قانون لايحكمهم.. شوارعنا مرتع للمتسولين فمتى تتخذ الإجراءات الصارمة؟

قانون لايحكمهم.. شوارعنا مرتع للمتسولين فمتى تتخذ الإجراءات الصارمة؟

الأزمنة

الأحد، ١٤ يونيو ٢٠١٥

السويداء- فريال أبو فخر firyaaf14@gmail.com
لم تكن ورشة العمل التي نظمتها مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل بالسويداء عن واقع التشرد والتسول بالمحافظة إلا نشاطاً مكرراً لنشاطات سابقة لمعالجة ظاهرتي التشرد والتسول بعد معلومات إحصائية أخيرة تؤكد ازدياد وتفاقم هذه الظاهرة وخصوصا أثناء الأزمة، لتكرس مفهوماً اعتدنا عليه بأن ما تقوم به الجهات المعنية للحد من انتشار هذه الظاهرة بالإضافة إلى مجهود المراكز الثقافية ووسائل الإعلام والذي يسلط الضوء نسبياً على مخاطر هذه الظاهرة وبالتالي البرامج الهادفة إلى زيادة التوعية الاجتماعية ودعم الأسرة وتوجيهها وزيادة عدد مراكز التأهيل للمتشردين والمتسولين، لم تكن إلا حبراً على ورق، فواقع الحال يؤكد انتشار هذه الظاهرة الخطيرة في السويداء وبشكل لافت.
تفاقم ظاهرتي التسول والتشرد..
وبحسب الإحصاءات وما نشاهده على أرض الواقع فإن ظاهرة التسول والتشرد وانتشارها في شوارع وأحياء مدينة السويداء، بدأت تتزايد بشكل ملحوظ هذه الأيام وخصوصاً بحلول فصل الصيف، فالجهات المعنية ولغاية هذا التاريخ لم تستطع إيجاد حلول ناجعة بالرغم من انتشار هذه الظاهرة حتى قبل الأزمة، فكيف سيكون عليه الحال الآن؟ ما أدى بالنهاية إلى تفاقم ظاهرتي التسول والتشرد فالأبواب- وفي ظل هذه الفوضى التي نعيشها- مشرعة على مصراعيها أمام هؤلاء الذين يستسهلون هذا العمل من دون بذل أي جهد يذكر، حيث يجوبون الشوارع والحدائق والبيوت مستخدمين أسلوب الاستعطاف والشفقة على وضعهم، كيف لا وهم يأخذون من الزوايا والشوارع وأدراج المؤسسات الحكومية بيوتاً لاستقرارهم بحجة ارتفاع أسعار الإيجارات والأسعار ليجدوا مبرراً لعملهم هذا، وهو البحث عن لقمة العيش وإلا فسيكون مصيرهم الجوع والحرمان بظل مؤسسات لم تلق لغاية هذا الوقت حلاً لمشكلة أكل عليها الدهر وشرب.
ورشة للمعالجة..
وعلى ما يبدو وبرأي الكثيرين الذين حضروا هذه الورشة وتابعتها الأزمنة، فإن كل القرارات والنشاطات لا تتعدى أن تكون نظرية بظل عدم الترجمة الفعلية لكل تلك الأعمال على أرض الواقع، ولكي نكون منصفين فهناك الكثير من النشاطات والندوات والمؤتمرات التي تعقد لهذه الغاية وهدفها التأكيد على ضرورة تنفيذ دورات مهنية للأطفال المتسربين من المدارس، وتشكيل لجان صغيرة على مستوى الأحياء لدراسة أسباب التسول والتشرد ونتائجهما، وتوظيف طاقات الأطفال بشكل جيد والكشف الطبي والنفسي والاجتماعي على أوضاع المتسولين، وتشميل جميع المدارس بمسائل الإرشاد الاجتماعي، وتقديم المقترحات المناسبة لوضع حد لظاهرتي التشرد والتسول وتفادي أخطارهما، والسعي الدائم لإحداث مراكز لتأهيل المشردين وفاقدي الرعاية الأسرية، ولكن ما النتيجة؟ النتيجة هي تفاقم هذه الحالة يوماً بعد يوم، وتكرار عرض مسلسل التسول والأسباب التي أدت إليه، واستعراض للمشكلات الاقتصادية والصحية والاجتماعية الناتجة عن ظاهرتي التشرد والتسول وكيفية مواجهتهما، من دون أن يتمخض عن هذه المواجهة أي حل يذكر لاجتثاث هذه الظاهرة أو الحد منها على الأقل.
