عبد الكريم اليافي

عبد الكريم اليافي

نجم الأسبوع

السبت، ٢٩ أغسطس ٢٠١٥

قد يتبادر إلى الذهن السؤال التالي، لماذا لم يعد يظهر في زماننا مفكرون كبار على نمط الموسوعيين الفرنسيين كجان جاك روسو وفولتير وغيرهم، وفي ألمانيا نجد أيضاً كانت وهيغل ونيتشه. ولكن سرعان ما تقفز إلى الذاكرة ذكرى الدكتور عبد الكريم اليافي، الذي كان «دكاترة في دكتور» فهو العالم في السكان وعلم الاجتماع، وهو الشاعر والأديب والفيلسوف والمفكر وعالم التاريخ والرياضيات والعلوم الطبيعية والتراث العربي. لقد استطاع اليافي من خلال بحثه الدؤوب وإخلاصه لمعرفة الحقيقة أن ينال ثقة وإعجاب محبيه ومريديه ومعجبيه ومتابعيه.


عبد الكريم اليافي في شبابه

أدرك اليافي العلاقة الوثيقة بين الفكر واللغة، فقد أفنى حياته مخلصاً لمشروعه الذي لا ينضب، فأعلى من شأن اللغة التي ينتمي إليها والتي لا غنى له عنها، فهو الناطق بالضاد، لذلك راح يغرف من كنوزها، مستكشفاً أشكالها وألوانها ومبادئها وقواعدها. لقد وجد اليافي أن اللغة العربية هي لغة العلم والأدب والفن.

يرى اليافي أن الحضارة الإنسانية كيان واحد، وهذا ما يذكرنا بمفكري عصر النهضة المصرية، الذين لاحظوا التكامل والتواصل بين الحضارات، فكل حضارة لها مشاركة فعالة في تاريخ الإنسانية، ثم إن الحضارات تأخذ وتستفيد مما أنتجته الحضارات السابقة وتبني عليها، ثم تقدم شيئاً جديداً. فالعرب كانوا سابقين في رفد الحضارة الأوروبية بالآداب والمعارف والعلوم والأخلاق والفلسفة. إن التراث العربي جوهرة تزين التاريخ العربي على حد قول اليافي.

حياته


ولد في حمص عام 1919، وتلقى تعليمه في حمص على أيدي أئمتها في القرآن والحديث واللغة، وفيها نال الثانوية العامة (فرع الرياضيات).
التحق بكلية الطب في جامعة دمشق، لكنه لم يتابع الدراسة فيها لإيفاده ضمن بعثة لدراسة العلوم الطبيعية في فرنسا، حيث نال الإجازة في العلوم الرياضية والطبيعية علم 1940، وإجازة الآداب عام 1941، ودكتوراه في الفلسفة عام 1945.

إضافة إلى الشهادات الآتية في الدراسات الفلسفية العليا: علم النفس العام – فلسفة الجمال وعلم الفن – المنطق والفلسفة العامة – تاريخ العلوم وفلسفتها – علم الاجتماع والأخلاق. عمل مدرساً في حمص، وفي قسم الفلسفة بجامعة دمشق، وصار خبيراً أول في علم السكان لصالح مركز الديموغرافيا في معهد العلوم الاجتماعية في دمشق، وعضواً في مجمع اللغة العربية بدمشق، وعضواً في هيئات عربية ودولية أخرى. كما كان أول رئيس تحرير لمجلة التراث العربي، وعضواً في جمعية البحوث والدراسات.

بعض مؤلفاته



1- تمهيد في علم الاجتماع، دراسة، دمشق، 1964.
2- في علم السكان، دراسة، دمشق، 1959.
3- الفيزياء الحديثة والفلسفة، دراسة، دمشق، 1951.
4- دراسات اجتماعية ونفسية، دراسة، دمشق، 1964.
5- دراسات فنية في الأدب العربي، دراسة، دمشق، 1963.
6- الشموع والقناديل في الشعر العربي، دراسة، دمشق، 1964.
7- تقدم العلم، دراسة، دمشق، 1965.
8- فصول في المجتمع والنفس، دراسة، دمشق، 1974.
9- المجتمع العربي ومقاييس السكان، القاهرة، 1963.
10- العلم والنزعة الإنسانية، دراسة، ترجمة، دمشق، 1964.
11- المعجم الديمغرافي في متعدد اللغات، القاهرة، 1962.
12- جدلية أبو تمام، دراسة، بغداد، 1983.
13- معالم فكرية في تاريخ الحضارة العربية الإسلامية، دراسة، دمشق، 1982.
14- النص العربي للمعجم الديمغرافي المتعدد اللغات، بغداد، د. ت.
15- معجم مصطلحات التنمية الاجتماعية في العلوم المتصلة بها، معجم، جامعة الدول العربية.

ما قاله اليافي عن نفسه


عشت في مدينة حمص في بيت قائم على المحبة والتعاون فيما بين الأهل وبين الناس، وأسرتي المتوسطة الحال مؤلفة من ستة ذكور وأخت وحيدة، كانت تجربتي الأولى مع أخواتي وزوار البيت، حيث العائلة عميقة الجذور في العروبة، وكان بيتنا ملتقى الأصدقاء والشباب والعلماء، فأخي الكبير كانت حالته المادية صالحة وأخ آخر كان يدرس العلوم الدينية والأدبية، وبسبب صلاح حال أخي الكبير من الناحية الخلقية والاجتماعية كان يزورنا الكثير من الناس شباباً وشيوخاً وكنت أجلس بجانب الحضور أستمع إليهم وأعجب خاصة بالذين يحسنون القول ويتقنون بعض العلوم، أستفيد منهم وأرجو أن أنال حظاً من العلم مثل حظوظهم، كان بعض الشباب يلقي شعراً وبعض الشيوخ يورد الأحاديث النبوية أو الأخبار التراثية.

كنت أتعطش إلى سماع أمثال هذه الروايات والأشعار وآمل أن أنشر على منوالهم وأكون في المستقبل مثلهم، أتحدث فأحسن الحديث، ألقي شعراً وأجيد الإلقاء، وأذكر من الأخبار التراثية روايات طريفة مفيدة.

عبد الكريم اليافي يتحدث

ولما كبرت بعض الشيء وضعني أبي في مدرسة رسمية تسمى الإرشاد فكنت تلميذاً أصغي تمام الإصغاء للمعلم وينطبع في فكري وذاكرتي ما يقوله الأستاذ بشكل فريد، فكانت ذاكرتي قوية منذ الصغر لذلك كان الأساتذة يعاملونني معاملة حسنة ويذكرون فيما بينهم حسن انتباهي وجودة حفظي وإجاباتي السليمة على أسئلتهم في أي برنامج درسوه، قدمت شهادة الابتدائية ولا أعرف ماذا كتبت ولكن النتيجة كانت صالحة تشير إلى أنني من البداية من بين الناجحين، ولما وصلت إلى مدرسة التجهيز أو الثانوية كان أخي الأكبر مني يدرس في الصباح وفي المساء يأخذ العلم من شيوخ ماهرين في العلوم التراثية كالقصة والنحو والحديث وتفسير القرآن.

