كراكوز وعيواظ وصندوق الفرجة والحكواتي ..إعداد: شمس الدين العجلاني

كراكوز وعيواظ وصندوق الفرجة والحكواتي ..إعداد: شمس الدين العجلاني

ثقافة

الأحد، ٥ يوليو ٢٠١٥

العرب بطبيعتهم يعشقون القصص والسير والحكايا، وبغض النظر عن مهارات العرب في الشعر والنثر والقصص، كان هنالك في تاريخنا " خيال الظل " وصندق الفرجة، وخيال الظل الذي عرف في الشام باسم كراكوز وعيواظ، وهو فن شعبي انتقل إلى العالم الإسلامي من الصين والهند عن طريق بلاد فارس خلال القرن السادس الميلادي في العصر العباسي وازدهر زمن الدولة الأيوبية وزمن الدولة المملوكية.. ويعتبر شيخ فن " خيال الظل " شمس الدين بن عبدالله محمد ابن دانيال الموصلي في عهد السلطان الظاهر بيبرس.
كراكوز وعيواظ :
كراكوز وعيواظ أو خيال الظل، فن قديم يعتمد على " لعب " دمى من الجلود المجففة ذات الألوان المتباينة، ويتم تحريكها بعصا وراء ستار من القماش الأبيض المسلط عليه الضوء، ما يجعل ظلها ظاهراً، وتناول كراكوز وعيواظ، سير وحكايات تنم عن الشجاعة والكلام والبطولات، والأخلاق الحميدة، مع بسمات وضحكات تتخلل العرض..
الشخصيات الرئيسية في خيال الظل هما كراكوز، وعيواظ، وكركوز يمثل رجلاً محتالاً مشاكساً مؤذياً صاحب مقالب. وعيواظ شخص حكيم يوعظ الناس دائماً، وهو في الوقت نفسه ضحية دائمة لرجل المقالب كراكوز، وعن طريق كراكوز وعيواظ يوصل أصحاب خيال الظل الحكمة والعبرة من الحكاية.
وهنالك شخصيات ثانوية في خيال الظل مثل " مدلل شلبي " وهو الخادم، ويمثل شخصية خفيفة الظل ومحبوب من الجميع، وشخصية (أشؤو كفكيرة) وهو القبضاي التركي الجسيم صاحب العضلات والغبي في الوقت نفسه، وبكري مصطفى، وهو سكير أزعر، والعكيد وهو رجل زكرت يمون على الحارة...
خيال الظل فن انقرض مع الأسف في أيامنا هذه، ففي يوم ما كانت القهاوي في الشام " تعج " بهذا الفن ورواده، وكانت تعرض لـ " كراكوز وعيواظ " فقرتان من التمثيليات واحدة للأطفال يغلب عليها الفكاهة والمرح، والثانية للكبار بمضمون أعمق وأنضج. وكانت العروض أيضاً تتم ضمن الخيام وتسمى " خيمة كراكوز وعيواظ ". يرافق عرض كراكوز وعيواظ عزف موسيقي على آلات من العود والطبلة والناي لتقوم بدور الموسيقا التصويرية.
خيال الظل يشبه إلى حد كبير مسرح العرايس في أيامنا هذه.
صندوق الفرجة:
صندوق الفرجة أو صندوق الدنيا، هو صندوق خشبي مستطيل طوله حوالي المترين وارتفاعه أيضاً حوالي المترين، بعمق لا يتجاوز 60 سم، مزركش برسومات ملونة بألوان فاقعة، في أحد وجوهه ثلاثة أو أربعة ثقوب متقاربة مستديرة الشكل مغطاة بزجاجة مكبرة لكي يتسنى للناظر أن يشاهد خلالها داخل الصندوق وفي داخل الصندوق بكرة على كل طرف مثبت عليها لفة ورق عليها صور تحكي حكاية ما، ويقوم صاحب الصندوق بتحريك لفه الورق هذه مع شرح مشوق لها، وزبائن صندوق الفرجة هم من الأطفال حصراً، الذين يجلسون على مقعد خشبي طويل من دون ظهر، صندوق الفرجة يحمله صاحبه على كتفيه، ويحمل أيضاً الكرسي الخشبي بيده، ويدور في الأزقة والحارات أو ينصب كرسياً صغيراً في إحدى الساحات منادياً الأطفال بنداءات شعبية طريفة بصوت أجش ولكنه صوت يبعث على الدهشة في عالم الصغار.
يصرخ صاحب صندوق الفرجة : " تعى تفرج يا سلام – شوف أحوالك على التمام – شوف عجايبك عجائب – شوف بنت السلطان – شوف عنتر أبو الفوارس بالحديد غاطس – شوف الحلوة عبلة - ليتها عيونها ما تبلى – تعى تفرج يا سلام "
كانت صور وحكايات صندوق الفرجة عن عنترة وعبلة، أو الزير سالم، أو الملك سيف بن ذي يزن، أو الظاهر بيبرس، أو حمزة البهلوان، أو علي الزيبق.
كانت مهنة صندوق الفرجة أيام زمان من المهن الأساسية المهمة في المجتمع حيث تضم أعداداً كبيرة من المشتغلين بها وامتدوا إلى أجيال، وهي مهنة عائلية يتوارث الأبناء هذه المهنة عن الآباء والأجداد، وكانت أنشط أيام صندوق الفرجة في العيدين، عيد الفطر، وعيد الأضحى.
صندوق الفرجة من المهن التي انقرضت ولم نعد نسمع عنها شيئاً، سوى الذكريات الجميلة التي تعبق في داخلنا.
الحكواتي :
الحكواتي أو الراوي أو القصّاص أو القاصّ أو المحدث، والاسم الأشهر والمتداول في بلاد الشام هو الحكواتي.
