الفنّ الحقيقي هو إعادة اكتشاف نفسك … نبيل المالح في الذاكرة… قامة ثقافيّة سوريّة تستحق الوقوف والوداع

الفنّ الحقيقي هو إعادة اكتشاف نفسك … نبيل المالح في الذاكرة… قامة ثقافيّة سوريّة تستحق الوقوف والوداع

ثقافة

الخميس، ٣ مارس ٢٠١٦

عامر فؤاد عامر

كان لي شرف اللقاء مع المخرج نبيل المالح في حديث أجريته لمصلحة صحيفة محلية، ونشر ذلك الحديث حينها، وبقي جزء منه لم ينشر، كنت قد أبقيته لمشروع حول السينما والسينمائيين في سورية.
واليوم وقد فقدنا حضوره بيننا كان لابد من نشر بعض النقاط التي احتفظت بها للمستقبل.
«نبيل المالح» رسم في وجداننا كسوريين حالة لا يمكن تجاهلها، ولا يمكن غضّ البصر عن عطائه، وهو السبّاق بيننا ليقدّم أجمل إنتاجات المؤسسة العامة للسينما في سورية، بصورةٍ رائدةٍ، في وقتٍ كانت مهنة المخرج السينمائي فيه مهنة مُبهمة وغير مُعرّفة بعد، فقدّم أعماله التي ما زالت في الذاكرة، وما زالت مؤثّرة في من يتابعها من أجيالٍ قادمة، فهو المخرج ذو العلامة الفارقة في إنتاجات السينما المحليّة.
يتمّ اليوم الخلط بين العمل التلفزيوني والسينمائي، فماذا تقول في ذلك؟

من يفكر ويعتقد أن السينما حكاية فهو حكماً سيفكر في عقليّة التلفزيون، والتلفزيون هو أكبر حكواتي في حين السينما لا تعتمد إلا على جزء بسيط من الحكاية، لتغوص في مجاهلها، وفي ما وراء حروف تلك الحكاية، فلا تقدّم المباشرة، ولا الثرثرة، فلغة السينما هي العمق، وهي الصورة ذات الألوان القادرة على المخاطبة، وهي من يعيش كثيراً في النهاية.

في تفردك كفنان ومخرج سينمائي ماذا تريد أن تقول؟
أريد من الفن عموماً والسينما خصوصاً قول ما لا يقال، فالفنّ العظيم هو قول الأشياء التي لا يمكن للمرء العادي بأدواته المحدودة أن يقولها، وبذلك يمكن للعمل الفني أن يجعل من المتابع والمتلقي قادراً على اكتشاف نفسه، وإعادة اكتشاف العالم من جديد، والرؤية من منطق جديد، وخلق جديد، فجمال الفنّ في الصورة الكليّة أنه قال ما لم تستطيع أن تقول.
في تلك الفترة التي التقيته فيها كان مسلسل «أسمهان» الذي اتفقت 3 شركات إنتاج على العمل فيه قد أنجزته معتمدةً على وثائق وأبحاث أخلص لها «نبيل المالح» بكلّ حبّ، فهو من قدّر «أسمهان» في قرارة نفسه وهو من بحث عنها بجديّة ومنهجيّة بغض النظر عن صيغة العمل النهائيّة التي تم فيها إلغاء أو تقديم أو تأخير مراحل زمانيّة في العمل التلفزيوني، وكنت قد سألته ما يلي:

ما الذي أثارك في شخصيّة «أسمهان» حتى تسعى للبحث في تاريخها؟
اعتبر «أسمهان» شخصيّة درامية مثيرة وإشكاليّة، وكثيراً ما شغلتني شخصيّة هذه المطربة لتقديمها في عمل سينمائي، وبالنسبة لي هي أيقونة وطنيّة، ويجب أن تُرى بعينٍ خاصّة، وقد ظُلمت هذه الشخصية في حياتها وفي مماتها، فكثير من الروايات طالتها ولم تكن حقيقية مطلقاً، لكني أقول إنها ملكة اختصرت في شخصيّتها أكثر من عشرين امرأة، وفي النهاية وجدت أن عملاً تلفزيونيّاً من سبعين حلقة قد لا يتسع لما أريد، فكان القرار في النهاية لتقديمها في فكرة العمل التلفزيوني وتأجيل السينمائي.

ما المصادر التي اعتمدتها للبحث وجمع المعلومات؟
وثائق عالميّة وملفات كثيرة بحثت فيها، كوثائق وزارة الخارجيّة البريطانيّة والفرنسيّة، ومذكّرات عالمية أخرى. وعلى الرغم من الاستفادة من رواية الفنان «ممدوح الأطرش» قريب الفنانة «أسمهان» إلا أنني كتبت السيناريو، وواكبته من الصفر، ولذلك استغرقت الكتابة عاماً كاملاً، وكان من الضروري قراءة 10 آلاف صفحة للخروج بخلاصة حول هذه الشخصيّة، والميزة التي وصلت إليها في النهاية أنني قدّمت شخصيّات هذا المسلسل باللون الحياتي الحقيقي، فهي شخصيّات من لحمٍ ودمٍ، على حين رأينا في كلّ المسلسلات السابقة التي حملت طابع السيرة الذاتيّة أنها كانت إمّا ذات لون أبيض أو أسود، وهذا غير حقيقي.