كان الخجل أهم الصفات البارزة عندي وكان لي عاداتي الخاصة، أستيقظ في الصباح الباكر وأنظر إلى النجوم الجميلة البراقة، وأحاول أن أتعرف على أسمائها الفلكية وأحفظها، ومنذ ذلك الوقت نشأت بيني وبين تلك النجوم صداقة لا أنساها مدى الحياة، فكنت أنظر ملياً لتلك النجوم ومن بعدها أذهب مسرعاً إلى الجامع أتحلق حول الشيخ الذي كان يدرس النحو والبلاغة وتفسير القرآن (تفسير البيضاوي)، فمنذ صغري أحببت اللغة العربية، ووجد الأخ الكبير أنني أهتم باللغة فأهداني كتاب «فقه اللغة» للثعالبي.‏

بهذه الثقافة القوية وصلت إلى المدرسة الثانوية، وكنت أفوز دائماً وكان بعض الأساتذة، لا سيما أستاذ تخرج من الأزهر الشريف قد عرف مقدرتي في اللغة العربية فكان يذكر اسمي ويعجب بحفظي وكنت كذلك ماهراً في الدروس الأخرى.

جرت عادة المدرسة على إهداء الطلاب المبرزين كتباً لقاء نجاحهم، وأذكر أن الأساتذة كانوا يغدقون علي هذه الكتب، فكنت في الفصل الأخير من السنة أرجع إلى البيت وأنا أحمل أكداساً من الكتب في مختلف المواضيع.‏

طفولتي ليس لها ميزة إلا الإطاعة لوالدي والمعاملة الحسنة لإخوتي ولرفاقي واجتهادي منذ الصغر والحمد لله على ذلك، لأن هذه البداية توجت بتتابع النجاح في جميع المراحل الدراسية التي مررت بها من الصف السادس حتى البكالوريا الأولى والثانية وحتى الدراسة في فرنسا، أما حياتي وتجاربي فهي محصورة في الدراسة والعمل العلمي.

ذهبت إلى فرنسا لأدرس لكن الحرب العالمية الثانية اشتعلت وكوني ذاهباً للدراسة لا لألهو أو أعمل في السوق السوداء فقد حصلت على شهادات عديدة في العلوم والفلسفة والآداب، وأثناء وجودي هناك كان لي هوايات عديدة أمارسها إذ تعلمت السباحة لأنها كانت عندي بمثابة العقدة حيث لم يكن أهلي يسمحون لي بالخروج كيفما أريد وكنت أخاف وقتها من نهر العاصي وأحب أن أكسر هذا الحاجز، فبقي هذا في خاطري طويلاً وعندما ذهبت إلى باريس بحثت عمن يعلمني بشكل مأجور رياضتي الأثيرة وهي السباحة فتعلمتها وبقيت معي إلى آخر عمري.

لي ذكريات كثيرة تتعلق بالحرب العالمية الثانية، كنت ساكناً في الحي اللاتيني حي الطلاب قرب السوربون، وشهدت زمن الحرب على الأرض الفرنسية، وكنت أتفرج أنا وزملائي كيف كان الإنكليز يضربون مواقع الألمان الذين احتلوا مواقعَ قريبة من سكننا الجامعي، عايشنا أثناء دراستنا سنوات الحرب لحظة بلحظة فهي سيئة للغالب والمغلوب أما ذكرياتها القاسية فتحتاج الكثير من الأحاديث للإحاطة بتلك السنوات الصعبة ومعاناتها.

عشنا حكايا وحكايا في تلك الفترة، وكم من طالب أصيب بالمرض نتيجة التغذية السيئة، ذقنا مرارة الفقر، كانت ثيابنا تهترئ ويصعب علينا شراء بديلها، حتى أنني في إحدى المرات وأنا جالس على مقعد في حديقة المدينة الجامعية، شعرت بالبرودة تسري في جسدي فأخذت أبحث عن السبب، وقد وصل الاهتراء إلى بنطالي، فما كان مني إلا الذهاب إلى عند الخياط لرثيه مكان الاهتراء، حيث لم يكن مستغرباً هذا الفعل بين أوساط الطلبة الذين عاشوا الفقر والحرمان وتحملوا من أجل العلم، حوصرنا ولم نستطع العودة إلى أوطاننا، ومن جهتي لم أتوقف وتابعت دراستي بعد العلوم في الآداب، ثم الفلسفة والتي أتذكر بداياتها عندما طلب البروفسور أن ننجز رسالة عن الفيلسوف كانط، وعندما قابل الطلاب بدأ بالتأنيب والتهكم وإطلاق الأحكام، وبينما هو يتحدث كنت أواسي نفسي بأنني جديد على هذه الدراسة وأول مرة أدخل هذا الميدان وهكذا‏ أخاطب نفسي حتى أبعد عن خاطري مرارة الفشل، وبعد أن أنهى البروفسور حديثه قال: ما عدا رسالة كريم يافي فقد عرف كيف يعالج الموضوع فانتبه الطلاب إلي بنظرات إعجاب وتعجب، وتابعت بعدها النجاح وكنت الأول في علم الجمال.


عبد الكريم اليافي

في آخر حياتي الدراسية في جامعة السوربون في باريس وبعد نيلي الشهادات المتعددة تيسر لي وقت من الفراغ أنتظر فيه الباخرة الفرنسية التي كان تسمى «مراكش» عام 1945 لنقل الطلاب السوريين إلى وطنهم الذي انقطعوا عنه فترة الحرب العالمية الثانية والذي امتلأت قلوبهم شوقاً إليه ونزوعاً إلى لقاء أهله، بعد ذلك الانقطاع الغامض الذي لم تكن فيه بين الطلاب وأهلهم أي صلة، خرجت مرة في صباح يوم مشمس جميل أتمشى في حديقة اللوكسمبورغ، حديقة الحي اللاتيني، وفي أثناء تجوالي جلست على مقعد في تلك الحديقة، وكان ثمة فتاة في ريعان العمر وجمال الصبا جالسةً بالقرب مني وبعد تأمل طويل في الحياة وما جرته الحرب على الناس جميعاً من ويلات وآلام وفواجع شط بي الفضول فسألت تلك الفتاة فيما كانت تفكر؟ فأجابتني إنها لا تحب الحديث وإنها تفضل الاستمرار في أحلامها الخيالية. سألتها عن لون تلك الأحلام التي تعيش فيها، هل تتعلق بالزواج؟ وهل ترغب في الزواج من أبناء جنسها الفرنسيين؟ قالت: لا، قلت لها: ربما كان الزواج من بعض الشبان الألمان الصبوحين الذين كنا نراهم جنوداً من حين إلى حين يجتازون شوارع الحي اللاتيني؟‏ قالت: لا، قلت: ربما بعض الأمريكان الذين هرعوا بعد الحرب إلى السفر؟ قالت: لا، قلت: أسألك بربك أن تخبريني عن القوم الذين ترغبين الزواج منهم، قالت لي: أخبرك بأن لي صديقة في مثل عمري متزوجة من شاب أجنبي يقيم في باريس، وهي في غاية السعادة بالتفاهم والتعاون وإنه كان يعين زوجته (أي صديقتها) في كل شيء يتعلق بأمور البيت، فضلاً عن عمله موظفاً في إحدى دوائر الترجمة، فسألتها ما هي جنسية ذلك الفتى زوج صديقتك؟ قالت: إنه سوري، فاجأني الجواب واستعظمته لأن سورية لم تكن في مقدمة البلاد، وإن كان أبناؤها يضربون أحسن الأمثلة في السلوك وحب أسرهم وخدمة أبنائهم، ولم تكن تلك الفتاة تعلم أنني سوري، وقد أثر جوابها تأثيراً عميقاً في نفسي تلقاء أحلامها الفردوسية، ولما كنت أتهيأ للرجوع إلى البلاد، آثرت أن أتركها تنتظر الفارس السوري الجميل.