 أسماء عدة لرجل واحد ومهنة واحدة هي الحكواتي، والحكواتي هو شخص امتهن سرد " حكي " القصص، في المقاهي بالقرى والمدن، يتجمهر حوله الناس، ويروي حكايته بصوت جهوري مميز وبحركات دائمة من يدية وتقاطيع وجهه ليجذب المستمع إليه، فهو في تفاعل دائم مع جمهوره.
الحكواتي يختار قصصه ورواياته بحيث تملك النفحة الكبيرة من القيم والفضائل. يعود ظهور الحكواتي إلى عهد الخليفة عمر بن الخطاب حيث كان الناس يعتمدون أسلوب التواتر الشعبي في تداول الأحداث التاريخية وسرد السيرة النبوية، وبشكل عام فإن حكايات الحكواتي تتمحور حول الشجاعة والأخلاق والكرم والبطولات فكانت تأخذ من سيرة أبو زيد الهلالي، الظاهر بيبرس، عنترة (أبو الفوارس)، سلامة في السيرة الهلالية، الأميرة ذات الهمة، وألف ليلة وليلة...
كان أهل الحارة في المقهى عند حديث الحكواتي ينقسمون إلى فئة تناصر البطل وتتحمس له وفئة أخرى تعارضه، وهو ما كان يسبب في بعض الأحيان وقوع خلافات بين الطرفين، فيقوم الحكواتي باستغلال ذلك ويحبك القصة ويصعد الأحداث إلى أن تتوقف عند عقدة يكون فيها البطل في موقف حرج على أمل اللقاء بهم في اليوم التالي ليتابع لهم السهرة.
ويروى العديد من الطرائف حول الحكواتي، فإن روى أن عنترة أدخل السجن مكبلاً، فمن الطبيعي أن يطرق باب الحكواتي مجموعة من شباب الحارة طالبين من الحكواتي أن يخرج عنترة من السجن قبل أن يصبح الصباح !!
وعند زواج عنترة في حكايات الحكواتي، يمكن قيام عشاقه من أهل الحارة بتزيين الحارة وإقامة الأفراح وقرع الطبول!!
الحكواتي مهنة دائمة على مدار أيام السنة، ولكن خصوصيته في شهر رمضان وحكايات الحكواتي تكون في هذا الشهر حول القيم التي يمثلها رمضان، وعن الفضائل.... الحكواتي في تلك الأيام هو أهم مصدر للتسلية لأهل الحارة.
وهنالك من يعطي الحكواتي دوراً أكبر، حين يقول إن للحكواتي دوراً في مقارعة الاستعمار، والدعوة لحماية الوطن، فإن اختياره لحكاياته في ظل المستعمر، لها دورها في شحن النفوس ضد الاستعمار، والدعوة إلى مقارعة الظلم والاستبداد. الحكواتي في الشام:
مهنة الحكواتي عرفتها بلاد الشام منذ مطلع القرن التاسع عشر، وحظيت بشعبية كبيرة جعلتها جزءاً من التراث الشعبي.
كل المدن والقرى في بلاد الشام كان الحكواتي في مقاهيها هو سيد الموقف، له شهرته في حلب وحمص وحما واللاذقية.. ومدينة صيدا لها حكاية مع الحكواتي فكان أول حكواتي في مقاهيها جاءها من مدينة حلب وهو الحاج محمد الشقلي الحلبي، جاء إلى صيدا وأقام فيها ابتداء من العام 1837 م.
ولكن شهرة دمشق بالحكواتي فاقت باقي المدن حتى أيامنا هذه، فقديماً لا يوجد مقهى بدمشق من دون الحكواتي.
الحكواتي بملامحه الحالية في بلاد الشام تكون زمن المحتل العثماني، وهو قاص شعبي يجلس على كرسي عال في صدر المقهى " على الدكة " يجسد دور الشخصية التي يحكي عنها بالحركة والصوت. وله شعبية كبيرة جعلته جزءاً من التراث الشعبي في هذه البلاد، وكان رجل البيت حين عودته من مقهى الحكواتي يقص على أهل بيته الحكاية.
اشتهر بدمشق قديماً عدد من الحكواتية منهم سلمان بن حشيش وقد ذكره البديري الحلاق في كتابه الشهير (حوادث دمشق اليومية) وذلك القرن الثامن عشر، وأشار البديري إلى أن القاصّ الشعبي سلمان بن حشيش، كان في أيامه فريد عصره ووحيد زمانه، وكان يحكي (سيرة الظاهر بيبرس) و(عنترة) و(سيف بن ذي يزن) ونوادر غريبة باللغة التركية والعربية، واشتهر أيضاً الحكواتي عبد الحميد الهواري أبو أحمد المنعش وهو من مواليد 1885 م وتوفي عام 1951م، وأيضاً يرد اسم الحكواتي أو عادل الذي كان يعمل في مقهى الحدادين وذلك في الستينيات من القرن الماضي، ومن ثم جاء أبو شادي رشيد الحلاق الذي توفي عام 2014 م، واكتسب الحلاق شعبية كبيرة لدى أهل دمشق وكل زائر وسائح لها، وكانت مقهى النوفرة العريقة مسرحاً لحكايات أبو شادي الحلاق.
مهنة الحكواتي، اندثرت في الدول العربية، إلا في مدينة دمشق فترى هنا وهناك على نطاق ضيق من يسرد حكايات، الظاهر بيبرس، وعنترة وعبلة، وسيف بن ذي يزن والزير سالم.