مدفع رمضان.. بقلم: شمس الدين العجلاني

مدفع رمضان.. بقلم: شمس الدين العجلاني

ثقافة

الجمعة، ٣ يوليو ٢٠١٥

لشهر رمضان الكريم قصص وحكايات، نسينا بعضها، وبعضها لم يزل يعبق بوجداننا، وحكايات أخرى سمعناها عن الآباء والأجداد...
تكاد دمشق، تنفرد بتقاليد مميزة لشهر رمضان عن مثيلاتها من الحواضر العربية والإسلامية في تعايش الناس مع شهر رمضان المبارك والعادات والطقوس التي تمارس في هذا الشهر الفضيل، ومدفع رمضان من ميزات شهر رمضان في بلاد الشام وله قصة وحكاية.
اشتهر في ذاك الزمن البعيد الصحابي بلال بن رباح، كأول مؤذن في الإسلام، وأول " المسحراتي " في تاريخ المسلمين حين كان يؤذن معلناً موعد الإفطار، كما اشتهر أيضاً أن عبد الله ابن أم مكتوم أنه كان أول من يؤذن معلناً الإمساك...
ودارت الأيام وأضيف " المدفع " لطقوس رمضان في الإفطار والإمساك.
 مدفع رمضان هو مدفع يستخدم كأسلوب إعلان عن موعد الإفطار والإمساك وإخبار العامة من الناس عن هذا الموعد. وهو تقليد متبع في العديد من الدول الإسلامية بحيث يقوم الجيش أو الجهة المختصة في المدينة وبعض القرى بإطلاق قذيفة مدفعية لحظة موعد الإفطار عند مغيب الشمس معلناً انتهاء صيام اليوم والبدء بتناول الطعام. وكانت أول مدينة تستعمل المدفع لهذه الغاية هي القاهرة..
مدفع القاهرة:
رويت عدة قصص عن أول من استعمل مدفع رمضان في القاهرة، فقيل إنه في حوالي عام 865 هـ وفي زمن السلطان المملوكي خوش قدم، أراد هذا السلطان أن يجرب مدفعا جديداً، فتزامن مصادفة إطلاق قذيفة المدفع مع وقت الإفطار، فأعجب أهل القاهرة بهذه الطريقة للتنبيه إلى موعد الإفطار، وخرجت جموع الأهالي إلى مقر السلطان تشكره على أنه أضاف" المدفع " لتنبيه الناس إلى موعد الإفطار.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الذي صنع المدفع للسلطان خوش قدم في قلعة الجبل كان يدعى إبراهيم الحلبي.
 وقيل أيضاً إن بعض الجنود في عهد الخديوي إسماعيل كانوا يقومون بتنظيف أحد المدافع، في موعد الإفطار فانطلقت منه قذيفة دوت في سماء القاهرة، فظن الأهالي أن هذا إجراء جديد اتخذه الخديوي للتنبيه إلى موعد الإفطار، وأعجب أهل القاهرة بذلك، وعلمت الحاجة فاطمة ابنة الخديوي إسماعيل بما حدث، فأعجبتها الفكرة ونقلتها إلى والدها مقنعة إياه باتباع هذا التقليد، وابتدأ منذ ذلك الوقت باستعمال " المدفع " للتنبيه لموعد الإفطار. ولكن هنالك من يشكك أن فاطمة هي ابنة الخديوي بل يقولون إنها زوجة السلطان المملوكي خوش قدم... ويشكك الرحالة الايرلندي، الذي زار مصر عام1853، بهذه الرواية ويقول إنه سمع مدفع الإفطار في القاهرة عام 1853، قبل عهد الخديوي إسماعيل، وإن معظم أهالي مصر يطلقون على تسمية " مدفع رمضان " اسم "مدفع الحاجة فاطمة"، واشتهر هذا الاسم في الثقافة الشعبية المصرية.
وكذلك رويت نفس الحكاية ولكن في عهد محمد علي الكبير والي مصر وأنه في عام 1805 كان يجرب مدفعاً جديداً من المدافع التي استوردها من ألمانيا..
ولربما استعمل المدفع لأول مرة في عهد الخديوي إسماعيل، لأن أقدم تسمية للمدفع في مصر مازالت متداولة حتى الآن هي " مدفع الحاجة فاطمة ".