وعندما رجعت من فرنسا كانت الجامعة جديدة وبحاجة لأساتذة فتمكنت من التدريس في معظم الكليات الجامعية لأن ثقافتي كانت واسعة نتيجة دراساتي الكثيرة.‏

في حياتي كنت مرضيّ الوالدين، والإخوة، مرضيّ الأساتذة سواء في فرنسا أو سورية، وكان اسمي وحيداً في لوحة الشرف.‏ ولما صرت أستاذاً عاملت الطلاب كما عاملني أساتذتي في العون والمحبة.‏
كرمت في سورية من قبل جامعة حمص وجامعة دمشق، ومن قبل وزارة الدفاع، وتوجت بالتكريم من قبل سيادة الرئيس بشار الأسد. وفي الختام أذكر قول الشاعر:‏
إن الوفاء الذي ألقاه في وطني | جزاء كل محب شاكر شادي

من مقالات عبد الكريم اليافي


المعتمد بن عباد ثالث الملوك والشعراء


أما هذا الرجل الذي نريد أن نتحدث عنه هنا فقد حاول أن يوفق بين السياسة والأدب إلى أبعد حد. أما السياسة فقد دفعه إليها مولده في بيت ملكي فلم يلبث أن أقام بعد وفاة أبيه بأمر الملك وصرف إليه عنايته وغدا أبرز ملوك عصره.

وأما أدبه، فقد حباه الله من المواهب جملة وافية كثيرة ولكنه صرف اهتمامه إلى الشعر وكان من أكبر شعراء عصره، بل كان ثالث الشاعرين الملكيين الكبيرين، امرئ القيس وأبي فراس الحمداني. ولقد كتب عنه صاحب «المغرب في تلخيص أخبار المغرب»، وبحق ما يلي: «وكان شعره كأنه الحلل المنشرة، واجتمع له من الشعراء وأهل الأدب ما لم يجتمع لملك قبله من ملوك الأندلس، وكان مقتصراً من العلوم على علم الأدب وما يتعلق به وينظم إليه. وكان فيه مع هذا من الفضائل الذاتية ما لا يحصى كالشجاعة والسخاء والحياء والنزاهة إلى ما يناسب هذه الأخلاق الشريفة».

وإذا كان لكل من الملكين الشاعرين امرئ القيس وأبي فراس الحمداني مأساته الخاصة التي ترجم منها بأدبه وأعرب عن مرارتها وألمها بشعره، فإن مأساة المعتمد بن عباد كانت أكبر وأوسع بمقدار ما تبوأ من سلطان، وملك من صولة وبلغ من مجد، وذاق من سعادة. فلم تلبث تلك السعادة والمجد والصولة والسلطان كلها أن توارت ولم يبق منها إلا رجل يقضي آخر مراحل حياته في الأسر فقيراً مع أسرته في جو عبوس من الضيق والكآبة واليأس.

ولي في سن السابعة والثلاثين أمر اشبيلية بعد وفاة أبيه المعتضد، ثم ضم إليه أكثر بلاد الأندلس، وجعلها قاعدة الأندلس الكبيرة، وجرى على أكرم قواعد الملك من رعاية الدولة وإقامة العدل وتشجيع العلم والأدب والإحسان الواسع إلى الرعية وصد عدوان الفرنجة، فتعلقت به نفوس الناس، وبقي في الملك عشرين سنة تألق فيها بلاط اشبيلية كأجمل حضارة زاهية راقية.

ولكن دول الطوائف في البلاد العربية كانت متنازعة، كل دولة منها تتربص بأختها الدوائر دون أن تتعاون جميعاً على العدو المشترك ودون أن تضع الخطط الموحدة لصده ورد عدوانه. وكانت اشبيلية أعظم دول الطوائف. ومع ذلك فقد استولى الإسبان في عهد ابن عباد على طليطلة وبدؤوا يتهيؤون لغزو قرطبة واشبيلية نفسها وغيرهما من قواعد الأندلس. وكانت دولة المرابطين إذ ذاك بمراكش في ريعان قوتها فلم يجد ابن عباد بداً من أن يستعين بأمير المرابطين يوسف بن تاشفين وأن يدعوه لنصرته. فاستجاب الأمير وقدم الأندلس بجنوده ثم سار هو والمعتمد بن عباد ومن معهما من الأمداد التي أرسلها بقية ملوك الطوائف إليها فالتقوا بالفرنجة الذين كانوا قد استنفروا الصغير والكبير ولم يدعوا في أقاصي بلادهم من يقدر على النهوض إلا استنهضوه، ووقعت بينهم وبين العرب موقعة الزلاقة المشهورة. وكان ملك الفرنجة قد بيت غدراً بالعرب، ولكن ثبات العرب وبلاءهم الحسن وضرم المعتمد وصبر جيش المرابطين وقوته جعل الدائرة تدور على الإسبان فانهزموا في جميع البقاع ولم ينج منهم إلا القليل وكانت تلك الموقعة إحدى المواقع المشهورة الحاسمة التي دعمت مركز العرب في الأندلس أجيالاً طويلة.

بيد أن الأمير يوسف بن تاشفين أعجبته الأندلس وراق له غناها وسرته حضارتها التي أقام أركانها العرب فأظهر الزهد فيها وبيت نية الاستيلاء عليها وضمها إلى ملكه وأخذ يدبر الحيلة في ذلك. وكما فعل ابن عباد ببني جهور حين استعانوه لدفع المأمون بن ذي النون عن قرطبة فنكبهم واستخلصها لنفسه، كذلك فعل يوسف بن تاشفين ببني عباد. إذ لم تلبث أشياعه أن داهمت المعتمد وضربت ملكه واستولت عليه وأخذ هو قبضاً باليد بعد أن ظهر من دفاعه ويأسه وتراميه على الموت بنفسه ما لا مزيد عليه.

