بعد محاولات حثيثة لترميم علاقاتنا الاقتصادية بعد أزمة أدمت اقتصادنا ومواطنينا..هل بدأنا فتح الثغرات في جدران العقوبات من الخاصرة

بعد محاولات حثيثة لترميم علاقاتنا الاقتصادية بعد أزمة أدمت اقتصادنا ومواطنينا..هل بدأنا فتح الثغرات في جدران العقوبات من الخاصرة

الأزمنة

السبت، ٣١ أكتوبر ٢٠١٥

*أحمد سليمان
 لا يختلف اثنان على ضرورة فتح ثغرات في جدران العقوبات والحصار الاقتصادي المفروض على البلاد منذ بداية الأزمة فرضتها الولايات المتحدة والدول الغربية الأوروبية والعربية منذ بداية الأزمة ما أدى إلى نتائج كارثية على الاقتصاد السوري بدأت تظهر بالتتابع مع أخذ الأزمة الطابع العنفي واستهداف المؤسسات الخدمية والاقتصادية والإنتاجية بشكل ممنهج رغم أن هذا الاقتصاد كان قد بدأ بالانتعاش مع حصد نتائج الانفتاح الذي بدأه قبل أعوام بعد سن مئات التشريعات الجاذبة للاستثمار والعمل الاقتصادي بمختلف القطاعات والتي أعادت المليارات من المغتربين السوريين للاستثمار في وطنهم الأم وجذبت مثيلاتها من جنسيات أخرى للعمل في سورية ما جعل خططنا تفاؤلية وتوقعية أكثر من أن تكون واقعية أو تأخذ بالحسبان لأي نكسة قد تحصل..
اتجاهات متعددة
 وفيما أخذت العقوبات في بداياتها شكل وضع قوائم لرجال الدولة والأعمال على لائحتها تتابعت بمنع تعاملات المصارف في الدول الغربية مع المصارف العامة ووضع قيود على حركة الاستيراد وتوريد المواد الأولية والمصنعة من قبل مؤسسات الدولة بعد وضعها بالاسم على اللائحة، ليتم فيما بعد فرض عقوبات على الشركات الغربية التي تورد مواد أو تنقلها إلى سورية.
 فالعقوبات الأمريكية ليست بجديدة على سورية بسبب المواقف القومية والوطنية السورية ورفض التنازل عن الحقوق الوطنية حيث تعود إلى عقود إلا أنها أخذت منحى جديداً منذ العام 2003 بصدور قانون محاسبة سورية ثم توقيف جميع التعاملات مع المصرف التجاري السوري منذ العام 2006 في حين أعلنت الإدارة الأمريكية منذ آب من العام 2011 ضمن قائمة هذه العقوبات الجديدة عن توقيف جميع التعاملات المصرفية ومنع استيراد النفط والغاز وتجميد أصول الحكومة السورية وتوقيف العمل ببطاقتي (فيزا كارد) و(ماستر كارد) كما يوضحها معاون وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية الدكتور حيان سلمان الذي أشار إلى أن عقوبات الاتحاد الأوروبي كان لها الأثر السلبي الأكبر كون الاتحاد كان الشريك التجاري