عتالة الأطفال..
وبعيداً عن حالات تسول الأطفال التي تشهدها ساحات وطرقات المحافظة من مختلف الأعمار حيث يقومون بالتسرب من مدارسهم واستجداء المارة لإعطائهم بعض المال، فهناك الكثير من الأطفال الذين يتركون مدارسهم نظراً للفقر الشديد الذي يعيشه الوالدان في ظل عدم وعيهما، ليتركا ولدهما عرضة للابتزاز وترك دراسته، فالأهم هو دعمهما ببعض المال في ظل هذا الغلاء الفاحش لجميع الحاجات الأساسية اليومية، وهناك الكثير من الحالات التي التقتها "الأزمنة" وتحدثت مع أطفال ما بين سن الثامنة والرابعة عشرة حيث يقومون بأعمال العتالة والعمل المجهد والذي لا يقوى عليه رجال أشداء، أما البعض الآخر فيقوم ببيع العلكة والخبز وأكياس النايلون وخاصة في سوق الخضرة، بينما يقوم آخرون بحمل أكياس الخضار والفواكه بأوزان تتجاوز عشرة كيلوغرامات للمتسوقين، عداك عن تعلمهم عادات سيئة جراء سماعهم للألفاظ النابية من قبل الأكبر سناً منهم، أو تعودهم على التدخين والمخدرات ما يشكل انحرافاً لتصرفاتهم ولطفولتهم، ليتبادر إلى أذهاننا تساؤلات عديدة أين الرقابة من كل ما يحدث؟ ألا يوجد مادة بالقانون تعاقب الأهل على سماحهم لأطفالهم بدخول سوق العمل بسن مبكرة؟ وإذا كان لا بد من ترك مدارسهم لمساعدة أهاليهم- على اعتبار أن هناك الكثير من الأطفال ونظراً لجهل أهاليهم لا يرغبون في الدخول للمدارس – أليس من الأفضل إيجاد مناخ مناسب لهم كفرص عمل؟ وبناء على كل تلك التساؤلات وحول دور القانون في معالجة ظاهرة التسول ذكر لنا المحامي عمار السعدي أن قانون العقوبات عالج الكثير من الظواهر المتعلقة بالتسول حيث فرض عقوبات على المتسولين والمتشردين تتراوح بين الحبس والتشغيل من شهر إلى سنة، أو وضعهم في دور تشغيل. كذلك نص على تدابير احترازية تنفذ عندما لا يكون هذا المتشرد قد سعى إلى العمل سعياً كافياً، وأضاف: لقد فرّق القانون بينهم وبين الأحداث المتشردين أو المتسولين، حيث فرض تدابير إصلاحية على الحدث، والحبس لولي القاصر من شهر إلى ستة أشهر، وبالغرامة إذا كان تقصير الولي سبباً في تشرد الحدث، أما المادة 604 فتعاقب من دفع قاصراً للتسول لتحقيق منفعة شخصية بالحبس من ستة أشهر حتى سنتين. هذه هي المواد القانونية التي تشكل الأطر القانونية لظاهرة التسول إلا أننا يجب أن نميز بين التسول الناجم عن عدم استطاعة تأمين عمل، وبين التسول المتخذ كمهنة، وهذا الأخير يجب تطبيق العقوبات عليه، ولفت السعدي إلى دور مديريات الشؤون ووزارة الشؤون الاجتماعية في هذا الإطار والتي يجب أن تنظم دراسة اجتماعية لأوضاعهم يحدد على أساسها العلاج المناسب لكل حالة، بالإضافة لضرورة مساهمة الوقف بصورة فعالة، كذلك لا