لقد عمد ابن عباد إلى تسجيل ما عرف من مجد كابد من محنته في شعره الجيد العالي. فلم يكن في سلطانه مجلس حلو ولا صورة بديعة إلا وترك فيها شعراً.

قال في قصيدة يصف يأسه ويذكر تهافته على الموت منها هذه الأبيات:
قال الخضوع سياسة | فليبد منك لهم خضوع
وألذ من طعم الخضو | ع على فمي السم النقيع
أن تستلب عني الدنا | ملكي وتسلمني الجموع
فالقلب بين ضلوعه | لم تسأم القلب الضلوع
قد رمت يوم نزالهم | ألا تحصنني الدروع
وبرزت ليس سوى القمي | ص عن الحشاشئ من دفوع
وبذلت نفسي كي تسي | ل إذا يسيل بها النجيع
أجلي تأخر لم يكن | بهواي ذلي والخضوع
ما سرت قط إلى القتا | ل وكان من أملي الرجوع

ولقد وصف الشعراء إذ ذاك بقصائد باكية تلك الحادثة، حادثة أسره، كما ذكروا عباد في السفينة التي أقلتهم من اشبيلية.

ونجده في أخريات صور حياته في بلدة أغمات تعض بقدميه القيود وقد جاء عيد الفطر بأفراحه على الناس وينظر فيرى بناته حافيات يغزلن للناس فيقول:

فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا | فساءك العيد في أغمات مأسورا
ترى بناتك في الأطمار جائعة | يغزلن للناس ما يملكن قطميرا
برزن نحوك للتسليم خاشعة | أبصارهن حسيرات مكاسيرا
يطأن في الطين والأقدام حافية | كأنها لم تطأ مسكا وكافورا
من بات بعدك في ملك يسربه | فإنما بات بالأحلام مغرورا

إن حياة المعتمد بن عباد في مجده وفي محنته قصة بلغت حد الخيال مؤثرة في ذاتها أبلغ تأثير يبدو من خلالها قلبه الكبير الذي لم يتغير في السراء ولا في الضراء، لا في المجد ولا في الضيم. ويكفي أن نقرأ فصولها كما جاءت في كتب التاريخ والأدب حتى يبلغ التأثير إلى أفئدتنا مبلغه. وإن أروع القصص وأشدها مأساة وفاجعة ما صاغته الحياة نفسها. ومن وراء تلك القصة تبرز إحدى العظات الخالدة الأبدية، وهي أنه لما تعاون العرب في الأندلس تغلبوا على جموع الفرنجة الكثيرة ولما تفرقوا واستبدت الأطماع بهم هووا جميعا إلى الحضيض.

تعليقات على عينية ابن سينا


هل حياة الإنسان لها غاية؟ وهل يمكن لنا أن نستشف تلك الغاية بالفكر؟ وهل نستطيع من جهة أخرى أن نتلمس البعد الاجتماعي من تلك الغاية؟

يروى عن ابن سينا انه استطاع علاج فتى من بني بويه أصيب بالمالنخوليا واشتدت به العلة حتى اعتقد أنه بقرة. كان الفتى يردد الصياح طوال النهار ويقول: اذبحوني فإن طعاماً شهياً يمكن أن يتخذ من لحمي. وقد امتنع عن الطعام والشراب فساءت حاله وخارت قواه ونحل جسمه وعجز الأطباء عن معالجته. وكان الشيخ الرئيس ابن سينا عالي الشأن رفيع المنزلة يتولى الوزارة لعلاء الدولة البويهي ويقضي كثيراً من وقته في التدريس والتصنيف. وقد انتشر في الآفاق ذكره، وعلم الخاص والعام بمهارته في التطبيب وعلاج مرضى العقول فهرع أهل المريض إلى علاء الدولة وتوسلوا به لدى ابن سينا، وعرض الأمير الحالة على الشيخ فقبل أن يتولى العلاج.

هذه القصة تدل على مهارة ابن سينا وفهمه نفس الإنسانية في حالات مرضها. ولا شك في مهارته وألمعيته أيضاً حين يبحث النفس الإنسانية في حالاتها السوية. فهو من أشهر الفلاسفة في الحضارة العربية الإسلامية. عاش ابن سينا ثلاثاً وخمسين سنة (985 – 1037). والحق أنه كان نابغة في علوم شتى. ترك مؤلفات في الطب. ويقال: كان الطب معدوماً فأوجده أبقراط، وكان ميتاً فأحياه جالينوس، وكان متفرقاً فجمعه الرازي، وكان ناقصاً فأكمله ابن سينا. وله كتب في المنطق والطبيعيات كالصوت والنور وغيرهما، وفي الرياضيات والفلك والأرصاد والموسيقى واللغة، وكذلك له بحوث في الإلهيات، وشهرته الفلسفية والطبية هي التي طغت وشاعت. إلى جانب ممارسته للشعر. له أرجوزة في المنطق وأرجوزة في الطب. ولكن قصيدته العينية في النفس أشهر ما تناقله المفكرون والأدباء.

يقول ابن سينا:
هبطت إليك من المحل الأرفع | ورقاء ذات تعزز وتمنع

يعيد ابن سينا الفكرة التي أشار إليها أفلاطون وهي إن النفس كانت قبلاً تعيش في عالم علوي غيبي مليء بالأسرار والطلاسم، ثم هبطت لتتصل بجسد الإنسان وتحل في عالم أرضي يعج بالخطوب والحروب والأضرار والمخاطر مع أنها كانت متمنعة متعززة. إن تلك الروح أو النفس محجوبة عن أعين العارفين والعلماء ولكن وجودها واضح جلي لعقل دون حجاب.

محجوبة عن كل مقلة عارف | وهي التي سفرت ولم تتبرقع

لم يكن الهبوط برضاها ولكنها بعد اتصالها بالجسد أصبحت تكره فراقه، إذ ألفته مع أنه خراب، فهل نسيت الروح بألفتها للجسد أصلها السامي؟

وصلت على كره إليك وربما | كرهت فراقك وهي ذات تفجع
أنفت وما أنست فلما واصلت | ألفت مجاورة الخراب البلقع
وأظنها نسيت عهوداً بالحمى | ومنازلاً بفراقها لم تقنــــــــع

ثم يأخذ الفيلسوف الشاعر أوائل بعض الألفاظ ليدل على أحداث هبوط النفس من مركزها السامي السابق، فالهاء أول لفظ الهبوط والميم أول لفظ المركز والثاء أول لفظ الثقيل الذي يدل على البدن، ولقد كانت النفس طليقة خفيفة قبل أن تحل به والجسم هو الرملة المستوية التي لا تنبت.

