شخصيات ثقافية تعلّقت بكرة القدم حتى احترفتها … كرة القدم أشرف الحروب… الرياضة لا تعرف الكراهية والحقد.. ونجيب محفوظ كان يحب الكرة

شخصيات ثقافية تعلّقت بكرة القدم حتى احترفتها … كرة القدم أشرف الحروب… الرياضة لا تعرف الكراهية والحقد.. ونجيب محفوظ كان يحب الكرة

ثقافة

الخميس، ١٢ يوليو ٢٠١٨

سوسن صيداوي
مجرد كرة، تتقاذفها الأرجل وتتدافع الأجساد مع تراكض الخطوات والجري السريع لبلوغ الهدف الصادم والمزلزل بهزه للشباك المحروسة بعناية فائقة، وكل هذا التكتيك مرصود مع كل حركة وكل خطوة، فالعيون تترقب وتشاهد بنظرات مشدودة، والأنفاس محبوسة غير قادرة على إطلاق زفيرها، هذا غير الأصوات والصيحات المشجعة، فهي مجرد كرة.. ولكن معها ولأجلها يترك كل الكون مهملاً كل ما يشغله، ولاغياً كل مواعيده، وربما المرء يجلس وحده أو مع أصحابه كي يكمل الاستمتاع بها والتي هي في النهاية مجرد كرة ولكن فعلها فعل الساحرة لكونها «الساحرة المستديرة»، إنها كرة القدم التي تقلب الموازين وتغير النتائج في أكثر الأوقات حرجا، إنها أيضاً «لعبة الفقراء» لأنها فطرية وغير محتكرة في ممارستها على الطبقات الثرية فأشهر نجومها فقراء الأصل، لن نقف هنا، بل سنقف عن حالها ومتابعتها من المثقفين في المجتمعات، وكيف يرونها ويتابعونها وهل كان من بينهم من هو لاعب محترف أو هاوٍ؟.. للمزيد سنتوقف عند بعض النقاط.
المثقف وكرة القدم
النظرة العامة للمثقف بأنه يغوص في بحر الأفكار ويعيش أحلام الجمل والعبارات، مع خيالات الطقوس وفن الإستراتيجيات لكل ما تقع عليه يده من كتب تحوي قصصاً أو روايات أو حتى دراسات أو تحليلات، إذاً الصورة العامة لهذا المثقف تجعله بعيداً عن الكرة، لأن رأسه مسكون بالجدية والصرامة البعيدة عن مرح وتوق اللهو اللاهث وراء الكرة، ولكن الواقع مختلف فهناك العديد من الثيمات الثقافية التي عُرفت بتعلقها بكرة القدم وبممارستها أو حتى بمتابعتها، فمن هنا سننطلق ونقدم لكم أسماء عربية وأجنبية مع تسليط الضوء على جوانب من اهتمامهم بالساحرة المستديرة.
أشرف عبد الشافي
رفض الصحفي والروائي أشـــــرف عبــــد الشافي صاحب كتاب «البغاء الصحفي» ما ينسب للمثقف من اتهامات بالتزام الأخير في قوقعته، ملوحا للقراء والمتابعين بمؤلف كان عنوانه«المثقفون وكرة القدم»صادر في2010 ويقول فيه: «لا أعرف من روّج لأكذوبة كراهية المثقفين لكرة القدم وتعاليهم عليها، عموماً فمن نجيب محفوظ إلى محمود درويش ومن الشعراء الرّوس إلى حائزي نوبل في الأدب تمتلئ حياة المبدعين بقصص من عشقهم للساحرة المستديرة وتمتّعهم بها لعبًا ومشاهدة»، هكذا لخّص الكاتب هدفه من كتابه الذي يقع في 140 صفحة، مستهلاً كتابه بالحديث عن الشاعر العراقي معروف الرصافي، ومستشهداً بأهم الأسماء العربية منها الروائي الكبير خيري شلبي الذي كان يصف الساحرة المستديرة بأنها «سيمفونية الفقراء»، إضافة إلى حكايات جمعت الأدباء بكرة القدم، كنجيب محفوظ، محمود درويش، أحمد فؤاد نجم، أنيس منصور، إحسان عبد القدوس وغيرهم.
معروف الرصافي
كان الشاعر العراقي معروف الرصافي (1899- 1945) من أوائل المثقفين الذين ذابوا عشقًا في كرة القدم- وربما أول صاحب قصيدة عنها-التي دفعته لتسطير بعض الأبيات التي تصف مرونة حركة اللاعبين والقوانين التي تحكم وتنظم اللعبة، فيقول:
قصدوا الرياضة لاعبين وبينهم
كرة تراض بلعبها الأجسامُ
وقفوا لها متشمرين فألقيت
فتداولتها منهم الاقدامُ
يتراكضون وراءها في ساحة
للسوق معترك بها وصدام
رفسا بأرجلهم تساق وضربها
بالكف عند اللاعبين حرام
الشاعر محمود درويش
عرف عن الشاعر الفلسطيني محمود درويش، بأنه كروي الهوى، فلقد أغرم بكرة القدم وتغزل في مهارات لاعبيها، كما آمن بقدرة اللعبة على بث المتعة والفرح مع التسلية الحماسية بين صفوف الجماهير، لدرجة جعلته يقول عبارته الشهيرة «كرة القدم أشرف الحروب».
ويذكر الأصدقاء المقربون من محمود درويش أنه كان يحب البطولات والألعاب العالمية، وهو متابع ملتزم وجيد لها، كما أنه لا يتردد في الكتابة عن بعض نجومها البارزين مثل النجم الأرجنتيني مارادونا الذي خصّه شاعرنا بمقال عنونه باسمه.
وفي حادثة يرويها الشاعر المغربي سعد سرحان، بأن محمود درويش في إحدى قراءاته الشعرية في مدينة فاس، حين تناول درويش الكلمة، تعجّب من حضورهم لأمسية شعرية، وخاصةً أن هناك مباراة مهمة بين فرنسا وإسبانيا تذاع في التوقيت نفسه، ثم أضاف بخفة دم: «أنا من جهتي أفضل متابعة المباراة حتى لو كان من سيحيي الأمسية هو المتنبي».
 
