السويداء: التصدي لمعالجة مياه الصرف الصحي ..هل لا تزال صعبة في التجمعات الصغيرة؟!

السويداء: التصدي لمعالجة مياه الصرف الصحي ..هل لا تزال صعبة في التجمعات الصغيرة؟!

الأزمنة

الثلاثاء، ٢٣ سبتمبر ٢٠١٤

السويداء- فريال أبو فخر firyaaf14@gmail.com 
لم يكن الكتاب الذي سطرته مديرية شؤون البيئة في محافظة السويداء إلا دليلاً وتأكيداً على ما قاله للأزمنة مجموعة من الأهالي المتضررين من مدينة شهبا والتي تقع بيوتهم على طريق شهبا- السويداء وتحديداً- منطقة الهشة- الذين اتصلوا شارحين مشكلتهم لعل وعسى يجدون آذاناً صاغية جراء تعرضهم للأذى من مياه الصرف الصحي المتجمعة على شكل مستنقعات في تلك المنطقة، وما تسببه من أضرار بيئية وأخطار صحية على القاطنين في تلك المنطقة.
حلول إسعافية لا تجدي نفعاً..
وقد قامت مديرية شؤون البيئة بالمحافظة بتسطير كتاب إلى محافظة السويداء منذ أكثر من ثلاثة أشهر للنظر بشكاوى العديد من المواطنين وما يلحق بهذه المنطقة جراء الواقع البيئي الخطر الذي يتعرضون له إذ جاء فيه أنّه بناء على كتاب وزارة الدولة لشؤون البيئة رقم 16/ش في تاريخ 22-4-2014 المتضمن معالجة شكوى أهالي مدينة شهبا المتضررين من مياه الصرف الصحي المتجمعة بشكل مستنقعات في تلك المنطقة، وما تسببه من أضرار بيئية وأخطار صحية على القاطنين في تلك المنطقة، فقد قامت مديرية شؤون البيئة بالكشف الحسي على المنطقة وتبين لها وجود تجمع لمياه الصرف الصحي على شكل مستنقع للمياه الآسنة يقع غرب منازل الأهالي القاطنين في تلك المنطقة، وهذه المياه- حسب الكتاب الموجه من المديرية- تحتاج إلى سحب لمنع انتشار الحشرات والروائح الكريهة والأمراض البيئية، وأضاف الكتاب: إنّ مجلس المدينة قام بحل عدّه إسعافياً وريثما يتم استكمال شبكة الصرف الصحي من خلال قيامه بحفر حفرة عميقة في باطن الأرض لتصريف تلك المياه الآسنة وقام بتغطيتها، لكن هذا الحل حسب كتاب مديرية شؤون البيئة غير مجد، لكونه يتسبب بتلويث المياه الجوفية في المنطقة بكاملها..
مشكلة مستعصية عن الحل رغم بساطتها..