حتى إذا اتصلت بهاء هبوطها | عن ميم مركزها بذات الأجرع
علقت بها ثاء الثقيل فأصبحت | بين المعالم والطلول الخضع

إن المادة التي يتألف منها الجسد خاضعة لقوانين لا تخرج عنها وليست هي حرة كالروح. ولذلك تحن الروح إلى سابق مقامها على حين يضمحل الجسم وما الجسم إلا قفص ضيق يحول بينها وبين رجوعها إلى عالمها الفسيح السالف.

تبكي إذا ذكرت عهوداً بالحمى | بمدامع تهمي ولم تتقطع
وتظل ساجعة على الدمن التي | درست بتكرار الرياح الأربع
إذ عاقها الشرب الكثيف وصدها | قفص من الأوج الفسيح المربع

حتى إذا أزفت ساعة الرحيل عن الدنيا إلى الفضاء الواسع وقد أبصرت ببصيرتها النافذة ما لم تكن تدركه حين حلولها في الجسد، فهي قد غردت من نشوة المعرفة لأنها حينئذ تحصل الكمال بتمام العلم إذ كان العلم يرفع صاحبه فوق الذرا الشاهقة.

حتى إذا قرب المسير عن الحمى | ودنا الرحيل إلى الفضاء الأوسع
وغدت مفارقة لكل مخلف | عنها حليف الترب غير مشيع
سجعت وقد كشف الغطاء فأبصرت | ما ليس يدرك بالعيون الهجع
وغدت تغرد فوق ذروة شاهق | والعلم يرفع كل من لم يرفع

هكذا ينتهي القسم الأول من القصيدة وهي حكاية نزول النفس من عالمها العلوي واتصالها بالجسم في العالم السفلي. ويبدأ القسم الثاني من القصيدة، على شكل سؤال يتضمن قسطاً كبيراً من الشك في رواية هبوط النفس من العالم العلوي.

لأي شيء تعلقت النفس بالبدن؟ إذا كان لأمر غير تحصيل الكمال فهي حكمة خفية على الأذهان. وإن كان لتحصيل الكمال فلم ينقطع تعلقها به قبل حصول الكمال فإن أكثر النفوس تفارق أبدانها من دون تحصيل الكمال؟

فلأي شيء أهبطت من شامخ | عادت إلى قعر الحضيض الأوضع
إن كان أهبطها الإله لحكمة | طويت على الفذ اللبيب الأروع
فهبوطها إن كان ضربة لازب | لتكون سامعة لما لم تسمع
وتعود عالمة بكل خفية | في العالمين فخرقها لم يرقع
وهي التي قطع الزمان طريقها | حتى إذا غربت بغير المطلع
فكأنها برق تألق بالحمى | ثم انطوى فكأنه لم يلمع
أنعم برد جواب ما أنا فاحص | عنه فنار العلم ذات تشعشع

يمكن الجواب عن سؤال ابن سينا بتناسخ الأرواح الذي لا يزال حتى ينتهي بها إلى الكمال، وهو انتقالها بعد مغادرة أجسادها إلى أجساد أخرى فكأن الأجساد قوالب لتلك الأرواح المتنقلة. وذلك أن النفس لا تحيط بالمطلوب إحاطة كلية دفعة واحدة بلا زمان بل تحتاج إلى تتبع الجزئيات واستقراء الممكنات، فهي تتردد في الأبدان البالية تبعاً لأعمالها الصالحة أو السيئة حتى تحصل الكمال وتستيقن شرف ذاتها وقوامها لا بغيرها وتستغني عن المادة وعن تلبسها بصورها وإحاطتها بخساستها.


الدكتور عبد الكريم اليافي
وابنته الدكتورة الموسيقية شادن اليافي

يذكر البيروني تصنيف المتكلمين للتناسخ في «أربع مراتب هي النسخ وهو التوالد بين الناس لأنه ينسخ من شخص إلى آخر، وضده المسخ ويخص الناس بأن يمسخوا قردة وخنازير وفيلة، والرسخ كالنبات وهو أشد من النسخ لأنه يرسخ ويبقى على الأيام ويدوم كالجبال، وضده الفسخ وهو للنبات المقطوف والمذبوحات لأنها تتلاشى ولا تعقب».

أما أبو العلاء المعري فينوه للتناسخ فيقول:
وتقدم الأرض نفوس أتت | مخلوقة من أنفس ثاوية

أو يقول:
والجسم كالثوب على روحه | ينزع إذ يخلق أو يتسخ

ولكنه في مواقف أخرى يتهكم على مذهب الفسخ والرسخ ويتنصل منه:

يا آكل التفاح لا تبعدن | ولا يقم يوم ردى ثاكلك
قد كنت في دهرك تفاحة | وكان تفاحك ذا آكلك

إن من أبدع أبيات الشعر في تلك القصيدة السينية ذلك البيت الذي يشبه فيه الحياة الإنسانية في قصرها بالبرق الخاطف يومض سناه فلا يلبث أن يتوارى في أطواء العدم وكأنه لم يتألق قط:

فكأنها برق تألق بالحمى | ثم انطوى فكأنه لم يلمع

إن حياة الإنسان على وجه الكرة الأرضية ومضة برق. وعلى قصرها تتخطفها الحروب وتنتقصها الخطوب وتتحيفها الأمراض. إن ذلك الحدس الفلسفي العميق قد جعل البيت يتألق في قصيدة ابن سينا تألقاً ساطعاً.

إن ابن سينا والسهروردي يقدران حياة الإنسان بفينة وميض البرق الخاطف. أما أبو العلاء المعري المتشائم فيرى الحياة قصيرة أو طويلة بمنزلة الصفر. فعند المعري يتساوى ذلك الذي عمر طويلاً مع آخر قد وافته المنية مبكراً. وبهذا الاعتبار أمسى القريب كالماضي السحيق:

أمسى الذي مر على قربه | يعجز أهل الأرض على رده
أضحى الذي آجل في سنه | مثل الذي عوجل في مهده

وإذا كان ابن طفيل والسهروردي وابن سينا يرون حياة النفس بالجسم نوراً أو برقاً لامعاً فان أبا العلاء يرى ذلك لغواً وخرقاً وتفاهة. وهنا نصل إلى جواب آخر عن سؤال ابن سينا وهو نفي الكمال مطلقاً في الحياة وإثبات اللهو والعبث فيها أو اللامعقول حسب تعبير طائفة من الوجوديين الحديثين.