وانتقل بعد ذلك استعمال المدفع للتنبيه إلى موعد الإفطار في شهر رمصان المبارك إلى بلاد الشام فالعراق...
ولا بد من الإشارة إلى أنه من النادر الحصول حول هذا الموضوع على معلومات موثوقة مع إسناد ومصدر علمي.
وعندما انتشرت المساجد في البلدان الإسلامية وتطورت وسائل الاتصال ووسائل الإعلام تم الاستغناء عن “مدفع رمضان” في العديد من تلك الدول ولكن لم يزل " مدفع رمضان " باقياً في بلاد الشام.
مدفع الشام:
مارس أهل دمشق عادات قديمة عريقة في رمضان توارثوها عن أجدادهم تحكي روح التراث والأصالة والمحبة والتواصل الديني والأخلاقي والحياتي فيما بينهم وهي عادات تكاد أن تندثر هذه الأيام إلا من بعضها.
المشهور أن مدينة القاهرة هي أولى المدن الإسلامية التي عرفت عادة "مدفع رمضان"، لكن هناك من يرى أن مدينة دمشق سبقت القاهرة في هذه العادة، مستدلين بالحوادث التاريخية المحفوظة والثابتة عن ضرب المدفع في دمشق، وأنها سابقة على حوادث ضربه في القاهرة. لكن عند ثبوت هلال رمضان، وليس عند الإفطار أو الإمساك يومياً... وانتقلت عادة استعمال المدفع من القاهرة إلى بلاد الشام ومن ثم إلى العراق وباقي الدول العربية وبعض الدول المسلمة الأخرى.
تقول الروايات إن مدفع رمضان استخدم لأول مرة بدمشق زمن الوالي أسعد باشا العظم والي دمشق في عام 1742م. ففي أحد الأيام ثبتت رؤية هلال رمضان، وبعد العشاء أمر الوالي بضرب عدة قذائف من المدفع تعلن إثبات الرؤية... فاستيقظ سكان دمشق وازدحمت الشوارع وفتحت الدكاكين أبوابها..
كان أول مكان وضع فيه مدفع رمضان بدمشق على سطح قلعة دمشق، وعندما حول الفرنسي القلعة إلى سجن وثكنة عسكرية، نقل المدفع إلى هضبة قبة السيار المعروفة الآن على طريق ضريح الجندي المجهول في جبل قاسيون، وبعد اتساع مدينة دمشق لم يعد مدفع واحد يكفي فتم وضع مدفع آخر عند باب كيسان قرب باب شرقي.
كما يروى أنه بعد الاتساع الكبير والتطور العمراني الذي طال مدينة دمشق ازداد عدد أماكن توضع مدفع الإفطار، ليصبح في دمشق 17 مدفعاً.
وفي خمسينيات القرن الماضي تم استبدال مدفع الذخيرة الحية بمدويات صوت كانت توضع في عدد من حدائق دمشق حيث يتم وضع أسطوانة في أرض الحديقة وتوضع فيها كمية من البارود ضمن قطعة قماشية ويتم إشعال فتيل مرتبط بها وعندما تشتعل تندفع حشوة البارود عالياً وتنطلق في الجو من دون إحداث أي ضرر.‏
والآن يوضع " المدفع " في عدة حدائق متباعدة في مدينة دمشق وتطلق أصوات المدافع في وقت واحد.
لعدة سنوات خلت، وبمجرد إعلان القاضي الشرعي بدمشق رؤية الهلال تبدأ مدافع رمضان بإطلاق إحدى وعشرين طلقة، ويومياً هناك ثلاث طلقات عند السحور الأول لتنبيه الناس والثاني لإعداد الطعام والثالث عند الإمساك ويطلق عند الغروب طلقة واحدة عندما يرى المسؤول عن المدفع أنوار المآذن تضاء وعند ثبوت رؤية هلال عيد الفطر وعيد الأضحى يطلق المدفع إحدى وعشرين طلقة أيضاً وخلال أيام العيدين عيد الفطر والأضحى يطلق مدفع رمضان طلقة واحدة عند موعد كل صلاة.
مدفع رمضان موجود في كل المدن والقرى السورية، هو رمز من رموز رمضان في بلاد الشام وتقليد تراثي متبع منذ مئات السنين له تقاليده ومواعيده الدقيقة.