أحد المواطنين القاطنين ضمن هذه المنطقة ذكر للأزمنة أنّهم ومنذ سنوات مازال الأهالي يعانون ويشتكون ويتحدثون عن وجود هذه المشكلة وما تسببه من مشكلات صحية لهم، ولكن ما من مجيب، ودون إيجاد الحلول المناسبة من ذوي الشأن والجهات المعنية بالمحافظة، فكل الذي يقومون به هو إجراء المناقصات وفض العروض ومن ثم فشلها، والخاسر الوحيد هو المواطن الذي يقطن في هذه المنطقة أو بالقرب منها، وبحسب تعبير هذا المواطن فإنّ هذه المشكلة مستعصية عن الحل على ما يبدو مع أنّها مشكلة بسيطة، ويمكن حلها لو توافرت النية الصادقة والجادة لذلك من قبل الجهات المعنية ولكن على ما يبدو لا أحد يعنيه أمرنا حسب ما قاله لنا، وأضاف: نعيش في واقع بيئي مزر نتيجة وجود هذا المستنقع المائي الكبير من مياه الصرف الصحي والسبب عدم قيام الجهات المسؤولة بالمحافظة بتحمل مسؤوليتها تجاه مواطنيها، فمجلس المدينة لم يقم بتنفيذ شبكة للصرف الصحي في تلك المنطقة، الأمر الذي أدى وبنتيجة هذا الواقع إلى تلوث الماء والهواء والتربة وما زاد الطين بلة هو تحول هذا المستنقع الآسن إلى بؤرة ملوثة مصدرة للحشرات الضارة والروائح الكريهة، ما أدى إلى تحول حياتنا إلى جحيم، لقد فكرنا كثيراً ونتيجة هذه المشكلة بترك منازلنا والذهاب إلى منطقة أخرى، ولكن إلى أين نذهب؟. فالإيجارات مرتفعة والأسعار محلقة، وإيجار بيت متواضع يكلفني نصف أو أكثر من راتبي، ولذلك نحن "دائماً نكبس على الجرح ملح ونقول بيفرجها الله" لعل وعسى تحل مشكلتنا بعد أن ذقنا الأمرين أولاً تحمل هذا الواقع التعيس، وثانياً المطالبة المتكررة بحل هذه المشكلة ومراجعة الجهات المسؤولة ودائماً لا حل لهذه المشكلة!!.
الإسراع باستكمال شبكة الصرف الصحي..
وفي ذات السياق أضاف مواطن آخر من سكان المنطقة أنّهم قدموا وعلى مدى عدة سنوات العديد من الكتب والمراسلات تتضمن الإسراع باستكمال شبكة الصرف الصحي والعمل على إنجاز محطة المعالجة لكونها الحل الأمثل والنهائي لكل مشكلات الصرف الصحي، ولكن لم تكن مطالباتنا إلا حبراً على ورق واستهتار بمطالبنا ومعاناتنا، ودائماً يضعون لنا الردود والأجوبة الجاهزة، فالأعطال المتكررة للمضخات الواقعة على نهاية خط الصرف الصحي هي السبب الرئيسي بكل ما يحدث لنا من مشكلات ومعاناة وهذا بالنتيجة- حسب الردود التي تأتي إلينا- ما يؤدى إلى تشكل مستنقع المياه المالحة إلى الجهة الغربية لمنازل الأهالي القاطنين في المنطقة بالإضافة لمنازلنا، وبحسب الردود أيضاً فإنّ مجلس المدينة يقوم وبشكل إسعافي بحفر جورة فنية لتصريف تلك المياه، والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا لا يحلون المشكلة من جذورها للتخفيف عنا، ولماذا يقومون بشفط وسحب المياه الآسنة المتجمعة في المستنقع لرفع الضرر عن الأهالي- حسب تعبيرهم- ولا يقومون باستكمال شبكة الصرف الصحي في المنطقة مع أنّ عدد سكانها قد ازداد في الآونة الأخيرة؟. والسؤال الأهم لماذا يقومون دائماً بالاعتماد على الحلول الإسعافية والتي تكلف الدولة الميزانيات الكبيرة، ولا نستخدم الطرق الحديثة بالتخلص من هذه المشكلات العالقة بشكل نهائي؟.. هذه التساؤلات جميعها قدمناها إلى الجهات المعنية بطريقة أو بأخرى، ومازلنا حتى تاريخه نعاني جراء الإهمال والتقصير بحقنا.  
كشف حسي وتلويث المياه الجوفية..