يقول اليافي: حديثنا هذا أضغاث أقوال جعلنا محورها قصيدة ابن سينا في النفس. وقد اعتبرنا النفس هنا مقابلة للجسم مغفلين على عمد تفريق فلاسفة الإسلام أحياناً بين الروح والنفس. ونظرنا إلى النفس على أنها إمكانية تتحقق في حجر المجتمع وبالتضامن مع غيرها من النفوس. على خلاف بعض الوجوديين الذين يرون في النفس إمكانية معزولة ومقذوفة في بحر الحياة المتلاطم ودون أمل ما.

وسؤال ابن سينا شعر. ولابد لنا أن يكون جوابنا شعراً لزيادة الإيضاح في موقفنا ولإسباغ التناسب.

مهما بلوت النفس بالتحليل لم | تحصل على حل أكيد مقنع
سر من الأسرار أعيا فهمه | من شئت من طب ومن متنطع
قل للرئيس مقالة من واثق | بجوابه من علمه المتنوع
النفس تبذل وسعها في سعيها | نحو الكمال الشاسع المتمنع
لكنها جزء من الشعب الذي | يبني الحياة معاً بناء المبدع
النفس ليست وحدها في سعيها | أبداً فكل في الورى ذو موضع
وكأنها برق تألـــــــق هاتكاً | حجب الظلام بنوره المتصدع
تمضي ويبقى سعيها متحققاً | أبد الزمان على أديم الأربع
متضامناً مع غيره متجمعاً | شأن الخضم الزاخر المتدفع
وملاوة من سؤدد متألق | أجدى إذن من ألف عام بلقع
فاصرف جهودك للعلى متحفزاً | يكفيك نبل القصد والمتطلَع
هذا جوابٌ ســـائغ ومحقق | فاحرص عليه ودع كلام المدعي

من كتب عبد الكريم اليافي


من كتاب «تقدم العلم»


اللاحتمية وعلائق الارتياب:
لعل اللاالحتمية أهم النتائج التي تكشفت عنها الميكروفيزياء. وقد استغرب كثير من العلماء أن يفضي العلم الحديث إلى اللاالحتمية بعد أن كانت الحتمية تعتبر شرطاً من شروط وجوده.

كتب هنري بوانكاريه قائلاً: «العلم الحتمي وذلك بالبداهة، وهو يضع الحتمية موضع البديهيات لأنه لولا هي ما أمكن أن يكون».

كان من الصعب على العلماء أن يتقبلوا اللاحتمية لما ظهرت، لكنها تمكنت بعد نقاشات عديدة أن تستقر في الأذهان.

يقوم تعريف الحتمية في الفيزياء على إمكان توقع الظواهر توقعاً دقيقاً، أي انتظار حصولها في مكان معين وفي زمان معين بالضبط، مثلاً إن أمكن معرفة موقع متحرك وسرعته الابتدائيين أمكن معرفة موقع هذا المتحرك وسرعته بالضبط بعد مرور مدة معينة من الزمن.

إن الطبيعة تبدو متداخلة متشابكة العناصر، وقد تكون حركة أي جزء متأثرة بأبعد كوكب من الكواكب عندئذ نعرف حالة الكون أجمع معرفة تامة شاملة وذلك متعذر.

إن أهم اعتراض على الحتمية هو إن مشاهداتنا وقياسنا للظواهر تقريبية لا تجري بمنتهى الدقة ولا تبلغ غاية الضبط بل لابد أن يلحق بها بعض التقريب وأن يشوبها بعض الأخطاء التجريبية ولو كانت يسيرة.

ولكن هل إذا ازدادت دقة ملاحظتنا واشتد الضبط في القياس دق التوقع (أصبح دقيقاً) وبالتالي الحتمية صحيحة.

إن فيزياء الجسيمات الدقيقة تثبت عكس ذلك، يلخص العالم الألماني هايزنبرغ نتائج أساسية في فيزياء الكم:
1. كلما دق قياس موقع الجسيم غيرت هذه الدقة كمية حركته وبالنتيجة سرعته.
2. كلما دق قياس كمية حركته التبس موقعه.
3. يمتنع أن يقاس موقع الجسيم وحركته معاً قياساً دقيقاً.
4. إذا قسنا موقع الجسيم وكمية حركته معاً كان جداء الخطأ المرتكب في تعيين الموقع والخطأ المرتكب في تعيين كمية الحركة على أحد المحاور هو:

∆ س ×∆ كحك س ≥ ها

نصل إلى النتيجة التالية: لو أردنا حساب موقع الجسيم بدقة فإننا نستطيع ذلك، إلا أن الخطأ المرتكب في قياس كمية حركته تكون لا نهاية، وهنا يجب أن نضرب صفحاً عن حساب السرعة لأنه لا يمكن حسابها قط.

ونفرض أن حسابنا لسرعة الجسيم صحيح، أي أن الخطأ المرتكب في حساب السرعة يساوي الصفر، عندئذ فالخطأ المرتكب في حساب الموقع يكون لا نهاية، وبالتالي لا نستطيع قياس موقع الجسيم.

هذان الاعتباران المتنافران الفرضيان هما شكل لتتامية بور بين الموقع والسرعة، يشبه تتامية بور الحاصلة بين الجسيم والموجة.

وهكذا فإن معرفة الموقع بالضبط يؤدي بنا إلى تمثيل الجسيم بنقطة هندسية أي الجانب الجسيمي للظاهرة، وإن معرفة السرعة بالضبط يؤدي بنا إلى تمثيل شعاع السرعة بمستقيم أي يفضي بنا إلى الصفة الموجية.

والخلاصة في هذه التتامية لو صح لنا أن نعرف بالضبط موقع الجسيم، فلن نعرف كيف يتحرك الجسيم، وبالعكس لو عرفنا سرعته بالضبط امتنع أن نعرف أين يقع.

مبدأ الاشتباه:
ينشا عن اللاحتمية هذه أمر مهم وهو عدم إمكان التفريق بين الجسيمات المفحوصة في الميكروفيزياء وزوال فردياتها عنها، ومن المعلوم أن الذهن البشري في مباحثه العلمية قد قرب بين القطع المختلفة وماثل بين الحبات المتفاوتة بعضها ببعض وجردها من صفاتها الفردية تلك وانتهى إلى النقطة الهندسية في الهندسة والنقطة المادية في الميكانيك التقليدي.

إننا في الفيزياء الكلاسيكية نستطيع تعيين موقع نقطة مادية بدقة في إطاري الزمان والمكان، أما في اللاحتمية فلا نستطيع تعيين موقع الجسيم في إطاري الزمان والمكان.

يقول لويس دوبروي: «لو راقبنا في الشارع توأمين من الناس متشابهين يمثلان لنا كهربين إلا إنهما سالكان لطريقين مختلفين فدخلا داراً أي غدوا متجاورين متقاربين ثم خرجا من هذه الدار لتعذر علينا حينئذ تفريقهما». وهكذا يستبين إن اللاحتمية يتبعها اللاتمايز وغياب الفردية بين الجسيمات الدقيقة.

