حكمت محسن

حكمت محسن

نجم الأسبوع

الاثنين، ٥ فبراير ٢٠١٨

وائل العدس

حكمت محسن فنان عصامي مكافح، عشق الفن فدفع ثمن عشقه غالياً، عانى الفقر والجوع لدرجة أنه مرت عليه أيام لم يكن يمتلك ثمن وجبة طعام ولا حتى ثمن رغيف خبز، عانى ظلم المجتمع الذي كان ينظر إلى الفن نظرة ازدراء، عانى غدر ومحاربة بعض الفنانين بسبب تفوقه عليهم، ومع ذلك صمد وكافح حتى جعل الفن مهنة محترمة.
خاض غمار كتابة كل أشكال الدراما، فكتب التمثيلية الإذاعية والمسرحيات والأعمال الدرامية التلفزيونية، كما كتب الأزجال والمونولوجات وكلمات الكثير من الأغنيات التي شدا بها كبار المطربين السوريين، وبذلك كان فناناً شاملاً.
هذا ما جاء في مقدمة كتاب «حكمت محسن رائد الدراما الإذاعية» للكاتب أحمد بوبس الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب في وزارة الثقافة عبر 216 صفحة من القطع الكبير.
والكتاب غني بالصور التي توثق مراحل من مسيرة محسن إضافة للنص الكامل لمسرحية «صابر أفندي» التي ألفها سنة 1957.

بين النشأة والشهرة
تحدث بوبس في بداية كتابه عن ولادة ونشأة حكمت محسن ذاكراً أنه ولد عام 1910 لأبوين دمشقيين، وبسبب اختفاء والده في اسطنبول، اضطرت والدته للعمل لإعالة نفسها وابنها، فعاش يعاني الفقر والجوع إضافة إلى اليتم المبكر لفقدانه أبيه، فكان يمر عليه اليوم ولا تدخل معدته كسرة خبز، فاضطر في سن العاشرة لترك المدرسة والعمل، فعمل نجاراً وحداداً واستقر أخيراً في مهنة تنجيد الكنبايات وساعدته هذه المهنة على مخالطة الناس وكان يستمع إلى مشكلاتهم وحكاياتهم فيختزنها في ذاكرته وظهرت بعد ذلك في بعض تمثيلياته.
وتعتبر والدته معلمته الأولى في الفن، فهي التي زرعت في نفسه بذور الفن الأولى وكانت تصطحبه إلى زيارات صويحباتها واستقبالاتهن فكان يستمتع بشغف إلى حكاياتهن، كما كانت الأم خلال أوقات فراغها تقف على باب المقهى في حي العمارة بدمشق تنصت إلى الحكايات ثم ترويها لابنها في المساء.
في سن الرابعة العشرة حضر عروض فرقة عطا اللـه المسرحية المصرية فقابل صاحبيها وطلب منهما التمثيل معهما من دون أجر، فأخذا يسندان إليه بعض الأدوار الثانوية، وكانت أول مشاركة له بدور كومبارس في مسرحية «حمام بنت الملك»، فكان يعمل في النهار بمهنته ويذهب في الليل إلى المسرح.
عندما أزمعت الفرقة الذهاب إلى بيروت طلب من صاحبيها مرافقتهما، وبقي في بيروت بعد انتهاء العروض وعانى هناك العذاب والجوع. لكنه عمل مع فرقة «علي العريس» ومثل دور الرجل الشامي لكن قبضايات بيروت وقفوا ضده، فاضطر للعودة إلى دمشق ليمارس مهنته في التنجيد، فافتتح محلاً في حي الحريقة وانتشرت شهرته معلماً في دمشق كلها، وفي تلك الفترة أسس أول نقابة للمنجدين في سورية لتدافع عن حقوقهم وكان أول رئيس لها.
تعلم الموسيقا والعزف على العود سماعياً، وفي عام 1932 قام مع عدد من أصدقائه بتشكيل فرقة فنية برئاسته وكانت تضم فرقة تمثيلية وأخرى موسيقية، وبدأت بتقديم التمثيليات في بعض البيوت الدمشقية الكبيرة، وما لبثت أن استقطبت جمهوراً كبيراً فانتقلت لتقدم عروضها على مسارح دمشق.
في عام 1930 كان لقاء حكمت محسن مع الفنان وصفي المالح، هذا اللقاء المفصلي فتح أمامه أبواب الفن واسعة ليحقق عبرها النجاح والشهرة.

