تشكيل.. مفيدة الديوب بين الرسم والنحت..عفويـــة قصــوى تختزل الشـــخوص وتجردهـا..

تشكيل.. مفيدة الديوب بين الرسم والنحت..عفويـــة قصــوى تختزل الشـــخوص وتجردهـا..

ثقافة

الثلاثاء، ٢٣ يناير ٢٠١٨

تتجه الفنانة التشكيلية مفيدة الديوب، في لوحاتها الأحدث لإضفاء الأجواء اللونية الكثيفة، والوصول الى مزيد من الإختزال والاختصاروالتبسط، في تجسيد العناصر الإنسانية، إلى الحد الذي يجعل بعض لوحاتها،


تتماهى في أحيان كثيرة، مع التجريد اللوني الغنائي، القادم من تقنية وضع اللون بحرية تامة، على سطح اللوحة.‏

تلقائية طفولية‏

ومن أجل الوصول إلى حالة متداخلة بين التشخيص التعبيري والتلوين التجريدي، تعتمد على إحساسها الطفولي المطلق، فالمجموعة الإنسانية، تتحول من حالة إلى أخرى، في ظل الاقتراب أو الابتعاد عن الصياغة التعبيرية، فهي أحياناً تميل إلى التعبيرية التي تحافظ على بعض ملامح أو اشارات الشكل أو المشهد، وأحياناً أخرى تزاوج بين المؤشرات اللونية العفوية المثبتة في إشارات الشخوص، بوضعياتهم المختلفة، وبين مؤشرات التجريد اللوني، الذي يظهر في بعض أجزاء اللوحة، حيث لا فواصل ولا حدود هنا، بين حضور ملامح الأشكال، وبين غيابها أحياناً في بعض أقسام اللوحة.‏



وهكذا نستطيع الحديث عن مشاعرها الطفولية المطلقة، التي تعطي لوحاتها خصوصية ذاتية، وعفوية لونية، وحركات تعبيرية وتجريدية، تأتي متداخلة ومتجاورة ومتراكمة فوق بعضها البعض، وهي هنا ترسم بحرية تامة، وتغوص في تجربة تعبيرية مغرقة في عفويتها وتلقائيتها وحساسيتها الطفولية.‏

ومفيدة الديوب تمنح لوحاتها السابقة والجديدة غنائية بصرية، تكسر صفاء المساحات، وتبتعد بها عن التشكيل الهندسي، بتداعيات الأشكال الحاملة بعض مظاهر الحداثة، من خلال النظر إلى الأشكال بالعين المعاصرة.‏

وفي لوحاتها الأحدث تعاملت مع ألوانها بمرونة أكبر، مستعيدة روح وحركة الشكل وإيقاعاته الدالة عليه. ويمكن القول أن ظهور اللمسة العفوية الأكثر ارتباطاً بحالات الانفعال الوجداني، جاء نتيجة البحث المستمروالمتواصل، ليظهر مرونة رموزها التعبيرية التلقائية، التي تحكي من خلالها حكايتها مع الواقع، حيث تدل هذه اللوحات على عفوية في التنفيذ والتلوين معاً، من خلال تعاملها مع المواضيع الإنسانية وخاصة المرأة، بمزيد من العفوية والفرح والصدق المطلق.‏

المرأة الرمز‏

وتحمل لوحاتها قدراً من التعبير عن الانفعالات الداخلية، المتفاوتة بين الهدوء والحركة، وبين الحزن والفرح، وكل الأحاسيس والعواطف والانفعالات المتقلبة والمتبدلة. ويمكن القول أن لوحاتها الأحدث عكست هواجسها الجمالية وثقافتها التشكيلية المعاصرة، وحركة الطبيعة والعمارة احياناً، والتزامها بقضية المرأة السورية، التي وقعت عليها مآسي الاقتلاع والتشرد وهلع الفواجع والضياع، وهمجية الحرب وتأثيراتها النفسية العميقة في وجدان المجتمع السوري.‏