بد من التأكيد على دور الجمعيات الأهلية التي يجب أن تعطى فرصة للقيام بدورها في هذا العمل، ومن هنا يجب إقامة دور رعاية مناسبة تعتمد إجراءات إصلاحية مناسبة، كما يجب أن يعاقب ولي الحدث عندما يثبت تقصيره تجاه ولده المتسول، والأهم هو إعداد الكثير من البرامج التوعوية للآثار السلبية لظاهرة التسول ومدى استخدامها من قبل بعض الأشخاص ضعيفي النفوس لتنفيذ جرائم معينة تهدد أمن المجتمع كالاتجار بالأشخاص والمخدرات والقتل والأفعال المنافية للحشمة، والتشديد على دور القضاء بكيفية تعامله مع هذه الظواهر من خلال المواد الواردة في قانون العقوبات وعدم اقتصارها على المتشرد أو المتسول نفسه بل شمولها أولياء أمورهم.
تسول من نوع آخر.. وهذه الحادثة وقعت بالفعل وقد رواها للأزمنة أحد المغتربين فقال: كنا نرتاح في شقتنا بالسويداء وإذبجرس الباب يقرع، فبادرت زوجتي وسألتني من يكون هذا في هذا الوقت( تقريباً الساعة الواحدة ظهراً )فقلت لا أدري اذهبي وافتحي الباب، فذهبت بالفعل وفتحت الباب وإذ بامرأة تسأل عني بالاسم، فسألتها زوجتي من أنت يا أختي، فقالت لها أنا قريبة زوجك وأتيت لأسلم عليه، ألستم أنتم مسافرين في الكويت؟ قالت لها زوجتي نعم تفضلي ظناً منها أنها بالفعل من أقاربي، وعندما دخلت تبين أن المرأة لا تمت لنا بصلة القرابة، ولأول مرة نراها، المهم أنها دخلت وجلست وقالت الحمد لله على السلامة، وسألناها من أنت فأجابت باسم نسمعه لأول مرة وأنها سألت بعض الناس عن المغتربين في المنطقة لتأتي لعندهم لعلهم يعطونها ما يتيسر، وبدأت تسرد لنا قصة ابنها الذي وقع من الطابق الرابع وأصيب برجة في الدماغ، وأنها تجمع له النقود لإجراء عملية جراحية وإلا فمن الممكن أن يموت. المهم نحن هنا وقعنا في ورطة هل هي بالفعل صادقة وتستحق المساعدة؟ أم إنها نصابة محترفة تلفق الكلام حتى تحصل على المقسوم؟. بعد تفكير في الأمر مع زوجتي قررنا أن نساعدها حتى لو كانت نصابة كي لا نندم إذا كانت بالفعل محتاجة، فأخذت ما قدرنا الله عليه وانصرفت، وتابع: المهم من سرد كل تلك القصة هي أنه تبادر إلى ذهني الكثير من التساؤلات: هل هذه المرأة بالفعل محتاجة للمساعدة أم لا؟ وإذا كانت محتاجة فهل نحن المغتربون وغيرنا مسؤولون عن سد احتياجات هؤلاء الناس أم إن هذا يجب أن يقع على عاتق الدولة والجهات المعنية؟ هل امتهنت هذه المرأة ومن هم مثلها التسول كمهنة لها أصولها وفنونها وأبوابها من دون تدخل من الدولة؟ أين السلطات المعنية للقمع أو التدقيق في هذه الحالات؟ وأخيراً هل التسول مرض اجتماعي أم ظاهرة اجتماعية عادية لا ضرر فيها على الإنسان والمجتمع طالما أن الإنسان يستطيع أن يساعد ويدعم غيره؟.
