التعليم في سورية .. عن المناهج الجديدة والأدوات !! وللنهوض اقتصادياً المطلوب تكريس للتعليم التقني والمهني تعليمياً واجتماعياً

التعليم في سورية .. عن المناهج الجديدة والأدوات !! وللنهوض اقتصادياً المطلوب تكريس للتعليم التقني والمهني تعليمياً واجتماعياً

الأزمنة

السبت، ١٤ نوفمبر ٢٠١٥

*أحمد سليمان
 حين نستعرض تجارب دول شرق وجنوب آسيا ذات النهضة الاقتصادية المؤثرة بقوة في الاقتصاد العالمي وهي كانت في معظمها إما تعاني من آثار حروب مدمرة لبنيتها التحتية إما من قلة الموارد، يستوقفنا النظام التعليمي الذي اتبعته وبنت من خلاله الأجيال التي نهضت بهذه الدول وحولتها من دول على الهامش إلى دول ناجحة بكل المقاييس ويتمتع سكانها برفاهية لا يتمتع بها سكان الدول الأوروبية التي سبقتها إلى النهوض الاقتصادي بعشرات السنوات..
 وإذا كان النظام التعليمي الذي اتبع في دول شرق آسيا كان وراء نجاح هذه الدول ليس على المستوى الاقتصادي فحسب بل في مختلف جوانب الحياة، فإن سره يكمن في تحديد ما تهدف إليه كل دولة من بناء أجيال تصنع تنميتها بيدها ومكانتها عبر إدارة كفؤة لهذا القطاع وإرادة لا تنكسر وتحفيز عال للعاملين في هذا القطاع وخاصة المعلمين والمدرسين مع مناهج تحاكي التطور السائد في العالم المتقدم مع الأخذ بالاعتبار ميول التلاميذ وتنميتها وتطوير قدراتها وخلق البيئة المناسبة للإبداع والابتكار وفي مختلف الميادين مع التركيز على تجسير الفجوة التي تعاني منها بلدانهم في المجالات التقنية الحديثة، الأمر الذي جعل من علمائها ومن مواطنيها الرقم الصعب في مجالات التكنولوجيا والاتصالات وهي الفجوة نفسها التي لم تتمنكن الدول الأوروبية والغربية تجاوزها من دون الاستعانة بعلماء وخبراء هذه الدول بل حتى إن معظم شركاتها المتخصصة في هذه المجالات وغيرها فتحت فروعاً لها في تلك الدول.
مراوحة منذ عقود
 نسوق هذه المقدمة ليس للمقارنة بيننا وبين هذه الدول في التقدم الحضاري والتقني والتكنولوجي رغم أن استقلال بعض هذه الدول وانتهاء الحروب فيها يتزامن مع استقلال بلدنا، إضافة إلى أن القطاع التعليمي لدينا يأخذ من ميزانية الدولة الحصة الأكبر. فما السر الذي يجعلهم ينهضون ونحن نراوح في المكان منذ عقود، مع العلم أن ما جرى في سورية في السنوات الخمس الأخيرة يدفعنا إلى إعادة النظر بمختلف جوانب الحياة وبخاصة الجانب التعليمي ونظامه الذي لابد من إعادة بنائه على أسس وقواعد جديدة بعد تحديد توجهات الدولة على المدى البعيد وأهدافها المتعلقة ببناء بلد حضاري حديث يستثمر ما لديه من طاقات وكفاءات ويحولها إلى قيم مضافة تزيد من متانة الاقتصاد الوطني ليستطيع الاستجابة للمتطلبات التي تقع على عاتق الدولة.. تكتيكياً.
فالمناهج التعليمية التي درسنا فيها لسنوات طويلة بكل أخطائها وتخلفها عن مناهج التعليم في الدول المتقدمة شكلت ذخيرة للطلاب المتخرجين وثباتاً ومنهجاً في حياتهم لم يستجب لمعطيات العصر ومتطلبات سوق العمل واحتياجات المجتمع..
 إلا أن التغيير الأخير في منهاج التعليم والذي مر عليه نحو خمس أي قبل الأزمة التي خلفت ما خلف من دمار وتخريب على المستوى المادي فيما شكل الاستهداف المباشر للكوادر التعليمية كارثة بكل المقاييس حتى إن بعض التنظيمات المسلحة التي سيطرت على بعض المناطق صدقت نفسها وقامت بتغيير المناهج الدراسية لتعزيز سيطرتها المسلحة بسيطرة فكرية إلا أن هذه المناهج التي لا تنتمي إلى العصر ولا العلم وكأنها عبارة عن جزر مقطوعة في حين ما زالت تجربة المنهاج الجديد بحاجة إلى إعادة النظر على المستوى التكتيكي لكونه يواجه مشكلات في تطبيقه مع إنه كما تقول الوزارة يعد تجربة جديدة لتطوير العملية التربوية ولمواكبة آخر المستجدات والتقنيات الفكرية والعلمية التي حصلت في هذا القطاع المهم في ظل تقدم العلوم والمعارف وتكنولوجيا المعلومات في العالم.