وعلى ما يبدو فإنّ الحلول الإسعافية بالفعل لا تجد نفعاً هذا ما قاله لنا أحد المواطنين الذين يسكنون هذه المنطقة الملوثة، لتقوم مديرية شؤون البيئة وبعد الكشف الحسي على المنطقة لتؤكد صحة ما يصرح به الأهالي، وحسب مصدر في المديرية فإنّ مجلس مدينة شهبا قد قام بإنشاء خزان إسمنتي كتيم الجدران بغية تصريف مياه الصرف الصحي الناتج عن المنطقة الغربية لمدينة شهبا، ليتم ضخها فيما بعد وذلك بشكل إسعافي، ولكن هذا الحل الإسعافي كذلك لم يؤت ثماره لتنتج مشكلة جديدة وهي أنّ المضخة لا تعمل وأنّ أنبوب التصريف قد تم وضعه في باطن الأرض، مع العلم أنّ هذا الإجراء الإسعافي غير مجدٍ ويتسبب في تلويث المياه الجوفية، عدا عن تسببه بمشكلات بيئية، علماً أنّه تم الكشف ثانية على المنطقة المذكورة وشملت الجولة إجراء كشف حسي على الحل الإسعافي ومن ثم تعقب خط الصرف الصحي الرئيس الذي يمتد في الوادي غرب الطريق العام لطريق دمشق- السويداء، ونتيجة الكشف تبين أنّ هناك انسداداً في بعض الريكارات كانت سبباً في سيلان المياه الآسنة في الوادي بشكل مكشوف، وقد لاحظنا- والكلام لمصدر المديرية- في أحد الأماكن أنّ المياه تغور في تجويف في باطن الأرض وأنّ لها مساراً آخر عبر مجرى الوادي!!
معاناة مشتركة وحال ليس بأفضل..
ولا يختلف الواقع المزري الذي يعيشه أهالي منطقة الهشة بمدينة شهبا عن واقع أهالي حي المزرعة الكائن إلى الغرب من مدينة السويداء والذين يعانون هم أيضاً من الجريان الغزير لمياه الصرف الصحي باتجاه أراضيهم الزراعية، نتيجة قيام بعض المستهترين بكسر قساطل الصرف الصحي، الأمر الذي ساهم في ديمومة هذه المياه، علماً أنّ هذا الجريان لمياه الصرف ليس وليد اليوم فأهالي الحي على هذا الحال منذ أكثر من عشر سنوات، يقول أحد المواطنين الذين يقطنون المنطقة إنّ انحدار مياه الصرف الصحي قد ساهم بتلويث الأراضي الزراعية وتحولت إلى مستنقعات للمياه الآسنة ما أدى إلى انتشار الروائح الكريهة والحشرات الضارة، عدا عن ذلك قيام بعض المزارعين باستخدام هذه المياه لري أراضيهم المزروعة بالمحاصيل الحقلية والخضروات وبيعها بالأسواق المحلية، وأضاف: المشكلة أنّ معاناتنا تستمر صيفاً وشتاء حيث تفيض علينا مياه الأمطار في فصل الشتاء نتيجة سوء تصريف المياه وعدم وجود شبكات كافية لهذا الغرض، أما في هذه الفترة فمعاناتنا أشد ضرراً، حيث تم حفر الطريق أمام المنازل، لرفد خط الصرف الصحي بخط جديد منذ أكثر من ثلاثة أشهر ولم ينته بعد، ما شكّل تجمعاً للمياه الآسنة التي تسبب إزعاجاً لأهالي الحي بكامله، ولاحقاً أصبحت تهدد الأطفال والمارة مع افتتاح المدارس، فهذا شيء لا يمكن السكوت عنه حسب أهالي الحي، إضافة إلى أنّ هذه البرك تجلب الحشرات والجرذان وأصبحت مكاناً لتواجد الكلاب الشاردة، وهذا ما يسبب مزيداً من الإزعاجات لأهالي هذا الحي.
أغلب الأمراض منقولة عن طريق المياه و تسبب الوفاة..
