فنٌ وذوقٌ.. والخروج عنهما خرق صارخ

فنٌ وذوقٌ.. والخروج عنهما خرق صارخ

الأزمنة

الثلاثاء، ١ أبريل ٢٠١٤

زهير جبور
ينبغي أن نتوقف عند تعريف نفسي يحدد نوع المهارة المرتبطة بالعلاقات الحسية الحركية للبشر على مستوى النسيج العصبي، وتعني القدرة على اكتشاف التكيفية بصورة مستقلة وتلقائية؛ وهي اكتساب المهارات ضمن شروط التعزيز وعوامله النفسية الداخلية، وقوة العادة تتولى القيام بوظيفة المحاولات التي يبذلها الفرد للوصول للاستجابة المطلوبة، ويأتي السلوك ثمرة ائتلاف المهارات، ينطبق هذا على معظم ما يقوم بفعله الإنسان حين تتكامل لديه عناصر العمل المطلوب، وقيادة العربة التي أطلق عليها أنها ذوق وفن تخضع لهذا المفهوم، مع ملاحظة أن الذوق من أرقى ما يمكن حمْله من صفات إنسانية تفصل بين الجمال والبشاعة، وتحدد مزايا التذوق العام الذي إن افتقد تبقى لوحة حياة الفرد ناقصة جداً، والفن كما هو معروف إلى جانب الأدب يمكن أن يجنب الأرض الانزلاق كونه يشبه الزيت بين مسنناتها التي سوف تزعق بحدة كبيرة إن لم يكن له وجود.
   
لماذا التعريف؟
كثرت في اللاذقية حوادث السير المؤسفة في الريف. وداخل المدينة، وسجل الشهر الماضي أكثر من 25 حادثاً مرورياً، شمل أوتستراد دمسرخو. نفق الزراعة. المشروع السابع. شارع الحسيني. نفق 6 تشرين. شارع غسان حرفوش. حي الزقزقانية. ويمكن القول إنه لم يخل أي حي أو زقاق أو شارع فرعي ورئيسي من حادث ما، ولا يمكننا هنا أن نضع اللوم على شرطة المرور وهي للإنصاف تقوم بعملها، وتواجه صعوبة الازدحام الخانق في الذروة الصباحية وما بعدها، وتتعامل مع اللامبالين، الذين لا يحملون حسّ المسؤولية ويخترقون سيادة القانون بكثير من المخالفات اللاأخلاقية، وغير المقبولة، والتي تواجه بانتقادات من الناس وتسبب لهم استفزازاً، ومن هذه العربات ما يحمل لوحة رقمية ممحية، أو لا تحملها، وهي إفرازات مؤسفة جداً سببتها الأزمة التي تعيشها البلاد، وكله يتستر تحت غطائها، ونحن على يقين أن الجهات المسؤولة والرسمية والمكلفة بالمواجهة والأمن لا تقوم بأي فعل، والذين يقومون ما هم إلا المستهترون بالمواطن والوطن، والمحتاجون لإعادة تأهيل عقلي وتربية اجتماعية، ولا ينطبق عليهم تعريف المهارة لأنهم خارج أي سلوك اجتماعي.   

