سلمى الحفار الكزبري من «يوميات هالة» إلى «ذكريات إسبانية وأندلسية مع نزار قباني»

سلمى الحفار الكزبري من «يوميات هالة» إلى «ذكريات إسبانية وأندلسية مع نزار قباني»

ثقافة

الثلاثاء، ٣١ مارس ٢٠١٥

في الأول من أيار عامَ ألف وتسعمئةٍ واثنينِ وعشرينَ للميلاد، وُلِدَت الأديبةُ والمبدعةُ السوريَّةُ «سلمى الحفار الكزبري» في دمشق في كَنَفِ عائلةٍ دمشقيةٍ عريقة، تتسمُ بالوطنية الصادقة والحضِّ على الخوض في ميادين العلم والأدب، حيث كان والدها لطفي الحفار (1885-1968م) أحد أقطاب الكتلة الوطنية بدمشق، ونائباً في البرلمان لدوراتٍ عدة، ووزيراً في أكثر من وزارة، ثم رئيساً للوزراء عام 1939م.
 
تلقّت تعليمَها الابتدائي والإعدادي والثانوي في معهدِ «راهباتِ الفرنسيسكان» بدمشق (دار السلام حالياً) وكانت إحدى مُدرِّسَاتِها الأديبةُ الرائِدةُ «ماري عجمي» وهناك أتقنتِ اللغاتِ العربية والفرنسيَّةَ والإنكليزية.
كانت في السادسةَ عشرةَ من عمرِها عندما نَشَرَت أولى مقالاتِها في مجلةِ «الأحدِ» الدمشقيّة وجريدةِ «أصداءِ سورية» التي كانت تصدرُ بالفرنسيّة.
كتبت «سلمى الحفار الكزبري» مذكراتها وهي في سن الثامنة عشرة، ويومها كانت طالبةً في معهدِ «راهباتِ الفرنسيسكان» بدمشق، وعندما أطلع والدها الشاعر بدوي الجبل عليها اقترح عليه نشرها من دون تعديل.
عامَ ألف وتسعمئةٍ وثمانيةٍ وأربعينَ للميلاد تزوجت من الدكتور «نادر الكزبري» الأستاذ في كليةِ الحقوقِ بجامعةِ دمشق وسفيرِ سورية لاحقاً في: الأرجنتين وتشيلي وإسبانيا.
وصفها الأديب عبد الغني العطري في كتابه «عبقريات» بأنها: «شعلةٌ من الحيوية والنشاط، ومجموعةٌ من المواهب والذكاء.. رضعت حبَّ الوطن؛ وتعلَّقت بالأدب والعلم منذ فجر حياتها، شجعها كل ما حولها، على مزيدٍ من عشق الوطن والتعلُّقِ بالكلمة».
 
إبداعٌ بلا حدود
أبدعت سلمى الحفار الكزبري مؤلفاتٍ مهمة ومتنوعة، في معظم الفنون والأجناس الأدبية، من القصة القصيرة إلى الرواية والسيرة والمقالة والدراسة الأدبية والتحقيق، وقد بلغ عدد كتبها اثنين وعشرين كتاباً، والبدايةُ كانت في العام 1950م مع مذكرات «يوميات هالة» أعقبتها بعد عامين بالمجموعة القصصية المعربة «حرمان» وفي العام 1955م أصدرت مجموعة قصصٍ وحكايات حملت عنوان «زوايا» أتبعتها بعد أعوامٍ ثلاثة بإصدار شعري وسمته بعنوان «الوردة المنفردة» كما شهد العام 1961م إصدارها لكتاب «نساء متفوقات» الذي قدم لهُ المؤرخ الدكتور قسطنطين زريق، وفيه عرضت سلمى الحفار الكزبري سيراً لنساءٍ شرقياتٍ وغربيات، وفي العام 1965م أطلت على قرائها برواية «عينان من إشبيلية» أتبعتها بعد عام بمجموعتها القصصية «الغريبة» ليشهد العام 1970م صدور كتابها «عنبر ورماد» والذي يندرج في إطار السيرة الذاتية.
في العام 1971م أخرجت إلى النور كتابها «في ظلال الأندلس» أعقبتهُ بعد أعوامٍ أربعة بروايتها الثانية «البرتقال المر» وفي العام 1979م نشرت كتابين الأول حمل عنوان « جورج ساند سيرة ونبوغ» فيما تضمن الثاني رسائل الأديب جبران خليل جبران المخطوطة إلى مي زيادة تحت عنوان «الشعلة الزرقاء» لتعود في العام 1986م للكتابة عن الأديبةُ «مي زيادة» التي كانت من أكثر الشخصيّاتِ تأثيراً بـها تحت عنوان «مي زيادة وإعلام عصرها» والذي ضمَّنتهُ رسائل مي إلى إعلام عصرها ورسائلهم إليها، وفي العام ذاته أصدرت مجموعتها القصصية «حزن الأشجار».
عاودت سلمى الحفار الكزبري الكتابة عن مي زيادة في العام 1987م في مؤلفها المهم «مي زيادة أو مأساة النبوغ» والذي صدر في مجلدين، وبعد عامين كتبت «الحب بعد الخمسين» والذي يندرج في إطار «أدب المذكرات» وفي العام 1993م نشرت كتابها «بصمات عربية ودمشقية في الأندلس» ومجموعتها الشعرية المكتوبة باللغة الفرنسية «بوح» فيما شهد العام 1994م صدور كتابها الشعري بالإسبانية والذي حمل عنوان « عشية الرحيل» أتبعتهُ في العام 1997م بكتابها « لطفي الحفار، مذكراته، حياته، عصره» أما خاتمة مؤلفاتها فكان في العام 2001م والذي حمل عنوان « ذكريات إسبانية وأندلسية مع نزار قباني».
 