أنيس منصور
لعب الكاتب والصحفي أنيس منصور كرة القدم في الصغر، وتركها باحثاً عن رياضة أخرى فاختار «الشطرنج» التي حاول أن يتقدم فيها لكنه لم يستطع. واكتشف متأخراً بأن المتعة الحقيقية هي كرة القدم، فجماهيرها متدفقة بالحماسة كل الوقت وتشعر بالبهجة والفرحة، كتب مقاله قائلاً: مسكين كل إنسان لا يحب كرة القدم.. هذا اقتناعي أخيراً.. إنني أندم اليوم على كل السنوات التي مضت من دون أن أضيعها في الجلوس في الملاعب أو في المدرجات أصرخ وأصفق وأهتف للكرة تنطلق يميناً وشمالاً.. تهز الشبكة أو تهز الثلاث خشبات….. في الملاعب.. حيث الهواء منعش والشمس مشرقة.. والضحك لسبب ولغير سبب، حيث يسحب كل واحد احتياطيه من القوة والحماس ويضعه في عينيه وأذنيه ويديه.. وفي الوقت نفسه يشرب ويأكل ويضحك ويرتفع صدره ويمتلئ بالصحة والعافية.. لقد تحول كل إنسان إلى كائن حي، شاب منتعش.. وتمضى الساعات وهو يصرخ ويصفق.. ويغضب ويقف ليجلس ويتحول من دون قصد، أو بقصد إلى طفل صغير… لأن الرياضة لا تعرف الكراهية والحقد، وأرجوك بعد ذلك أن تنظر إلى وجوه السياسيين والكتاب:أنت لا ترى عليها إلا الهم والغم الذي يطيل ألسنتهم وأقلامهم ويقصف أعمارهم، فأقصر الناس عمراً أكثر الناس هماً، وأطولهم عمراً أكثرهم لعباً أو تفرجاً على اللاعبين».
 
شوقي البغدادي
عرف عن الشاعر والأديب شوقي بغدادي في الأوساط الثقافية الدمشقية عن عشقه وشغفه الكبيرين بمونديالات كرة القدم، ومدى الالتزام والمتابعة للبطولات-حتى إنه توج مرجعاً أعلى-وكيف أنه يُجري الاتصالات مع لفيف من أصدقائه الكتّاب والمخرجين والفنانين ليلتقوا ويتابعوا معا، وينخرطوا بحميّة ونشاط في الحديث عن احتمالات الفوز.
 
