الفساد يلتهمها منذ أكثر من عقد!!هل سيعود عز النقل الجوي الوطني؟!

الفساد يلتهمها منذ أكثر من عقد!!هل سيعود عز النقل الجوي الوطني؟!

الأزمنة

السبت، ٣٠ يناير ٢٠١٦

الأزمنة – مجد سليم عبيسي
لا يمكن للمُحاكم أن يلوم مؤسسة الطيران العربية السورية بأنها استسلمت لسكاكين الفساد خلال السنوات العشر الأخيرة بجريمة كونها من القطاعات القليلة الرابحة التي صمدت أمام العقوبات الخارجية، ما جعلها فريسة شهية لآكلي المال العام؛ فالتهمتها شبكات الفساد المتشعبة داخلها ولم ترحمها طوال السنوات الأخيرة حتى باتت على طاولة الإنعاش!
ذاك القطاع الذي قدم خدمات النقل الجوي الداخلية والخارجية لأكثر من 50 وجهة إلى آسيا وأوروبا وشمال أفريقيا، وكان يملك في فسحة من الزمن أسطولاً تبختر بـ 13 طائرة؛ يجر نفسه اليوم على طائرة واحدة حاملاً بنَفَس المقاتل الأخير اسم مؤسسة الطيران العربية السورية إلى عام 2016.
لا يمكن تحديد على من يقع اللوم في هذا الواقع، فالفساد نهش جسد المؤسسة وعلى مرأى ومسمع الحكومات المتعاقبة وصولاً إلى ما هي عليه اليوم في غرفة العناية المشددة ومهددة بالموت في أي لحظة تنتظر إجراءات إسعافية علّ أطباء الإنعاش أن يهتدوا لها.
 
ماض عريق
 
لن نبكي على أطلال المؤسسة أبداً بعد، إن علمنا أن المؤسسة عادت مع نهاية 2015 تقريباً إلى نشأتها الأولى قبل سبعين عاماً مضت، حين تأسست شركة الخطوط الجوية السورية في خريف عام 1946  بطائرتين مروحيتين طراز سيسنامستير ، وبدأت بتسيير رحلات داخلية فقط بين دمشق وحلب ودير الزور ثم القامشي، قبل أن تتوسع بتواتر سريع مع بداية الخمسينيات من القرن الماضي عبر رفد الأسطول وزيادة الخطوط.
كما يمكن اعتبار الولادة الثانية للمؤسسة حدثت عام 1975 حين تم تغيير اسم شركة الطيران العربية السورية إلى مؤسسة الطيران العربية السورية بموجب المرسوم الجمهوري رقم 2748 تاريخ 11/11/1975، وتم تنسيق الطائرات القديمة من طراز دي سي 6، وأصبح كامل أسطول المؤسسة بالطراز ذي المحرك النفاث.
 
 
بدايةً.. اختلاف بالاهتمامات!!
إذاً.. فقد توسعت شبكة المؤسسة أفقياً وعمودياً بتصميم ماض على العمل في ما مضى.. والتزام بوازع من ضمير غاب مؤخراً عن المتنفذين وبعلم العاملين المقهورين بالأنظمة ومهمشي الرأي.
فأن تعمل هو أمر طبيعي، أما أن تتظاهر بالعمل فهذه مصيبة..
مصيبة التظاهر بالعمل ركبت موجة المجتمع السوري عامة وأصحاب القرار في السورية للطيران بشكل خاص، حتى باتت اللامبالاة رديفة أساسية لكلمة الفساد وبوابة واسعة لملفاته. فضمن الوزارات المتعاقبة المختصة بقطاع النقل الجوي في السنوات العشر الأخيرة؛ لم يتم تسجيل إنجاز واحد يمكن أن يحتسب كنقلة نوعية لمؤسسة الطيران السورية كما كانت إنجازاتها حتى القرن الماضي والتي كانت متينة الأسس حمت المؤسسة من الانهيار دوناً عن غيرها من شركات القطاع العام.
وفي المقابل تم تسجيل تصدعات كبيرة وشروخات ضخمة في بناء المؤسسة كانت جميعها مهملة أو "مداراة" من قبل المسؤولين وبعيدة عن المحاسبة وراء ستائر واهية من الخداع والمحسوبيات. ولا يمكننا المقارنة بين اهتمامات المسؤولين إلا بمثال وزير النقل الإيراني عباس آخوندي الذي صرح منذ أيام بمؤتمر صحافي أن إيران تعتزم شراء 114 طائرة ركاب مدنية خلال الشهر أو الشهرين المقبلين.. مقابل قرار وزير نقلنا في العام الماضي القاضي بفسخ عقد متعهد الإطعام في مؤسسة الطيران العربية السورية، وطلبه من الرقابة الداخلية فتح تحقيق عاجل بهذا الملف، وإحالة كل من يثبت تورطه إلى الجهات القضائية المختصة!! متناسياً القضايا الأهم من البسكويت التركي والتي تقود أسطول السورية نحو الفناء وكوادرها نحو التسرب وأرباحها نحو الاضمحلال، في وقت تحتاج فيه ميزانية الدولة حاجة ملحة لعائدات قطاع حكومي رابح كمؤسسة الطيران السورية!
 