اللاحتمية والسببية:
نأخذ جهازاً قاذفاً للكهارب يضرب بها سطح بلورة من البلورات وضع اتجاهها تقريباً حاجز مطلي بمادة متلألئة، فتأتي الكهارب إلى سطح البلورة وتنتثر، وكلما وقع منها كهرب على الحاجز تلألأ موقعه. وإذا كان القذف بطيئاً متمهلاً تتابع التلألؤ حيناً بعد حين. بيد أنه يمتنع علينا أن نحزر كل مرة في أي نقطة سوف يقع عليها الكهرب المنتثر على الحاجز فيحصل التلألؤ. وكل ما يمكن فعله هو حساب مقدار الاحتمال لتلألؤ نقطة من نقاط الحاجز أو غيرها. ولا يخفى إن بعض مناطق الحاجز يكون مقدار الاحتمال فيها صفراً لخروجها عن منطقة التلألؤ وامتناع التوقع في هذه التجربة صورة من صور اللاحتمية في الميكروفيزياء.

وللاحتمية وعدم التوقع في هذه التجربة حد وهو أنه متى تسارع القذف بالكهارب وتكاثرت، تيسر حساب التوقع عندئذ بالضبط وحلت الحتمية مكان اللاحتمية. إلا أنها حتمية إحصائية تبيح توقعاً إحصائياً ناجماً عن كثرة الكهارب إذ تقع على سطح البلورة غمامة منها تنتثر في كل وقت وتقع على الحاجز فيتلألأ قسم منه. وتوزع هذا التلألؤ على الحاجز يمثل أشكالاً انعراجية يمكن توقعها بحساب انعراج الموجة التي ترافق الكهارب، أي يمكن أن نعلن سلفاً كيف يكون شكل الحاجز عندما يتلألأ متى اشتعل الجهاز القاذف للكهارب.

إن الفيزياء الحديثة قد أبطلت الحتمية دون أن تبطل السببية، فتكون السببية أعم من الحتمية خلافاً لبعض الباحثين الذي وهموا فحسبوا إن هذه الفيزياء إنما أبطلت السببية لا الحتمية ظناً منهم إن الحتمية أوسع وأعم.

لنأخذ المثال السابق، يبدأ الجهاز يشتعل فيحدث التلألؤ على الحاجز في بعض نقاطه ويقف الجهاز فينقطع التلألؤ فاشتغال الجهاز إذن سبب للتلألؤ.

فالسببية إذن موجودة في هذه التجربة، على أن الحتمية هنا باطلة لأنه يمتنع توقع التلألؤ بالضبط في نقطة معينة على سطح الحاجز ولا يتيسر إلا حساب الاحتمال.

وينبغي ألا يتبادر إلى الظن أن اللاحتمية في الميكروفيزياء معناها الفوضى والجهل، وإنما معناها عدم إمكان التوقع الدقيق للظواهر الدقيقة، وهناك فرق كبير بين قولنا إن الكهرب مثلاً موجود في المكان ولكننا لا نعرف أين هو، وبين قولنا كل نقطة من ذلك المكان موقع محتمل للكهرب.

اللاحتمية صميمية:
هل اللاحتمية صميمية صرف في الظواهر الميكروفيزيائية؟ ليس لنا يد في تغييرها والنفوذ إلى باطنها؟ أم هي لا حتمية ظاهرية نقف على حدودها اليوم لأن أدواتنا وأجهزتنا ومناهجنا القياسية لم تبلغ الغاية في الدقة ولا أحرزت النهاية في الضبط؟

يمكن القول بوجود حتمية أساسية صميمية تخضع الظواهر لها لم يكشف عنها العلم في هذا الوقت ويجوز أن يكشف عنها في المستقبل، إذا زادت دقته وتحسنت وسائل بحثه. ومثل هذه الحتمية لا تهم الباحث الإيجابي ما بقيت ممتنعة على العلم ومحجوبة عنه. مثلها في ذلك مثل تلك الحتمية الميتافيزيائية التي تتجاوز العلم الإنساني.

إن الباحث الإيجابي إنما يعنى بنتائج التجربة والقياس من أجل تعرف الواقع، فهو إذن يقول باللاحتمية في نطاق الظواهر الميكروفيزيائية دون اهتمام بالتفريق بين حتمية باطنية وحتمية ظاهرية. ولكن مثل هذا التفريق مهم جداً عند المفكر الواقعي لأن الواقع عنده نقطة البداية في البحث العلمي،إذ كانت غاية هذا البحث عنده وصف الواقع المستقل عن الفكر وصفاً دقيقاً مطابقاً. لذلك يهتم بهذا التفريق ويسأل عن اللاحتمية في الميكروفيزياء أظاهرية هي أم باطنية؟ ويجوز له في اعتباراته أن يقول بلا حتمية أساسية صميمية.

أما الباحث المثالي فذلك تابع عنده لنوع اعتباراته الفكرية. فإن كانت اعتباراته الفكرية تدفعه إلى القول بالحتمية فإنه تناسبه عندئذ اللاحتمية الظاهرية، ويعتقد من ورائها بالحتمية الباطنية، ويعد النظريات اللاحتمية الصميمية نظريات سيئة. وإن لم تدفعه اعتباراته الفكرية إلى القول بالحتمية فإنه لا يرى مانعاً إذ ذاك من القول باللاحتمية الصميمية.

وإذا أخذنا وجهة نظر المعادلات الرياضية فإننا نجد اللاحتمية في الحوادث الفيزيائية صميمية وأساسية. ومهما تقدمت وسائل البحث وأدواته فلن تنتصر الحتمية على اللاحتمية الصميمية.

من كتاب «الفيزياء الحديثة والفلسفة»


الجدل في تاريخ الفلسفة:
لعل أقدم الفلاسفة اليونانيين القائلين بالجدل هو هيراقليط، ورأى هيراقليط إن كل شيء موجود ولكنه في الوقت نفسه غير موجود لأنه لا يبقى على حاله بل يتبدل ويتغير، إن الإنسان لا يستطيع أن يستحم بمياه النهر مرتين، إن مياهاً جديدة تجتازه وهكذا، ثم إن المشاعر لا تبقى على حالها بل في انسياب وتغير مستمر. وقد أصبح الجدل عند السفسطائيين تفنناً في المحادثة ومهارة في المناقشة وقدرة على تصريف الآراء، وحذقاً في تهديم أقوال الآخرين بالكشف عن تناقضاتهم.

وقد برع سقراط وهو آخر السفسطائيين وأعظمهم في المناقشة وفي إبراز التناقض في أقوال خصومه ومخاطبيه محاولاً في ذلك أن ينتهي بهم إلى المعاني الكلية وكأنه يولد أفكارهم توليداً. فكان الجدل عنده عبارة عن توليد الأفكار.

