كيف يجب أن يقرأ الكتاب؟

كيف يجب أن يقرأ الكتاب؟

ثقافة

الخميس، ٢٨ أبريل ٢٠١٦

د. علي القيم

منذ أكثر من عشر سنوات، عثرت في إحدى بسطات الكتب القديمة، عند «كورنيش» جامعة دمشق، على نسخة من كتاب «روائع المقال» لكاتبه «هوستون بيترسون» وقد وجدت فيه دراسة مهمة للروائية البريطانية «فرجينيا وولف» تحمل عنوان «كيف يجب أن يقرأ المرء كتاباً» وأجدها مناسبة للتوقف عند أهم الفقرات والمحاور التي تضمنتها هذه الدراسة بمناسبة اليوم العالمي للكتاب.
وتبدأ بالنصيحة الوحيدة، التي يستطيع أن يقدمها إنسان إلى آخر في موضوع القراءة، وهي ألا يقبل أي نصيحة في هذا الشأن، وأن يتبع غريزته فقط، وأن يستعمل عقله، وأن يصل إلى النتائج بنفسه، ومع ذلك تجد أن لا حرج من تقديم بعض الأفكار والمقترحات، وتبدأ بالقول: «تقسم الكتب إلى أقسام، مثل القصص والترجمات والشعر، فيجب أن نفصلها عن بعضها، ونأخذ من كل منها ما يجب أن تعطيه لنا، ومع ذلك فالقليل منا هم الذين يطلبون من الكتب ما يمكن أن تعطيه، فالأغلب أننا نجيء إلى الكتب عادة وعقولنا مشتتة، غير قادرة على وضوح الرؤية، نطلب من القصص أن تكون صدقاً، ومن الشعر أن يكون زيفاً، ومن الترجمات أن تكون ملقاً، ومن التاريخ أن يكون دعماً لأفكارنا المسبقة، فإن استطعنا أن نتخلص من كل هذه المفهومات المسبقة، فإن ذلك يكون بداية جديرة بالإعجاب».
وتتابع «وولف» طرح أفكارها حول القراءة، التي باستطاعتنا أن نجعلها تضيء لنا الماضي، ونستطيع أن نراقب من خلالها المشهورين من أمواتنا، وعاداتهم المألوفة، ونتخيل في بعض الأحيان أننا أقرب ما نكون منهم، وأننا نستطيع أن نقتحم عليهم سمرهم ولربما استطعنا في بعض الأحيان أن نتناول إحدى مسرحياتهم، أو قطعة من أشعارهم.
إن القارئ يحتاج إلى قدر من سعة الخيال، والتمييز والعلم.. من الصعب معه أن نتخيل وجود عقل واحد تتوافر فيه كل هذه الصفات.. ومن المستحيل حتى على أكثر الناس ثقة في نفسه، أن تجد عنده أكثر من البذور لهذه القوى، أليس من مقتضيات الحكمة إذاً أن نتخلى عن هذا الجزء من القراءة، وأن نترك للنقاد الثقات، من ذوي الأرواب والغراء، في شؤون المكتبات، أن يقرروا لنا القيمة المطلقة للكتاب الذي نقرؤه؟ ولكن ما أشد استحالة ذلك!.
ربما أكدنا قيمة التعاطف، وربما حاولنا أن ننكر ذواتنا وصفاتنا حين نقرأ، ولكننا نعلم أننا لا نستطيع أن نتعاطف بكليتنا، ولا أن ننكر أشخاصنا تماماً.. إن فينا دائماً شيطاناً يهمس قائلاً: «إني أكره… إني أكره» وهو شيطان لا نستطيع أن نسكته… ولعلنا نستطيع بمرور الزمن أن ندرب ذوقنا، وأن نخصصه لشيء من السيطرة بعد أن يكون قد شبع وأرضى نهمه من القراءة المتنوعة بأشكالها المختلفة… من شعر وقصص وتاريخ وترجمات.
الزمن يجعلنا نسترشد ونتجاوز ونبحث عن الخصائص التي تجمع بين الكتب، وبذلك نضع قواعد لما هو كفيل بإدخال بعض النظام إلى إدراكنا، وبذلك نتجه إلى القلة النادرة من الكتب والمؤلفات التي تنير طريقنا في الأدب والفن والموضوعات التي تلقي الضوء الساطع على الأفكار الغامضة، التي ظلت زماناً طويلاً تتقلب في أعماق عقولنا.. لقد أصبحت الكتب بوسائلنا الحالية، أكثر ثراءً وقوة وتنويعاً… أليست هذه غاية رائعة جديرة بالوصول إليها؟!