عندما تمتحن النجومية وتتأذى المواهب الطفولية بالهزيمة أمام ملايين المشاهدين

عندما تمتحن النجومية وتتأذى المواهب الطفولية بالهزيمة أمام ملايين المشاهدين

ثقافة

الجمعة، ١١ مارس ٢٠١٦

استُقبل زين بحفاوة بالغة بعد عودته من برنامج ” ذا فويس كيدز” في مدينة جرمانا، حيث تجمّع الأهالي للترحيب والاحتفال بهذه الموهبة العظيمة، التي فرضت نفسها على ساحات الغناء والفن على الرغم من صغر سنه، فقد أبهر المدربين والجمهور بخامة صوته وقدرته على الأداء المتقن، ونضوج إحساسه عبر حلقات البرنامج، وعلى الرغم من خسارة زين عبيد و…… إلا أنهم عادوا إلى سورية نجوماً ومنتصرين، ولكن بالعودة إلى تقييم هذه التجربة التي خاضها مئات من الأطفال الموهوبين، والكثير منهم يستحق البقاء والفوز بالنتيجة النهائية، لكنهم عانوا في هذا البرنامج من الهزيمة والرفض أمام الكاميرات والجمهور والمدربين، فمنظر الأطفال الخاسرين وهم يبكون، يجعلنا نسأل ما الهدف من تعريض الأطفال لهذه التجربة القاسية عليهم واستغلال براءتهم في سبيل الترويج والربح لهذه المحطات؟.
تجربة غنية
تعتبر والدة زين عبيد، الذي شارك في برنامج “ذا فويس كيدز”، أن زين خاض تجربة جميلة غنية، كانت له معبراً للشهرة بوجود مختصين ساعدوه على تنمية موهبته، وصقل شخصيته من خلال التمرين الدائم في البرنامج، وفترة مميزة استطاع من خلالها إشهار موهبته للعالم، بغض النظر عن النتيجة التي حصل عليها، وأكدت أن زين تفهّم وجود طبيعة البرنامج منذ البداية، وقد خفف عنه وجود أهله واحتضانهم له، ما جعله يتقبّل النتيجة برحابة صدر، وعاد ليمارس حياته بشكل طبيعي، ولم نتمكن من الحديث مع زين بسبب عودته إلى حياته ومدرسته، فهو طالب في الصف السابع وبعد انتهاء البرنامج، وعلى الرغم من عدم فوزه في الحلقة النهائية إلا أننا نعتبره نجماً، فطفل بعمره يمتلك خامة صوت فريدة، لابد أن يكون نجماً بعيداً عن التصويت، ونتائج هذه البرامج التي طالما ارتبطت بسياسات معينة تابعة لأصحابها.

الإساءة إلى المواهب
الكثير من المتابعين وجدها تجربة مرة بالنسبة للأطفال، وأساءت إلى الطفولة باستخدامهم في هذه البرامج دون حمايتهم من سلبياتها، فأم محمود نفت أن تكون المحطة قد استشارت أطباء نفسيين قبل الدخول في هذه التجربة، ورفضت إرسال أي طفل إلى البرنامج، حتى لو امتلك صوتاً جميلاً، فالنتيجة قد تكون محسومة سلفاً حسب توجه القناة، أما منير الأسعد، فقال: لا ينقصنا إيلام أطفالنا أكثر لندعهم يخوضون برامج مسيّسة، وغير مبنية على أسس صحيحة، كل المواهب كانت بمستوى جيد وواحد، لذلك كان الأفضل من البرنامج اعتماد سياسة تدريب وتشجيع وإعطاء فرص للعرض المباشر دون تعيين فائز رابح، وباقي الأطفال خاسرون.

