المقاربات بين الأرمنية والعربية … د. نورا أريسيان: الأرمن في سورية سوريون بالدرجة الأولى مع الحفاظ على اللغة الأرمنية

المقاربات بين الأرمنية والعربية … د. نورا أريسيان: الأرمن في سورية سوريون بالدرجة الأولى مع الحفاظ على اللغة الأرمنية

ثقافة

الأحد، ١٢ أغسطس ٢٠١٨

سارة سلامة

بهدف ترسيخ الثقافة والحضارة والتداخل الذي يجمع الشعبين العربي والأرمني وتمكيناً للعلاقات التي تعود لسنين كثيرة خلت، والتعاون الذي تم في الكثير من المجالات منها الأمور العسكرية والطبية والعلمية والثقافية، حيث شكلت العربية باباً استطاعت الأرمنية من خلاله العبور إلى جميع بلدان العالم، شهد المركز الثقافي العربي في أبو رمانة محاضرة بعنوان «المقاربات بين العربية والأرمنية» ألقتها عضو مجلس الشعب الدكتورة نورا أريسيان التي أكدت في تصريح خاص لـ«الوطن» أننا: «أثبتنا من خلال المقاربة بين اللغتين العربية والأرمنية حجم التداخل بين الشعبين عبر القرون الوسطى وما سبقها، أخذنا اللغة كجسر للعبور من شعب إلى آخر، وهذا أكبر دليل على التداخل اللغوي والثقافي والحضاري بين الشعبين واللغتين، وهذا أدى إلى حركة ترجمة قوية، لنوصل رسالة إلى العالم بأن التفاعل الحضاري بين العرب والأرمن والمثاقفة سوف تستمر، بدايتها كانت اللغة وأيضاً في الأمور الثقافية والشؤون العسكرية والسياسية، ونحن الأرمن في سورية سوريون بالدرجة الأولى ونعتز بسوريتنا مع الحفاظ على اللغة الأرمنية والتراث الأرمني».

لمحة عن اللغة الأرمنية

وفي البداية عرفتنا الدكتورة أريسيان على اللغة الأرمنية قائلةً إن: «علماء اللغة والنحو يجمعون على أن اللغة الأرمنية هي فرع مستقل من عائلة اللغات الهندأوروبية، لكن من المتعذر تتبع تطور اللغة بسبب الافتقاد للوثائق المكتوبة حتى القرن الخامس الميلادي، أي تاريخ اختراع الأبجدية الأرمنية، وكان قد عثر في أراضي أرمينيا على كتابات ونصوص باللغة الآرامية واليونانية واللاتينية، وبمرور الزمن أصبحت اللغة الأرمنية لغة مكتوبة ومتطورة تماماً».
وتضيف أريسيان إن: «الأرمن لم يستعملوا الكتابة قبل العصر المسيحي، حيث عرفوا وقتئذ الكتابة الهيروغليفية ثم استعملوا الحروف اليونانية والفارسية والخطوط المسمارية، وبدؤوا بالتفكير في إيجاد أبجدية خاصة بالشعب الأرمني بعد اعتناق المسيحية رسمياً عام 301 ميلادي، فقد كانت الطقوس الدينية والتراتيل الكنسية تكتب بالحروف السريانية أو اليونانية أو الفارسية، وهنا قرر الملك فرام شابوه والكاثوليكوس ساهاك والقديس ميسروب ماشدوتس تكليف الأخير بمهمة إيجاد أو اختراع الحروف الأرمنية، لما يتمتع به من كفاءات أدبية ولغوية، واستفاد ماشدوتس من اللغات اليونانية والسريانية والفارسية، وقام برحلة دراسة بحث إلى مناطق عديدة، وعاد إلى أرمينيا ومعه 36 حرفاً صوتياً تتطابق مع جميع اللهجات الأرمنية، حيث قام ماشدوتس بالسفر والتجوال للبحث في لغات الشعوب الأخرى، ووصل إلى الهند، وإفريقيا، ومصر، واستعان بعالم ومطران سرياني واستنبط منه الأحرف الأولية، واستطاع في عام 406 الحصول على مجموعة من الحروف بلغت ستة وثلاثين حرفاً. وفي نهاية القرن الثاني عشر أضاف علماء الصرف والنحو الأرمن على تلك المجموعة حرفين آخرين، فأصبحت ثمانية وثلاثين، وهي تكتب من اليسار إلى اليمين».

