لماذا وصلنا إلى ما يشبه القطيعة بين الناس والمراكز الثقافية؟

لماذا وصلنا إلى ما يشبه القطيعة بين الناس والمراكز الثقافية؟

ثقافة

الثلاثاء، ٢٩ أغسطس ٢٠١٧

طرطوس- سناء أسعد

الثقافة هي نبض العقل وروح الفكر هي طاقة الإبداع وحاجة تبدأ ولا تنتهي. هي ما لا يمكن الإشارة إليها بتذكير أو بمجرد تعريف ولا يمكن حصرها بمفهوم أو ربط نتائجها بمفصل حياتي من دون غيره، فلو أمعنا النظر قليلاً حولنا لوجدنا أنها أقصر الطرق وأفضلها لكل ما هو جميل وراق في حياتنا طريق لبناء أنفسنا، لبناء وطننا ومستقبلنا وللاطمئنان على أطفالنا إن أردنا جعلناها موسيقا تعزف شعراً ونثراً، جعلناها وسيلة للتواصل وأسلوباً راقياً للانفتاح والتعاطي فيما بيننا وإن أردنا كانت جواز سفرنا إلى عمق العوالم الأخرى لانحتاج تجاوز حدود جغرافية لكي نصل، بل يكفي أن نتوقف عن رهن أنفسنا لحاجاتنا اليومية، وأن نرفض العيش لمجرد العيش والتعلم بهدف الشهادة.
وإذا كان تقدير المواهب المبدعة واحترام ثقافة المثقف أقل ما يمكن تقديمه فإن التعامل مع المعتكف ثقافياً يتطلب باعاً طويلاً وبحثاً عميقاً لتحديد كيفية جذبه ويصح القول في هذه الحالة أننا نحتاج إلى فن في الأسلوب وإبداع في التعامل فعلى عاتق من تقع المسؤولية؟
وعندما تقام النشاطات الثقافية والفكرية والأدبية ومعظم الفعاليات في المراكز الثقافية لماذا يكون عدد الحضور ضعيفاً جداً؟ ما الأسباب؟ وما المقترحات لعلاج هذه الأسباب وزيادة عدد رواد تلك المراكز من الشباب بشكل خاص وأبناء المجتمع بشكل عام؟
هذا الأسئلة وجهناها لعدد من المثقّفين والأدباء في محافظة طرطوس فماذا قالوا عن سبب القطيعة بين الناس والمراكز الثقافية بشكل عام والشباب وهذه المراكز بشكل خاص؟ وماذا اقترحوا لأجل ذلك من حلول؟

