بدنا نعيش!!..عمالة الأطفال... من يروج ومن يستفيد.. حالات تسرب من المدارس بتشجيع الأهالي!

بدنا نعيش!!..عمالة الأطفال... من يروج ومن يستفيد.. حالات تسرب من المدارس بتشجيع الأهالي!

الأزمنة

السبت، ١٩ سبتمبر ٢٠١٥

الأزمنة| محمد الحلبي – رولا نويساتي
تُعتبر ظاهرة عمالة الأطفال من أبرز المشكلات التي لا يخلو منها أي مجتمع في دول العالم الثالث, وهذه الظاهرة تتفاقم وتنمو بشكل مطرد حتى أصبحت السيطرة عليها أمراً مستحيلاً, وخصوصاً في الدول التي تتعرض لحروب، حيث وصلت عمالة الأطفال حسب تقارير منظمة الأمم المتحدة لحماية الطفل(اليونيسيف) إلى طفل عامل من بين كل ستة أطفال، وهذا الرقم باعتقادنا كافٍ لدق ناقوس الخطر وإيجاد السبل لمكافحة هذه الظاهرة؛ وقد حاولنا الإحاطة بهذا الموضوع قدر المستطاع لأهميته البالغة، وخاصةً في ظل الظروف الصعبة التي نعيشها في بلدنا هذه الأيام، وما يتعرض له أطفالنا من ظلم واضطهاد ربما على أيدينا قبل أيدي الغرباء...
 حقائق حول عمالة الأطفال
لابد لنا أن نعترف بأن العديد من أطفالنا تسربوا من المدارس في ظل الظروف القاسية التي تعصف بالبلاد, وقد ارتأى ذوو معظم أهالي هؤلاء الأطفال أن زجَّهم في سوق العمل هو الحل الأنسب لإعانتهم في مصاريف المعيشة الباهظة، وأن هذا الحل أيضاً أجدى من الصرف عليهم في مدارس ربما لن يجنوا منها المأمول في المستقبل, بالإضافة إلى بُعد أحلامهم بدخول أولادهم إلى الجامعات بسبب تدني مستوى أطفالهم وانقطاعهم عن الدراسة لسنوات, ومن خلال استبيان بسيط عملنا عليه بمجهود شخصي تبين أن عمالة الأطفال في سورية تخطت الـ(35%) على أقل تقدير..( حيث نقصد بكلمة طفل كل شخص لم يبلغ الثمانية عشر عاماً من عمره كما عرفته منظمة الصحة العالمية)، ومعظم هؤلاء الأطفال يعملون بأعمال مجهدة وخطيرة, وآخرون ينتشرون على قارعة الطريق, يعملون بمسح الأحذية أو بمسح زجاج السيارات على إشارات المرور, وبعضهم يجر عربةً في أسواق الخضار يستجدي عطف الناس عليه..
عمالة الأطفال
 رغم أن معظم دول العالم تعتمد إلزامية التعليم للمرحلة الابتدائية على أقل تقدير, إلا أن هناك الكثير من حالات التسرب, حيث تتجه الغالبية العظمى من الأطفال للتسرب إلى سوق العمل, وفي بعض الأحيان يلجأ الطفل إلى العمل خلال العطلة الصيفية بهدف تحسين الوضع المالي للأسرة، وخاصةً في هذه الظروف التي نعيشها, وهنا يجدر الإشارة إلى أن أصحاب المهن والحرفيين يلجؤون إلى عمالة الأطفال لتدني أجورهم وإمكانية السيطرة عليهم, ويتعرض الأطفال هنا إلى الكثير من الإهانة والشتائم والإجهاد تحت ذريعة مصلحة الطفل وتعليمه أسرار المهنة, ويأتي سكوت الأهل على تلك الممارسات من قبل أصحاب العمل ضد أطفالهم من ضرورة الحاجة للعمل, وخوف الأسرة من فقدان الطفل لعمله، وحتى إن لم يتعرض الطفل لهذا العنف بشكل ظاهري ومباشر فإن مجرد تشغيل الأطفال لساعاتٍ طويلةٍ وإرهاقهِ بأعمال تفوق قدرته وطاقته تعتبر اعتداءً صارخاً على الطفل وحقوقهِ..
أيدٍ صغيرة
(باسل) طفل صغير لم يتجاوز ثمانية أعوام من عمره بعد، جسده الغض يكاد يفترش الأرض وهو يحمل صندوق البندورة من السيارة ليضعه في محل الخضار الذي يعمل به.. سألنا صاحب المحل كيف له أن يدع طفل صغير يعمل عنده فقال: والده من عرض علي أن يعمل (باسل) عندي وبأي أجر أراه مناسباً، فهم تهجَّروا من ريف دمشق وحط الرحال بهم بالقرب من محلي، وقاموا باستئجار شقة هنا، و(باسل) يساعد والده في مصروف المنزل من خلال أجرته التي يتقاضاها مني أسبوعياً، وعندما قلنا له لماذا يسند إليه بأعمال لا تناسبه كحمل صناديق الخضار الثقيلة فهذا سيؤثر على صحته أجاب: لقد قلت لوالده إن العمل عندي شاق ومضنٍ لكن والده قال لي (باسل قبضاي وبيعجبك) فإذا لم استفد منه فلماذا أعطيه الأجرة...
اقتربنا من (باسل) وسألناه إن كان مسروراً في عمله فقال على استحياء: بدنا نعيش، يجب أن أساعد والدي في مصروف المنزل، لقد قال لي والدي عندما نعود إلى بيتنا في الحجر الأسود سوف لن يدعني أعمل، وسأعود إلى المدرسة لإكمال دراستي، فأنا لن أعود إلى المدرسة هذا العام...
