من أم كلثوم إلى الساهر رحلة تألق … هل أضاف المطربون لمسة لأشعار نزار قباني؟

من أم كلثوم إلى الساهر رحلة تألق … هل أضاف المطربون لمسة لأشعار نزار قباني؟

ثقافة

الأربعاء، ٢٠ يناير ٢٠١٦

وائل العدس

نزار قباني أحد أبرز شعراء عصره بعدما تميز شعره بالعمق الشديد والقدرة على الوصف والتعبير عن أدق المشاعر.
لن نضيف شيئاً إن وصفناه بالمدرسة الشعرية والظاهرة الثقافية إذ نجح بحفر اسمه في الذاكرة الشعبية، لكن ماذا لو انتقلنا إلى شعره الغنائي؟.
لو نظرنا لشعره من هذه الناحية لوجدنا أنه الشاعر الأكثر حضوراً في تاريخ الغناء العربي المعاصر، علماً أنه ليس شاعراً غنائياً أصلاً، لكن على مدى أربعين عاماً كان أهم المطربين العرب يتسابقون للحصول على قصائده.
غنت القامات الفنية العربية الأهم لشاعر الحب أمثال أم كلثوم وفيروز وفايزة أحمد وعبد الحليم حافظ وربى الجمال ونجاة الصغيرة وماجدة الرومي وكاظم الساهر وغيرهم، كما تصدى لتلحين هذا الشعر كبار الملحنين العرب أمثال رياض السنباطي ومحمد عبد الوهاب والأخوين رحباني ونجيب السراج ومحمد الموجي وآخرين.
أوّل قصيدة تحولت إلى أغنية هي «كيف كان» التي لحّنها وغناها المصري أحمد عبد القادر خلال زيارة قام بها لدمشق عام 1953، ثم جاء دور قصيدة «بيت الحبيبة» التي لحّنها وغناها نجيب السراج عام 1958.
أما الموسيقار محمد عبد الوهاب، فقد لحّن قصائد عدة لنزار قباني منها «أيظن»، و«أسألك الرحيل» و«ارجع إليّ» لنجاة الصغيرة والأغنية الوطنية «أصبح عندي بندقية» لأم كلثوم. كما غنت فيروز قصيدتيه «وشاية» و«لا تسألوني ما اسمه حبيبي».
فايزة أحمد غنت له من تلحين محمد سلطان أغنيتها الشهيرة «رسالة من سيدة حاقدة»:
لا تدخلي
وسددت في وجهي الطريق بمرفقيك
وزعمت لي
أن الرفاق أتوا إليك.
أهم الرفاق أتوا إليك؟
أم إن سيدة لديك
تحتل بعدي ساعديك
وصرخت محتدما قفي
والريح تمضغ معطفي
والذل يكسو موقفي
لا تعتذر يا نذل لا تتأسف
أنا لست آسفة عليك
لكن على قلبي الوفي
قلبي الذي لم تعرف
أما الراحل عبد الحليم حافظ، فقد غنّى قصيدتيه «رسالة من تحت الماء»، و«قارئة الفنجان» التي لحّنها محمد الموجي، وكانت آخر ما غنى عبد الحليم عام 1976 قبل رحيله، وقد غيّر «العندليب الأسمر» بعض الأبيات والكلمات في القصيدة لأنه رأى أن بعض كلماتها تتضمن بعض الألفاظ التي لا تتناسب مع الذائقة الفنية لجمهوره في ذلك الوقت.
ولم يحاول أحد بعد عبد الحليم غناء شعر قباني باستثناء البحريني خالد الشيخ الذي لحّن وغنى قصيدة «عيناك» في أواخر الثمانينيات التي تقول:
عيناك كنهري أحزان
نهري موسيقى حملاني
لوراء وراء الأزمان
أأقول أحبك يا قمري
آه لو كان بإمكاني
أأسافر دونك ليلكتي
يا ظل اللـه بأجفاني
يا صيفي الأخضر يا شمسي
يا أجمل أجمل ألواني
هل أرحل عنك وقصتنا
أحلى من عودة نيسان
فأنا لا أملك في الدنيا إلا عينيك وأحزاني.