الأول لسورية حيث تصل نسبة التبادل التجاري معه قبل 2011 إلى نحو 55 بالمئة في مجال النفط أكثر من 9 بالمئة. مبيناً أن هذه العقوبات شملت وقف شراء السندات السورية، ومنع المصارف السورية من فتح فروع لها في أوروبا، ووقف التعاون المالي والقروض والمشاريع المشتركة وشراء النفط. وبعدها بثلاثة أشهر فرضت الدول العربية عبر الجامعة عقوبات أهمها منع التعاون في السلع غير الضرورية ووقف التعاملات المالية مع البنك المركزي وتمويل المشاريع الاستثمارية وتجميد الأصول المالية، ووقف الرحلات الجوية إلى المطارات السورية، لتتلوها بعد أسبوع واحد منها العقوبات التركية، وشملت عقوبات مالية وتجارية وتجميد الأصول السورية ووقف التعاملات المالية.
إفشال الدولة
 وكان الهدف من هذه العقوبات إفشال الدولة السورية في تقديم الخدمات الضرورية لمواطنيها وبالتالي تأجيج الاحتجاجات ضد الحكومة وقيادتها وبالتالي استكمال مخطط ما رسم من أجل سورية والمنطقة، إلا أن تفاعلات الأزمة وامتداداتها وأخذ هذه الاحتجاجات الشكل المسلح وتطوره، واجتياح العديد من المناطق ودخول التنظيمات المتشددة على الخط، وانتقال المسلحين للانضواء تحت ألوية هذه التنظيمات التي شكلت ودعمت بمباركة ومساعدة من الدول نفسها التي وضعت عقوبات اقتصادية على سورية إضافة إلى أعمال السرقة والنهب والاعتداء على المنشآت العامة والخاصة الخدمية منها والإنتاجية، والاعتداء على الطرقات وعلى العمال ما أدى إلى تراجع الخدمات والقطاعات الإنتاجية بشكل كبير وعدم قدرتها على تلبية احتياجات المواطنين، إضافة إلى حالة الخوف والهلع التي زرعتها التنظيمات، ما أدى إلى حالة نزوح من مناطق سيطرة التنظيمات إلى المناطق الآمنة والى خارج البلاد سواء إلى مخيمات اللجوء في دول الجوار أم إلى دول أبعد من ذلك..
منعكسات أخرى
 ورافق ذلك معاناة يومية للمواطنين من ارتفاع للأسعار وصل حالياً إلى نحو سبعة أضعاف مما كانت عليه قبل الأزمة إضافة إلى النقص في توريدات النفط بعد تراجع إنتاجه محلياً، ما انعكس ذلك على تراجع توافر احتياجات المواطنين من هذه المواد كالغاز والبنزين وحتى بين فترة وأخرى والانقطاعات المستمرة للتيار الكهربائي بعد تراجع الكميات اللازمة من الفيول والغاز اللازمة لتشغيل المحطات نتيجة اعتداءات الإرهابيين على خطوط النفط والغاز أو على المحطات الكهربائية وخطوط نقل الطاقة بالإضافة إلى فقدان الأدوية المزمنة والضرورية.