محاكاة عقل الشباب
والذهاب إليهم أينما كانوا

حسن ابراهيم الناصر عضو اتحاد الكتاب العرب «جمعية القصة والرواية» يقول: إذا كانت المراكز الثقافية المنتشرة على اتساع مساحات الوطن في المدينة والريف «تعاني من شبه قطيعة بين المراكز والأجيال الشابة.. فعلى المثقفين والأدباء والكتاب والفنانين وهذه المراكز الثقافية بمسؤوليها أن يذهبوا «للشباب» أينما كانوا.. في مدارسهم ومعاهدهم وجامعاتهم ومنظماتهم التربوية والعلمية والاجتماعية…. لردم الهوة وإيجاد جسور تلاقي بين الجيل الشاب الذي يعاني «شبه حالة تفكك في بنية الفكر والإرهاصات التي أنتجتها الحرب الإرهابية» وأيضاً المعيشة الصعبة وهي أيضاً من نتائج هذه الحرب الظالمة.. التي وسعت دائرة الفساد حتى بدا كأنه «ثقافة عامة في المجتمع».
إضافة إلى أن هناك ظاهرة في المجتمع الشاب تقول: لا أهمية للثقافة في مواجهة متغيرات الواقع وأن ما يسمعونه في المحاضرات والقصص هو مجرد كلام ويمر لا تأثير له في تغيير الواقع، ولهذا نحن بحاجة للواقعية أي محاكاة عقل الشباب ومعرفة ما يدور في مخيلتهم من أسئلة ملحة والنزول إليهم في أماكن وجودهم.
هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الجهات الثقافية ومنها المراكز الثقافية ومَن يديرها؟ من الواجب إيجاد صيغ فكرية تقرب الجيل الشاب من المراكز وهي «المهرجانات الإبداعية والفنية للشباب من خلال التشجيع المعنوي والمادي» وبصراحة «التشجيع المادي ولو برمزية له دور أيضاً كبير في جذب الشباب…» وأيضاً المحاضرات منها جامدة وفكرتها قديمة لا تناسب المتغيرات الطارئة على المجتمع الشاب «الموبايل والحاسوب والنت وغيرها».
لذلك لابد من ردم الهوة بين الجيل الشاب والمراكز الثقافية والمثقفين والمبدعين والأدباء… والعمل على مشروع حقيقي للثقافة والتي هي «الحاجة العليا للبشرية»… على أرض الواقع بعيداً عن الهمرجة والتظاهر التلفازي والسيلفي؟ «مشروع يحاكي العقل وروح الشباب المتجدد والرافد لمؤسسات الدولة».. بالحوار البناء من خلال التأكيد على دور القراءات الإبداعية والفكرية «وهنا لا بد من طرح سؤال مهم» لو نزل الإعلام للشارع وسأل «ماذا يعرف هذا الجيل عن قادته ورموزه الوطنية والتاريخية؟ ماذا يعرف عن «فلسطين والجولان واللواء السليب»؟ ماذا يعرف عن «المتنبي وأبي فراس الحمداني وأبي تمام والجواهري؟ ماذا يعرف عن دور «سيف الدولة الحمداني في الدفاع عن سورية»؟ وهل يتذكر الشاعر الكبير سليمان العيسى وعيسى أيوب وغيرهم من الأدباء والمثقفين السوريين والعرب؟ أو ماذا يعرف عن حرب تشرين التحريرية ومتى كانت؟ أو لو سألت متى احتل الصهاينة فلسطين العربية؟ ومتى احتل الصهاينة الجولان السوري؟ أو هل الاحتلال التركي للوطن العربي كان «احتلالاً أو هو فتح إسلامي كما هو شائع في المجتمع»؟ أو متى تم سلخ لواء اسكندرون العربي السوري ومنحه لتركيا؟ ولو سألت عن الذائقة الفنية لوجدت حالة مخيفة ومزرية!! إذاً لابد من العمل في مشروع متكامل «لبناء الإنسان الذي سيبني الوطن السوري وليكون جيلاً واعياً مثقفاً مهتماً بقضايا الأمة.. ويحافظ على الثوابت والمبادئ ويتبنى الحوار العقلاني من أجل مستقبل أفضل للدولة وللمجتمع»؟.
ويضيف الناصر: في الحرب العالمية الثانية كتب الأدباء والمثقفون والمبدعون السوفييت أروع الروايات والقصص والقصائد عن الجيش والشعب الروسي «السوفييتي» الذي انتصر على النازية الألمانية ولم نزل نقرأ روائع ما كتبوا؟ ومن واجب أي مثقف أو باحث وكذلك الأدباء والكتاب والمبدعون والفنانون وأيضاً الإعلاميون السوريون تكريس كل ما يبدعون ويكتبون للتأريخ للصمود الأسطوري ولحكايات وملاحم وبطولات أبطال الجيش العربي السوري وأسرهم وعائلاتهم وتضحياتهم الأسطورية ليحافظوا على سورية الوطن والكبرياء والكرامة والجغرافيا والإنسان وحكايات صمودهم الأسطوري في مواجهة هذا الإرهاب شبه العالمي بأدواته من جموع الظلاميين والتكفيريين والخونة والعملاء؟