في التسعينيات، قدمت ماجدة الرومي قصيدة «كلمات» التي أبدع إحسان المنذر في تلحينها، ولقيت نجاحاً كبيراً، وحقّقت شهرة واسعة، وتعتبر أيضاً من أجمل أغنيات الفنانة اللبنانية، ويقول مطلعها:
يسمعني حين يراقصني
كلمات ليست كالكلمات
يأخذني من تحت ذراعي
يزرعني في إحدى الغيمات
والمطر الأسود في عيني
ينهمر زخات زخات
يحملني معه يحملني
لمساء وردي الشرفات
بعدها، قدّمت أكثر من قصيدة لـ«شاعر المرأة» لكنّ هذا النوع من القصائد المغناة بقي محصوراً بفئة معينة من الجمهور الذي يقبل على الفن الراقي، ويبحث عن الكلمة الجيدة واللحن في وقت كانت فيه بداية التسعينيات تشهد انتشار ما أطلق عليه يومها بالأغنية الشبابية التي كانت تتعرّض لهجوم النقاد وتصنَّف ضمن الأغاني الهابطة. لكنّها كانت تتمتع بقاعدة جماهيرية أغلبها من الشباب والمراهقين الذين لم تكن القصائد المغناة باللغة الفصيحة تستهويهم إلى أن قام كاظم الساهر بغناء قصائد نزار قباني، وقدمها بطريقة عصرية جذبت الشباب والمراهقين. أقبل هؤلاء على هذا النوع من القصائد المغناة باللغة الفصيحة، وحقّق «قيصر الغناء» نجاحاً كبيراً، فغنى له ثلاثين أغنية، من بينها «إني خيّرتك فاختاري»، و«زيديني عشقاً»، و«مدرسة الحب»، و«قولي أحبك»، و«أكرهها»، و«أشهد إلا امرأة إلا أنت»، و«حافية القدمين»، و«إني أحبك»، و«صباحك سكر»، و«أحبيني بلا عقد»، و«كل عام وأنت حبيبتي»، وجميعها من تلحين الفنان العراقي.
وكانت «مدرسة الحب» ولا تزال من أكثر الأغنيات العربية تداولاً ويقول في مطلعها:
علمني حبك أن أحزن
وأنا محتاج منذ عصور
لامرأة تجعلني أحزن
لامرأة أبكي فوق ذراعيها
مثل العصفور
لامرأة تجمع أجزائي
كشظايا البلور المكسور
نجاح الساهر بتأدية شعر شاعر دمشق الأول جعل عدداً كبيراً من الفنانين يغنون قصائد قباني كعاصي الحلاني الذي قدم قصيدة «القرار» عام 2002 لكنّه لم ينجح في هذا اللون، فأقفل الباب نهائياً على التجربة. أيضاً، استهوت قصائد نزار الفنان هاني شاكر الذي وقع خلاف بينه وبين كاظم على قصيدة «يوميات رجل مهزوم». كما قدّمت أصالة قصيدة «اغضب» التي لحّنها حلمي بكر، وكان يُفترض أن تغنّي أم كلثوم هذه القصيدة لكّنها رفضت بسبب كلمات الأغنية، إذ قيل إن «كوكب الشرق» رفضت أن تقول لحبيبها «اغضب كما تشاء وارحل كما تشاء» واعتبرت أن ذلك لا يليق بمكانتها، في حين يتردد أن الشاعر الراحل اشترط أن يقوم بتلحينها حلمي بكر، لكنها غنت قصيدة «رسالة إلى الزعيم» في رثاء الرئيس جمال عبد الناصر عام 1970:
والدنا جمال عبد الناصر
عندي خطاب عاجل إليك
من أرض مصر الطيبة
من ليلها المشغول بالفيروز والجواهر
ومن مقاهي سيدي الحسين من حدائق القناطر
ومن ترع النيل التي تركتها
حزينة الضفائر
عندي خطاب عاجل إليك
من الملايين التي أدمنت هواك
من الملايين التي تريد أن تراك
عندي خطاب كله أشجان
لكنني يا سيدي
لا أعرف العنوان.
الفنانة التونسية لطيفة طرقت أيضاً باب نزار قباني، وقدمت ألبوماً كاملاً من كلماته وألحان كاظم الساهر، إضافة إلى غنائها قصيدة سميت بـ«دمشق»:
الفل يبدأ من دمشق بياضه وبعطرها تتطيب الأطياب
والماء يبدأ من دمشق فحيثما أسندت رأسك جدول ينساب
والحب يبدأ من دمشق فأهلنا عبدوا الجمال وذوبوه وذابوا
والخيل تبدأ من دمشق مسارها وتشد للفتح الكبير ركاب

أيضاً، غنّت المصرية غادة رجب قصيدة «لماذا» لنزار قباني وألحان كاظم الساهر التي تُعتبر من تجاربها الناجحة.
أما قصيدة «حبلى» التي تعتبر من أجمل قصائد نزار قباني، فكانت محلّ خلاف ولم تبصر النور حتى اليوم رغم أن صلاح الشرنوبي لحّنها وغنّتها الفنانة الجزائرية فلة، وتسرّبت عبر الإنترنت بصوت السورية ميريام عطا اللـه ثم بصوت اللبنانية رولا سعد.

الدراما السورية
كان لروح الشاعر الدمشقية حضور على الدراما السورية أيضاً في سورية، فقدمت له مسلسلاً تناولت حياته الشخصية (تأليف قمر الدين علوش وإخراج باسل الخطيب).
من ناحية ثانية وعندما أنتج مسلسل عن فارس أموي شهير هو مسلمة بن عبد الملك بن مروان، وهو عمل كتبه محمود عبد الكريم وأخرجه نجدة أنزور، كانت قصيدة القباني «ترصيع بالذهب على سيف دمشقي» تتجسد في شارة العمل، والتي لحنها الموسيقي اللبناني شربل روحانا:
أتراها تحبني ميسون
أم توهمت والنساء ظنون
يا ابنة العم والهوى أموي
كيف أخفي الهوى وكيف أبين
واعذريني إن بدوت حزينا
إن وجه المحب وجه حزين
آه ياشام كيف أشرح مابي
وأنا فيك دائماً مسكون
إن أرض الجولان تشبه عينيك
فماء يجري ولوز وتين
مزقي يا دمشق خارطة الذل
وقولي للدهر كن فيكون.