خمس مبارزات ميزت الأدب الروسي .. بوشكين ودانتس مبارزة وتهور وقتال للأدب … احتقار ودعوات مذلة للآخر تجبره على المبارزة

خمس مبارزات ميزت الأدب الروسي .. بوشكين ودانتس مبارزة وتهور وقتال للأدب … احتقار ودعوات مذلة للآخر تجبره على المبارزة

ثقافة

الأحد، ٢١ فبراير ٢٠١٦

 إعداد: مها محفوض محمد

ومن الشعر ما قتل كما حدث عند الشعراء العرب في الجاهلية والإسلام لأسباب تعددت واختلفت منها الهجاء الذي تسبب في مقتل طرفة بن العبد وبشار ابن برد والهجاء والفخر في مقتل المتنبي والغزل في مقتل المقنع الكندي الذي أحب زوجة الوليد بن عبد الملك وقال فيها:
صدع البين والتفرق قلبي وتولت أم البنين بلبي
فأمر الوليد بقتله والحالة الأخيرة هذه نجد ما يماثلها عند بعض الشعراء الروس بل عند أمير شعرائهم بوشكين والشاعر العظيم ليرمونتوف وغيرهم ممن قتلهم الحب أو الغيرة إلا أن هؤلاء كانوا ميالين إلى المغامرات فكان مصرعهم عن طريق المبارزات بينهم وبين خصومهم.