أعادت إلى مي صورتها الحقيقية
عن الأديبة المبدعة سلمى الحفار الكزبري كتبت الأديبة كوليت خوري في الجزء الثاني من كتابها «ذكريات المستقبل»: « من حسن حظ مي زيادة؛ أن توجدَ أديبةٌ مرهفة، وإنسانةٌ راقية مثل سلمى الحفار الكزبري، تكرِّسُ سنواتٍ من عمرها في الدرس والبحث والتنقيب، لتعيدَ إلى مي صورتها الحقيقية.. ولتعطينا بعد هذه السنواتِ العشر والسبع كتاباً كافياً ووافياً.. يروي لنا سيرة إحدى رائداتِ النهضة في بلدنا.. قصة مي زيادة.. ومن خلالِ ميّ قصة مرحلةٍ هامة من تاريخنا.. مرحلة النهضة في وطننا العربي».
 
تكريم... ووصية..
نالت سلمى الحفار الكزبري وِسَامَ «شريطِ السيدة» من إسبانيا عامَ ألف وتسعمئةٍ وخمسةٍ وستينَ للميلاد، وجائزةَ البحرِ الأبيض المتوسطِ من جامعة «باليرمو» عامَ ألف وتسعمئةٍ وثمانينَ للميلاد.
وفي وصيتها لأولادها كتبت الأديبة سلمى الحفار الكزبري: «أحبوا بعضكم، وأرجو أن تهدوا مكتبتي في بيروت إلى دار الكتب الوطنية في بيروت لكي ينتفع بها. وأطلبُ منكم ألا تلبسوا السواد بعد موتي، لأنه لم يكن مشكوراً عند المؤمنين في صدر الإسلام، وتأكدوا أنني أغادر الحياة على الأرض، شاكرةً ربي العظيم على نِعَمِهِ التي غمرني بها، وطالبةً منهُ الرضى عليكم وعلى أولادكم ومن تحبون، والرحمة والمغفرة، وفقكم اللـه ورعاكم».
 
«سلمى اسمٌ حي لن يموت..»
توقفَ قلبُ سلمى الحفار الكزبري عن الخفقانِ في الحادي عشرَ من آب عامَ ألفينِ وستة للميلاد، مُودِّعَةً سنواتٍ فاقتِ الثمانينَ عاشتها برفقةِ الأدبِ والفن... ورغم رحيلها فقد بقيت حيَّةً بإبداعها العابر لحدودِ الزمان والمكان، وهذا ما ذهبت إليه الأديبة السورية السيدة سهام ترجمان حين كتبت في وداع سلمى الحفار الكزبري قائلةً: «أحقاً رحلت سلمى؟!.. سلمى اسمٌ حي لن يموت.. وهي رائدةٌ خالدة قهرت الموتَ بقلبها وقلمها وفكرها.. سلمى سافرت بعيداً عنا إلى عالم الخلودِ والسكينةِ الأبدية وسلام الروح.. سافرت الأديبة الشامية السورية العربية، وتركت لنا تراثاً أدبياً هاماً، يتفجَّرُ بالحياة والحيوية. ظلَّ يغذينا ويرافق حياة الأجيال على مدى القرن العشرين، وصولاً إلى الألفية الثالثة..».