لماذا الحوادث؟
لا بد أن حوادث المرور تجري في كل دول العالم دون استثناء، ويقاس رقيّها أحياناً مع عدد ما يقع فيها، وثمة دول استغنت عن شارات المرور لأن التأهيل النفسي المحكم جعل الناس تتقيد بالنظام حسب ما ورد في تعريف اكتساب المهارات.
كثيرة هي الحوادث التي سببتها حاويات القمامة بعد تفريغها ومن ثم لا تعاد إلى مكانها المخصص والذي هو في أقصى الرصيف كي لا يعيق السير، أو أنهم جعلوا لها فتحة محمية تركن بداخلها، وهذا غير متوفر في شوارعنا، وأخرى الحفر التي لا يتقن مجلس المدينة حتى الآن أن يخلّص اللاذقية منها، وأحياناً تشكل مطبات حقيقية، وفي الأسبوعين الماضيين وقعت عدة حوادث بسببها حين كانت مياه الأمطار تشكل أنهراً متدفقة بسبب عدم صيانة الفوهات، أما عن العربات الخشبية لبيع الخضار والفواكه فالحديث يطول جداً، وإشغال الأرصفة والامتداد عليها مشهد لم يعد يليق بالمدينة السياحية، وهي ليست هكذا الآن بسبب غياب السياحة، والوقوف المخالف، وعدم الالتزام بالشاخصات المرورية، وغيره الكثير، وما جرى كنا شهوداً عليه ولم يُنقل لنا من مصدر آخر، أن عربة الإسعاف توقفت أكثر من ثمان دقائق وهي تصدر الصوت الإسعافي الذي ينبغي أن يفسح لها مجال العبور بأي حال، وبرغم تدخل أكثر من شرطي لكن الازدحام لم يمّكن الذين أمامها من التحرك، وحين استفسرنا عن الأسباب تبيّن أن عربة من نوع فاخر خالفت اتجاه السير المكتظ بعد أن أجرت عملية الاستدارة في منتصف الطريق، وهذه ليست استثنائية وتتكرر في اليوم مرات، غير الذين يقفون في منتصف الطريق ويتبادلون الأحاديث.
   
وأسباب أخرى
تعتمد القيادة على التحفز العام بحكم الممارسة والاستجابة الحركية التلقائية وعندما يشاهد السائق أي خطر مفاجئ أمامه فسوف يدفعه الحافز لوضع يده على الزمور وقدمه على الفرامل، هي التلقائية.. قال أبو هايل إنه يثق بقيادته جداً وقد أمضى سنوات طويلة من عمره وراء المقود ويتحكم بأعصابه إذا ما واجه الخطر، ويتصرف بهدوء تام، ولم يسبق له أن تعرض لأي حادث، ولا يخشى من نفسه، بل خوفه الدائم والمستمر من الذين يقودون إلى جانبه، وهذا ما يجعله في حالة انتباه شديد، ويعلل سائق العربة العامة أسباب كثرة الحوادث هذه الأيام إلى ضيق الشوارع التي لم تعد تتسع للكم الهائل من العربات، وشوارعنا ليست مصممة لمثل هذا العدد، وعلينا أن لا ننسى أن الإخوة الوافدين من المحافظات الساخنة جلبوا عرباتهم وهم يعملون إلى جانبنا في النقل، وهذا حقهم بطبيعة الحال، لكنه سبب ازدحاماً فوق مقدرة المدينة واستيعابها، أما حادثة أبي طريف فهي طبيعية ولا يمكن أن ندرجها في غير المألوف وهو ينبه نفسه أن يركز ولا يغيب ذهنه؛ ويردد: الحادث يقع في أقل من ثانية فتجنبها يا أبا طريف، لكنه منذ عدة أشهر فقد تركيزه وأصبح عقله يشرد أثناء القيادة حسب تعبيره، أجبت أبا طريف بأن نسبة لا بأس بها من الناس مصابة بمرض التشتت والظروف المحيطة وصعوبات العيش وأخبار الدمار والقتل والخطف تسبب مثل ذلك، وحدثته عما جرى معي حين توقفت على شارة المرور الحمراء وكنت أحدق منتظراً تبدلها وشردت بذهني، ولم أستعِده إلا على أصوات الزمامير التي انطلقت خلفي، لأصحو من شرودي على حين غرة، وكأني كنت خارج وعيي تماماً، أما في الريف فثمة طرق محفرة وأخرى جرفت الأمطار تعبيدها والكساء الإسفلتي فوقها، لتشكل حفراً واسعة وعميقة، وطرق دون هندسة صحيحة وميولها الشديد يعرض أي سائق للحادث، ومنعطفات حادة جداً ومخفية تفتقر للشارات، وتأتي السرعة أهم المواضيع التي ينبغي التوقف عندها خاصة بعد غياب المراقبة بواسطة الرادارات أو الكاميرات، ويرجع ذلك لظروف الأزمة المؤسفة في البلاد.
   