اليوم وبمناسبة الذكرى 179 لوفاة شاعر روسيا العظيم ألكسندر بوشكين في العاشر من شباط حيث تحتفل روسيا كل عام عادت مؤسسةRBTH الثقافية الروسية لتذكر بخمس مبارزات لشعراء روس أودت بحياة البعض منهم وتركت وقعها على آخرين لعل أشهرها تلك التي وقعت بين بوشكين ودانتس في 8 شباط 1837 إذ كان من المعروف عن بوشكين طبعه الحاد والمتهور فلم يبلغ عامه السابع والثلاثين إلا وتعرض لخمس عشرة حادثة ثلاث منها قادته إلى مبارزات حيث كان لدى بوشكين استعداد لأن يقاتل ويخوض عراكاً أومبارزة من أجل قصائد ساخرة أو خلافات حدثت أثناء حفلات راقصة أو حول طاولة اللعب غير أن المبارزة مع جورج دانتس- وهو ضابط فرنسي من طبقة النبلاء اختار الخدمة العسكرية في روسيا- كانت بسبب زوجة بوشكين نتاليا غونتشاروفا المرأة التي فتنت الجميع بجمالها فأصبح كل من في البلاط يخطب ودها حتى القيصر وظف بوشكين في السلك الحكومي كي تحضر نتاليا معه ويتسنى للقيصر رؤيتها لكن غيرة الشاعر كانت بسبب وقوع نتاليا في غرام دانتس وذات يوم تلقى بوشكين رسالة تهكم من مجهول كتب عليها إلى «زوج مخدوع» ما حرضه على منازلة دانتس في مبارزة رغم أن السفير الهولندي البارون فان هيكرن نجح في تأجيل اللقاء المشؤوم لفترة وجيزة حاول خلالها جورج دانتس طلب يد أخت نتاليا للزواج فسحب بوشكين دعوته للمبارزة لكنه بعد وقت قصير علم أن زوجته التقت الضابط الفرنسي فأرسل إلى فان هيغرن رسالة شتيمة يصفه مع دانتس بأنهما وغدان تربط بينهما الرذيلة وعاد بوشكين يتحدى دانتس للمبارزة لتقع المواجهة بينهما في اليوم التالي قرب نهر تشورنايا في محيط سان بطرسبورغ وكان دانتس الأسرع في توجيه مسدسه إلى بوشكين وإطلاق النار عليه وإصابته في بطنه ليرتمي على الثلج في حين أصيب دانتس بجرح بسيط لكن بوشكين بقي يومين يعاني من آلام جراحه قبل أن يفارق الحياة فحزن عليه الشعب الروسي الذي أحبه حباً جماً.
والمبارزة الثانية كانت بين شاعر آخر من مشاهير الشعراء الروس ميخائيل ليرمونتوف (الشاعر العظيم كاتب رواية «بطل من هذا الزمان» وصاحب قصيدة «موت الشاعر» التي كتبها لبوشكين بعد مقتله) وخصمه نيكولاي مارتينوف رفيقه في السلاح حيث كانا قد خاضا معاً حرباً في الشيشان وفي القوقاز الروسية وخلال صيف 1841 بدأ الرجلان يتوددان إلى إيميلي ابنة الجنرال فيرزيلين وبينما كانا يتسامران ذات ليلة مع الفتاة الشابة في منزلها وقد تمادى الشاعر في المزاح والنقد اللاذع لرفيق السلاح قام الأخير وارتدى معطفه القوقازي وعلق خنجره في زناره فتهكم عليه ليرمونتوف واصفاً إياه «الجبلي ذو الخنجر الكبير» فتشاجر الاثنان وفي اليوم التالي ذهبا إلى المبارزة وكان أحد المشجعين قد أنهى العد للبدء قبل أن تنطلق أية طلقة ليصيح: أطلق وإلا سأوقف المبارزة فيجيب ليرمونتوف: «لن أطلق على هذا الأبله»، فاستشاط غضب مارتينوف وضغط على الزناد.. دقيقتان بعدها ويموت ليرمونتوف ولم يتجاوز السادسة والعشرين من عمره.
أما المبارزة بين الشاعر كوندراتي ريلييف والأمير قسطنطين شاكوفسكويه في شباط 1824 لم تكن قاتلة فالشاعر ريلييف (نسبة إلى حركة تمرد قامت بهدف خلع القيصر) أغاظه أن يقدم الأمير الشاب على مغازلة أخته غير الشرعية فيستدعيه الشاعر إلى مبارزة ويرفض الأمير بداية القتال فيوجه إليه ريلييف الاحتقار ويبصق في وجهه فينزل الأمير إلى مبارزة في ظروف قاسية وبأمر من الحضور يطلق الخصمان في آن معاً على مسافة ثلاثة أمتار بينهما فقط وترتد إحدى الطلقات على رجل ريلييف وتجرحه في حين بقي الأمير سالماً.
وللكاتب المسرحي والشاعر غريبويدوف قصته أيضاً في هذا الصدد وهو صاحب الكوميديا الشهيرة «ذو العقل يشقى» التي تعد من أعظم المسرحيات في الأدب الروسي وكان سفيراً في بلاد فارس شارك في مبارزة رباعية اندلع الخصام فيها بسبب الراقصة أفدوسيا ايستومينا بين شابين من النبلاء فاسيلي شرميتيف وألكسندر زافادوفسكي، وبعد أن جرح زافادوفسكي خصمه شرميتييف جرحاً قاتلاً سحب أحد مشجعي شيرميتييف الرصاصة وكان مولعاً بالمبارزات ويدعى ألكسندر اياكوبوفيتش متوجهاً إلى غريبويدوف بالقول: «إنها من أجلك» لكن المبارزة بينهما لم تتم إلا بعد عام أخفق فيها غريبويدوف في إصابة خصمه في حين أصيب هو في يده إصابة بليغة تركت ندبة كانت السبب في التعرف إلى جثته بعد مقتله في إيران.
أما المبارزة الخامسة فكانت بين الشاعرين نيكولاي غوميليف وماكسيميليان فولوشين عام 1909 وهما من شعراء العهد الفضي للشعر الروسي وغوميلييف هو زوج الشاعرة الروسية الشهيرة آنا أخماتوفا وصاحب نظرية خاصة بـ«المذهب الأكمي»، كان يردد: «لماذا القتال في مبارزة إن لم يكن من أجل النساء والشعر».
اختلف الرجلان من أجل امرأة تدعى ليليا ديميتريفا كانت تكتب الشعر وحين صدت غوميلييف توجه إلى خصمه بعبارات فظة قاسية ما دفع فولوشين لتوجيه صفعة قوية إلى غوميلييف دفاعاً عن كرامة تلك المرأة ثم نظمت المبازرة بين الشاعرين وتمت المواجهة على ضفاف نهر تشورنايا واستخدمت مسدسات تعود إلى عهد بوشكين وكان غوميلييف أول من أطلق النار لكنه أخطأ الهدف أما فولوشين فقد استعصى مسدسه مرتين ففشلت المبارزة ولم يتصالح الشاعران إلا بعد اثني عشر عاماً عاش بعدها فولوشين ينتحل اسم فاكس كالوشين.