بحث ميداني..
ولقد جرى فتح ملفات حقيقية خاصة بوزارة الشؤون الاجتماعية وأهمها المتعلق بالأطفال تحت اسم متسولين، مشردين، مهجرين، هاربين من منازلهم، هذا ما أكدته مديرة الشؤون الاجتماعية بشرى جربوع حيث جرى الاتفاق مع جميع الجهات الحكومية من تربية ومحافظة وعدل وشرطة وجمعيات أهلية ومجتمع أهلي خلال الورشة التي أقامتها المديرية بالتعاون مع جمعية براعم الطفولة حيث تم الاتفاق على إجراء بحث ميداني لفصل الحالات التي يواجهها أطفالنا من تشرد وتسول والوصول إلى أرقام حقيقية، وتأهيل مركز في الوحدات الإرشادية لتأهيل الأطفال وتقديم الخدمات التي يحتاجون إليها لخلق نوع من التفاعل الاجتماعي بالتعاون مع الجمعية الأهلية والقطاع الأهلي والتعامل مع هذا الملف واعتباره من الملفات الساخنة، ولفتت جربوع إلى أنه وبعد انتهاء الورشة تم الاتفاق على تشكيل لجنة متطوعة تقوم بمتابعة هذه الظاهرة ومحاولة دمج هؤلاء الأطفال مع المجتمع وإعادة تأهيلهم لأن هذه الظاهرة قد ازدادت وبرزت في شوارع المدينة بشكل لافت، حيث إن أكثر المتسولين في المحافظة يأتون من خارجها على شكل جماعات منظمة وينتشرون في أرجائها، وعند إلقاء القبض عليهم من لجنة مكافحة التسول المؤلفة من موظف من مديرية الشؤون الاجتماعية ومندوب من جمعية الرعاية وعناصر من قيادة الشرطة تصطدم اللجنة بأن هؤلاء لا يحملون وثائق تثبت شخصيتهم(أي إنهم مجهولو الهوية)، وهذا يمنع توقيفهم من الجهات المختصة ومن ثم يعودون إلى مزاولة التسول مجدداً والتي تعتبر بالنسبة لهم مهنة كباقي المهن، ومن هنا تأتي أهمية مكافحة هذه الظاهرة ومنعها من الانتشار لكونها تحمل إساءة للمجتمع وقد تخفي وراءها شكلاً من أشكال الإجرام والسرقة وهناك تداخلات بموضوع قانون الاتجار بالبشر، وقد تكون على شكل جماعات منظمة تقوم بتشغيل فئات عمرية مختلفة( مثل الأطفال وكبار بالسن) لاستغلالها وانحرافها. بدورها أكدت الجهات المختصة في القصر العدلي أنه لا يمكن تطبيق القانون على أشخاص مجهولي الهوية لأنه ولكي يكون القرار سليماً من حيث المبدأ يجب التأكد من هوية المتسول فلا يمكن توقيف أو محاكمة أي شخص من دون إثبات هويته أو من دون وجود إخراج قيد عائلي للتأكد من شخصه حتى إن السجن لا يستقبل أي حدث من دون وجود وثيقة ثبوتية، كما أنه لا يوجد قانون يتم بموجبه توقيف الأطفال دون السنوات العشر. وفي ذات السياق وأمام هذه القوانين أكدت مديرية الشؤون الاجتماعية في المحافظة أن عدم وجود الإجراءات والقوانين الرادعة التي تضمن توقيف المتسولين حتى يتم إثبات شخصياتهم فستبقى الشوارع مرتعاً لتلك الجماعات التي تعرف حق المعرفة أن لا قانون يحكمها ولا يوجد أي إجراء يمنعها من مزاولة عملها اليومي ضاربة عرض الحائط بجميع الإجراءات المتخذة من المديرية.