الجانب السلبي
هي تجربة إيجابية تمنح الطفل فرصة التعبير عن موهبته، حسب رأي د. طلال مصطفى في نوعية هذه البرامج، وقد لفت إلى ضياع أو موت هذه المواهب عند بعض الأشخاص غير القادرين على إظهارها أو امتلاك فرص مماثلة، ولكنه أضاف أن الجانب السلبي طغى على البرنامج من حيث اختيار فائز له، حيث أكد د. مصطفى وجود نسخ أوروبية مشابهة لهذه البرامج عملت على إظهار المواهب وصقلها بعيداً عن حسم النتيجة لصالح طفل دون آخر، لما له من تأثير سلبي قد يصيب الطفل، فالبكاء وعدم تقبل الهزيمة انفعال طبيعي للطفل أمام الجميع، لكنه قد يؤدي إلى إحباط أو اكتئاب لديه، لعدم وجود توازن نفسي وانفعالي ما ينحو به إلى أمراض نفسية أو إعاقة للموهبة “كعدم الغناء”، ويدعو د.مصطفى قنواتنا المحلية إلى تنبي مثل هذه البرامج دون الوقوع في مخاطرها النفسية، واعتبارها برامج فنية لا تحتم اختيار رابح، فتؤدي مهمتها في صقل وتنمية المواهب وتقديم مكافآت أو هدايا للحفاظ على نفسية الطفل المتسابق، دون أذيته نفسياً.

صناعة الفرح
وفي منحى آخر لإدخال الموسيقا إلى حياة الأطفال، مع الحرص على استخدامها في الشكل الصحيح دون مخاطر نفسية، يقوم معهد أوتار بمشروع موسيقي، يقدم من خلاله الدعم النفسي للأطفال المتضررين من الحرب والأيتام، وذلك عن طريق تعليمهم الموسيقا في مراكز عدة مثل جرمانا وصحنايا وضاحية قدسيا في عام 2015، ويعتزم المعهد في هذه السنة توسيع نشاطاته عبر التعاون مع منظمة اليونيسيف، وزارة الشؤون الاجتماعية، لتعم مناطق القطر جميعها، ويؤكد جوان قره جولي صاحب المشروع أن تعليم الموسيقا يهذّب الروح، ويساعد الأطفال على رسم الفرح، وصناعة السعادة في حياتهم، خاصة الأطفال الذين عاشوا فترات عصيبة في حياتهم، وكانوا شاهد عيان على أحداث عنف لأسرهم، هؤلاء يحتاجون إلى معالجتهم، وإعادة بناء إنسانيتهم عبر الموسيقا، ففي أول درس انتزعنا منهم ابتسامة، وبعدها ضحكة.

تعليم وعلاج
ويضيف قره جولي: في دمشق حوالي 8000 طفل متضرر من الحرب، وهذا ما يدفعنا إلى توسيع مشروعنا ليستهدف 4000 طفل في دمشق وريفها، حيث استهدف المشروع السنة الماضية 300 طفل فقط، ويتضمن المشروع تعليم الأطفال المبادئ والقيم عبر الأغاني، كما يمكن تعليمهم المفردات الانكليزية، وغيرها من خلال أغان كتبت خصيصاً لهذا المشروع، ويشتمل الكادر على أطباء واختصاصيي علم نفس واجتماع، ليكون مشروعاً متكاملاً هدفه الطفل السوري، وإعادة تأهيله من خلال الموسيقا، والأهم في هذا المشروع تكوين أدوات موسيقية من أدوات المطبخ: “علبة فارغة– كؤوس- ملاعق– صحون”، وسيبدأ المشروع من شهر آذار ليستمر سنة كاملة علّه يكون بادرة تكون منهجاً يعتمد في المناهج الدراسية، ونحصد آثاره الإيجابية على أبنائنا.

وأخيراً..
لأهمية الموسيقا في حياة الشعوب، والأطفال بشكل خاص، يجب استخدامها بطرق تبني شخصية الإنسان، وتنمّي مواهبه، فالموسيقا هي وسيلة فاعلة اجتماعية وتربوية تسهم في عمليات التفاهم، وفي تنمية الحس الشخصي، وتعمل على إدخال البهجة إلى النفوس، وتجميل العالم من حولنا.
فاتن شنان