خبزنا.. لم يعد خطاً أحمر!!المازوت.. البنزين.. الكهرباء..ما الذي سيبقى محصّناً بعد؟!

خبزنا.. لم يعد خطاً أحمر!!المازوت.. البنزين.. الكهرباء..ما الذي سيبقى محصّناً بعد؟!

الأزمنة

الاثنين، ٢٦ أكتوبر ٢٠١٥

الأزمنة – مجد سليم عبيسي
منذ سنوات وقد اعتدنا أن الدعم الحكومي لبعض السلع مزية قابلة للسحب من فم الشعب كلما دعت الحاجة لإعادة موازنة المعادلة الاقتصادية لدى ممثلي الاقتصاد، ومع بدايات المناورات الاقتصادية بالرفع الحكومي عن دعم بعض السلع، كانت تنتشر شائعات عبر وسائل الاتصال الفردية على مبدأ جس النبض.. فإن كانت النتيجة سلبية للغاية وردود فعل الناس انعكاسية خرجت تصريحات مسؤولة بنفي الشائعة وتأجيل موضوع رفع الدعم لفترة مواتية أكثر..
كان من الملاحظ أنه كلما خرج تصريح بالنفي تلاه بعد فترة تطبيق لمضمون الشائعة بقرار فجائي بحيث تكون ردود أفعال المواطنين أخف وطأة بدعوى أن الصدمة الأولى خففت من وقع الثانية نتيجة التآلف مع الحالة أو –وعذراً للفظة- "التمسحة"..!
المهم أن الحكومة استساغت "رفوعات الدعوم" إذ إن ردود الأفعال لم تعد بذات الأهمية.. حتى يوم تكحيل العين بقرار رفع سعر ربطة الخبز الأخير..!!
 
رفع سعر الربطة.. على حساب الذكريات:
نتيجة حساسية الوضع، وعلى اعتبار الأبعاد الخطيرة التي سوف تنجم عن رفع سعر مادة هي بالحقيقة خط أحمر –كما كان يتناهى إلى مسامع المواطنين منذ بدايات الأزمة- حصل ما كان يتخوف منه المواطنون منذ أكثر من ربع قرن.. عملية رفع نظيفة جاءت بعد تمهيد طويل برمايات التصريحات الباردة، ضمت دعاية واسعة حول تحسين نوعية الخبز الذي سوف ينجم عن رفع الأسعار، مع أن الوعد باقتران هذين العاملين معاً غير ملزم لأحد.. وهذا ما كان..
العملية النوعية لرفع سعر ربطة الخبز بنسبة 35% اقترنت في الأيام الأولى بخبز أبيض نقي عاد بنا إلى الأيام الخوالي، مواسياً إيانا عن تبعات هذه العملية التي جاءت في ظل انفلات الأسعار إلى حد جنوني ليس بمقدور الجماهير الشعبية الواسعة تحمّله..
هذه الحقيقة لم أتوصل لها بتأملي.. بل سكبها أحدهم في أعماقي باردة.. أنعشت حقيقة الموقف حين كنت واقفاً في الطابور في اليوم التالي للقرار.. قال أحد الواقفين على الطابور.. "ليس أقسى من اللعب على أوتار الذكريات".
 
إبرة البنج:
بقرار واحد أصبح الخبز كغيره من السلع التي لا تتمتع بالحصانة والحماية، كما في أغلب الدول النامية ولكن اللعب على وتر الذكريات أشعرني بالخدر وأنا عائد إلى المنزل بأرغفة بيضاء نويصعة. كان كلما طرح الموضوع في مجتمع العمل بين الزملاء أفرد لهم "السندويشة" وأقول: صه، انظروا كم هو أبيض، هل تذكرون هذا اللون..
حتى صباح اليوم حين رأيت الخبز أسمر مجدداً... يومان أو ثلاثة حتى اعتاد المواطن على السعر الجديد ثم عادت حليمة لعادتها القديمة..
ليست المصيبة باللون الأسمر وحده.. الحقيقة أني لم أنتبه إلى الوزن -الذي بات أخف- حتى رأيته أسمر مرة أخرى..
وأنا عائد أنظر حظي في وجه الرغيف الجديد.. أدركت أن ما كنت أحصل عليه بـ 200 ليرة سورية أثقل.. وقفت جانباً لأعد الأرغفة لأفاجأ أن الربطة الواحدة باتت سبعة أرغفة فقط !! وحين راجعت الفرن قال بأن الربطة الجديدة سبعة فقط.
وقفت أمام خيارين.. أما أني لم أتمحص قرار رفع السعر جيداً لأني كنت –كغيري- زاهداً بكل ما سيجري بعد تجاوز الخط الأحمر المقدس من قبل الحكومة. أو أن الحكومة العتيدة قررت أن تدخل "القرار" قليلاً قليلاً حتى لا تؤلم الأخ المواطن؟!
بالمحصلة فالقرار كان بأن سعر الربطة وزن 1300 غ مغلفة بكيس /50/ ليرة سورية.
 