غياب الشخصيات الفكرية
والمؤثرة وحضور المرضي عنهم
عبد الرحيم أحمد مدير إعلام طرطوس يقول: لاشك أن هناك أسباباً عديدة تقاطعت معاً وتسببت في عزوف الجمهور السوري عن ارتياد المراكز الثقافية، وهنا نحن لا نتحدث عن النشاطات والفعاليات الرسمية التي يتم إحضار الجمهور إليها بقرار!!، ما نتحدث عنه اليوم هو عزوف الجمهور العام عن متابعة نشاطات المراكز الثقافية بشكل عام، ويمكن أن نضع في رأس الأسباب الوضع الاقتصادي الضاغط، فمعظم الناس تكرس معظم وقتها للبحث في تأمين لقمة العيش، وهي ليست في وضع يسمح لها بتخصيص ساعات من النهار أو المساء للجلوس والاستماع أو الاستمتاع حتى.
وهناك أسباب تتعلق بشخصية المسؤولين عن المراكز الثقافية، فبعضهم لا يمتلك مقومات جمع عشرة مثقفين، وعلاقاته مع المجتمع المحلي الذي يشكل جمهور المركز في أدنى أحوالها، فحسب علمي أن مركزاً ثقافياً مثل المركز الثقافي في بانياس بطرطوس استطاع أن يشكل علامة فارقة في علاقته مع الجمهور ومع المثقفين وفي طريقه توجهه للجمهور، واستطاع استقطاب جمهور واسع من خلال كسر نمطية عمل المركز والخروج بالنشاطات إلى القرى والأرياف وإلى المدارس والأرصفة، والتوجه إلى الأطفال والشباب، من خلال فتح مسرح المركز أمام الهواة الشباب، وأعتقد أن هذا التوجه قد يكون شرطاً لازماً لاستمرار المراكز الثقافية في القيام بدورها الثقافي الاجتماعي.
لاشك أن من الأسباب التي أدت إلى عزوف الجمهور أيضاً هو غلبة اللون الفكري والسياسي الواحد على من تتم دعوته للقيام بنشاطات ثقافية، أي المرضي عنهم، وغياب الشخصيات الفكرية المؤثرة والأسماء الكبيرة عن الندوات والمحاضرات، وكذلك الابتعاد عن التعاطي مع القضايا المعاصرة وقضايا المجتمع القائمة في النشاطات الثقافية وإن وجدت تكن أقرب إلى التنظير منها إلى الرؤية التحليلية والمعالجة الموضوعية.
وهناك أسباب لوجستية، فبعض المراكز الثقافية لا يليق بأن يطلق عليها هذا الاسم لكونها تفتقر لأدنى حاجات تخديم أي محاضرة أو أي جمهور. أضف إلى ذلك تطور بدائل للمراكز الثقافية وهي سينما الهواء الطلق ومسرح وموسيقا الرصيف وغيرها الكثير من التطورات التي أخذت من وظائف المراكز الثقافية ونزوح الشباب إلى وسائل التواصل الاجتماعي التي تستقطب نسبة عالية من الشباب، لذلك ينبغي على القائمين على المراكز الثقافية مواكبة هذه التطورات والخروج عن النمطية واستغلال جميع الأفكار التجديدية في الوصول للجمهور وليس مجرد دعوته إلى بهو المركز الثقافي.

