دونالد ترامب..

دونالد ترامب..

نجم الأسبوع

الأربعاء، ١١ مايو ٢٠١٦

وأخيراً سيصبح دونالد ترامب مرشح الحزب الجمهوري للرئاسة الاميركية... ومع أنه لم يجمع بعد العدد اللازم من المندوبين ليحسم اختياره مرشحاً عن الحزب الجمهوري، الا ان انسحاب آخر منافسيْه، تيد كروز وجون كايسيغ، سيسمح له بتحصيل العدد المطلوب في الانتخابات التمهيدية المقبلة، ومنها في كاليفورنيا اكبر الولايات الاميركية في 7 حزيران. مؤتمر الجمهوريين في مدينة كليفلاند في ولاية اوهايو سيعقد في تموز، ويتوج ترامب مرشحه للرئاسة.
لكن هناك مشاكل وقضايا كثيرة على المرشح دونالد ترامب ان يواجهها من اليوم حتى 8 تشرين الثاني المقبل، موعد الانتخابات الاميركية الدورية لرئيس الجمهورية ونائبه و34 شيخاً و435 نائباً، بالإضافة الى عدد كبير من حكام الولايات وجميع مجالس الشيوخ والنواب المحلية.
أولى هذه المشاكل توحيد الحزب الجمهوري حول ترشيحه. اثنان فقط من منافسيه الخمسة عشر دعموا، حتى الآن ترشيحه، بعد انسحابهم، وأكثرية ثلاثة عشر ربما تمتنع عن تأييده في معركة الرئاسة. دارت معركة الانتخابات التمهيدية لدى الجمهوريين حول الشكليات السطحية وقضايا شخصية وتبادل الانعات بين المرشحين، وقليلاً ما تناولت القضايا التي تعتبرها قيادة الحزب وإدارته من الأولويات الأميركية.
اتهم دونالد ترامب منافسيه بالكذب والضعف الفكري والعملي والنفاق والهبل وغير ذلك من النعوت والتعيير المهين، كما أهان أميركيين من أصول مكسيكية واسلامية، واتهم المهاجرين غير الشرعيين بأنهم خطر على الشعب الاميركي، بالاضافة الى إهاناته المستمرة للنساء والمثليين. لكن إهانته الاكبر كانت لممولي الحزب الجمهوري وأغنيائه الذين اتهمهم بالفساد واستعمال ثروتهم للحصول على «مكرمات» وأعمال من الدولة، وانه لن يسمح لهولاء في عهده ان يؤثروا على اتخاذ القرار في البيت البيض.
أنفق ترامب حوالي 35 مليون دولار حتى الآن، منها 25 مليوناً من ماله الخاص. الحملة الرئاسية ستكلفه مئات ملايين الدولارات. السؤال الآن: هل سيتجاهل الممولون واصحاب الثروات الجمهوريون الاهانات ويدعمون مرشح الحزب؟
لم تقتصر إهانات ترامب على هؤلاء، بل طاولت ايضا قيادة الحزب الجمهوري وإدارته. وبالرغم من ان إدارة الحزب سارعت الى دعمه بعد انسحاب كل منافسيه ودعت الى التنسيق معه لضمان وصول جمهوري الى البيت الأبيض، فقد أصر رئيس مجلس النواب الجمهوري بول رايان، الأعلى رتبة بين الجمهوريين والذي يأتي ثالثا بعد رئيس الجمهورية ونائبه في الترتيب التسلسلي الوطني، على ترامب ان يعمل لتوحيد الحزب ويتبنى برنامجه منوهاً بأنه ما زال الوقت باكرا لدعمه.
من ناحية اخرى، أعلن الرئيسان الجمهوريان السابقان، جورج بوش الأب والابن، رفضهما تأييد ترامب، وكذلك فعل ميت رومني، منافس الرئيس باراك اوباما في انتخابات 2012، بينما شدد جون ماكاين، مرشح الرئاسة عام 2008، على وحدة الحزب في معركة الرئاسة. وكان كل من الزعماء الجمهوريين الاربعة قد نال قسطه من إهانات ترامب.
هذا لا يعني أن اخصام دونالد ترامب سيؤيدون مرشحة الحزب الديموقراطي المُحتملة، هيلاري رودام كلينتون. ربما قام بعضهم بتنظيم لجان من الجمهوريين لدعم كلينتون، الا ان معظم اخصام ترامب الجمهوريين لن ينتخبوا أيا من المرشحين، وعلى الأرجح سيركز هؤلاء جهودهم السياسية والمالية للحفاظ على بقاء الجمهوريين اكثرية في مجلسي الشيوخ والنواب.