الفرقة السورية
تطرق بوبس إلى انضمام حكمت محسن إلى الفرقة السورية للتمثيل والموسيقا عام 1951 حيث شهد انطلاقة فنية كبيرة جعلت منه نجماً كبيراً على الصعيد السوري والعربي وفي مجالي التمثيل والتأليف الدرامي، علماً أن هذه الفرقة تأسست عام 1947 بمبادرة من الفنان تيسير السعدي.
وعند انضمامه إلى الفرقة أصبح الكاتب الوحيد فيها وبقي ذلك حتى رحيله عام 1968، وكان يكتب الحواريات في تمثيلياته للشخصيات التي كانت في الفرقة قبل انضمامه إليها مثل شخصية «أم كامل» وأبو فهمي»، ثم أضاف شخصية «أبو رشدي» وقام بنفسه بأداء دوره.

إذاعة دمشق
وتطرق بوبس إلى علاقة محسن بإذاعة دمشق حيث كان من أوائل الأصوات التي أطلت عبر أثيرها، إضافة إلى سفره إلى قبرص بهدف الكتابة لمصلحة إذاعة الشرق الأدنى «بي بي سي حالياً» ثم مقاطعتها عندما وقع العدوان الثلاثي على مصر حيث اعتبر التعاون معها خيانة وطنية فدعا كل الفنانين والإعلاميين لمقاطعتها وبالفعل حصل ذلك الأمر الذي اضطرها لإيقاف بثها.
منذ عام 1951 الذي قابل فيه مدير إذاعة دمشق أحمد عسة، تفرغ حكمت محسن للإذاعة وبدأ يكتب التمثيليات والمسلسلات والبرامج ضمن الفرقة السورية، ومنذ اليوم الأول تولى تيسير السعدي إخراجها حتى شكّل الاثنان ثنائياً فنياً ناجحاً حيث امتزجا روحاً وفكراً ليثمر ذلك عن مرحلة فنية ذهبية للتمثيلية الإذاعية في إذاعة دمشق بين 1950 و1968.

حكمت محسن والتلفزيون
يروي بوبس أنه في عام 1960 بدأ التلفزيون السوري إرساله فتهافت الفنانون إليه يريدون الظهور على شاشته، إلا أن محسن كان مشغولاً في نشاطات أخرى. وبصورة عامة فإن نشاطاته في التلفزيون كانت قليلة ومن أسباب ذلك مرضه ورحيله.
ومن البرامج التي قدمها للتلفزيون، برنامج «نهوند» الذي تناولت حلقاته الفنانين الذين شهدتهم دمشق أيام أبي خليل القباني وما بعدها في القرن التاسع عشر.
كما قدم تمثيلية اجتماعية من حلقة واحدة بعنوان «نهاية سكير» عام 1961 وقام بإخراجها نزار شرابي وهي من بطولة صبري عياد.
وفي عام 1968 حوّل محسن مسلسل «مذكرات حرامي» الإذاعي إلى مسلسل تلفزيوني أخرجه علاء الدين كوكش وشارك فيه عبد الرحمن آل ـرشي وهاني الروماني وعمر حجو وسلوى سعيد وشاكر بريخان، وحقق العمل نجاحاً جماهيرياً واسعاً.
ويعد كوكش أكثر المخرجين الذين أخرجوا للتلفزيون أعمالاً درامية لحكمت محسن، حيث قام بإخراج أربع تمثيليات هي «خناقة الناس الطفرانين» و«المصور» و«العصابة» وتمثيلية رابعة لم يذكر اسمها.