الخبز قضية وطنية ؟!
منذ أكثر من نصف قرن كانت تأتي الحكومات المتعاقبة، بتأكيد لون خط الخبز، الموسوم بالأحمر دائماً، وتضع دعم هذه المادة في سلة الإيجابيات التي تحاول إظهارها. فقضية الخبز، قضية وطنية بامتياز، وترتبط مباشرة بالأمن الغذائي، وهو قرار لا رأي للحكومات المتعاقبة فيه، بل هي منفذة للسياسات المتعلقة بالخبز، ومُطبقة للقرارات ذات الصلة بهذه المادة. لكن رغيف الخبز، لم يعد خطاً أحمر، كما يعتقد البعض، وعقدت عدة اجتماعات في الفترة الماضية، ناقشت موضوع الخبز، منطلقة من الدعم الذي يقدم، وركزت على موضوعة أكياس النايلون التي يُعبأ فيها الخبز، والتي تبين أن هناك خسارة تلحق بالمخابز الاحتياطية والآلية نتيجة بيع كيس الخبز بسعر محدد (نصف ليرة) بينما يصل سعره في السوق إلى أربع ليرات. وكانت الحكومة على مشارف اتخاذ قرار يقضي برفع سعر كيس النايلون، لكن الرياح جرت بما لا تشتهي بعض القوى، وجاء القرار بتحميل العجز التمويني كلفة كيس النايلون.
ومن حيث المبدأ، من غير المعقول أن يذهب الدعم إلى كيس النايلون، بينما رغيف الخبز يُفقد أحياناً من السوق، وتبقى جموع المواطنين أمام الأفران بانتظار ربطة خبز تسد الأفواه الجائعة، وتملأ البطون الضامرة. لم تكن المشكلة في سعر كيس النايلون، بل هناك مشكلة محاسبية في سعر الخبز، ولا تخفى على أحد الأصوات التي علت مؤخراً، لتشمل الزيادات في أسعار المواد المدعومة الخبز أيضاً، وراقت هذه المطالب للتيار الليبرالي في الحكومة، أو لأصحاب المواقف الداعية للاقتصاد الحر. لكن مشيئة ما، أطاحت بكل هذه الأمنيات، وبددت المخاوف الكامنة، وحافظت على الخبز خطاً أحمر سعراً، لكن ماذا عن تأمينه للمواطن؟
زاد استهلاك السوريين للخبز، وأكدت الإحصاءات الرسمية، أنه في رمضان الماضي زاد استهلاك الخبز بنسبة تجاوزت 10 بالمئة، مقارنة برمضان ما قبل الماضي. ويفسر أصحاب الشأن هذه الزيادة، بأن المواطن بات يعتمد على الخبز اعتماداً أكبر لسد مشكلة ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية، علماً أن حصة الفرد من الخبز في سورية تعد من الحصص الكبيرة مقارنة بدول أخرى. ويجب العمل على تخفيضها. بالمقابل أشار البعض إلى ذهاب الخبز علفاً للحيوانات، فذهبت ثروة القمح التي تتحول إلى خبز إلى الثروة الحيوانية، بغير رغبة أو قرار مباشر للحكومة. ما دفع إلى مزيد من الضغوط على الموازنات المرصودة للخبز، والتي تجاوزت 200 مليار ليرة في الفترة الماضية، قيمة دعم الخبز، ولاسيما أن كلفة إنتاج رغيف الخبز تتجاوز 75 ليرة، حسب المصادر الحكومية، والرقم مرشح للزيادة نظراً لتذبذب سعر الصرف.
واقع الخبز ليس كما يظن البعض، هو واقع مثير للتساؤل، بأن يتساوى الأغنياء مع الفقراء في الخبز؟ وأن يستغل بعض مربي الثروة الحيوانية البحبوحة بإنتاج الرغيف لتقديمه على طبق من ذهب لثروتهم تلك، فيتساوى المواطن والثروة الحيوانية بالدعم المقدم والمخصص للمواطن، نتيجة انحرافات وفساد واضحين في آليات توزيع الخبز.
 تبرز مشكلة الخبز، بالتوازي مع مروحة متكاملة من المشكلات الأخرى التي تطول سلة غذاء المواطن. وفعلاً باتت الحالة لا تطاق، وثمة استهداف مبرمج لغذاء المواطن، الذي يتصدر أوَّليات الحكومة وفقاً لبيانها الوزاري. ويبدو الجوع والبرد يهددان المواطن في الفترة القادمة، على اعتبار أن ما مضى يمكن تجاهله. لكننا أمام خطر آت لا محالة في حال بقاء الوضع كما هو، أو في حال انزلاقه إلى الأسوأ أكثر من اللازم. خطر هائل، لابد من أخذه بالحسبان، والنظر إلى تداعياته بعناية. فالأمن الغذائي وفجوته المتسعة، أقسى من أي حرب أخرى تهدد السوريين بكيانهم ووجودهم ومستقبلهم. ومن الضروري المحافظة على سعر رغيف الخبز، وجودته، لأنه بوابة الدعم، وما أثير حوله مجرد مقدمة أولية تهدد برفع هذه المظلة عنه.
 
