الماغوط و العجيلي قامتان سوريتان رحلتا معاً .. محمد الماغوط: أيها النساجون … أريد كفناً واسعاً لأحلامي

الماغوط و العجيلي قامتان سوريتان رحلتا معاً .. محمد الماغوط: أيها النساجون … أريد كفناً واسعاً لأحلامي

ثقافة

الثلاثاء، ٥ أبريل ٢٠١٦

وائل العدس

في الثالث من نيسان، حلت ذكرى غياب مبدع عاش يكتب ويدخن ويبكي ويتسكع ويثور على «غرفة بملايين الجدران»، حتى ترك وشماً شديد البروز على ملامح القصيدة المعاصرة، إذ استطاع هو ورفاقه من المؤسسين لقصيدة النثر تغيير الحالة الشعرية العربية، وإشعال حرائق لم تهدأ حتى اليوم.. إنه صاحب «حزن في ضوء القمر»، و«الفرح ليس مهنتي».

ولد محمد الماغوط عام 1934 في مدينة سلمية التابعة لمحافظة حماة، ونشأ في عائلة شديدة الفقر، درس بادئ الأمر في الكتّاب ثم انتسب إلى المدرسة الزراعية في سلمية حيث أتم دراسته الإعدادية وانتقل بعدها إلى دمشق ليدرس في الثانوية الزراعية في ثانوية خرابو بالغوطة ولم يكمل دراسته فعاد إلى سلمية وعمل كفلاح وبدأت بوادر موهبته الشعرية بالظهور فنشر قصيدة بعنوان (غادة يافا) في مجلة الآداب البيروتية ثم قام بخدمته في الجيش حيث كانت أولى قصائده النثرية بعنوان (لاجئة بين الرمال) التي نشرت في مجلة الجندي عام 1951م وبعد إنهاء خدمته العسكرية استقر الماغوط في مدينته لفترة زمنية ثم بعد ذلك ذهب إلى بيروت وانضم إلى مجلة (شعر).

القصيدة الأولى
القصيدة الأولى نشرها وذيلها بمحمد الماغوط، دكتور زراعة، وليس مجرد الطالب، وبالفعل نشرت كما هي، وكأن البدايات تعلن عن سخرية ومفارقة ستظل تلازم الماغوط: «هكذا خلقني الله سفينة وعاصفة.. غابة وحطاباً.. زنجياً بمختلف الألوان وكالشفق، كالريح، في دمي رقصة الفالس.. وفي عظامي عويل كربلاء.. وما من قوة في العالم.. ترغمني على محبة ما لا أحب.. وكراهية ما لا أكره.. مادام هناك تبغ وثقاب وشوارع.

بودلير أم رامبو؟
في مرحلة ما من حياته المتقلبة الفصول كان الماغوط، غريباً ووحيداً في بيروت، وعندما قدمه أدونيس في أحد اجتماعات مجلة (شعر) المكتظة بالوافدين، وقرأ له بعض نتاجه الجديد الغريب بصوت رخيم من دون أن يعلن عن اسمه، وترك المستمعين يتخبطون (بودلير؟) أم (رامبو؟)، لكن أدونيس لم يلبث أن أشار إلى شاب مجهول، غير أنيق، أشعث الشاعر وقال (هو الشاعر).

فنون متعددة
الحجر الإبداعي الأضخم الذي ألقاه الماغوط في السكون العربي كان الإسهام في حالة قصيدة النثر، إلا أنه لم يكن الوحيد، إذ كانت للراحل إسهامات في فنون عدة، فكانت له كلمته في السينما، مثل فيلم «الحدود» الذي قام ببطولته الفنان السوري دريد لحام، والذي أنتج عام 1982، وكذلك فيلم «التقرير» والاثنان من بطولة دريد لحام ورغدة.
وفي المسرح كتب «كاسك يا وطن»، و«المهرج»، و«ضيعة تشرين»، و«غربة»، و«شقائق النعمان»، و«خارج السرب»، و«العصفور الأحدب».
ومن مسلسلاته التلفزيونية «حكايا الليل»، و«وين الغلط»، و«وادي المسك»، إضافة إلى مئات المقالات والخواطر التي كتبها على امتداد مسيرته الطويلة مع الصحافة والسياسة والإبداع. إلا أن اللافت أن الماغوط كان يعتبر أن كل ما يقدمه هو شعر، وأن قصيدة النثر كامنة في كل ما يكتب، شاء من شاء وأبى من أبى، إذ لم يكن مهموماً بالتصنيف، أو البحث عن تأصيل لما يكتب من أحد.

تكريمات
تكريمات بالجملة نالها الماغوط أهمها صدور مرسوم بمنحه وسام الاستحقاق من الدرجة الممتازة من السيد الرئيس بشار الأسد.
وإضافة إلى ذلك نال جائزة جريدة النهار اللبنانية لقصيدة النثر عن ديوانه الأول عام 1961، جائزة سلطان بن علي العويس الثقافي للشعر عام 2005.
ومازال تكريمه متواصلاً حتى بعد وفاته، إذ مازالت قصائده شديدة العذوبة والقسوة، تجتذب كثيرين، ويراها قراء حالة شعرية خاصة، تتمرد على تراث طويل ساكن.. قصائد لا تشبه إلا صاحبها، تحمل لغة حية لها قيمها وموسيقاها وصورها وصخبها.

الوداع
في ظهيرة يوم الإثنين 3 نيسان عام 2006 رحل محمد الماغوط عن عمر يناهز 72 عاماً بعد صراع امتد لأكثر من عشر سنوات مع الأدوية والأمراض عندما توقف قلبه عن الخفقان وهو يجري مكالمة هاتفية.