محسن والمسرح
يمكن تصنيف كل المسرحيات التي كتبها حكمت محسن ومثل فيها ضمن مصطلح «المسرح الشعبي»، بسبب اللهجة العامية السائدة، والمواضيع والقضايا المستمدة من عمق معاناة الطبقات الشعبية الفقيرة، إضافة إلى الشخصيات الشعبية مثل «أبو رشدي» وأبو كامل» و«أبو فهمي» و«أبو إبراهيم».
خلال عام 1959 كلفته وزارة الثقافة بتشكيل فرقة المسرح الشعبي بالتوازي مع تشكيل المسرح القومي، واستمر في تولي إدارة المسرح الشعبي حتى 1966.
وكتب محسن مسرحيات مستوحاة من صميم المجتمع، تنوعت مواضيعها وسلط فيها الضوء على المشكلات الاجتماعية.
المسرحيات هي «يا مستعجل وقف لقلك» عام 1954 من إخراج تيسير السعدي وبطولة أنور البابا وفهد كعيكاتي ورفيق سبيعي وياسين الدركزلي. أما المسرحية الثانية فهي «الكرسي المخلوع» عام 1957 وأخرجها السعدي أيضاً. على حين المسرحية الثالثة هي «بيت للإيجار» شارك فيها محمد علي عبده وأحمد أيوب ونور كيالي ورفيق سبيعي وميليا فؤاد وفريال كريم وعبد اللـه النشواتي وأخرجها السعدي.
ولعل أهم ما كتبه محسن مسرحيتا «صابر أفندي» و«يوم من أيام الثورة السورية»، والأولى تعتبر من عيون المسرح في سورية، وهي مسرحية طويلة تقع في ثلاثة فصول وتتحدث عن معاناة المستأجر مع صاحب البيت الذي لا يقدّر ولا يفهم الوضع، ومن خلال هذه القضية تم تسليط الضوء على العلاقات الاجتماعية القائمة على النفاق والتزلف والإسراف في الحياة وغيرها من المثالب الاجتماعية.
وجرى عرض المسرحية مرتين، الأولى عام 1957 قدمتها فرقة المسرح الحر وأخرجها عبد اللطيف فتحي وشارك بالتمثيل فيها إلى جانب توفيق العطري ونزار فؤاد وصبري عياد ونور كيالي وعايدة هلال ونزار شرابي. وأعيد عرض المسرحية عام 1968 من فرقة المسرح القومي بعد رحيل حكمت محسن بنحو شهر، وقام ببطولتها وإخراجها عبد اللطيف فتحي أيضاً. وصدرت المسرحية مطبوعة مرتين أيضاً.
أما مسرحية «يوم من أيام الثورة السورية» فقد عثر على نسخة منها بخط محسن عند ابنه أيمن، وكتبت عام 1959 وهي أقرب إلى الأوبريت باعتبارها تضمنت التمثيل والغناء والرقص الشعبي، وتألف العرض من فصلين وقام بإخراجها مسرحياً تيسير السعدي، وعرضت على مسرح معرض دمشق الدولي نهاية العام نفسه. وكانت معركة «جسر تورا» التي جرت عام 1926 بين الثوار وقوات الاحتلال الفرنسي، الموضوع الرئيسي للمسرحية وأظهرت تضافر وتكاتف أبناء دمشق ضد هذا الاحتلال. ووضع ألحان الأغنيات عدنان قريش ووضع الموسيقا التصويرية صلحي الوادي.

حكمت محسن والزجل
ووفقاً للكاتب بوبس، فقد كان محسن يمتلك موهبة كتابة الزجل، بل إن الزجل كان الأسبق عنده، وبدأ نشاطه الفني بتقديم الأزجال والمونولوجات الملحنة بين فصول المسرحيات مع فرقة عطا اللـه وغيرها من الفرق، كما استخدم الزجل مقدمات لكثير من التمثيليات وكان يقدمها بصوته على أنه راو.
وتحول عدد من أزجاله إلى أغنيات لحنها كبار الملحنين السوريين وغناها عدد من المطربين والمطربات.