جدلية جديدة تنطلق في صالة ألف نون بين لوحات السمان ومنحوتات وقاف

جدلية جديدة تنطلق في صالة ألف نون بين لوحات السمان ومنحوتات وقاف

ثقافة

الاثنين، ٣ أكتوبر ٢٠١٦


1

فتحت صالة ألف نون للفنون التشكيلية أبوابها مساء اليوم أمام الجمهور لحضور جدلية جديدة من جدلياتها التي تعمل عليها من خلال المعرض المشترك بين التشكيليين نبيل السمان ورامي وقاف والذي يعبر عن انتقال حالة “دوران” كتجربة فنية فردية لصاحبها التشكيلي بديع جحجاح الى بيئة جمالية جماعية تدعو للتلاقي والحوار.

التشكيلي السمان قدم ثلاثا وثلاثين لوحة بتقنية الإكريليك وبأسلوب تعبيري خاص بأحجام صغيرة و متوسطة معتمدا البعدين في صياغة التكوين العام للوحة والزاخر بالرموز والشخوص والتفاصيل المتمحورة حول مشروعه الفني الذي يعمل عليه منذ اكثر من خمسة عشر عاما مركزا فيه على ثيمات الحضارات السورية القديمة في منطقة الرافدين وبلاد الشام بما تحويه من تفاصيل وتكوينات ضمن لوحة تمزج الأسطورة مع الواقع بمقاربات فنية لا تخلو من الحداثة و بخصوصية فنية مميزة.

2

وعن مشروعه الذي يعمل عليه ولوحات معرضه قال السمان في تصريح لـ سانا “ينطلق مشروعي الفني من الانتماء للأرض والوطن ولتراث منطقة الهلال الخصيب التي ننتمي اليها والتي أعطت الفنون الغربية آفاقا من الحلول والمدارس الفنية والذي يعبر عن جذورنا ويشبهنا دون أن يكون صدى للآخرين”.

السمان لا يهدف من لوحته إلى أن تكون وثيقة تاريخية بل يصنع منها دراما لونية فيها محاولة لمسرحة الأسطورة من خلال الزج بعدة أزمنة في عمل فني واحد مع وجود نوع من العلاقات اللونية والدرامية بين عناصرها لتكون جرعة من الثقافة والمتعة البصرية.

ويرى السمان أن الفن لديه عملية توليدية وما زالت عناصره المستوحاة من الميثيولوجيا السورية غنية وباعثة على الاشتغال والاجتهاد فهو يوظف الثور المجنح وزنوبيا والغزلان والطيور في علاقات تبادلية مع الإنسان بإسقاطاته التاريخية والراهنة المتنوعة.

وبين السمان أن الهجمة الشرسة على تراثنا وهويتنا السورية والحضارية من خلال الحرب الإرهابية التي تشن علينا هدفها تدمير الذاكرة البشرية لشعب عريق مؤكدا أن الرد على العدوان يكون بالعودة للهوية عبر الفن والثقافة والجمال.

وقال السمان “هناك الكثير من الفنانين السوريين عملوا على مقاربة الحرب على سورية وتحدي هذه الهجمة الشرسة على وجودنا وهويتنا عبر الفنون البصرية والسمعية كالسينما إلا أن العمل التشكيلي لم يصل بعد لمقاربة التحدي كما يجب وذلك لحاجته إلى وقت أكبر لينضج في معالجته الفكرية والفنية وما زلنا بحاجة إلى فعل ثقافي مؤمن بالعمل”.

وحول مشاركته في مشروع صالة ألف نون أوضح السمان أن مشروع الفنان بديع جحجاح قائم على الحوار وأنه اختار له عنوان الجدل بين اللوحة والمنحوتة ليفتح بابا للحوار بين الأعمال الفنية والناس والفنانين للتعبير عن انتمائنا وتراثنا وحاضرنا ومستقبلنا.

أما النحات وقاف فقدم ثلاثين منحوتة من خامة البرونز بأحجام صغيرة بحالات انسانية متنوعة فيها من الحداثة والواقعية والثيمات الحضارية في آن معا وتنتمي لإنسان منطقتنا في الماضي والحاضر باسلوب تعبيري خاص يجنح نحو التجريد أحيانا.

3

وقال وقاف “عندما بدأت الحرب على بلدنا شعرت انها تستهدف كياننا وثقافتنا وهويتنا وجذورنا ما ولد عندي رد فعل للتمسك بكل تراثنا وضرورة أعادته إلى الحياة بما فيه كل التماثيل التي دمرها الإرهاب على أرض سورية وهو مشروعي الفني الذي يحتاج إلى تضافر جهود كثيرة ليرى النور”.

وأوضح وقاف أنه يعمل من خلال النحت للدفاع عن سورية وموروثها وثقافتها وشعبها كما يحمي الجندي العربي السوري تراب وطنه وهذا ما يصنعه كل الفنانون السوريون الذين ولدت الحرب بداخلهم طاقات إبداعية كبيرة ويقدمون أعمالا فنية مهمة سواء داخل سورية أو خارجها.

ورأى وقاف أن الحركة التشكيلية السورية ناشطة رغم الحرب أو هناك حراك فني وثقافي غني ستنتج عنه أعمال فنية مهمة جدا للمجتمع والإنسان في سورية مستقبلا داعيا كل الصالات الفنية لمعاودة نشاطها وتحدي الظروف القاسية لتحقق خروقات مهمة في واقع السوق الفنية تعيد للاقتناء الفتي حضوره كنوع من مقاومة الإرهاب.