متابعة التوعية والتثقيف
لا بأس أن تمنح شهادة السواقة بسهولة، وهو ما شهدناه منذ سنوات ماضية وأصبح الحصول عليها أبسط بكثير مما كان عليه في الماضي، ومدارس السواقة جعلت منها تجارة رابحة بحيث يخضع المتقدم لدورة تقتصر على أسبوعين مقابل مبلغ مالي، وكثر الكلام حول هذه المدارس، قصي أحمد يجد أن نسبة لا بأس بها من الذين حصلوا على رخصة السواقة وصلوا إليها بطريقة خاطئة جداً والموضوع أن هؤلاء يطمحون لها ولا يهمهم سوى اقتناء العربة وقيادتها خاصة بعد أن توفرت في الأسواق وسهلت البنوك ذلك من خلال القروض، وسابقاً كانت حلماً صعب المنال، وأنا أعرف الكثير ممن اشتروها قبل أن يتعلموا قيادتها، ثم جاءت عربات (الأوتوماتيك) لتخفف من عناء التدريب، ونحن من أتقنّا القيادة ندرك أن المسألة لا تنحصر فقط بمعدل السرعات أو وضع القدم على الفرامل، إنما هي تحتاج لدقة المقاسات، عملية مرتبطة بالعقل. اليد. القدم. الحسابات. الحكمة. النباهة. الممارسة. واكتساب المهارة، وسرعة الاستجابة التي إن فلتت أدت إلى وقوع الكارثة، وهذا ما ينبغي أن يتم اختباره قبل منح الشهادة، وبطاقة النقاط التي نُفذت لم تحقق المطلوب، والمسألة بين الشرطي والسائق، ونحن نفتقر للمثالية المهنية في جميع أعمالنا.
   
خارج الإرادة
علينا أن نعترف أن ثمة قضايا في موضوع السياقة يمكن السيطرة عليها في حال التشدد بتطبيق النظام والتثقيف العام، والمحاسبة الشديدة، أزمة البلاد صنعت الفوضى في الكثير من التفاصيل اليومية ومن بينها قيادة العربات، ولكن ثمة حوادث تكون خارجة عن الإرادة ولا ذنب للسائق فيها، ومن بينها ما يظهر في موضوع التركيز وسهو العقل، والهموم التي يحملها المواطن السوري كبيرة جداً، وهي تضغط عليه نفسياً وتجعله يخرج عن تركيزه ويبتعد عنه، وفي مثل هذه الحالة ينبغي أن نضع العربة جانباً ونقر بأننا نعجز عن قيادتها وما علينا إلا أن نتدبر شؤون يومنا من دونها، وإلا سوف يكون الثمن باهظاً والخسارة كبيرة، ولنعلم أن أي زيارة عابرة لورشة الإصلاح تضاعفت عشرات المرات عما كانت عليه، وهذا ينطبق على سعر قطع الغيار إن توفرت، وكذلك التصويج والدهان، وما نرجوه أن لا تتهاون الشرطة المرورية مع المخالفات، وأن تقوم بضبط الشوارع، وتتعامل مع الأمور كما هي عليه، وقد جلبتها الظروف خارج إرادتنا، وما كنا نفكر بمثل ذلك، لكنه حصل وليس لنا إلا الصبر والحكمة والتريث إلى أن نخرج من محنتنا ونعود إلى طبيعة ما كنا عليه وهو قادم دون شك وفي وقت قريب، وأن تعاد دراسة موضوع الشهادة بمراقبة صارمة لمدارس السياقة، والمسألة تتعلق بحياة البشر ولها أضرارها الكبيرة جداً التي تنعكس على المجتمع والأفراد والاقتصاد وينتج عنها الحزن ويكفي ما فينا منه وقد تمركز في قلوبنا ليبعدنا عن أي فرح.