 ورغم مرور نحو خمس سنوات إلا أن أي إحصاءات رسمية لم تخرج عن الحكومة عن منعكسات هذه الأزمة المختلطة التي يشير إليها اقتصاديون والمتمثلة بتراجع معدل النمو الاقتصادي وصعوبة استيراد السلع الأساسية وزيادة حجمها وقيمتها وتراجع الصادرات وزيادة تكاليف النقل ورسوم التأمين نتيجة ارتفاع هامش المخاطرة لدى الناقل البري والبحري والجوي، وامتناع الكثير من الناقلين عن قيامهم بذلك نتيجة العقوبات..
خطوات
 على كل هذا الوضع الذي شكلته الأزمة بامتداداتها وتفاعلاتها على الاقتصاد كان لابد من التحرك بكافة الجهات واستخدام كل الوسائل الممكنة لكسر جدار هذه العقوبات وفتح النوافذ والأبواب لإعادة رسم خارطة جديدة للعلاقات الاقتصادية وإعادة إحياء ما يمكن إحياؤه على مختلف المستويات والاستفادة من العلاقات المتاحة مع الدول الصديقة والتي كان لها موقف إيجابي من الأزمة في سورية إضافة إلى استمرار المحاولات لإعادة بناء علاقات اقتصادية على أسس جديدة مع الدول سواء التي كان لسورية علاقات تقليدية معها، وكان وجهة صادراتها ومستورداتها أو غيرها، حيث شكل إعلان وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية السورية عن إعادة افتتاح نقطة التجارة الدولية السورية منذ تموز الماضي بعد عامين من الإغلاق القسري الناجم عن العقوبات الأوروبية المفروضة على سورية خطوة جيدة في هذا الاتجاه وخاصة أن إعادة افتتاح النقطة تم بعد موافقة اتحاد نقاط التجارة العالمي الذي أعفى هيئة تنمية وترويج الصادرات والشركات السورية من رسوم المشاركة للعامين الماضيين، مشيرة إلى أن هذا القرار جاء بعد جهود كبيرة ومراسلات من الهيئة والوزارة مع اتحاد نقاط التجارة العالمي التي ركزت على الدور التجاري المهم لنقطة التجارة الدولية السورية.                                               
خاصرة الاتحاد والخليج
 ومن دون أن ننسى السعي لدخول سورية إلى الاتحاد الجمركي الروسي وهي الخطوة لتوسيع اتجاهات العلاقات الاقتصادية إضافة إلى التقدم بطلب إلى منظمة شنغهاي وتعزيز التعاون باتجاه دول البريكس قد تكون خطوات مهمة في هذا الاتجاه بالإضافة ما عمل عليه رجال الأعمال السوريين على إقامة العديد من المعارض والمشاركة في معارض أخرى ما يفتح أبواباً جديدة للصادرات السورية إلى جانب زيارة وفد من اتحاد المصدرين إلى عمان إلا أن الخطوة المهمة والبارزة هي زيارة وفد اقتصادي إلى بولندا وقيامه العديد من اللقاءات مع مسؤولين اقتصاديين ورجال أعمال على مستويات عديدة قد يفتح الباب أمام سورية وخاصة أن بولندا هي عضو في الاتحاد الأوروبي وأن هذه المبادرة قد تفتح أبواب الاتحاد الأوروبي من الخاصرة باعتبار أن هذا الاتحاد كان شريكاً رئيسياً لسورية في المبادلات التجارية.. وهذا المسعى تم بجهود رجال أعمال سوريين هناك. حيث أكد الوفد أن الأوضاع في سورية تتجه نحو الاستقرار، كما أن أغلبية المدن الرئيسية والكبرى في سورية تنعم بالأمان والاستقرار داعياً رجال الأعمال البولنديين لإقامة مشاريع وشركات مشتركة مع نظرائهم السوريين وخاصة في مجال المعدات الزراعية على اعتبار أن لدى الجانب البولندي خبرة كبيرة في هذا المجال.
دور رجال الأعمال
 وفيما أبدى العديد من رجال الأعمال والمسؤولين على مختلف المستويات الذين التقاهم الوفد رغبة في إعادة مد جسور التواصل مع سورية والمشاركة في تلبية احتياجاتها من المواد والسلع كان لرجال الأعمال السوريين دور قبل الوفد في التمهيد لهذه الزيارة الأمر الذي قد يفتح آفاقاً أوسع لهذه العلاقات وكسر جدار العقوبات الأوروبية..
فكما كان لرجال الأعمال السوريين المغتربين دور رئيسي في التأثير في السياسات الاقتصادية في بلدان المهجر وجذب استثمارات للعمل في سورية في سنوات ما قبل الأزمة وإعادة توجيه بوصلة الاستثمار نحو وطنهم الأم، وقد عمل الكثير منهم آنذاك ما استطاع من أجل مساعدة وطنهم من خلال علاقاتهم المتشعبة وثقلهم الاقتصادي في تلك البلدان ما جعلهم مؤثرين حتى في التوجهات الاقتصادية وعلاقاتها مع دول بعينها وبخاصة وطنهم.
 وفي هذه الظروف التي تواجه سورية وكم العقوبات المفروض عليها يبدو أن لرجال الأعمال المغتربين والمقيمين في الخارج دور رئيسي في إعادة ترميم ما هدم وفتح قنوات للتواصل على مختلف القطاعات وإعادة رسم خارطة جديدة لعلاقات سورية الاقتصادية.