وفي تصريح للصحفيين عقب الجلسة أكد وزير المالية اسماعيل اسماعيل إنه سيتم تقديم الموازنة العامة للدولة لعام 2016 ضمن المهلة الدستورية المحددة حيث بلغت /1980/ مليار ليرة سورية، توزعت في الشق الجاري / 1470/ ملياراً والجانب الاستثماري /510/ مليارات أي بزيادة /426/ ملياراً عن موازنة عام 2015 كما أن الدعم الاجتماعي زاد عن العام الحالي حيث أصبح /973/ ملياراً و/250/ مليوناً إضافة إلى فرص العمل المتاحة للتوظيف بمجموعها / 64575/ وظيفة موزعة على القطاع الإداري والاقتصادي وتم تخصيص /4/ مليارات ونصف المليار لتمويل مشاريع مولدة لفرص عمل تتعلق بذوي الشهداء مبيناً أن المشاريع الاستثمارية في الوزارات والاحتياطي الاستثماري قد زادت عن موازنة عام 2015.
 وأكثر ما يثير التساؤل والقلق لدى عامة الشعب بل حتى الاقتصاديين أن الخبز، إذا لم يعد محصناً ومحاطاً بالحماية والرعاية الحكومية، إذاً ما الذي سيبقى محصّناً بعده؟ أهو الكهرباء أم المحروقات أم الخدمات الصحية والتعليمية..؟
وإذا كانت أسعار كل هذه الخدمات والسلع قابلة للارتفاع ولن تتمتع بالحصانة بعد الآن، إذاً ما الفرق بين نظامنا الاقتصادي ونظام اقتصاد السوق الحر؟ وهل نحن أمام مرحلة من تحرير شامل للأسعار، التي طبقت في العديد من الدول، بذريعة الإصلاح الاقتصادي، والتي نجم عنها إفقار الجماهير الواسعة وفشل الإصلاح؟
لقد اعتاد جمهورنا والنخب السياسية والاقتصادية ومع كامل تقديرنا لحراجة الوضع الاقتصادي التي نجمت عن العدوان الإرهابي والحصار الاقتصادي على سورية، فمن متطلبات هذا الوضع وزيادة موارد الخزينة ليس إلقاء العبء على جمهرة الناس، بل البحث عن مصادر أخرى لتغطية العجز واتخاذ خطوت صارمة قد لا تعجب البعض، ولكنها تخفف من آلام الذين يزدادون فقراً كل يوم.

وأخيراً نعبر عن قلقنا الشديد لاحتمال أن تكون خطوة تخفيف الدعم عن الخبز مؤشراً إلى بداية نهج جديد في الاقتصادي قوامه إضعاف دور الدولة والسير في طريق السوق الحر.
تزداد عملية تهريب المازوت إلى سورية نتيجة عوامل عدة، إضافة إلى عنصر تغير الطقس وموجة البرد التي تجتاح المنطقة.
فحاجة السوق السورية إلى مادة المازوت، رفعت حجم الاستهلاك والتوزيع اليومي من خزانات المنشآت ومن خزانات الشركات، من حوالي 3 ملايين ليتر يومياً إلى حوالي 14 مليون ليتر يومياً، يذهب معظمها إلى سورية بإفادة التجار والمهربين من فارق السعر الذي يصل إلى حوالي 80 دولاراً في الطن عن السعر الرسمي للمادة.