ألبير كامو
«تعلمت من تلك اللعبة أن الكرة لا تأتي مطلقاً نحو أحدنا من الجهة التي ينتظرها منها.. وقد ساعدني ذلك كثيراً في الحياة وخصوصاً في المدن الكبيرة حيث الناس لا يكونون مستقيمين عادة». هذه عبارة كتبها أحد أهم أدباء العالم هو «ألبير كامو»، الذي احترف كرة القدم، وكاد يصبح واحداً من أهم حراس المرمى-بسبب «جدته» التي لم تكن تحب اللعب عموماً وتراه استهلاكاً للحذاء وأجبرته على القبول باللعب كحارس مرمى- في العالم، لكن الفقر الذي عاشه أثناء فترة الاحتلال الفرنسي للجزائر جعل الأمراض تعرف طريقها إليه مبكراً، فأصيب وهو في الجامعة بمرض السل، فانقطع عن الرياضة وعن كرة القدم مرغماً. وتحول حبه من هداف ماهر إلى حارس مرمى يقول «حارس المرمى يستطيع التأمل.. وتعلمت من حراسة المرمى كيف أن الكرة تحتاج تركيزاً وسرعة بديهة، فهي لا تأتي دائماً من المكان الذي نتوقعه، وعلينا بذلك أن نتوقع الغدر ولا نطمئن كثيراً لحسن النوايا».
 
أمبرتو إيكو
تنبهت دول العالم لبدايات عظماء الأدب والفلسفة ونشأتهم واهتماماتهم قبل تنظيم كأس العالم2006، وبالتالي قررت ألمانيا أن تجعل الأدب جزءاً من عملية الترويج الإعلامي، من خلال دعوة عدد من أهم أدباء العالم لحضور المونديال، وتخصيص قسم خاص للأدب تحت عنوان «أدب الأقدام في المونديال» وكان الجمهور قبل الدخول للاستادات يشاهد أقساما تحوي أهم الكتب والروايات التي اهتمت بكرة القدم، وكان الكاتب البرازيلي «باولو كويلو» والإيطالي «أمبرتو إيكو» من نجوم المونديال، وكتب «إيكو» عن اللعبة الأشهر في العالم مقالاً يبدي فيه مقدار عشقه لكرة القدم والمتعة التي لا تنتهي أثناء مشاهدة المباراة، وفي متابعة التعليقات ومشاهدة الصحف والقنوات الفضائية والملصقات الخاصة بالمباريات حيث يقول «سيكون ذلك بلا ملل، فالكرة ظاهرة اجتماعية تستحق أن تكون متعة الحياة اليومية».
 
أسامة جحجاح
من جانبه تحدث الفنان التشكيلي أسامة جحجاح عن فريقه الذي يشجعه في المونديال الحالي مسلطا الضوء على نقاط أخرى ويقول «كنت ومازلت وسأبقى من مشجعي البرازيل… للكرة البرازيلية سحر ونكهة توارثتها أجيال السامبا وفي كل مونديال أو مباراة- بغض النظر عن الفوز أو الخسارة- إنما هي تقدم إمتاعاً لعشاق الكرة، وللأسف توقعاتي كما توقعات كل عشاق الكرة، كانت بعيدة كل البعد عن الواقع.. المفاجآت سيدة الموقف في هذا المونديال وخروج الكبار.. كالأرجنتين وألمانيا والبرازيل، وعدم مشاركة فرق كإيطاليا وهولندا كان صدمة وذهب ببريق اللعبة وأحلام المشجعين لأربع سنوات، للأسف هذا هو حال كرة القدم، دخلت فرق فتية شابة أحدثت ما يشبه الزلزال في عالم كرة القدم وهذا جيد برأيي لكنه أبهت بريق المونديال بالنسبة لعشاق المدارس الكروية العالمية. وبالنسبة للعبة الساحرة التي أعجبتني في المونديال الحالي، هي المباراة بين إسبانيا والبرتغال في الدور الأول، من حيث المهارات والتقنيات، المباراة ساحرة بكل المقاييس وانتهت بمهرجان أهداف، وكانت بمثابة جبران الخواطر لعشاق الكرة. أما بالنسبة للعب الأبطال المعروفين، أثبتت نتائج المونديال أن يداً واحدة لا تصفق وأن النجوم الكبيرة التي سطع اسمها كرونالدو وميسي ونيمار وغيرهم الكثير، لا يستطيعون تقديم أي شي دون منظومة الفريق المتكاملة، وبالتالي هذا هو الفرق بين اللعب في الأندية العالمية الكبيرة التي يحتوي الفريق الواحد فيها على عدد كبير من الأسماء العريقة في كرة القدم، وبين فريق البلد الأم الذي يفتقر إلى نجم أو اثنين، وهذا ما حصل وكانت المفاجآت مع العديد من الفرق ومنها مصر التي توقعت أنها بوجود محمد صلاح ستكون المعجزة، هذا غير صحيح، اللاعب صلاح لمع من خلال منظومة متكاملة وكان أداؤه متواضعاً جداً في هذا المونديال. وأخيراً أرى أن هذا مونديال المفاجآت وأهداف الوقت الإضافي، لا توقعات لمباراة القمة، وكل ما توقعناه ذهب أدراج روسيا.. فلننتظر».
 
