إسكندر الرياشي..الصحفي التائه وقبضوا وقبضنا!!.. بقلم: شمس الدين العجلاني

إسكندر الرياشي..الصحفي التائه وقبضوا وقبضنا!!.. بقلم: شمس الدين العجلاني

ثقافة

السبت، ٢٥ يوليو ٢٠١٥

روايات وقصص وحكايات سردها نقيب الصحافة اللبنانية إسكندر الرياشي الذي ولد فقيراً ومات بعد أن عاش حياته "بالطول والعرض" وعلى طريقته الخاصة، وكان ساخراً بالفطرة، وخفيف الظل والدم منذ ولادته.
قال الرياشي ما لا يجب أن يقال، وسمى الأشياء بمسمياتها، تقاضى رشاوى الدنيا!؟ وقبض وقالها بالفم الملآن إنني أقبض من فوق الطاولة وهم يقبضون من تحت الطاولة!؟
كان الرياشي يبالغ بنقده الفكاهي اللاذع، وسخريته عندما يتناول في حديثه السياسة والسّاسة. فيقول عنه أنسي الحاج: " إسكندر الرياشي شيء آخر. إنه لا يتمسخر بل يضع حاله على الورق. إباحته لذاته هي المصدر، والسخرية فرع من هذا المصدر. طرافته أنه يتعرّى بالكامل، ويتحداك أن تجاريه. لم يُجاره أحد من أهل الصحافة ولا من أهل الأدب. «اكزيبيسيونيسم» كارج، كَرْج الحَجَل، في لغة حية، نصف شفهية، أشد ما يدهش فيها أنها لا تخاطبك على أساس أنها ظريفة خفيفة، بل على أساس أنها عابسة متوترة وقليلة الصبر. إسكندر الرياشي يُطَقطق من الضحك لكنه هو لا يَضحك أبداً."
المرأة كانت عصب حياة الرياشي لذا كان أشهر من كتب عن الجنس اللطيف.
كان الرياشي شاهداً على ملايين الجنيهات التي سعت لنفوس وضمائر بعض العرب لبيع أوطانهم للمستعمر وهو واحد منهم!؟
كان شاهداً على معركة ميسلون واستشهاد يوسف العظمة، الشهيد الأكبر والمقدس والأغر – حسب قول الرياشي-
وكان أيضاً شاهداً على أغلى سجل في العالم يحوي أسماء جميع الذين كانوا يخدمون المستعمر الفرنسي ويتظاهرون أمام الناس بالتجرد والنزاهة والوطنية التي لا تقبل انتداباً!؟
كان للرياشي رأي في مواصفات رئيس لبنان وحكومته: "المطلوب رئيس جمهورية لا يتكلم، ولكننا نفهم ما يريد. ورئيس الحكومة يتكلم كثيراً ولا نفهم ماذا يعني".‏‏
البحث في سيرة حياة وعطاء إسكندر الرياشي «1890 ـ 1962» الصحفي والسياسي والمؤرخ، الذي اعترف البعض بصدقه وببصماته الواضحة على أحداث بلاد الشام، واعتبره البعض الآخر أنه عاش ومات على هامش الحياة!
أكبر قبضة:
كان الرياشي يتقن الفرنسية بشكل ممتاز وهذا ما ساعده على التعاون والعمل مع المستعمر الفرنسي، وذات مرة كلفته المفوضية الفرنسية في بيروت، بشراء ضمائر الزعماء في منطقة البقاع اللبنانية ويروي د.محمد جمال طحان الحكاية فيقول: "... سأله المفوض السامي الفرنسي: توجد عدة شخصيات في منطقة البقاع و(بعلبك والهرمل تحديداً)، معارضة للانتداب، على اعتبارك يا إسكندر من زحلة (البقاع) فنحن نسألك ما علاج هؤلاء؟..
