مختارات.. أزاهير محمود السيد.. مختارات من رياض الإبداع

مختارات.. أزاهير محمود السيد.. مختارات من رياض الإبداع

ثقافة

الثلاثاء، ١١ أكتوبر ٢٠١٦

يمن سليمان عباس
في زحمة الابداع الذي يأتيك من كل حدب وصوب، بعضه تهفو الروح اليه، تبحث عنه، عن باقات منه فلاتجدها لأنها مبثوثة في الثنايا، مخبأة وكأنها كروم تعتق ليوم يأتي فيه من يخرجها ويقدمها اليك على طبق من المعرفة والالق والعطاء نورانية البهاء، خلابة المعنى الفكر والمعنى والشكل،‏

ولكن من هو الصياد الماهر القادر على فعل ذلك ؟ علينا ان نقول: ان الاختيارات والمنتخبات الفكرية والابداعية، في الشعر او الرواية، او في غير لون من الالوان صارت الان ضرورة ملحة اكثر من اي وقت مضى، وذلك لاسباب كثيرة منها: ان الكثافة في النشر وطغيان الكثير من الرديء يحل بالكم مكان الجيد، يؤدي الى نفور عام من الابداع، وثانيها: ليس لدى الكثيرين متسع من الوقت ليفعلوا ذلك، من هنا نرى ان الاختيار امر مهم وضروري، ويجب ان يكون ملموسا ومنتخبا من قبل من له تجربته الابداعية ورؤيته الفكرية التي تقدم باقة رائعة الالوان، ذائقة غمست تجربتها بصنوف الفكر والعمل والقراءة والتربية، ومن اقدر على فعل ذلك من استاذنا الجليل الدكتور محمود السيد، العالم والمفكر، والمربي، وقبل هذا كله الانسان الانسان الذي يذكرني بما قاله ذات يوم عالم الاجتماع السوري حليم بركات: انا - بركات - كشجر الصفصاف كلما كبرت انحني على جذوري - والدكتور السيد شجر الحور والصفصاف والزيتون، ونبع الماء والعطاء، نزداد كل يوم احتفاء واحتراما لعلمه وعطائه وعبقه.‏

من هنا فإن الحديث عن ازاهيره التي صدرت عن دار الشرق في دمشق وجاءت تحت عنوان: ازاهير ادبية، الحديث عنها، يعني انك تفتح بستان الابداع، وقوارير العطر.‏

سترى فيها محمود السيد الاديب والمفكر، والعالم والباحث، المتذوق، سترى في القوارير عطرا لاينتهي، لا يتلاشى، يبقى عالقا على روحك وفي ثنيات قد تظنها مضت لكنها تفاجئك انها باقية لانها الجذر والاصل.‏

كتاب او مختارات الدكتور محمود السيد تعيدنا الى دائرة الالق والقدرة، وتعني فيما تعنيه ان يدا حانية مازالت تنقب وتبحث و وان عينا من نور والق العطاء تعرف كيف تختار للاجيال في هذه الحيرة، وتعيد التقديم على طبق من تجربة ابداع عمرها اكثر من نصف قرن.‏

وفي المقدمة الجميلة والرائعة التي كتبها الاستاذ الدكتور نبيل طعمة ما يسر ويبهج ويقدم مفاتيح لمن يريد ان يبحر في هذه الازاهير، وهي ازاهير لا تدري كيف تهرب من ضوع عطرها الطاغي، يقول طعمة: نسعدكثيرا بهذا البوح الفكري عصارة زهرة من ازهاره، والممتلىء بها بستانه الجمالي، والتي سقيت من انهاره التي ذكرت، وانا اسير في تقديمي اليه كم سيكون سعيدا صاحب المؤلف حينما تقرؤون كلمات منسابة من فكره.‏

ويختم بالقول: الاستاذ الدكتور محمود السيد، نرفع القبعات لحضورك، وننحني اكراما امام علمك الواسع، وشخصك الراقي الهادىء، وتأملاتك التي تأخذنا معك الى حيث تريد.‏

باقات من الأدب‏

أما الدكتور السيد فيقول في تصديره لهذه المختارات: ان الازاهير التي اقدمها في هذا الكتاب، ما هي الا باقة من ادب ادباء اتسموا بفرط الحساسيةواتقادالمشاعر ورهافة الوجدان، وقد غلب الشعر فيها، ويجد القارىء فيها الشعر العمودي كما الشعر الحر، وكان السبب في طغيان الشعر يرجع الى ان الشعر يعمق الحياة فيجعل الساعة من العمر ساعات.‏

ولابد من الاشارة الى ان الصعوبة التي واجهتني كانت عندما كان الامر يتطلب المفاضلة بين الشعراء وقصائدهم، اي قصيدة اختار وايها اترك ؟ وما المعايير التي احتكم اليها في هذا الاختيار ؟‏

واعترف ان اعتمادي كان على مدى قناعتي بقدرة المعنى الذي تخيرته على تخطي الافاق المحلية الاخرى الانسانية عامة، ومكانة الشاعر المتخير له.‏

ولما كنت قد احتكمت في اختياري لذوقي واحساسي ولاعتقادي بانها ستحوز اعجاب القارىء املت ان يكون المعيار الذي استندت اليه صادقا، وعساي ان اكون قد وفقت في ابراز في مواطن الجمال في معظم الشعر المتخير، وفي اعطاء القارىء في بعض الامثلة من حدائق ادبنا العربي، اذ فيه زهرة من كل بستان وقطرة من كل ينبوع.‏

لقد اجتهدت في ان يكون هذا الكتاب مرآة لمحاسن العربية وجمالها في عصوري بستان الامثال والحكم: حكم عالمية، حكم عربية، من حكم الشعراء العرب، مثلان في البيت، من تشبيهات العرب، مفهوم الحب والعشق في نظر بعض الادباء، وفي الفصل الخامس: ازاهير في بستان الوصف، في وصف الشيب، ويستمر الكتاب الى الفصل يتنوع ما بين: ازاهير في بستان التربية والتحلي بالمناقب، من الهدي القرآني، من الشعر القديم، من الشعر المعاصر، وينتهي الكتاب بالفصل العاشر اذ يتوزع على عدد البساتين.‏

خلاصة القول: ازاهير دكتور السيد روض لايمكن لاي متذوق ان يمر قربه مرور الكرام، اختيار المربي والباحث والكاتب والمثقف، اختيار رحلة ابداع وعطاء فيها من عصارة الحياة مالا يكرر، شكرا دكتور محمود السيد، وشكرا للناشر الدكتور نبيل طعمة.‏