بين الانفصال عن الواقع والذهول.. حمّى الألعاب الاستراتيجية تغزونا.. الشباب يبيعون العقارات.. وأراض في المحافظات بـ ألفي ليرة سورية!!

بين الانفصال عن الواقع والذهول.. حمّى الألعاب الاستراتيجية تغزونا.. الشباب يبيعون العقارات.. وأراض في المحافظات بـ ألفي ليرة سورية!!

الأزمنة

الأحد، ٢ أغسطس ٢٠١٥

 
الأزمنة - مجد سليم عبيسي
بعد أن راجت في العديد من دول العالم إلى حد الإدمان، غزت ألعاب الإنشاءات عبر الإنترنت مجتمع الشباب السوري وتحديداً في السنوات الأخيرة، عدا أنها باتت تباع وتشترى كما لو كانت منشآت حقيقية على أرض الواقع!!
هذا العالم الافتراضي وجد فيه الكثير من الشباب ملاذاً من الأزمات النفسية التي تعصف بمجتمعنا السوري، فيقضون الساعات تلو الساعات أمام شاشات الحواسيب لإنشاء مزارع وقرى وهمية وامتلاكهم لعقارات هم غير قادرين على امتلاكها بالواقع.
الإقبال من قبل الشباب السوري على هذا النمط من الألعاب ازداد مؤخراً، بعد أن استهجنه لسنوات طويلة حينما كانت بالمنظور السوري فقاعة غربية ناجمة عن فراغ وبطر معيشي ومضيعة للوقت أقبل عليها في البدء شباب الخليج العربي.
ولكن إقبال السوريين لا يأتي بالعادة إلا بمنفعة.. فقد بدأت هذه الألعاب تأخذ مساراً مختلفاً عن مجرد كونها لعبة إلكترونية عبر الإنترنت للتسلية فقط، وباتت تشكل مصدر تجارة لبعض اللاعبين بها، الذين يقومون بعرض ما يبنونه من قرى للبيع بمبالغ تصل –وفق إحصائية خاصة- إلى 50 ألف ليرة سورية للقرية الواحدة، إضافة إلى بيع مخططات تعليمية للاعبين المبتدئين من قبل لاعبين ممارسين بهدف تنمية قدراتهم على اللعب بالشكل الصحيح.
طبعاً هذا المبلغ يعتبر كبيراً بالنسبة لمجتمعنا مقابل بيانات افتراضية ناجمة جراء التسلية، ولكن إن نظرنا بمنظور أشمل نجد أنه في دول الخليج العربي يصل سعر بعض القرى إلى أكثر من هذا بكثير، عدا الإقبال الكبير على السوق التبادلي لهذه الألعاب.
بينما في الأوساط الأوروبية يصل سعر القرية ذات المستوى الجيد إلى 2000 دولار أمريكي بأبسط تقييم!!.
أشهر الألعاب الاستراتيجية القابلة للتبادل المالي:
في عام 2009 بدأت حمى الألعاب الاستراتيجية لبناء القرى والتحصينات تنتشر حول العالم بشكل كبير جداً مثل لعبة “ترافيان" وتعتمد فكرة اللعبة على إنشاء قرى إلكترونية وهمية، وتحصينها وإدارة شؤونها بتقنيات تبدأ باستراتيجيات الإمبراطورية الرومانية المخصصة للمبتدئين في Travian، التي ترى الشركة الألمانية المنتجة للعبة أن سبب البدء بها هو ارتفاع التطور الاجتماعي والتقني عند الرومان.!!
ونتيجة الشهرة الواسعة وارتفاع أعداد المشتركين في هذه اللعبة حول العالم توالت الألعاب كالمزرعة السعيدة والملوك القراصنة ومؤخراً لعبة كلاش أوف كلانس Clash Of Clans والتي هي معرض الحديث.
يقول أحمد شلهوب أحد ممارسي اللعبة لأكثر من عام: لا أستغرب منها كونها لعبة طابقت معظم المواصفات المطلوبة لدى مستخدمي الهاتف الذكي، لعبة قتالية وحماسية وفيها تفكير وإستراتيجيات و.. الخ
اللعبة مجانية وهي تعمل على الهواتف الذكية ويمكنك تحميلها من متجر الهاتف الذكي. تدور فكرة اللعبة علي بناء قرية محصنة لك وتدافع عنها بكل قوة.
تشبه إلى حد كبير لعبة المزرعة السعيدة أو ترافيان من حيث بناء المدن والقرى، ولكن الجديد في هذه اللعبة أنها تحتوي على قتال شرس لحماية قريتك من الهجوم والأعداء المتربصين بها.
المعارك تدور بينك وبين المئات من اللاعبين حول العالم أون لاين، وهو ما يميز اللعبة عن غيرها.
حتى لو كنت أوف لاين فقد تدخل لتجد العديد من الهجمات قد شنت ضدك وإن لم تكن تحصيناتك جيدة فقد تخسر أجزاء من قريتك!!
لا تستغرب.. فقد تم تحميل اللعبة حوالي 80 مليون مرة من متجر غوغل.
قوة القرية القادرة على صد الهجمات وغزو القرى الأخرى يعتمد على قدم القرية واجتهاد صاحب الحساب في البناء وجمع الذهب والتحصين.. لذا هناك سوق تطلب فيه القرى ذات المستويات الجيدة لمن أراد أن يدخل عالم هذه اللعبة من دون الانتظار لعام أو اثنين حتى يبلغ مستوى قريته حداً جيداً.. وطبعاً الأسعار تتفاوت بين الدول.
وتعتبر أسعار القرى هنا في سورية من أرخص الأسعار إذ يمكنك أن تحصل على قرية مقبولة بألفي ليرة سورية فقط.. وهناك قرى تصل إلى مبالغ أكبر من ذلك بكثير..
 