هل العقوبات بيت الداء؟!
 
قد تكون العقوبات اللئيمة التي فرضتها أمريكا بالتعاون مع دول الاتحاد الأوروبي هي سبب أساس في تردي وضع المؤسسة، منذ أن فرضت الإدارة الأمريكية عقوبات اقتصادية على سورية منذ 11 أيار 2004 والتي شملت حظر بيع أي طائرات أو أي قطع غيار تنتجها مصانع أو شركات أمريكية أو تساهم في تكوينها بنسبة تزيد على 10% من مجمل الجهاز، وحظر تحليق الطائرات السورية في الأجواء الأمريكية.
وحتى عندما وقعت الخطوط السورية مذكرة تفاهم مع شركة إيرباص لشراء 14 طائرة من طراز إيرباص إيه 320 بقيت المذكرة مشروطة بموافقة الولايات المتحدة لكون طائرات الإيرباص تتضمن تجهيزات أمريكية تتجاوز 10 % من مكوناتها، الأمر الذي يتطلب رخصة تصدير من الحكومة الأمريكية لإتمام الصفقة، أبدت حينها الحكومة الأمريكية بعض المرونة في السماح لدخول قطع غيار لبعض الطائرات، وسمحت لوفد من شركة بوينغ للبحث في تعمير طائرتين من طراز بوينغ 747، وعملت الخطوط السورية على بحث شراء 7 طائرات روسية من طرازي توبوليف 204 وإليوشن 96. وفي 23 تموز عام 2012 فرض الاتحاد الأوروبي حزمة عقوبات جديدة على سورية، تضمنت عقوبات جديدة على الخطوط السورية ومن بين العقوبات منع الخطوط السورية من السفر إلى جميع الدول الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى منع الشركة من شراء أي طائرات جديدة من الشركات الأوروبية.
ولكن قبل أن نعلق أسباب انهيار مشغل الناقل الوطني بالكامل على شماعة العقوبات الغربية، يمكن أن نضيء على تجربة إيران التي فرضت عليها العقوبات أيضاً بحظر تجاري كامل عام 1995، أي قبل 9 سنوات، ورغم ذلك بقي الأسطول صامداً رغم الأعطال والتهالك الحاصل ما استدعى فور فك العقوبات التفاوض على رفد الأسطول الإيراني بمئات الطائرات نظراً لأن إيران في حاجة ماسة إلى تحديث أسطولها الجوي المدني الذي يتكون من 150 طائرة صالحة من مجموع 250 طائرة حسبما أفاد الوزير آخوندي.
ونقل الإعلام الإيراني الرسمي عن الوزير قوله: "نتفاوض مع (ايرباص) منذ 10 شهور، ولكن لم تكن لنا قدرة دفع ثمن الطائرات نتيجة العقوبات المصرفية."
من جانب آخر، قال نائب وزير النقل الإيراني أصغر فخرية كاشان لوكالة رويترز إن إيران تريد شراء 100 طائرة مدنية من شركة بوينغ الأمريكية.
ويذكر أن العقوبات الأمريكية على إيران ما زالت سارية، ولكن بإمكان بوينغ التقدم بطلب استثناء خاص يسمح لها ببيع الطائرات إلى إيران.
وهنا لا يخفى على أحد ذكاء الحكومة السورية في الالتفاف على الأزمات والحصار الغربي في جميع القطاعات، حيث لم تعدم الحلول في لحظة من اللحظات. ولكن لماذا عجزت حين بات الأمر يتعلق بإصلاح أسطول السورية للطيران وبالقرارات التي من شأنها أن تهتم بمصالح الركب الطائر خصوصاً وعمال السورية عموماً؟! ما دفع الكثيرين للهروب إلى شركات النقل الجوي الخاصة ؟!!.
تساؤلات فيها شكوك خطيرة غمز لها كثيرون من أبناء المؤسسة فيما يتعلق بزوبعة شركات الطيران الخاصة وما لها وما عليها.. والاتهامات المبطنة يمكن متابعتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي ويمكن ملاحظة أنها منضوية على اتهامات برشاوى ضخمة وشراكات مخفية واتفاقيات من تحت الطاولة على تدمير القطاع الحكومي مقابل منافع خاصة لمصلحة قطاعات خاصة!!
 