فالمناهج الجديدة قربت الطالب من الواقع رغم وجود أخطاء أساسية فيها يتم تصحيحها بشكل دائم إما من خلال إرسال الملاحظات إلى الوزارة وإما بقيام المعلم نفسه بتصحيحها، إلا أن هناك معاناة من قلة عدد الحصص الدرسية بحيث لا يتمكن المعلمون من إنهاء المنهاج وتؤثر على استيعاب الطالب إلى جانب الوقت القليل لمدة الحصة الواحدة البالغة 45 دقيقة فيما الدرس الواحد من أي مادة يحتاج إتمام شرحه للطلاب لحصتين أو ثلاث وهو مقرر في حصة واحدة. فيما يشير آخرون إلى عدم وجود وتوافر الوسائل التعليمية المساعدة التي يجب أن تكون موجودة للمساعدة في العملية التعليمية بالإضافة إلى وجود أكثر من 30 طالباً في الصف، فيما المناهج تقوم على تقسيم الطلاب إلى مجموعات وهو مالا يمكن فعله. فالعدد زائد على الحد.. ففي كل شعبة ما يزيد على 50 طالباً والحوار العملي يجب أن يكون بين 15-20 طالباً.
 وفي حين يجمع المعلمون على أن المناهج الجديدة تمكنت من تحريك ذهن الطالب ودفعه إلى التفكير وإطلاق أفكاره وخياله مع التفاعل والتجاوب الكبيرين إلا أن للطلاب وجهة نظر أخرى تتقاطع بعضها مع ما ذهب إليه المعلمون من ضيق الوقت للحصة الواحدة الذي لا يسمح للمدرس بشرح الدرس بالكامل ومشكلة النصوص التي تأتي في الامتحان العام من خارج الكتاب وأخطاء موجودة في بعض الكتب إلى جانب عدم وجود مكان لتطبيق التجارب العلمية كالمخبر الموجود في بعض المدارس في حين لا يتسع لأكثر من عشرة طلاب بينما في كل صف أكثر من 45 طالباً وأن المناهج كبيرة وضخمة وتحتاج حصصاً أكثر مما يتطلب بطرح أنموذج لأسئلة دورات يعده مؤلفو الكتب في الوزارة ليتمكن الطلاب من الاطلاع عليها.
ورغم ما ذهب إليه الطلاب والمعلمون من ملاحظاتهم على المناهج الجديدة بشكل عام والتي تتطلب بعض التعديلات والأدوات، إلا أن السؤال الأهم هل هذه المناهج الجديدة تستطيع أن تأخذ بعين الاعتبار نهوض سورية في ظل عدم توافر الأدوات والوسائل لتطبيقها وخاصة في المدارس النائية وخاصة ما يتعلق بتطبيقات التكنولوجيا وغيرها، إضافة إلى الأضرار التي لحقت بهذا القطاع جراء الأزمة من الجوانب المادية والتي أدت إلى تخريب نحو 4 آلاف مدرسة وخسارة مئات آلاف الطلاب لمدارسهم إضافة إلى خسارة آلاف الكوادر التعليمية إما موتى أو مخطوفين أو مستقيلين وخسارات مادية تقدر بأكثر من 170 مليار ليرة حسب إحصاءات نهاية العام الماضي.