استثمار رابح:
يعتبر جورج حداد 32 عاماً أن قرى اللعبة عبر الإنترنت استثمار جيد، يقول: "أسعار القرى الافتراضية يتراوح بين 5 إلى 20 ألف ليرة سورية، وأنا في الحقيقة كتاجر أبيع وأشتري هذه القرى كما لو كنت أتاجر بالعقارات فعلاً ولكن مع فارقين بسيطين، الأول إن مرابح الصفقات قليلة في سورية، ولكنها جيدة جداً إذا ما كان الزبائن من الأشقاء العرب، وثانيهما "ضاحكاً": إن البيع والشراء لا يحتاج إلى فراغ أو طابو أو تكاليف رسوم إضافية".
 
أراضٍ في المحافظات للبيع:
لدى مراقبة بازار السوق العقاري لقرى الألعاب عبر الإنترنت كانت حركة البيع والشراء أنشط من أي سوق حقيقية، وخاصة إذا ما قورنت بجمود أسواق العقارات السورية الملموس، وكل قرية معروضة تنسب إلى محافظة صاحب الحساب بطريقة لا تخلو من الطرافة، وهذه بعض المعروضات في أقل من ساعة واحدة:
أرض للبيع باللاذقية بـ2500 لفل 62 تاون ثمانية.
للبيع في مدينة حماة بـ 2000 ليرة يا بلاش لفل 51.
للجادين فقط: للبيع في دمشق بـ 7000 ليرة للجادين لفل 49.
للبيع بسعر خيالي وعاجل بـ6000 ليرة في مدينة حماة القرية لفل 48.
للبيع وبسعر ممتاز بـ 6000 ليرة في ضاحية قدسيا أو في شارع الحمرا لفل 47.
للبيع في مدينة دمشق بـ 15 ألفاً للجادين فقط لفل 45.
للبيع في ريف دمشق بـ 12ألفاً لفل 43.
للبيع في مدينة حمص بـ 7500 لفل 44.
طبعاً معروضات هذه السوق المفتوحة كانت مقننة ضمن صفحة خاصة لإدارة هذا النوع من التجارة مقابل عمولة شبيهة بعمولة المكاتب العقارية!
 
ومن ضمن إعلانات الصفحة للترويج عبر رسائل تبعث على المصداقية كانت التالية:
"الإعلان إلى كل أصدقاء صفحتنا من كل الدول العربية يلي عم يطلب قرى، التعامل حصراً عن طريق إيجاد طريقة لتحويل النقود وكلمة السر والحساب بـ "تاخدو" بعد ما يستلم صاحب القرية حق القرية على ضمانة كادر الأشراف بالصفحة الرجاء الالتزام بالقواعد حرصاً على عدم التعرض لنصب وسرقة القرى أو النقود... الإدارة"
 
"بسبب الضغط الشديد على الصفحة وحرصاً من الإدارة على استمرار نجاح وقوة الصفحة مطلوب أدمن ومسؤلو استلام وتسليم قرى في المحافظات التالية: دمشق، اللاذقية، طرطوس، حمص.. إلى من يجد في نفسه المقدرة التواصل معنا عالخاص.. وشكراً".
 