 
كلام من الداخل!!
 
حالات من الامتعاض العام بين عمال المؤسسة يمكن ملاحظتها من التعليقات المنشورة عبر مواقع التواصل الاجتماعي على القرارات أو الإجراءات التي لا تعود إلا بمنافع حفنة من الأشخاص وضد المصلحة العامة..
كلام به يأس المظلوم الذي لا يسمعه غير من يشاركه همه.. وأحياناً بصيغة مزاح الذي يشتف به غيظ القلوب.. إليكم بعض التعليقات التي تصف الواقع من الداخل.. ولو بالعامية ومن دون ذكر أسماء:
 
-           رفعتوا سن التقاعد ههههه ما بتعرفوا أن الطيارين أكثر ناس عمرها قصير من كتر تعرضهم الدائم للضغظ الجوي... الله يعطيكم العافية و طول العمر بس مو هاد الحل. الحل عطو الطيارين رواتب تعيشهم على الأقل. نص رواتب طيارين العالم أقل راتب متل مصر 15 ألف دولار في الشهر.. وغير هيك يا ريت تعيدوا ترتيب الأسطول من ناحية النظافة والوجبات والمضيفات والمضيفين علموهم بس كيف يبتسموا على الأقل.
 
-           الوزير مفكر أنو الطيارات بدها محركات وأنو بدها طيارين، وشو مشان عناصر الضيافة....مفكّرون كراسين بمطعم ...الطيارة بدون ضيافة وطيارين ما بطير...عناصر الضيافة عم يتسربوا إلى الشركات التانية..شوف مطالبهم كمان. واهتم فيهم ليقوموا بعملهم على أتم وجه...الضيافة الجوية عملها الأول والأساسي سلامة الركاب بحالات الطوارئ وإنقاذ أرواحهم.
 
-           سبحان الله... المسؤولين..  لمحة عن إنجازاتهم في ٢٠١٥:
رفع المستوى المالي والفني لشركة "نقل خاصة"، تدمير مؤسسة الطيران العربية السورية بشكل كامل والمساهمة بإيقاف طائراتها، رفع سن التقاعد للطيارين وذلك ليستفيد منه المدربون بالمؤسسة، زيادة الراتب للركب الطائر بـ٧٥ دولاراً كحد أقصى أي ٤ سندويشات ماكدونالد، وآخر ما رفض قرار إيفاد طيارين الـ ATR إلى مدريد وتم الرفض للمرة الثانية من المدير العام والوزير وذلك لعدم الموافقة من مجلس الوزراء على شراء محركين بسعر رمزي، رفض قرار إيفاد لمهندسي الصيانة المشرفين على ATR ومعهم مدرب لتدريبهم على تشغيل المحركات بمدريد.. رفض قرار إيفاد المرحلين لمدريد.. رفض رفض رفض ٢٠١٥ عام الرفض.
 
-           لم نعد نعول على أحد، تم تهديم المؤسسة بشكل ممنهج ومقصود لكن حالياً علينا أن نتدبر أمورنا. لا خوف على من هم في سن التقاعد أما الخوف علينا نحن ومن هم في منتصف العمر ماذا نفعل إذا كان نفس الطاقم هو من يهيمن على الشركات الخاصة، فلا مكان لنا فيها وإذا كانت نقابتنا أدارت وجهها عنا عندما التجأنا إليها شاكين. ما العمل ورواتبنا دون المئة دولار؟؟ إنهم يتلاعبون بمستقبلنا ومستقبل عائلاتنا من خلال بعض العبارات أن هناك ما يبشر وطولوا بالكم علينا اعلمنا فلان وأوفدنا فلان وسنعمر وووو.. هذا كله يقع في خانة الكلام الفاضي نريد فعلاً لا قولاً.
 
