تحليق  إيجارات العقارات في ظل منعكسات الأزمة  ..مباغتة بصدور قانون للإيجارات  بلا نقاش ولا علاج  لمشكلة المستأجرين

تحليق إيجارات العقارات في ظل منعكسات الأزمة ..مباغتة بصدور قانون للإيجارات بلا نقاش ولا علاج لمشكلة المستأجرين

الأزمنة

الأحد، ٢٢ نوفمبر ٢٠١٥

*أحمد سليمان
 فيما يعاني المواطنون  من منعكسات الأزمة التي تمر بها بلادهم  على مختلف الأصعدة  الاجتماعية و الاقتصادية و النفسية كانوا يأملون من الحكومة أن ترتقي إلى حدود هذه المعاناة و التخفيف عنهم عند إصدار أي قرار لمعالجة منعكسات هذه الأزمة، إلا أن الحكومة دائماً تعمل في واد و المواطن في واد آخر، ولا تبيعه إلا  الوعود و الكلام، حتى إنه بات محبطاً من كل إجراء تتخذه بمجرد سماعه وقبل أن يعرف تفاصيله.
نقول هذا ونحن مدركون لحجم الإحباط الذي يعانيه المواطنون وبخاصة ممن اضطرتهم الأزمة بمختلف جوانبها إلى ترك منازلهم بعد أن ضرب مناطق سكناهم الإرهاب، وهي كثيرة، والاستئجار في أماكن أخرى آمنة، وهي بالمقابل قليلة أو حتى نقل أعمالهم على مختلف أحجامها إلى تلك المناطق ما خلق كثافة سكانية عالية في المناطق الآمنة حتى إنها وعلى سبيل التشبيه أصبحت بعضها كقطاع غزة بالكثافة السكانية والمعروفة بأنها الأعلى في الكثافة السكانية بالعالم ومنها بعض مناطق المخالفات التي تقع في  خاصرة العاصمة.
 وهذا الطلب الكبير على السكن في مناطق آمنة  بمقابل قلة عدد المساكن أدى إلى رفع  بدل الإيجارات إلى أرقام خيالية ليس قياساً بارتفاع  سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار بل قياس بدخول المواطنين التي ما زالت شبه ثابتة منذ قبل الأزمة مع تعديل طفيف كان  أشبع بذر الرماد في العيون و بخاصة من  أصحاب الدخل المحدود من موظفي القطاع العام و الخاص إلى جانب فقدان  الآلاف وظائفهم و أعمالهم  ودخولهم نتيجة هذه الحرب المدمرة و المتحركة  من مكان إلى آخر..
يصم الآذان
فما أن دغدغ سماع  هؤلاء صدور قانون الإيجارات الجديد الأمل لديهم بأن يعالج المشكلات التي يعانون منها و بخاصة ارتفاعها و بإجراءات رادعة توقف جشع أصحاب العقارات عن استلاب راتبه الشهري الكامل لموظف مقابل الإيجار وبوضع ضوابط لذلك وتأخذ بعين الاعتبار الظروف التي يمرون بها من ضيق وقلة المورد حتى تحولت دغدغة السمع إلى طنين متواصل يصم الآذان حين اطلعوا على القانون الجديد الذي لم يعالج أي مشكلة  من المشكلات وبشكل واضح وصريح ولم يأت بجديد و كأن الحكومة التي وجهت بإعداد هذا القانون عبر لجنة خاصة  تعيش مفصولة عن الواقع وعن هموم المواطنين  ولم تعرضه على  الرأي العام  ليأخذ حقه من النقاش،  بل جاء تجميعاً لمجموعة القوانين الناظمة لشأن الإيجارات مع بعض الإضافات الطفيفة وكأن هذه الحكومة فقط كانت تريد أن تضيف إنجازاً أنها أصدرت قانون الإيجارات التي لم تنصف  فيه  الأغلبية العظمى من المستأجرين ولا حتى أصحاب العقارات كما يقول البعض.
 والغريب أن  مجلس الشعب أقر هذا القانون ولم نشهد في جلسات مناقشته أي اعتراضات، وكأن مجلس الشعب أيضا مفصول عن الواقع حيث أبقى  القانون الجديد العمل سارياً بثلاثة قوانين هي القانون رقم 6 لعام 2001 الخاص بتأجير العقارات المعدة للسكن أو الاصطياف أو السياحة أو الاستجمام والقانون رقم 10 لعام 2006  الخاص بتأجير العقارات لممارسة أعمال تجارية أو صناعية أو حرفية أو مهنة حرة أو علمية منظمة قانوناً أو المؤجرة للجهات العامة أو الوحدات الإدارية أو مؤسسات القطاع العام أو المشترك أو المؤسسات التعليمية والمدارس أو للأحزاب السياسية أو المنظمات الشعبية أو النقابات على مختلف مستوياتها أو الجمعيات و التي تبقى خاضعة لإرادة المتعاقدين إضافة إلى بقاء العقارات المؤجرة في ظل نفاذ أحكام المرسوم التشريعي رقم 111 لعام 1952 وتعديلاته خاضعة لأحكام التمديد الحكمي وتحديد بدل الإيجار.
نسب لكن..