أجابه: العلاج معروف ندفع المال. سأله المفوض السامي كم يكلف هؤلاء؟ قال له: /30/ ألف ليرة إنكليزية، كانوا ستة، أخذ المبلغ على أن يدفع لكل واحد منهم /5/ آلاف، في طريقه إلى البقاع، وصل إلى ظهر البيدر فوقف وقال: نسينا إسكندر الرياشي فوقف وقسم المبلغ على سبعة وقال: (الآن برطلنا إسكندر الرياشي).. واستأنف المسير ووصل إلى بعلبك إلى واحد من آل حيدر وبعد أن شرب القهوة سأله: ما رأيك بالسياسة الفرنسية؟ فقال له: نحن ظلمنا الفرنسيين لأنهم نشطون يبنون المدارس ويشقون الطرقات وصار عندنا حرية بخلاف أيام العثمانيين، وبعد أن أنهى شرب القهوة ودّعه، وقال في نفسه: ما دام وافق، نحذف الـ (4000) حصته، فوضع المبلغ في جيبه وتابع طريقه، الباقون أدلوا برأيهم إيجابياً تجاه الفرنسيين، بقي القبضاي المشهور (ملحم قاسم) الذي كان (مطارد فراري) ذهب إليه وبعد العشاء الذي حضره رؤساء العشائر وذبحت خلاله الذبائح سأله كيف حالك يا أبا علي؟ قال: صار لي كذا سنة بهذه الجبال، وتعبت، وهؤلاء أصحابك الفرنساوية هل يمكن أن تكلمهم من أجل ترتيب وضعي وإعفائي من المطاردة؟ فقال له: يا أبا علي.. أصحابي..أصحابي.. ولكنك تعرف، لا شيء يمكن حله إلا بالمال. فقال له: كم تكلف العملية..؟ فقال له: تكلف /5/ آلاف ليرة. "
ومن طرائف الرشاوى والرياشي أنه كتب ذات مرة في مجلة الصياد اللبنانية يقول: " محمد التابعي، الصحافي المصري الشهير، كتب في /أخبار اليوم/ جريدة علي أمين مصطفى أمين/ يتهمني فيها أني قبضت /10/ آلاف ليرة إنكليزية من جهة معينة، في الحقيقة أني /زعلت/ عندما قرأت الخبر ليس لأني لم أقبض الـ (10) آلاف، لقد قبضت الـ (10) آلاف وأكثر منها من جهات أخرى، لكن (زعلت) كيف عرف محمد التابعي أني قبضت المبلغ! ".
والرياشي هو القائل : " كنت أقبض من الشيخ تاج " الشيخ تاج الدين الحسني رئيس سورية السابق "وإسماعيل صدقي باشا" رئيس وزراء مصر ومن فوق الطاولة".
وبهذا الصدد يروى أن الرياشي كتب مجموعة مقالات يمتدح بها الشيخ تاج رئيس الجمهورية السورية في مطلع الانتداب الفرنسي. ولما زاره الرياشي في قصره، شكره الشيخ تاج وسأله عن كيفية مكافأته له، فأجابه على مسمع بعض زواره ووزرائه بأن المكافآت متنوعة، ولعل أفضلها المكافأة المالية السخية طبعاً!
الصحافي التائه:
اشتهر الرياشي باسم جريدته «الصحافي التائه» التي أسسها عام 1922 وأصدرها في زحلة "وقيل بل أصدرها في المهجر الأميركي" بشكل غير منتظم وكان يحررها بنفسه، ومن ثم ساعده في التحرير ابنه مارك " 1923 - 1973 م". عمل الرياشي في «الصحافي التائه» فملأها ظرفاً ودعابات واعترافات وكانت المقالة الجافة في " الصحافي التائه " تتحول إلى كلمات طريفة خفيفة الدم.
"الصحافي التائه" صنفت جريدة دورية منوعة "ساخرة"، مؤسسها إسكندر رياشي
يوم 28 أيلول 1922 م، مدير الجريدة: خان فخري بك، قياس الورق: 48 سم – 30 سم، نوع الورق :أصفر– ناعم سميك نسبياً ـ كتابة ملونة، الحالة العامة للجريدة: جيدة، عدد الصفحات: 16 صفحة، ألوان الحبر المستخدمة في الطباعة: أسود، لغة المجلة: العربية.
كان الرياشي يصدر جريدته ثلاث مرات في الأسبوع. وظل حتى وفاته في الستينيات يكتب موادها بنفسه، ويعتقد أن الناس سوف تشتريها بسبب ظرفه وأسلوبه. وكان يكتب في كل ساعة وكل وقت من النهار أو الليل، لا يهمه عندما يكتب أن يكون واقفاً أو جالساً، ولا يكتب مقالاً يزيد على بضعة عشر سطراً. وكان كلما عثر على طرفة في جريدة اقتطعها ونقلها إلى جريدته. وعندما يشعر أن «الصحافي التائه» خفضت مبيعاتها المتواضعة، يطلب من سياسي صديق أن يهاجمها ويدعو إلى مقاطعتها... أخلاقياً، فتتضاعف مبيعات الجريدة مرة أخرى. وحاول أحد أصدقائه أن يزوره في مكتبه مرات عدة فلم يجده. وأخيراً ذهب إلى منزله وعاتبه سائلاً: «متى تذهب إلى مكتبك يا رجل؟». فأجاب الرياشي: «عندما ينام الدائنون ومحصلو السندات وحجَّاب محاكم التفليس ويكون محصلو البنوك في عطلة طويلة. لا أريد أن يقطع علي أحد من هؤلاء السفلة أحبال أفكاري».
اشتهر الرياشي بأنه الصحافي الأكثر إثارة وصراحة في مقالاته السياسية والأدبية وفي نمط حياته..