-           السورية ذات الستين عاماً وأكثر تستنجد بشركة حديثة العهد، والله لو كنت مسؤولاً وصاحب منصب لقدمت استقالتي خجلاً وحفظاً لماء الوجه. السؤال الصعب هو: من يعرقل نهوض السورية؟؟ من يمنع أن تشتري السورية محركات لطائراتها؟؟؟ لاحظوا السؤال من؟ وليس ما؟ والجواب أكيد ليس الحظر والحصار والكلفة لأن هذا الكلام مردود عليه فشركة... تستطيع شراء كل ما تريد من القطع والدليل وأنا مسؤول عن كلامي مستودع القطاع الخاص بها ممتلئ تماماً بالقطع التي قد تحتاجها طائراتها. إذاً السبب هو من؟؟ وليس ما والأغرب هو لماذا؟؟ لا يتم الحساب أو التوجيه أو أي شيء يخرجنا من هذه الأسئلة بدلاً من الاستسلام لواقع سيئ ومخجل أرجو من الشرفاء والغيورين أﻻ يستكينوا وبالنهاية لا يصح إلا الصحيح.
 
-           ليس من الصعب أبداً أن تعود مؤسسة الطيران العربية السورية إلى واجهة الشركات القوية لكن ذلك يحتاج إلى العوامل التالية:
-كف يد الجهات الوصائية عن التدخل بشؤون المؤسسة.
-إلغاء الأنظمة والقوانين الناظمة حالياً وإيجاد قوانين حديثة تتماشى مع تطور قطاع الطيران غير مقيدة بالأنظمة والقوانين السائدة.
-مجلس إدارة من داخل المؤسسة ولا تعيين من خارج المؤسسة أو من وزارات الدولة الذين لا يفقهون شيئاً بأمور الطيران.
-تقييم أداء المدير العام ومجلس الإدارة ومديري المديريات كل 18 شهراً ومحاسبة المقصرين.
لا يمكن منافسة أي شركة طيران خاصة تعمل بكامل حريتها ونحن مكبلون بهذا التعقيد والروتين القاتل والنفسيات المريضة.
 
ردة فعل:
 
في وقت سابق كانت قد أعلنت مؤسسة «خطوط الطيران السورية» أنه لم يتبق من أسطولها سوى طائرة واحدة قادرة على الطيران. وطلبت مبلغ 57 مليون دولار من الحكومة من أجل إعادة تأهيل طائراتها، منذرة بأن جميع الطائرات مهددة بالتوقف ما لم تتدارك الحكومة الموقف.
وبناءً على ذلك حصلت السورية للطيران على تمويل عبر الخط الائتماني الإيراني كان بتدخل مباشر من القيادة السياسية، حيث تم تخصيصها بحوالي 45 مليون دولار.
وزير النقل الدكتور غزوان خير بك، أكد أن هناك جملة قرارات تعمل عليها الوزارة من شأنها تطوير أداء "مؤسسة الطيران العربية السورية" والارتقاء بعملها وتأهيل كوادرها بما يعزّز تنافسيتها وتجاوز الصعوبات والمعوقات التي تعترضها أثناء تنفيذ مهامها، إضافة إلى متابعة إجراءات تعمير طائرات المؤسسة ولاسيما الإيرباص والبدء بتعمير طائرة ثانية بالسرعة الممكنة، وتمويل العقد الذي سيبرم بهذا الخصوص من الموارد الذاتية للمؤسسة وتعديل أجور النقل الداخلي الجوي بما لا يحمّل المؤسسة أو الموازنة العامة للدولة أعباء إضافية.
إذا ما سارت الأمور على خير ما يرام ولم يتم السماح لضعاف النفوس بممارسة عرقلة الإصلاح والتعمير؛ وتمت إقالة بعض المتنفذين ومنع الهدر وعمل الجميع يداً واحدة لمصلحة الوطن، فإن السورية للطيران ستتمكن من النهوض من جديد لتعود إلى الواجهة كواحدة من أفضل الشركات سمعة وقوة وعراقة.