أقسام اللغة الأرمنية

وبينت الدكتورة أريسيان أن اللغة الأرمنية تقسم إلى ثلاثة أقسام وهي: «الأرمنية القديمة بين القرن الخامس والحادي عشر، والأرمنية الوسطى بين القرن الثاني عشر والسادس عشر، الأرمنية الحديثة من القرن السابع عشر حتى يومنا هذا، وتقسم بدورها إلى فرعين: الأرمنية الشرقية يتحدث بها الأرمن في أرمينيا وإيران، والأرمنية الغربية: يتحدث بها الأرمن في المهجر، ولكل منها أدبها مع فارق طفيف في قواعد الصرف والنحو، هذا وتأثرت اللغة الأرمنية بلغات جيرانها من الشعوب المعاصرة الآشورية واللاتينية والفارسية والعربية والتركية والكردية».

المقاربة والتداخل

وتوضح الدكتورة أريسيان معنى التداخل بين اللغتين الأرمنية والعربية قائلة: «إن ذلك يرجع إلى التداخل بين العرب والأرمن وطبيعة العلاقات العربية الأرمينية التاريخية التي تعود إلى الفتح العربي لأرمينيا في القرن السابع الميلادي بعد العصرين الأموي والعباسي في أرمينيا، وكذلك لا بد من التنويه بهجرات القبائل العربية التي جرت إلى أرمينيا، في العهدين الأموي والعباسي، وبدأ التداخل في الكثير من المجالات حتى إن المؤرخ الجغرافي ابن حوقل قال إنه حين زار أرمينيا وجد أن سكانها العرب يتكلمون اللغة الأرمنية ويتقنونها إلى حد بعيد».

وتفيد أريسيان أن: «اللغة العربية استعملت للتواصل مع العالم الإسلامي من أجل تعزيز العلاقات التجارية والدبلوماسية، وأيضاً مع الفتح الإسلامي لأرمينيا في عام 640-650 م، حيث شهدت تلك القرون حركة ترجمة متبادلة بسبب التبادل الثقافي بين الشعبين الأرمني والعربي، فقد تُرجم كتاب (تاريخ الأرمن) للمؤرخ أكاتانكيغوس و(كتاب الثعلب) لوارطان أيكيكتسي إلى العربية وهو كتاب يشبه (كليلة ودمنة) حوار على لسان الحيوانات، وكذلك نُقل كتاب عن (علم طب الخيل) لأقرابازين إلى الأرمنية، ونُقل من العربية إلى الأرمنية كتاب عن (تفسير الأحلام) و(تبر الملوك) ومقاطع من (ألف ليلة وليلة) على يد أراكيل أنيتسي ومخيتار كليكانيتسي. وترجمت رسائل (إخوان الصفا وخلان الوفا) على يد يرزنكاتسي، وصدرت بعنوان (كتابات الفلاسفة المسلمين). وتم نقل كتب لأطباء عرب إلى اللغة الأرمنية، مثل كتب الرازي وابن سينا وغيرهم، وتجدر الإشارة إلى أن هناك 40 ترجمة باللغة الأرمنية لكتاب (تشريح الإنسان) للطبيب العربي أبي سعيد، ومما يدل على وجود تبادل ثقافي وترجمة للأعمال الطبية في القرون الوسطى، إحراز أطباء عرب عاشوا في أرمينيا شهرة واسعة، ويذكر عن أطباء أرمن عاشوا في البلدان العربية مثل مخيتار هيراتسي وترجموا كتباً طبية مشهورة إلى اللغة الأرمنية».