فيما لم يكن (شادي) أفضل حالاً من (باسل)، كان يجر عربةً في سوق الخضار عندما قامت سيدة باستئجاره لمساعدتها في الأشياء التي ابتاعتها من السوق.. السيدة قالت لنا إنه كان بإمكانها استئجار شاب أكبر من (شادي)، لكنها أشفقت عليه وتريد أن تكرمه لأنه طفل نشيط...
أما (شادي) فقال: والدي لا يعمل.. يبقى مستيقظاً طوال الليل يشاهد التلفاز بينما نعمل أنا وأخي هنا في السوق على عربتين، أما والدتي فتعمل بتنظيف البيوت.. (شادي) في ربيعه الثاني عشر، ترك الدراسة منذ عامين، كان يحلم أن يصبح ضابط شرطة كما قال لنا، لكن على ما يبدو أن قسوة الحياة ستمنع (شادي) من تحقيق حلمه...
 أما (رامي) فلا يختلف عن الباقين، لكن والده موجود معه في نفس المهنة، وهو يبلغ من العمر10 سنوات.. حدثنا قائلاً: أنا أحضر مع والدي كل يوم لكي نقوم بغسيل السيارات، فهو يقوم بتنظيف السيارات التي تحتاج إلى غسيل المحركات أو السيارات العالية التي لا أستطيع الوصول إليها، وأنا أقوم بغسيل السيارات الصغيرة، وأضاف (رامي) أن عمله هذا هو برغبة أهله حتى يحصلوا على المال الذي يعينهم على قضاء احتياجاتهم اليومية، فالعمل هو الذي يجلب منه المال وليس الدراسة، فالدراسة بنظر (رامي) لا تفيده في شيء وستجعل أهله في احتياج دائم..
 أنا أعمل في ورشة نجارة حتى أثناء العام الدراسي وذلك بعد انتهاء الدوام المدرسي وأثناء العطل.. هذه هي كلمات (مروان) ابن الخمسة عشر عاماً والذي أضاف: أعمل منذ الصباح الباكر وحتى الرابعة عصراً كي أدخر مصروف الدراسة، فهذا هو شرط عائلتي، أن أتعلم وأصرف على نفسي، فنحن خمسة أخوة، ولا يوجد عائد مادي يكفي جميع احتياجاتنا، وأنا لم أتذمر يوماً من العمل لأنه يوفر لي احتياجاتي، فقد أصبحت الآن في الصف الثالث الإعدادي وأنا متفوق بدراستي.
أما (ميادة) 15عاماً فقالت: أعمل في معمل الحلويات هذا منذ سنتين عندما تهجرنا من منزلنا، عندها قررت أن أترك المدرسة وأساهم مع عائلتي في مصروف المنزل، وهنا تخفض (ميادة) صوتها وتقول هامسةً ببراءة الأطفال: لكن راتبي قليل جداً مقارنةً براتب (خالد) رغم أنني أقوم بنفس العمل الذي يقوم به، وطبعاً هذا الأخير(خالد) زميلها بالعمل لكنه أصغر منها سناً...
الأهالي يتحدثون
بعض أهالي الأطفال قالوا إن العوز وقلة ذات اليد أجبرتهم على زج أطفالهم في سوق العمل، حيث يقول (أبو زاهر): أجرة المسكن خمسٌة وثلاثون ألفاً، وكل ما أجنيه طوال الشهر بالكاد يكفي لسداد هذه الأجرة، فكنت بين خيارين أحلاهما مرُّ، فإما أن أجعل من أولادي يعملون ويساهمون بمصروف المنزل، وإما سوف نفترش الشوارع، وعن حق أولاده بالتعلُّم قال: التعليم ليس لنا، التعليم لأبناء البكوات والخواجات، نحن كتب علينا الشقاء، فمن أين سآتي لأولادي بمصاريف المدارس...
في حين قالت السيدة (أم تيسير) إن وفاة زوجها بعد أن ترك لها من الأطفال أربعة كسر ظهرها ولم يترك لها خياراَ من الاستعانة بولدها البكر (تيسير) الذي دفعت به للعمل عند ميكانيكي، فيما تساعدها ابنتها (جودي) بعملها في تنظيف الأبنية والبيوت، وتقول (أم تيسير): نعمل لنعيش أفضل من أن نستجدي رحمة الناس علينا...
ختاماً
مسألة عمالة الأطفال أكبر من أن يحاط بها في تحقيقٍ صحفي، وخصوصاً أن عمالة الأطفال السوريين قد عبرت حدود الوطن إلى بلدانٍ مختلفة... عمالة رخيصة بأجورٍ ضعيفةٍ سوف تستغلها تلك البلدان التي استنزفت شباب المستقبل لتحيي فيها شريحة ميتة في بلدانهم قد يصعب إصلاحها مقارنةً بالعمالة الرخيصة والجاهزة للعمل بأي مهنة كانت وبأتفه أجرٍ كان..
أما عمالة الأطفال داخل حدود الوطن فهذه مسؤوليتنا جميعاً، ويتوجب علينا العمل مجتمعين لإيجاد سبل تقويضها والحد منها بشكلٍ مدروس، وخصوصاً إذا ما علمنا أن الخط البياني لعمالة الأطفال قد وصل إلى مستويات قياسية قد يصعب الرجوع فيها في السنوات القليلة القادمة.