اتبع الرياشي أسلوباً جديداً جريئاً في تحرير جريدته، وخصص مساحة في جريدته لطلبات الزواج. فتلقى من إحدى القارئات رسالة تقول: «أنا فتاة في الخامسة والعشرين من عمري. متوسطة الحال. لا جميلة ولا غنية... أريد رفيقاً لحياتي حائزاً الشروط التالية: يكون في الثلاثين من عمره، له كل الصفات الحسنة. يجب أن يترك عمله عند المساء ليأتي لبيته. وأن يكون أحسن مني حالاً. يجب أن يكون قلبه نقياً». نشر الرياشي هذه الرسالة في جريدته بتاريخ 15 تشرين الثاني عام 1922 م، وعلق عليها: «إنني لو وجدت شاباً له الصفات التي تطلبينها، لذهبت حالاً وأنا حامل كيسَيْ ملح لتحت قوس القزح، ولصرت فتاة جميلة، ولأخذته أنا ولم أتركه لك ولا لغيرك».
صدرت جريدة " الصحافي التائه " في بيئة محافظة، ولكن الرياشي تحدى هذه البيئة وفتح صفحات جريدته للكتابات في العشق والغرام وعن الجنس اللطيف، وهذا ما أغضب مطران الكنيسة في زحلة، فاستدعى الرياشي لافتاً نظره للكف عن مثل هذه الكتابات المخلة بالآداب. ولكن الرياشي لم ينصع لتعليمات المطران، ما دعا المطران إلى الدعوة في الكنيسة لمقاطعة جريدة " الصحافي التائه " علناً.
وبعد هذه الدعوة خرج الناس من الكنيسة، وتوجهوا إلى المكتبات والدكاكين لشراء "الصحافي التائه" وقراءة الممنوع المرغوب فيها. ولما كان الإقبال كثيفاً على «الصحافي التائه»، فقد اضطر الرياشي إلى إصدار طبعة ثانية.
قبضوا وقبضنا:
اشتهر كل من الصحفي سعيد فريحة صاحب مجلة الصياد والصحفي إسكندر الرياشي صاحب الصحفي التائه، بأنهما أشهر من قبض!؟ وجمعتهما الشهرة في أنهما من أكثر الصحفيين الذين اهتموا بالجنس اللطيف، وامتاز الرياشي عن فريحة بأنه لم يخف شيئاً وكان صريحاً في كل مجريات حياته خاصة في مواضيع القبض.. وسعيد فريحه سبق أن كتب في جريدة «الصحافي التائه» وكان مراسلها حين كان مقيماً في مدينة حلب.
حين أراد فريحة إصدار مجلته الصياد في الأربعينيات من القرن الماضي، طلب من الرياشي، أن يكتب له مقالة لينشرها في العدد الأول من المجلة، وتمنى منه أن يكتب عن الصحفيين وقبض الرشاوى، على أساس ليس هنالك أجرأ من الرياشي في الكتابة بمثل هذه الأمور وبطريقته الساخرة المحببة للقراء، وهذا مما يروج "الصياد".
فكتب الرياشي للصياد مقالة مما جاء فيها: " تلميذنا سعيد فريحة.. أكيد تعلمون لماذا طلب إلي أن أكتب له خصيصاً عن القبض... (لا تأكلوا همه)، سيكون (أشطر) من أستاذه في القبض." وختم الرياشي مقاله بالتساؤل التالي: «لماذا طلب صاحب مجلة الصياد، تلميذنا الطاهر، أن أحدثه عن مقبوضاتي»؟ وأجاب: «لعله اعتقد أنه سيأخذ عني دروساً جديدة. وهو كما نعلم أصبح أستاذاً في هذا الفن، وأصبح أستاذه تلميذاً».
وذات مرة اتهم الصحافي المصري الشهير محمد التابعي، إسكندر الرياشي بأنه كان يقبض من رئيس وزراء مصر في ذاك الزمن إسماعيل باشا، فكتب الرياشي في " الصياد " يقول: "إن محمد التابعي كتب في جريدة "أخبار اليوم" يتهمني فيها أني قبضت /10/ آلاف ليرة إنكليزية من جهة معينة، في الحقيقة أني زعلت عندما قرأت الخبر ليس لأني لم أقبض الـ (10) آلاف، لقد قبضت الـ (10) آلاف وأكثر منها من جهات أخرى، لكن زعلت كيف عرف محمد التابعي أني قبضت المبلغ! ".
وكتب ذات مرة في " الصياد " تحت عنوان "كاسات هوا" : "... لزيادة تفكهة وفائدة القراء، جئنا لهم بالريبورتر الممتاز النبيه سعيد فريحة يحدثهم في كل عدد عن الحياة العاطفية في حلب الشهباء حيث اكتسب جنابه علوماً وفنوناً جديدة في ميادين المغامرات. ولا شك أنه سيوافينا بالحوادث العاطفية المحلية التي لا تزال تذكر غرام مليكها سيف الدولة المدهش الغريب بأميرة الروم الفاتنة الجمال".