ألا تنحاز وتتعاطف مع الشخصيّات التي تبحث عنها في التاريخ؟
الحياد وعدم التحيز في العمل من الأمور المطلوبة دائماً، ولاسيما في الأعمال التي من تأليفي وإخراجي، واعتماد الوثائق التاريخيّة التي تقول هذا حدث وذلك لم يحدث، والمقارنة الدائمة في المفهوم العام، وصولاً للنتائج، فمثلاً عندما أقارن بأن سيّدة الغناء العربي « أم كلثوم « لديها 3 آلاف أغنية ولدى السيّدة «فيروز» نفس هذا العدد من الأغاني في حين «أسمهان» لديها فقط 33 أغنية سأطلق عليها عندها صفة الأسطورة «أسمهان».
تعامل المخرج السينمائي «نبيل المالح» ونظر للمرأة في صورة أنها الحلّ الحقيقي لمجتمعنا في بناء دولةٍ علمانيّة، وتعامل مع المسألة من مفهوم احترام صادق، فكان يجدها هي المنقذ أو سيكون الانهيار هو الطريق، فآمن بذلك على الرغم من رؤيته للجانب الآخر في أن مجتمعاتنا لا يمكن لها أن تقدّم شخصيّة إنسانية ناضجة للمرأة طالما أن بيئتها الأولى، وهي الأسرة، ما زالت تعدّها مهضومة الحقوق، بل ليس من حقّها أن تتصرف في شؤونها أبداً…. وفي سؤالٍ عن الفنانة الأهمّ في تاريخ المرأة السوريّة كان له ترتيب ومرور على الأسماء مثل: الفنانة «إغراء»، والفنانة «سمر سامي»، والفنانة «نائلة الأطرش»، والفنانة «منى واصف».
كانت آخر الأعمال التي عمل على إنجازها في تلك الفترة فيلم «وليمة صيد»، ومن مشاريعه أيضاً تقديم عمل عن «صلاح الدّين» بين المسرح والعمل السينمائي، وأيضاً فيلم «فيديو كليب» الذي قال عنه بأنّه فكرة جديدة لم يتطرق لها المفهوم السينمائي، إضافة للتحضير لفيلم «بيانو»، والذي من خلاله سيقدّم فكرة الموسيقا وأثرها في الناس، واعتياد مسألة إيجابيّة لم تكن في ثقافة أهل المكان، ولكن الصدق والقوّة الكامنين في تلك المسألة هو من يوصل أثرها في الحياة.
في استذكار لجملة قالها المخرج السينمائي «نبيل المالح» في نهاية الحوار: «فلسفتي في عملي الآن هي أن الحياة ليست حياة! بل هي عبارة عن نقاط، تترك وشمها على أرواحنا، وذواتنا، وعلى كلّ تكويننا، وليس هناك إلا أحداث محددة هي التي تصنع تلك الحياة، أمّا الباقي فهو ثرثرة».

نبيل المالح في سطور

مخرج وكاتب ومنتج سينمائي سوري من مواليد 1936

عضو في نقابة الفنانين السوريين منذ عام 1964

حاز شهادة الماجستير في الإخراج السينمائي والتلفزيوني من مدينة براغ في تشيكوسلوفاكيا

درّس مادة الإخراج السينمائي والسيناريو في عدد من الجامعات في العالم

من أفلامه الطويلة نذكر «المخاض» 1970 و«الفهد» 1972 الحاصل على جائزة لجنة التحكيم في مهرجان دمشق الدّولي لسينما الشباب عام 1972 وفي عام 2005 اختير «الفهد» أيضاً كواحدٍ من الأفلام الخالدة في تاريخ السينما في مهرجان «بوزان» السينمائي الدّولي العاشر في كوريا الجنوبية، ومن أفلامه أيضاً «بقايا صور» 1973 و«العندليب» 1975 و«الكومبارس» 1993 الذي نال جائزة أحسن إخراج من مهرجان «القاهرة»، وجائزتي التمثيل من مهرجان السينما العربية في «باريس»، وأحسن سيناريو من مهرجان «فالنسيا» والجائزة الفضيّة في مهرجان «ريميني».

ومن أفلامه القصيرة نذكر «إكليل شوك» و«النافذة» و«الصخر».. إلخ.

أمّا في ميدان الدراما التلفزيونيّة فله تأليف وسيناريو مسلسل «حكايا وخفايا» 2005، وتأليف وسيناريو مسلسل «أسمهان» 2008.
الوطن