الخطاب التقليدي المؤدلج
وتهميش الشباب المبدع
رحاب إبراهيم مدربة تنمية بشرية تقول: هناك أسباب عديدة تساهم في ضعف فاعلية النشاط الثقافي في المؤسسات الثقافية العامة أهمها ضعف الدعاية وعدم فاعليتها إن وجدت وبكل أشكالها المطبوعة والإلكترونية والميديا والاجتماعية.. على حين نلاحظ فعالية بين المقبولة والعالية في دعائية المؤسسات أو الفعاليات الخاصة بكل أنواعها رغم عدم توافر القدرة المالية للمؤسسة الخاصة في أكثر الأحيان.
والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا المؤسسات الخاصة على الأرض هي الأقوى على الرغم من أن ميزانية المؤسسة العامة أكبر من بعض المؤسسات الخاصة؟
وإلى جانب ضعف الدعاية وعدم فاعليتها نضيف عدم الانتقائية الجادة والمختصة للمحاضرين والمبدعين والمواهب والفعاليات وعدم تبني ودعم المواهب الحقيقية والأفكار الشابة وعدم وجود لجان مختصة لتقييم ما سيتم تقديمه ناهيك عن بعض مواطن الفساد والمحسوبيات وتغليب المواقف والأذواق الشخصية في بعض الأحيان، وهو الأمر الذي يشعر هذه الطاقات بالظلم والتهميش وعدم الثقة بالمؤسسة وربما بالنفس أيضاً.
أذكر خلال لقائي مجموعة من الشباب ومنهم شاعر شاب اسمه ماجد عبد الحميد كان يقول لي دائماً إنهم يعانون من التهميش وعدم التعاطي معهم بطريقة صحيحة.
ويمكن القول إن الخطاب التقليدي المؤدلج غالباً، وأدلجة بعض النشاطات وتقليديتها شكلاً ومضموناً يساهمان لدرجة كبيرة في إضعاف رغبة المتلقي الشاب خاصة في حضورها والأكثر منهما مساهمة هو ضيق هامش الحريات نسبةً إلى الهامش الموجود في الشارع العام والثقافي ما يشكل هوة بين الرأي والضمير العام وبين الفعاليات المقامة ويفقدها التلقائية والشفافية ويجعلها بعيدة عن الهواجس والهموم والتطلعات الحقيقية للمتلقي.
وهناك مشكلة في عدم توافر أو تفعيل الأدوات اللازمة لتطوير الخطاب والنشاطات والفعاليات وقدرتها التعبيرية والتأثيرية والإقناعية.
كما إننا لا نستطيع أن نتجاهل الجانب المادي فقلة وتأخر الحوافز المادية للفرد أو الفريق المبدع في ظل الظروف المادية الصعبة للمواهب والطاقات الشابة خاصة، ولاسيما عند مقارنتها بالمبالغ الكبيرة التي تصرف على النشاطات، وهو الأمر الذي يضعف حافزها ورغبتها بالعمل والتفاعل مع المؤسسات العامة ويجعلها مع كل ما سبق ذكره تلتفت لمؤسسات وفعاليات خاصة أو تنطوي على يأسها وتفقد الرغبة في تطوير نفسها وهذا يشكل انعكاسا خطيرا على المجتمع والوطن.
وتضيف ابراهيم: هذا إلى جانب أمور أخرى مثل انعدام الحوار بين المحاور والجمهور المتلقي فيشعر الشبان غالبا أنهم جمهور متلقٍ فقط غير مساهم بالحوار وانعدام الثقة بالجدوى من النقاش أيضاً من حيث قدرته على التأثير في القرارات وتغيير مسارها إضافة إلى المفاضلة التي يدخل فيها الجمهور بين أهمية الندوة وبين ضغوط العمل والحياة وتأمين لقمة العيش بمعنى «الثقافة تحتاج لبعض الرفاهية».
وأخيراً لجوء الجمهور غالباً إلى مواقع التواصل الاجتماعي للحصول على المتطلبات الثقافية وخصوصاً أن المراكز الثقافية غير مهتمة بمواكبة وسائل التواصل كل هذا وغيره من شأنه أن يوسع الشرائح الاجتماعية الضعيفة ثقافياً على حساب الشرائح المبدعة والمهتمة علمياً وثقافياً وفنياً وهي المعول عليها في النهوض بالمجتمع وتطويره حضارياً.
أما عن العلاج فهو مرتبط بين أمرين أساسين:المدرسة، والمنزل، فتعزيز القراءة والثقافة جزء من التربية وبناء الإنسان الذي يبدأ من المعلم إلى الأهل مع الربط المهم لوسائل الإعلام بالتنبيه إلى ضرورة وأهمية القراءة لتغذية العقل والفكر. فعلى مدى زمن طويل لم نشاهد أي دعاية أو إعلان يحفز على ما ذكرنا، إضافة إلى غياب الاهتمام بتدريب القائمين على المفاصل الأساسية في المراكز الثقافية لكيفية إدارة هذه الأماكن وبالتالي جذب أكبر عدد ممكن لارتيادها.
كما يجب اختيار المواضيع التي تلامس اهتمام أكبر شريحة من الناس على أن يكون الحوار جزءاً مهما إضافة إلى الاهتمام بطريقة الطرح والعرض لتكون شائقة وبعيدة عن الملل.
هناك بوادر جادة بالدعوة إلى القراءة والاهتمام بتنمية الأطفال واليافعين مثل مبادرة اتحاد شبيبة الثورة وملتقى اقرأ معنا الذي بدأ عمله مع الأطفال من سن ست سنوات إضافة إلى اللقاء الدوري للكبار بمناقشة رواية شهرية بوجود شريحة من الأدباء والمثقفين وأنا أتمنى صراحة أن نقدم المساعدة ونولي اهتماما كبيراً إلى المبادرات المجتمعية بقصد التشجيع والاستمرار فقد استطاع ملتقى «اقرأ معنا» أن يشد شريحة لابأس بها للقراءة والنشاطات الثقافية بإمكانيات محلية وتمويل ذاتي.