سمات كثيرة مشتركة

وتكشف أريسيان أن: «الوضع كان مشابهاً على الصعيد الفكري والفلسفي، حيث اهتم المفكرون والفلاسفة الأرمن والعرب على حد سواء بالثقافة والعلوم، واتسمت الفلسفتان الأرمنية والعربية بسمات كثيرة مشتركة، وكان المفكرون الأرمن على معرفة وثيقة بالفلاسفة والشعراء العرب من أمثال «الكندي، والمعري، وابن رشد والمتنبي» وغيرهم وقاموا بترجمة مقتطفات من أعمالهم إلى اللغة الأرمنية، ومن ناحية أخرى ظهر اهتمام كبير من العرب تجاه أعمال المفكرين الأرمن، وتعدّ الترجمة العربية للمؤلف الأرمني «اكاتانكيغوس» القرن الخامس الميلادي «تاريخ أرمينيا» نتاج هذه المرحلة، وتشير إحدى النظريات إلى أن اللغة الأرمنية استعارت من العربية قبل الفتح العربي للأراضي الأرمينية وقبل بداية الاتصال المباشر مع الأرمن في القرن السابع.

ويزعم بعض اللغويين الأرمن أن هناك ما يقرب من مئتي كلمة مستعارة من اللغة العربية قبل الإسلام، ولكن لا نملك أي أدلة لدعم هذه النظرية، وخاصة مع وجود مصادر مجهولة للكثير من الكلمات العربية والسريانية، والجذور المشتركة السامية لهاتين اللغتين والطرق المختلفة التي استعيرت الكلمات العربية بها، مثلاً تضارب أصل الكلمات العربية المستعارة في الأرمينية عن طريق اللغة الفارسية، هل هو عربي، سرياني أم فارسي، أي لا وجود لكلمات عربية في الأدب الأرميني المكتوب، ولا نجد إلا عدداً قليلاً من الكلمات العربية المستعارة في المرحلة الأولى للعلاقات العربية الأرمينية حين بدأ الاحتكاك المباشر بين الشعبين إبان الفتح العربي لأرمينيا واستمر تقريباً ثلاثة قرون من نهاية القرن السابع حتى مطلع القرن العاشر، ربما لأن الكلمات المستعارة كانت تتعلق بالمجالين الاجتماعي والثقافي في الحياة اليومية العادية، ولم تدع الحاجة لاستخدامها في النصوص الدينية والفلسفية والعلمية.
لكن في الأدب المكتوب باللغة الأرمنية نجد عدداً كبيراً من الكلمات العربية المستعارة. ويعتقد أن الكثير من هذه الكلمات تمت استعارتها قبل القرن العاشر، وأدخلت كلمات عربية جديدة إلى اللغة الأرمينية بعد القرن الثاني عشر، عندما اتصل الأرمن بالعرب في كيليكيا وفي شمال ما بين النهرين، كما حدث ذلك عن طريق: اللغة الفارسية وترجمة الكتب العربية إلى الأرمنية».

تأثير الفتوحات العربية

وأشارت أريسيان إلى أنه من المهم العودة إلى فترة الفتح العربي لأرمينيا، لتوضيح العلاقات الوطيدة: «حين تولى معاوية بن أبي سفيان الخلافة أعاد حبيب بن مسلمة الفهري إلى أرمينية على رأس جيش من أهل الشام، وكان الخلفاء الأمويين يعينون بطريركاً أرمينياً يشرف على أمور أرمينية الداخلية، وعاملاً عربياً يشرف على تحصيل الضرائب وصد الهجمات، ويقول المؤرخ الأرمني سيبيوس أن الامير تيودور رشدوني وقع في دمشق في أواخر القرن السابع عام 652 م، معاهدة صلح مع الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان ما وطد العلاقات بينهما، وعزز الحلف العربي الارمني، حين منح العرب آنذاك إدارة ذاتية للملكة الأرمنية، وتوطدت العلاقات السياسية بين الخلفاء والملوك. عندما يقوم الخلفاء بالفتوحات كان الملوك الأرمن يلحقون فرقاً من جيوشهم بالجيوش العربية، وكان لهذا إسقاطاته على المجال اللغوي الثقافي أيضاً».