المشكلة الرئيسية الثانية التي سيواجهها دونالد ترامب تتعلق بمواقفه من القضايا الابرز التي تهم الأميركيين وخاصة الجمهوريين. وهو قد شدد خلال الندوات ومناظرات المرشحين الجمهوريين على انه مفاوض بارع في استطاعته «تركيع» من يفاوض معه في الشؤون الداخلية والخارجية، وان امكانات نجاحه تبلورت في كونه رجل اعمال ناجحاً جداً ما ساعده على ان يصبح مليارديراً، مردداً مراراً «سأعمل اميركا غنية كما أنا أثريت» ومؤكدا انه «سيجعل اميركا عظيمة من جديد»!
وسيتبع ترامب هذا الأسلوب في السياسة الداخلية والخارجية. بالمفاوضات، يُجبر المكسيك على بناء حائط حدودي يمنع مجيء مهاجرين الى الولايات المتحدة بطريقة غير قانونية؛ ويمحو العجز التجاري مع الصين؛ ويكبد الاوروبيين وعرب الخليج واليابان وكوريا الجنوبية تكلفة أمنهم؛ وينهي الخلاف مع روسيا؛ ويعدل الاتفاق النووي مع ايران لصالح الولايات المتحدة وحلفائها وأصدقائها. بكلام آخر، سيحوّل ترامب اميركا من دولة تعتمد نظاماً ليبرالياً اقتصادياً حراً الى نظام حماية الانتاج الوطني، فأميركا لترامب تأتي «أولاً وآخراً»، والالتزامات الدولية ثانوية كأن ليس هناك فائدة للولايات المتحدة من لعب دورها القيادي دوليا.
لكن ما هي الأسباب التي أوصلت رجل اعمال تحدّى الواقع والوضع السياسي ووصل الى هذه المرتبة في التنافس السياسي الأميركي؟
لم يكن دونالد ترامب ناشطا في الحزب الجمهوري، ولم يترشح سابقاً لأي منصب محلي او فيديرالي. بعد ان اشتهر كملياردير، قام بإدارة برنامج تلفزة - ريالتي تي في - واشترى وأدار مؤسسة «مس يونيفرس» مما جعل وجهه واسمه معروفين عبر اميركا، كما علمته خبرته وظهوره المستمر على شاشات التلفزة كيفية استغلال التعامل مع الاعلام.
لكن قوته في الانتخابات التمهيدية للجمهوريين أتت اولا من كثرة منافسيه وضعفهم في مجاراته بالتهكم والسرعة بالانتقال من الجدية الى الفكاهة، فكان دائماً يلتف حول القضايا المطروحة خلال المناظرات بتشديده على الثقة به كمفاوض بارع، ثم ينتقل الى التهكم على خصومه مغطياً بنجاح جهله في مناقشة الأسئلة بجدية. كان يصر مثلا على انه سيعطي الأميركيين ضماناً صحياً أفضل ممّا أعطاه الرئيس اوباما، من دون ان يشرح برنامجه وكيفية تمويله وتحقيق هدفه.
استفاد ترامب كثيرا من الغضب الشعبي على ما يدور في واشنطن واعتبار كل السياسيين تقليديين في معالجتهم الأمور المعيشية والخدماتية في زمن تحتاج معالجة الأمور الى الابتكار والمبادرة، ولذا فإن واشنطن في حاجة الى رجل دولة من خارجها لم تفسده طرق العمل فيها.
استفاد ترامب ايضا من التطرّف والممانعة اللذين عممتهما وزرعتهما قيادات الحزب الجمهوري في جماهيرها خلال ولايتي الرئيس اوباما. اذ ان هذه القيادات لم تلتق مع اوباما على تسويات لمعظم الأمور المطروحة وسمحت اكثر من مرة بإغلاق الدولة، وكثيرا ما كان اوباما ينفّذ مبادراته بقرارات تنفيذية بدلاً من مناقشتها وإقرارها في الكونغرس.
بكلام آخر، دونالد ترامب ممثل بارع نجح في استغلال فشل الحزب الجمهوري بتحقيق أهدافه المعلنة، منذ حصوله في العام 2011 على اكثرية في مجلسي النواب والشيوخ، كما استفاد من تعطش الإعلام الى خبر غير تقليدي والرغبة الشعبية في رؤية رؤوس السياسيين تتدحرج.
سواء نجح دونالد ترامب او فشل في الوصول الى سدة الرئاسة الاميركية، فقد ادخل الى الانتخابات الاميركية نموذجاً مختلفاً عن منافسيه في خوض معارك الانتخابات التمهيدية.
السؤال اليوم، هل يستطيع مستشاروه ترويضه بعدما اصبح مرشح الحزب المحتمل أم انه سيستمر في اسلوبه الذي أوصله الى ان يكون مرشح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية؟