فالحضور اللوني في لوحاتها هو حضور تلقائي وعفوي وذاتي وطفولي قبل أي شيء آخر، كونها تسعى لاختصار العناصرالإنسانية وإظهار ضربات الفرشاة المتتابعة والمتجاورة، كما تظهر الطبيعة والعمارة القديمة في خلفية لوحاتها احياناً، فالاحساس الطفولي ترك تأثيراته المباشرة والواضحة على كبار فناني العصرالحديث، وفي مقدمتهم «بابلو بيكاسو».‏

هكذا تطل لوحاتها كتجليات لصياغة موسيقا لونية تبرز التفاعل، إنها حالة تعبيرية - تجريدية معاصرة تلغي المسافة بين الإحساس والتجسيد، فهي ببعض الإشارات تميل إلى أجواء الحفاظ على روح الأشكال، بعد غياب ملامحها الواقعية.‏

ولوحاتها تجمع في جميع مراحلها، بين التجسيد والغياب، عبر خطواتها المثبتة في إيجاد تناغم إيقاعي بين خطوط اللون واللمسات المتتابعة والتي تبرز هنا كتموجات وإشارات لونية موسيقية.‏

نحت فراغي‏

وتجمع مفيدة الديوب في معارضها (ومن ضمنها مشاركاتها في بعض دورات معرضي الربيع والخريف) بين تقنيات الرسم والنحت، ولقد درست الفن في محترفات كلية الفنون الجميلة - قسم النحت - خريجة عام 2000، كما حازت على دبلوم دراسات عليا عام 2003، وأقامت معرضاً فردياً في فندق عثمان بيك بدمشق القديمة، وشاركت بمجموعة واسعة من المعارض الجماعية.‏

وكانت قد أنجزت خلال دراستها الأكاديمية مجموعة من التماثيل الكبيرة (وصل ارتفاعها احياناً الى مترين) وتركزت حول موضوع المرأة، بصياغة تعبيرية فيها قدر كبير من العفوية.. كما اختبرت تقنيات النحت المختلفة (خشب، بوستر، حجر صناعي، رخام، خزف) إلا أن انتاج اللوحة وعرضها كان الأكثر حضوراً في مشاركاتها في العديد من المعارض الجماعية (أكريليك وزيت على كانفاس) وهي تشغل حالياَ مديرة متحف الفن الحديث في دمر، إلى جانب عملها الفني الدائم والمتواصل.‏

مفيدة الديوب نحاتة، وجدت نفسها في اللوحة، فكرست لها جل جهدها ووقتها، ويبدو موضوع المرأة حاضراً، بتجلياته وحالاته المختلفة، في مجمل أعمالها النحتية والتصويرية، كما تبدو العفوية سمة اساسية في الاتجاهين معاً، وبهذا تجتمع العناصر التشكيلية الحديثة، ويبرز التلخيص والتبسيط، ضمن رؤية فنية تقترب من التعبيرية - الرمزية للوصول إلى تداعيات ما ترسخ في الوجدان من جماليات فنية قديمة وحديثة معاً.‏

وثمة نقاط التقاء تجمع بين لوحاتها ومنحوتاتها، ولا سيما في حركة الاشخاص المختزلة الى أقصى حد، حتى أن الشخص يغيب، في أحيان كثيرة، وخاصة في لوحاتها، وتبقى حركته الدالة عليه، ولهذا فلوحاتها تبدو مكملة لأعمالها في مجال النحت والتشكيل الفراغي.‏

هكذا تعمل في بحثها التشكيلي وتفاعلها مع اللون والكتلة، على تحريك مواضيعها الانسانية، وبمعنى آخر تركز في تشكيلها لملامسة الفنون القديمة والحديثة، الشرقية والغربية، لاسيما وان الفنون البدائية، غنية بالعفوية والتلقائية، التي تتطلبها أصدق الأعمال التشكيلية الحديثة والمعاصرة.‏