نزيه أبو عفش
في حين عبّر الشاعر والفنان التشكيلي نزيه أبو عفش في أكثر من مرة على صفحته الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك، عن رأيه بالفرق المشاركة بالمونديال الحالي، ولمن هو مشجع ناشرا العديد من الانتقادات والملاحظات حول مجريات المباريات وحول مستوى لعب أبطال العالم، فيقول «لنكن منصفين! «ميسي» لم يكن الخاسر.. بل كان: الذبيحة. ويضيف في مكان آخر «بصراحة: أنا لا أطيق رؤية دمعة زنجي… طبعا ولا دمعة ميسي». ويتابع «في الحين ذاته والمنافسة ذاتها: أنا مع ميسي ونيجيريا. ولكليهما، في الحين ذاته، أتمنى الفوز». وبعد الهزيمة التي تلقتها مصر أم الدنيا قال «آه يا مصر المكرمة. آه يا بلد الغلابة والحالمين والجدعان. آه يا ميتم الصابرين!!!. آه يا… مصر القلب». وعن أداء حارس المرمى الروسي يقول «حارس المرمى الروسي (العنكبوت «ياشين» الثاني) كسر المنطق الكوني، وصنع المعجزة».
 
رضوان نصري
في حين بيّن الموسيقار وصانع الموسيقا الدرامية السورية رضوان نصري- وهو في الأصل كان لاعبا محترفا لكرة قدم في فريق الجيش السوري-بأنه ميّال إلى تشجيع الفرق اللاتينية لأن كرة القدم لديها ليست ظاهرة مكتسبة، متابعاً كرة القدم في المجتمع اللاتيني هي أمر مخلوق لديهم ويؤمنون به بشكل كبير، وأنا أرى بأنهم الأقدر على لعب كرة القدم. منذ طفولتي وأنا أشجع الفريق البرازيلي، ويأتي المنتخب الأرجنتيني في المرتبة الثانية بالتشجيع. في مونديال 2018 لم أكن مصيبا بأي واحد من التوقعات التي كنت قد توقعتها، فهذه أول مرة أشعر بها بأن المونديال الحالي ليس حقيقيا وفيه أمر ما مفقود، ربما بسبب القوانين الكثيرة التي تحكمه إضافة إلى الاحتراف القوي للفرق الأجنبية حيث إن اللاعب المحترف «المشهور» يلعب بطريقة رائعة مع النادي الذي ينتسب إليه، ولكن اللعب الذي شاهدنا على أرض الملعب مختلف، فهو لم يعد قادرا على الاندماج مع تشكيلة الفريق وضمن اللعب الجماعي. إذاً الاحتراف وصل إلى مكان أخذ يؤذي به اللعبة، وهناك مشكلة أخرى يفرضها وهي بأن مدرب المنتخب غير قادر على إخراج اللاعب المشهور من الفريق أو استبداله إلا في حالة إصابته، والاعتماد على بطل واحد من الفريق أمر لم نشهده في السابق، والمؤسف بأن الكثير من الفرق تلعب لعبا جميلا ولكنها تخسر. بالطبع تأثرت كثيراً عند خروج البرازيل في مباراته مع بلجيكا. وأخيراً توقعاتي لمن سيؤول كأس العالم؟.. سأتحدث هنا من باب علمي وبعيد عن التخمين، أنا أرى بأن الفرق التي مازالت صامدة ومتوازنة في المونديال هي فرنسا وبلجيكا، وفي النهاية أرجح بأن يكون الكأس لفرنسا».
 
موفق مخول
المونديال هذا العام غريب ويوجد فيه أشياء غير متوقعة كخروج ألمانيا من الدور الأول وخروج إسبانيا والبرازيل. أنا دائما مع البرازيل لأنني أشعر بفرح الكرة عندما تكون بين أقدام البرازيليين، وأراهم وهم يلعبون كأنهم يرقصون السامبا. الفرق المتبقية تلعب بقوة بهدف الفوز فقط، وليس هدفها تقديم متعة مع الكرة. وبالنسبة لي أنا أعتبر أن الفرق الأوروبية ليس لها هوية وطنية في الكرة لكونها مكونة من أمم غريبة وعجيبة، بعكس فرق أميركا اللاتينية، فكرة القدم جزء من هويتهم الوطنية. أتوقع أن يكون النهائي بين فرنسا وكرواتيا، وأنا منحاز للكروات وسأشجعهم، لأنهم يلعبون بصدق، ولعبهم فيه مهارة وإبداع.
الوطن