الثقافة المجتمعية
 كل ذلك يتطلب إعادة النظر في تطبيق هذه المناهج بعد هذه السنوات والتوجه بشكل أكثر إلى المناهج المهنية والتقنية وإعطائها الأهمية ليس من الجوانب التعليمية والتربوية فحسب بل حتى من الجوانب الاجتماعية وهذا بالطبع يتطلب إعادة النظر في الثقافة المجتمعية التي تعطي الطبيب والصيدلي والمهندس والتي جاءت من درجات القبول الجامعي للمتقدمين لهذه الفروع وانعكاسا لها، في حين من يدخل التعليم المهني والتقني هو صاحب العلامات المتدنية في شهادة التعليم الأساسي أو الإعدادي كما كانت.. وهذا التعليم حالياً يعاني مشكلات تتعلق بتعدّد الجهات المسؤولة وعدم وجود إدارة موحّدة للإشراف وتماثل المهن والاختصاصات في الوزارات إلى عدم تنفيذ أي استراتيجية موحّدة، إضافة إلى ضعف التنسيق بين الوزارات بما يخدم الاحتياجات وسوق العمل كما بينت وزارة التربية التي أشارت أيضاً إلى قلة الموارد المخصصة للتدريب وإعادة التأهيل للمدرسين والمدربين والبحث والتطوير وإعداد المناهج والمعايير والتقويم، مع عدم وجود مرصد لقطاعي التعليم والتدريب والأعمال، وعدم كفاية خريجي التعليم التقني، ما يؤدّي إلى عدم اجتذاب الاستثمارات إضافة إلى ضعف المقوّمات التي تمكّن من التحفيز المادي والمعنوي للمدرسين والمدربين الأكفاء لاجتذاب الطلبة.
علاقة مقطوعة
 ويصف معاون وزير التربية لشؤون التعليم المهني والتقني الدكتور سعيد خراساني العلاقة بين النظام التعليمي والمؤسسات بالمتباعدة والمقطوعة أحياناً، ولاسيما أن أهدافهم وطرائق عملهم مختلفة، يضاف إلى ذلك صعوبة تحديث الشركات لأن معظمها عائلية صغيرة لا تتمتع بقدرة استيعاب كبيرة، مع ضعف التغذية الراجعة لسوق العمل وعدم وجود كوادر مؤهّلة مختصة في مجال تدريب الطلاب في المؤسسات الاقتصادية ما يشكل عبئاً إضافياً على نظام التعليم المزدوج، مع عدم وجود نظام يسمح بالانتقال من المؤسسات التعليمية إلى المؤسسات الاقتصادية وبالعكس.
إعادة الإعمار
ومع التحدّيات التي تواجه هذا النوع من التعليم على المستوى الحكومي المتمثلة بعدم استقلالية المؤسسات التعليمية في الإنفاق المالي على العمليات التدريبية والتعليمية مع دور منوط بالتعليم التقني في إعادة الإعمار، ناهيك عن النظرة الاجتماعية للتعليم التقني وعدم جاذبيته لأسباب يمكن تجاوزها الأمر يتطلب حسب خرساني من الحكومة تبنّي طريقة متكاملة من خلال تحليل مضامين هذا النظام التعليمي وتطوير السياسات المتبعة بشأنه بالاعتماد على حاجات الطلاب والأهداف الاجتماعية من أجل تطوير مستدام لحاجات سوق العمل، مع تنويع مناهج التعليم التقني، وتطوير طرق الانتقال بين التعليم الثانوي وما بعده وتوسيع نطاق التعليم التقني ما بعد التعليم الثانوي بالإضافة إلى إعادة النظر في موضوع قبول الطلاب حسب الرغبة والمهارة لا حسب الدرجات وزيادة اهتمام الدولة بتطوير الإدارات المختلفة ومنها الهيكلية لتكون مرنة وفعالة، إضافة إلى السعي لتجويد أداء التعليم التقني نظراً لحاجة سوق العمل المتزايدة إلى الأكفاء ولاسيما في إحداث كليات العلوم التطبيقية التي شجّعت الطلاب على الالتحاق بالتعليم المهني والتقني وإنشاء المؤسسات والحواضن ذات الصلة لدعم الالتزام والابتكار لمواجهة البطالة والنقص في العمالة وربط التعليم التقني مع التعليم مدى الحياة، مع إقرار سياسات التعليم التقني بتنوع القطاع الخاص الذي يمثل المشاريع الكبيرة والمتوسطة والصغيرة والمنزلية المشاركة في كل المجالات.
الاستثمار في الأطفال
 وتؤكد مؤسسة بروكينجز المختصة بقضايا جودة التعليم في العالم النامي، في تقرير لمركز التعليم العالمي فيها.. أن الاستثمار المبكر في حياة الأطفال هو أحد أهم الاستثمارات التي يمكن للدول أن تقوم بها، وأن التعليم المبكر يحسّن من قدرات التعلّم والتحصيل المدرسي وإنتاجية سوق العمل، وأنه كلما بكّرنا بالاستثمار زاد العائد الاقتصادي الأمر الذي يتطلب اتخاذ إجراء عاجل لتطوير المهارات الأساسية لدى الأطفال والشباب لتمكينهم من التقدم في المدارس وإيجاد فرص عمل لائقة تناسب سوق العمل في المستقبل الذين سيحيون فيه.