ونتيجة للواقع المزري لتلوث المياه الجوفية جراء تسرب مياه الصرف الصحي بسبب عدم إحداث الشبكات الصحية فقد دعا الخبير الجيولوجي غسان حيدر إلى الإسراع في مشروع شبكات مياه الصرف الصحي لتجنب المخاطر الحيوية والبيئية للمياه الجوفية، مبيناً أنّ مناسيب المياه الجوفية في مدينة السويداء تأثرت بشكل مباشر بما حدث على سطح الأرض من عمليات هيدرولوجية وتسرب مياه الصرف الصحي بشكل مباشر، مطالباً بضرورة سحب المياه الجوفية من خلال آبار أنبوبية يتم تحديد مواقعها بناء على الوضع الجيولوجي والهيدروجيولوجي بعد الانتهاء من حلول تصريف مياه الأمطار ومياه الصرف الصحي، كون هذه المياه لها انعكاسات وتأثير بيئي سلبي على صحة المجتمع والمنشآت القائمة، مشيراً إلى أنّ خطورة المياه الجوفية تتمثل في تلوثها من خلال الملوثات السطحية كالصرف الصحي، والحفر التي يتم فيها دفن وردم النفايات الخطرة ومنها نفايات المستشفيات والمصانع، مؤكداً أنّ حلول تخفيف منسوب المياه الجوفية تتمثل في الإسراع في تنفيذ شبكات الصرف الصحي، وشبكات تصريف مياه الأمطار والسيول وعمل صيانة دورية لها على أن يتم تطويرها لتستوعب الزيادة المتوقعة في كميات الصرف الصحي، مع الأخذ في الاعتبار توفير محطات المعالجة اللازمة والتي تستوعب كمية الصرف الصحي وآبار مراقبة لمنع التسربات منها، وإصلاح ومراقبة التسربات من الشبكات وخزانات المياه المختلفة، حيث يعتبر سوء الصرف الصحي وعدم توفر محطات معالجة المياه العادمة وكثرة استعمال المبيدات والأسمدة ومخلفات المصانع من أهم أسباب تلوث المياه حسب التقارير الدولية والتي تؤكد على تأثير تلوث المياه على الصحة ما يسبب بتهديد أغلب السكان بالإصابة بالأمراض المنقولة عن طريق المياه والتي تسبب الوفاة والتهاب الكبد نتيجة استهلاك مياه غير نظيفة، وأضاف حيدر: إنّ التوسع السريع بالخدمات المقدمة للتجمعات القروية والمناطق المنعزلة في مجال الصرف الصحي رافقه تزايد القلق بسبب التلوث الناجم عن المياه الملوثة، وخصوصاً في ظل ندرة المياه والقلق الناجم عن الأحواض الصحية المرافقة لصرف مياه المجاري المعاشية من دون معالجة، وبيّن أنّ المياه الملوثة اللامركزية يمكن أن تنتج عن بيت واحد أو تجمع تجاري و سياحي أو ربما ينتج عن تجمع لعشرات المنازل المخدمة أو غير المخدمة بشبكة صرف صحي كما في القرى، ففي العديد من البلدان النامية هناك نقص في شبكات الصرف الصحي وبالتالي يكون صرف مياه المجاري عشوائياً على الأغلب، وحتى يتم تفادي النتائج السلبية لهذه المياه الملوثة على البيئة والصحة العامة فمن الواجب معالجة هذه المياه الملوثة قبل تصريفها إلى الطبيعة، ولكن لا يخفي الخبير حيدر تخوفه من عدم أو التباطؤ بتنفيذ هذه المشاريع فالسعي نحو الربط الشامل للقرى والتجمعات الصغيرة المتباعدة بشبكات الصرف الصحي يعني إنفاق موارد مالية كبيرة جداً على هذه الشبكات بغض النظر عن كلفة المعالجة، ولهذا أصبح التصدي لمعالجة مياه الصرف الصحي في التجمعات الصغيرة والحلول المستدامة من المشكلات الكبيرة التي تواجه السلطات المحلية بالبلدان النامية ومنها سورية، وأضاف: إنّ الحلول التقليدية لجمع مياه الصرف الصحي ونقلها عبر شبكات صرف صحي إلى محطات المعالجة أمر مكلف وغالباً لا تتوفر الأموال اللازمة لتنفيذ هذه المشروعات، ولهذا تبقى المعاناة والمطالبات مستمرة من قبل الأهالي الذين يسكنون هذه المناطق.