 وعلى كل ليس  هناك مربط الفرس بل ما يتعلق بتحدد أجور العقارات الخاضعة للمرسوم رقم 111 لعام 1952 وفقاً للنسب الآتية من قيمة العقار المأجور بتاريخ رفع الدعوى وذلك عن سنة ميلادية  أي  بالمئة من قيمة العقارات المؤجرة للسكن مضافاً إليها 20 بالمئة من قيمة الأثاث الداخل في عقد الإيجار و6 بالمئة من قيمة العقارات المؤجرة لمزاولة مهنة حرة أو علمية منظمة قانوناً أو 7 بالمئة من قيمة العقارات المؤجرة للدوائر الرسمية لاستعمالها محاكم أو المؤجرة للاستثمار التجاري أو الصناعي أو لمهنة حرفية أو المؤجرة للأحزاب السياسية أو الجهات العامة أو الوحدات الإدارية أو المنظمات الشعبية أو النقابات على مختلف مستوياتها أو الجمعيات و 8 بالمئة من قيمة العقارات المأجورة لاستعمالها مدارس.
خارج التغطية
 ولنعرف إن كانوا من أعدوا هذه القانون أو ناقشوه  أينما كانوا سواء بمجلس الوزراء أو ناقشوه قد قاربوا الواقع و الإيجارات المنهكة  مادياً للمستأجرين التي تبتلع راتب  كامل لموظف هذا في المتوسط في ظل ما ذهبنا إليه من ظروف الأزمة وكان الأجدر أن تنظر هذه اللجنة ومجلسا الشعب والوزراء إلى واقع العقارات ومعالجة موضوع الإيجارات بقانون ولو كان مؤقتاً ومرتبطاً بالأزمة و إيجاد الآليات المناسبة ضمن القانون لتنفيذه.
 صحيح أن قيمة 5 بالمئة من قيمة العقاري هي مناسبة للإيجار السنوي  أي إن  صاحب العقار يجب أن يوزع ثمن عقاره على 20 سنة  إلا أن الواقع يتجاوز ذلك بأضعاف وصاحب العقار يريد استرداد ثمن عقاره في بضع سنوات وهو يتقاضى أحياناً بدل الإيجار لسنة كاملة و ليس لثلاثة أشهر كما يقول القانون  وإلا لا يقوم بتأجير عقاره  وكان الأمل أن  يحول هذا القانون  من دون جشع بعض أصحاب العقارات واستغلالهم لأوضاع المواطنين. وهو حسب متخصصين لن يكون مجدياً إن لم يشمل الحالات السابقة من قضايا فروغ الإيجارات القديمة والمستأجرين قبل صدور القانون بموجب عقود موقعة سابقاً، لن يستفيدوا من أي ميزة في هذا القانون الذي ركز على أن العقد شريعة المتعاقدين
حتى ينبت الحشيش
 فالقانون الجديد هو عبارة عن جمع للقوانين السابقة ولم يأت بأي جديد حسب الباحث في الاقتصاد العقاري، الدكتور عمار يوسف إلا في حالة العقارات المؤجرة تجارياً، حيث أعطى الخيار للمؤجر عند البيع حق الفروغ أن يسترد عقاره، أو يتقاضى 10% من ثمن المبيع بعد إبلاغه بالثمن الذي بيع به حق الفروغ مبيناً أنه في حال طبق على الحالات القديمة، وهذا غير واضح في القانون، أما في الحالات الجديدة فهي غير موجودة، اعتماداً على قاعدة أن العقد خاضع لإرادة المتعاقدين في حين أن مواد القانون وخاصة ما يتعلق بلجنة التخمين في حالة الغبن غير قابلة للتطبيق، لأن المؤجر غالباً ما يتقاضى بدل الإيجار عن المدة العقدية كاملة، ما يجعل دعوى التخمين غير منتجة  كما  أن المدة العقدية هذه الأيام، لا تتجاوز ثلاثة أشهر إلى ستة أشهر، وعلى هذا لن يستفيد المستأجر من اللجنة طالما أن صاحب العقار قد تقاضى عن كامل المدة العقدية مسبقاً لحظة التوقيع  فيما اللجنة تتدخل في حال شعر المستأجر أنه تعرض للغبن، لكن قد يستغرق الفصل في القضية حوالي السنة أو السنة والنصف، بين الصلح والنقض، وبعدها تكون المدة الإيجارية انتهت، وقد حصل صاحب العقار على أجرة تلك المدة.
 وهذا القانون الجديد لن يكون له أي منعكس  على خفض الإيجارات في الوقت الذي تشهد فيه هذه الإيجارات ارتفاعاً غير مسبوق لأن هذا الارتفاع يعود كما قلنا  إلى منعكسات ومفرزات الأزمة السورية والحرب عليها وعدم توفر الكثير من المناطق الآمنة التي  ارتفع عليه الطلب إلى جانب تراجع قيمة العملة الوطنية مع ارتفاع  سعر الصرف  بالتزامن مع ارتفاع كافة  أسعار الخدمات و السلع في السوق المحلية.
صانها الدستور
 و يعيد صدور هذا القانون  وسبقه قانون التموين طرح  التساؤلات حول جدوى صدور مجمل القوانين والتشريعات  التي تمس حياة ومصالح الناس  وفي ذروة تعرضها للانتهاك ولا تتم مناقشة هذا القانون  من قبل أصحاب المصالح نفسها .. وما جدوى هكذا قوانين إذا لم تكن  مستجيبة لمصالح الناس الأمر وحسب  متابعين يستلزم تبديل الآلية التي تعد وتناقش بها القوانين وتعدل وتقر  وتصدر وتنفذ...  بإقرار آلية جديدة تلزم  كل جهة تعد تشريعاً أو تعدله بإخضاعه للنقاش العام   ومشاركة كافة فعاليات المجتمع  صوناً لحقوق المواطنين التي صانها الدستور.