الثقافة العربية في أزمة
والمراكز الثقافية في سياق الحالة الراكدة
الشاعر والكاتب سليمان يوسف يقول: لنعترف أولا بأن الثقافة العربية كلها في أزمة منذ فترة من الزمن. ولما كانت الثقافة هي الجسر الذي يصلنا إلى ضفة الحضارة والتطور والحداثة، فلذلك وجب عليها العبء الأكبر في إنجاز المهمات التاريخية لنقل شعوبها إلى رحاب التحضر والسلوك الراقي، إن كل شيء بات يعتمد على الفكر والثقافة وعلى إنتاج المعارف والفلسفات صاحبة المشاريع الكبرى في صنع العقل النقدي والعلمي. لذلك عندما تكون الثقافة في أزمة، يعني هذا أن المراكز الثقافية بطبيعة الحال ستكون في سياق الحالة الراكدة في ضعف الثقافة، وبالتالي فتور حالة الانشداد باتجاه المراكز الثقافية أو أي مؤسسة ثقافية أخرى، لذلك نرى أن عدد الحضور القليل، هو نتاج هذا المأزق الكبير، كما أن ضعف الخطط لدى المشرفين على هذه المراكز، وعدم اهتمامها بمن ينتج الثقافة الحقيقية واعتمادها على نماذج محددة ومكررة في سياق إلقاء المحاضرات الثقافية والفكرية، فهذا يعني إعادة إنتاج الأزمة الثقافية بطريقة سلبية!. إن على المراكز الثقافية أن تبحث عن عناوين فكرية وثقافية لها علاقة بتطورنا وبواقعنا كما هو، والعمل على انتقاء قامات ثقافية لا تلتزم الأوامر والتوجيه، بل تعمل على الاعتماد على قناعتها واستقلاليتها في طريقة الطرح والمناقشة، وهذا قد يشد الناس نحو الحضور في قاعات المراكز الثقافية، وترك حرية الحوار ودفع الأسئلة إلى نهايتها القصوى، إذا أردنا الفائدة المرجوة من الثقافة والفكر والمعرفة. إن حرية التعبير في السؤال، وجعل الأسئلة تهم واقع الشباب وتعمل على تطوير برامج عمل حقيقية لهذه الفئة العمرية التي تنشد المستقبل بطريقة حداثية ومتطورة، هي التي تفعل فعلها. كذلك يجب عدم إغفال أن الحرب التي نعيشها في سورية والمنطقة كلها، لابد أن تنعكس سلبا على الثقافة ومزاج المجتمع وخاصة فئة الشباب منه، لقد جعلت الحرب الأولوية للحفاظ على شكل الحياة وتأمين لقمة العيش والعمل، وكل هذا يساهم بشكل سلبي في انهيار وضعف الثقافة وقيمها المجتمعية الإيجابية.

الانشغال بالنت وارتياد المقاهي
وإهمال الجانب الأدبي
الكاتبة ميسون جعمور تقول: اليوم نشهد حالة ركود عامة سببها الانترنيت الذي سرق منا لذة التواصل مع الآخر، أغلب الأحيان نكون جالسين فتجدين البعض في عالم آخر مشغول بالنت وبالنسبة للمراكز الثقافية لا يوجد تنظيم لتوجيه الدعوات وطبعا لا يجوز إلقاء كل اللوم على المراكز الثقافية، فاليوم يعكف الناس إلى ارتياد المقاهي لتدخين النرجيلة مهملين الجانب الأدبي.
إضافة إلى أنه أصبح لدينا شعراء أكثر من أوروبا قاطبة والسبب استسهال الشعر فبعضهم يرى في الشعر نظما لكلمات خالية من الإحساس وهذا بحد ذاته ساهم في خلق ردة فعل عكسية لدى المتلقي، والحل يكون بالتواصل مع الكليات وفتح المجال للشباب بفرص للظهور على المنبر وبالتأكيد كل موهوب سيأتي بجمهوره معه فتنشط الحالة الثقافية تباعاً.