4

وأشار وزير الثقافة محمد الأحمد في تصريح للصحفيين إلى أهمية معرض اليوم بشقيه النحت والرسم ولا سيما انه لفنانين كبيرين هما الفنان السمان الذي يرتقي بلوحاته إلى عالم رحب من الأفكار والرؤى والتطلعات والتوجهات حيث تجتمع في لوحاته أزمان عديدة إضافة إلى مفردات تاريخية وملحمية وواقعية فيها ملامح من ذاكرتنا كجلجامش والثور المجنح والسيدة فيروز موضحا أن هذه التطلعات تؤسس عالما تشكيليا رحبا تمتد جذوره إلى حضارتنا وثقافتنا وأن موهبة وقاف هي موهبة ممتزجة بالشوق والحب والحنين والانتماء لسورية الاصيلة قد تعمقت بفعل السنين وزادت موهبته عمق تجربته التي أتت بعالم حسي كبير مفتوح على أزمان كثيرة.

وأضاف الأحمد إن صالة الف نون هذه المنشأة الثقافية تنضم إلى الأبنية الثقافية التي تفخر بها وزارة الثقافة ولا سيما في هذه السنوات العصيبة التي يمر بها بلدنا وهذا يدل على أن الأماكن التي تبث الخير والأمل والحق والجمال هي أماكن لا ينتهي افتتاحها في سورية وهي الرد على هذه البشاعة وهذا الإرهاب والقتل والدمار والوحشية التي نعامل بها من دول العالم.

5

ولفتت الدكتورة بثينة شعبان المستشارة السياسية والإعلامية في رئاسة الجمهورية في تصريح مماثل إلى أن معرض الفنان نبيل السمان والنحات رامي وقاف “يؤكد بكل معروضاته على الهوية والتجذر والتاريخ والصلابة والصمود” موضحة “إنها ترى في هذين الفنانين وأمثالهما من يحارب من أجل صمود الهوية أيضا”.

وأشارت الدكتورة شعبان إلى أن “المعرض هو تسجيل سطر لانتصار الفن والإرادة في سورية وأن لوحات المعرض بدأت بالأسطورة والتي انتقلت إلى من سافر وإلى من صمد وإلى من يحاول أن يتحرر ويحرر الأرض وهو دليل على عظمة سورية وأنها لا تقهر” معربة عن أملها “بأن يسجل كل إنسان من موقعه سطرا في سجل نصر سورية”.

وأكدت أن “معركة الهوية لا تقل أهمية اليوم عن المعركة التي يخوضها الجيش العربي السوري البطل في كل أنحاء الوطن وهذا سر من أسرار سورية سر الإيمان بهذه الأرض وبهذا البلد وبهذه الهوية”.

التشكيلي بديع جحجاح صاحب ومدير صالة ألف نون قال “الفنان السمان يصنع فنه من شخوص مشهدية وتقمصية ينسجها من أساطير الخصب وهي عبارة عن أحداث وأزمنة تشبه فضاء مسرحيا تتزاحم فيه الكائنات وهو يجد في اللوحة رحلة المشتهى في وطن يتوق للحق والخير والجمال”.

وأضاف جحجاح “تجربة النحات وقاف تعيد إلي تجربة يومين في حياتي أولهما عندما اخذني والدي في عمر السادسة إلى تدمر ومن يومها أغلقت آلهة النحت علي الباب في معابدها وخمرتني في خوابيها وفي يوم آخر أخذني إلى دمشق ولما ينتهي ذلك النهار وذلك الضوء”.

وأوضح جحجاح أن صالة ألف نون هي رحم يحتضن الفنانين السوريين أصحاب التجارب النوعية وتبذرها في هذا الوقت الصعب لتكون جسور تواصل بينهم وبين الآخرين ليعبروا عن أنفسهم بمودة مشيرا إلى أن شعار الصالة الف نون وهما الحرفان الاخيران من كلمة دوران للسعي المتواصل لسبر أغوار الحالة الإنسانية في هذه الأزمة الصعبة وبناء جسر للتواصل.

وبين جحجاح أن صالة دوران تعمل على تقديم الفنان ضمن منظومة ضوابط فنية احترافية بالإضافة إلى توثيق تجربته عبر فيلم قصير عن تأثير الحرب عليه وعلى عمله والرموز التي تشكل عناصر عمله الفني وكيف يرى المفردة الإنسانية السورية ما بعد الحرب لافتا إلى أن عمل ألف نون كقطاع خاص بالتعاون مع وزارة الثقافة والقائمين على الفن التشكيلي يأتي ليصب في خندق الدفاع عن الهوية السورية.

وختم جحجاح تصريحه بالقول “تساهم المعارض الفنية بتنشيط الحالة الاقتصادية من خلال بيع الأعمال الفنية وعملية الحضور الكبير أمام هذه الأزمة العنيفة وهي تواصل بين أبناء الوطن الطيبين والمخلصين كي لا تنهدم الجسور بيننا”.

حضر الافتتاح ريمه قادري وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل والدكتور إحسان العر رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين.

شذى حمود-محمد سمير طحان