وتشرح: أنا معتادة على سماع ما يقوله الفلك عن برجي، وعن آخرين أعرفهم صباح كل يوم، لكن طبيعة الدوام تحول أحياناً دون ذلك، لذلك فاستخدام الإذاعة الموجودة في الجوال تمكنني من معرفة طالعي حتى أثناء ركوبي في الحافلة، خاصة أن المسافة بين منزلي وجامعتي كبيرة، وتستغرق رحلة طويلة في كل يوم.

(فادي) يقول: أحياناً أضع السماعات دون أن أستمع للموسيقا، أنا أضعها فقط مثلها مثل أي اكسسوار يضعه الشبان في هذه الأيام: (نظارات شمسية، موبايل، علبة دخان)، لكن سماع الموسيقا في أوقات أخرى أمر لابد منه، خاصة الغربية منها.

تطبيق خاطئ

في الجانب الآخر المراقب يقول حسام، خريج جامعي من قسم اللغة الفرنسية: لا أعرف المضمون الذي يسمعه من يضع هذه الأدوات والوصلات (بحسب تسميته) من(mp3 و mp4.. وغيرها)، لكنه كما يبدو لي يكون لأغان ذات إيقاع مرتفع ومسموع، وأعتقد أنها غربية بمعظمها، وفي معظم الحالات التي أصادفها أثناء ركوبي في الحافلات العامة أسمع صوت (ت.. دس.. تس..دس)، أي أن الإيقاع يكون واضحاً لمن يجاور واضع السماعات، بالإضافة إلى العلامات والإشارات التي تظهر على وجه من يضعها، والتي تكون على شكل تحريك بسيط للرأس، وتترافق في بعض الأحيان بنقر خفيف للأصابع على الركبة.

ويرى حسام أن هذا التطبيق للتقنية خاطئ تماماً، فيقول: وضع السماعات والاستماع إلى الموسيقا طريقة جيدة لقتل الوقت الطويل أثناء ركوب الحافلة، لكن الطريقة الأفضل هي بالتأكيد استثمار هذا الوقت بشيء مفيد كمطالعة كتاب، أو قراءة مجلة مثلاً، ففي الكثير من الدول الأوروبية نجد انتشار ظاهرة القراءة في الحافلات، وفي القطارات، حتى في الأماكن العامة، مع أن هذه الدول هي المصدر الأساسي إن صح القول لمثل هذه التقنيات، ومع ذلك فهم لا يستخدمونها بالطريقة التي نستخدمها!.

عدم لياقة

يبتسم أبو عدي سائق الميكرو على خط (جوبر- مزة) عندما تسأله عن رأيه في مستخدمي السماعات، ويتمتم عدداً من الكلمات بصوت منخفض، ثم يقول بصوت أكثر وضوحاً: (خلينا ساكتين)، لكنه يعود فيجيب مرة أخرى: كل شخص حر فيما يفعل شرط ألا يضر الآخرين، أنا شخصياً لا يعجبني منظر من يضع السماعات، لكنه مادام يلتزم أدبه في سيارتي فلا مانع من ركوبه، ومرة أخرى المسألة تندرج ضمن الحرية الشخصية، والمنظر أصبح يوماً بعد يوم اعتيادياً، ونوعاً ما أصبح مألوفاً.

ولكن، يتابع أبو عدي: المنظر غير الاعتيادي كما أرى وجود أشخاص يستمعون إلى الأغاني في أجهزتهم المحمولة بصوت مرتفع، وحتى دون سماعات فيزعجون من حولهم بموسيقا صاخبة تطربهم وحدهم فقط، وكأن التكنولوجيا لم تخلق إلا لهذا الغرض، ويختم: مع أني لست على مستوى عال من الثقافة، لكن بالتأكيد استخدام التقنية على هذا النحو خاطئ، ومظهر اجتماعي غير لائق!.

حياة سريعة

في حين يفسر شادي، مدرّس اللغة الانكليزية الظاهرة بالقول: إن هذه الوسائط، وانتشارها، والاستماع إلى الموسيقا في الشارع من قبل شبان كثيرين، يشبه إلى حد بعيد الحياة السريعة التي أصبحنا نعيشها في زمننا الراهن، (ويستثني هنا حركة المواصلات)، فالطعام أصبح سريعاً، ويمكنه تناوله في الخارج، والوقت أصبح سريعاً، حيث يهدر اليوم دون أن نشعر بمروره، فلماذا لا تحمل الموسيقا إلى الخارج أيضاً أياً كان المضمون الذي يفضله من يسمعها؟!.

وباختصار أقول: الحياة السريعة تفرض أنماطاً سريعة، والموضوع له صلة وثيقة بالحرية الشخصية لكل فرد في المجتمع.

 

مفيدة.. ومضرة

الدكتور محمد سليمان، اختصاصي داخلية، يذكر أن لاستخدام السماعات مضار وفوائد على حد سواء، فبصرف النظر عن موقفه منها يقول: إن السماعات إن استخدمت لتجنب التأثير الضار للهاتف الجوال، كأن يستخدمها الشخص للرد على مكالماته، أو في الاتصال للصادر منها، فهي أمر جيد، حتى إنه يقلل الأشعة الصادرة عن الخلوي، وهو أمر مثبت بحسب الكثير من الدراسات الطبية الحديثة التي تبحث عن حلول لتقليل مضار المحمول، حيث تكون السماعات، بحسب هذه الدراسات، حلاً مفيداً.

ولكن بالحديث عن الاستخدام الشائع للسماعات في مجتمعنا، والذي يكون غالباً للاستماع إلى الموسيقا، يتابع الدكتور، فالأمر خطير جداً، إذ يتسبب الاستخدام المفرط للسماعات الموصولة بأجهزة (الاي بود، والام بي ثري، والهاتف الجوال، أو ما يشابهها) بحالات ضعف في السمع لدى مستخدمي هذه الوسائط، وخاصة عند التقدم في السن، وفي دراسات أخرى هناك احتمال لكون الاستخدام المفرط لهذه الوسائط مسبباً لسرطان الأذن!.

محمد محمود