تكثيف الأنشطة التي تبحث في الشأن الحياتي وطرح المعاناة بجرأة ومصداقية
عبد اللطيف عباس شعبان عضو جمعية العلوم الاقتصادية يقول: ظاهرة حضور العشرات وأحياناً الآحاد هو الغالب، في كثير من محاضرات المراكز الثقافية بدلا من حضور المئات المعهود قديماً والمنشود مجدداً، حتى إن جيران المركز لا يحضرون أنشطته، وكثير من المثقفين لا يحضرون إلا عندما تكون المحاضرة لهم، وهذه الظاهرة تعود لأن كثيراً مما يطرح في هذه المحاضرات لا يقارب هموم واهتمامات الناس، المنشغلين في أعمالهم وأمورهم الحياتية، وقناعة الكثيرين بأن التلفاز يغطي لهم بعض اهتماماتهم الثقافية وهم جلوس في منازلهم. عدا معاناة البعض من نفقات ما يترتب على حضورهم.
وأرى أن تحقيق المزيد من هذا الحضور يتطلب تكثيف الأنشطة التي تبحث بالشأن الحياتي للناس، وطرح ومعالجة كل ما يهم الشأن العام الوطني والمواطن اجتماعيا واقتصاديا، بمصارحة حقيقية، مع التأشير الرقيق والدقيق والجريء إلى مواطن الخلل، وتسليط الأضواء على مناهضي الإصلاح، وفضح الفساد وتعرية مرتكبيه، وبحضور الإدارات المعنية والإعلام والجهات الرقابية والسلطات الأعلى، وطرح المعاناة والمشكلات بجدية وجرأة ومصداقية وموضوعية، ما يشكل مدخل أساسٍ لإبراز ما يتحقق من منجزات، ويبدد المزيد من الشكوك المضللة والمخربة، ويغلق الباب أمام المعارضة النفاقية الهدامة.
أيضاً من الضروري صدور تعليمات رسمية تقضي بوجوب بل إلزام الجهات الرسمية والمنظماتية حضور المحاضرات التي تعنييها، فلأكثر من مرة حضرت محاضرات عن البيئة ولم أجد أحدا من الرسميين أو العاملين المعنيين في البيئة أو الصحة أو البلديات حاضرا، ما يجعل حديث المحاضر موجها إلى حضور قليل لا حول له ولا طول، ولما كانت جميع الجهات الإدارية والمنظماتية الحزبية والشعبية معنية بكثير مما يقال على منابر المراكز الثقافية، أقترح أن تصدر توجيهات رسمية ملزمة تقضي بأن تعمل الإدارات والمنظمات الواقعة ضمن نطاق كل مركز ثقافي على تشكيل فريق ثقافي منها– يتغير أعضاؤه بشكل دوري– بعدد من «3– 10» أفراد حسب حجم الجهة، بحيث يكون هذا الفريق مكلفاً حضور أنشطة المركز القريب منه، ونقل مختصر ما دار في المحاضرة إلى جهته، وخاصة لأن المحاضرة تعنيها بشكل جزئي أو كلي، بينما لو حضر نصف الأفراد المكلفين على الأقل لشكل ذلك حضورا عدديا وحضوراً نوعيا مطلوبين، ولكان ذلك دافعا لحضور كثيرين من المجتمع الأهلي، أيضاً من الضروري جداً ألا تقتصر نشاطات المركز داخل جدرانه، بل من الأفضل أن يحمل أنشطته إلى حيث يوجد جمهور يسمعها، وليكن ذلك في قاعات الكليات الجامعية وقاعات الكثير من الإدارات الكبرى وساحات المدارس الثانوية، وفي كثير من القرى، بما يحقق تمكين القول المأثور: «الثقافة هي الحاجة العليا للبشرية».

ختاماً
المراكز الثقافية ليست مجرد بناء وجدران وصفوف من الكراسي وتسمية تطلق عليها. كما أن التفاعل لا يكون بمحاضر من دون جمهور ولا بمحاضرة من دون روح. لو وجدت إرادة حقيقية لتحولت المراكز الثقافية إلى ملجأ لكل شاب موهوب ومبدع وإن لم نكترث ربما تتحول في قادمات الأيام إلى كهوف مهجورة.
الثقافة حضارة والحضارة وطن، الثقافة مسؤولية وجميعنا مسؤولون، والشباب المثقف، المبدع هوية لوطن لاينهزم ولا ينكسر لذلك يجب أن تتضافر جميع الجهود بل أيضاً نجتهد في التعاون لتفعيل الثقافة فكرا وعملاً وأسلوباً بالدعوة، بالتحفيز، بفرضها إلزاميا في المنهاج التعليمي والتشجيع عليها بالمسابقات والجوائز المعنوية والمادية.
فكم من طاقة إبداع كامنة بيننا عزلتها الظروف البيئية والمعيشية؟وكم من موهوب قتل إبداعه الصد والمنع والرفض؟
وكم من مثقف تم إقصاؤه بدافع المصلحة والشخصنة وكم من فرصة كان يجب أن تمنح ولكن بقيت قابعة في الجيوب بانتظار قبض ثمنها! الثقافة المشروطة والمقيدة بالمصلحة ثقافة ميتة قبل الولادة.