استراتيجيات وذكاء.. أم تحريض ومؤامرة ؟!
وحسب ما قال حسن عليوي أحد اللاعبين السوريين عبر الإنترنت: ليست هناك مشكلة أن تتخذ القرى الإلكترونية كنوع من أنواع التجارة، وأضاف أن أحدهم يعرض على اللاعبين تطوير قراهم وإيصالها إلى مستويات متقدمة مقابل مبالغ مالية تتجاوز 2000 ليرة سورية للتطوير الكامل، وطبعاً هناك كثيرون من يقصد المطورين لاختصار الزمن والدخول ضمن اللعبة بقوة..
وأضاف: «أشعر بأن اللعبة تنمي الذكاء، إلا أن الهدف منها يعتمد على فكر اللاعب نفسه، إذ قد يتخذها البعض من باب الشراسة أو المتعة أو حتى السياسة، ولاسيما أنها تحتوي على مجموعة تحالفات وجيوش ومعارك»، لافتاً إلى أنه كان يمتلك 10 قرى استطاع تشييدها في غضون سنة واحدة.
ورغم أن كلاش أو كلانس تعتبر للوهلة الأولى مجرد لعبة إلكترونية يلجأ إليها أكثر من 50 مليون لاعب حول العالم من أجل التسلية فقط، فإنها في بعض الأحيان تكون سبباً في نشوب الخلافات بين أفرادها على أرض الواقع، وممكن أن تسبب حساسية بين الأصدقاء خارج نطاقها.
ويرى حسن الذي يقضي نحو خمس ساعات على تلك اللعبة يومياً، بأنها لعبة حرب بغض النظر عن كونها تنمي الذكاء، الأمر الذي يجعله يتقبل جميع مصطلحاتها العنيفة من نهب وهجوم وقتل، من باب اللعب فقط.
 
بينما يرى سامر السعدي أن «هذه اللعبة تنمي مفهوم المؤامرة ونزعة الاحتلال والاستعمار، الأمر الذي يجعلها تطور ذكاء التخطيط من المنظور السلبي» -على حد قوله- مؤكداً أن المجتمع ليس بحاجة إلى مثل تلك الألعاب لأنها لا تعلم الاستراتيجيات مثلما يرى الآخرون بل الضغائن والمكائد والعنف.
 
رأي خبير:
من جهته كدارس في علم نفس المجتمع أكد عبد الوهاب فياض أن أبرز المشكلات التي بدأت في الظهور من جرّاء الألعاب أمثال المزرعة السعيدة أو ترافيان وغيرهما هي قوة جذبها وإغرائها لشريحة كبيرة من الشباب، الذين ينسون ما حولهم من أجل تسجيل إنجازات وهمية وأرقام قياسية.. وأضاف: إن تجارة الشباب بالقرى بالبيع والشراء هي ذريعة واهية نفعها لا يساوي الضرر الحاصل جراء التعلق الشديد الذي يحدث للشباب وانفصالهم عن واقع الحياة ومشاغلها للحياة في عالم افتراضي يقنعون أنفسهم عبر البيع والشراء أنه ذو فائدة ويوازي الملموس.
من جهة أخرى أكدت خبيرة علم نفس الطفل السيدة "أماني العاشق" أن الدخول في دوامة ألعاب الإنترنت الاستراتيجية مصيبة يجب على الأهل أن يتنبهوا لها، وسبب لدخول المراهق في حالة من الانفصال عن الواقع والذهول، عدا أن هناك الكثير من فئة الشباب والمراهقين بدؤوا يستجيبون لدفع الأموال مقابل منحهم مزايا تميزهم عن اللاعبين الآخرين وتخولهم لتحصين مشاريعهم الوهمية.
وأضافت: إن هذا النمط من الألعاب من أذكى المشروعات التجارية بالنسبة للشركة المسؤولة عن اللعبة، إذ نجحت في إدارة نشاطها من خلال تسويق التذكارات التي تحمل اسمها وقراها، وبيعها عالمياً، إضافة إلى تطويرها لبرمجيات جافا ليتمكن اللاعب من مواصلة لعبه عبر الهاتف الجوال أي لزرعها في أدمغة اللاعب لتجري منه مجرى الدم لتصل حد الإدمان لدى الشباب، حتى إني أعرف العديد من الشباب أنشؤوا مواقع ومنتديات تتابع أسرار هذه الألعاب وتنشر الخبرات والأسئلة والحلول حول مراحلها.