لقد تأثر أفلاطون بالفلسفات التي قبله فأخذ عناصرها وركبها تركيباً جديداً، التبدل والتغيير جاريان في هذا العالم المحسوس ولكن فوق هذا العالم المحسوس عالماً معقولاً تعمره المعاني الكلية والتي تصورها بارمنيدس ونظر لها سقراط.

والجدل نوعان: جدل الفكر وهو الرياضيات التي تشف في اتساقها وترتيبها ومعقوليتها عن نظام المثل، وجدل القلب وهو الحب وولع النفس بالصور الجميلة وتجاوزها إلى المعاني الكلية الجميلة والبلوغ في النهاية إلى تأمل الجمال الخالص في ذاته. ويتضح أن الجدل ذو مكانة في المعرفة والاطلاع عند أفلاطون ولكنه يبقى ضمن العالم المحسوس الذي هو وهم وسراب وظلال بالنسبة إلى العالم المعقول الحقيقي. وهو وسيلة توصلنا إلى العالم الفكري الخالد ولكنها تنحسر دونه لا تستطيع النفوذ إليه.

وأتى أرسطو فانخفضت مكانة الجدل لديه إذ اعتبره نوعاً من الاستدلال يعتمد على القضايا والمقدمات الاحتمالية التي لا تفضي إلى اليقين.

ثم أصبح الجدل في العصور الوسطى يفيد جزءاً من المنطق الصوري. ولكن طبيعة الجدل وهي اعتماد الفكر على الأضداد والمعاكسات ما برحت تظهر عند الباحثين ولا سيما المتصوفين.

ونجد في الفلسفة الحديثة إن الفيلسوف الألماني كانط قد خفض الجدل أيضاً حين أطلقه على منطق الظواهر والاستدلال الوهمي ودراستهما وانتقادهما.

حتى جاء هيغل إذ يبرز الجدل عنده على أنه القانون المنطقي الذي يتبعه الفكر في حركته والواقع في تبدله ونشوئه، وإن أبسط الفكر وأكثرها تجريداً، الوجود أي الكينونة، وهي تستدعي بالضرورة نقيضها أي اللا وجود أي اللا كينونة، لأن كلا الحدين لا يُفهم إلا بالآخر. وبين الوجود واللا وجود تناقض تتجاوزه باصطناعهما وتركيبهما والانتهاء إلى الصيرورة وهلم جراً.

وخلف هيغل تلميذه ماركس، إذ اعتبر الجدل في المادة لا الفكر. الطبيعة عنده مترابطة يؤثر بعضها ببعض، فهي ليست حاصلة من تراكم الأشياء تراكماً عرضياً ولا من ترادف الحوادث ترادفاً مشتتاً. إن الطبيعة في تغير مستمر وتجدد لا ينقطع وتبدل لا يهدأ، بعض الأمور ينشأ فيها وينمو وبعضها يضمحل ويبيد، هي في حركة سرمدية، «الطبيعة – كما يقول أنجلز- من الجزيئات الدقيقة إلى الأجسام الضخمة ومن حبة الرمل إلى الشمس ومن الخلية الأولى إلى الإنسان، كلها رهينة بدوام الظهور والاختفاء، هي في جريان لا ينقطع وفي حركة وتبدل دائمين».

والنشوء في الطبيعة حادثة انتقال من تغيرات كمية خفيفة تافهة إلى تغيرات كيفية ظاهرة مهمة. وهذه التغيرات سريعة فجائية تحصل بالضرورة وتطفر من حال إلى حال. وفي علمي الفيزياء والكيمياء أمثلة متعددة يضربها الماركسيون على ذلك. والمجتمع الإنساني خاضع للجدل أيضاً ولصراع الأضداد. وعندما تدخل المادية الجدلية الحياة الاجتماعية تتخذ اسماً خاصاً لها إذ تدعى المادية التاريخية.

الجدل العلمي:
يتصف العلم الحديث بالجدل، وأول ما يتبادر إلى الذهن فكرة التتامية التي أشاد بها بور للتوفيق بين الصفتين الموجية والجسيمية للضوء والمادة. إن بين هاتين الصفتين تنافراً بحيث لا تلوح إحداهما للباحث ولا تحتجب الثانية.

أليس هذا التنافر يشبه ذلك التناقض القائم بين الأطروحة وطباقها وهو ما ينوه به الجدليون؟ هنالك تغاير بين الصفتين الموجية والجسيمية على أقل تقدير، كما هنالك تغاير بين الأطروحة والطباق. ولكن الأطروحة والطباق يستدعيان في الجدل حداً ثالثا هو التركيب. وفي العلم الحديث لا حاجة لهذا الحد الثالث، بل يقتصر الباحثون على اعتبار هاتين الصفتين متكافئتي النصيب في صحة شرحهما لطبيعة النور والمادة. فكل صفة تتم الصفة الثانية. وكان لفظ التتامية يلخص بإيجازه تلك الحدود الثلاثة التي يعتمدها المنطق الجدلي وهي الأطروحة والطباق والتركيب.

إلا إن المنطق الجدلي عند الفلاسفة الجدليين هو القانون الذي تخضع له الأشياء وتتبعه في تطورها وتبدلها. وفي العلم الحديث نستعمل لفظي الموجة والجسيم الضئيل لا باعتبارهما حقيقتين واقعيتين موجودتين في صميم الأشياء بل تجريدين صنعهما الذهن وانتهى إليهما البحث لشرح الحوادث الفيزيائية التي تتعلق بطبيعتي النور والمادة في مجال دقيق بعيد عن سلم المقاييس البشرية.
في العلم الحديث أصبح المجرب لا يستطيع أن يجرب في الجسيمات الدقيقة التي يدرسها في الميكروفيزياء دون أن تؤثر تجربته هذه في صفات هذه الجسيمات أي في نتائج القياس. وكذلك من الصفات الجدلية التي للمعرفة العلمية عامة أنها لا تستقي أصولها من العيني أي المشخص وحده ولا من المجرد وحده بل منهما معاً.

والعلم في مرحلته الحاضرة كثيراً ما يتداول المقادير المجردة وينشئها فوراً وربما لا يجد لها صوراً في الواقع، ولكن نجاح التجربة يبقى المعيار الأساسي في ضبط صحة ذلك التجريد. ولكن العلم الحديث يرى أن المعرفة ليست كلها قبلية ولا كلها بعدية. ليس ثمة محاكمة عقلية تشتغل على فراغ كما ليس ثمة معلومات تجريبية صرف، مشتتة مفككة، وليس هنالك مقولات ذهنية لم تستفد قط في الأصل من الواقع، ولا هنالك حدس فطير لم يسمه الفكر ولا تناوله بشيء من التهيئة والتنشئة. أصبح البعد بين الأوليات التي يضعها الفكر وبين الحوادث الفيزيائية التي يفحصها أقل بكثير مما كان قبلاً. صارت الأولية تبرز من خلال الحوادث، وصارت الحادثة لا تتضح ولا تنجلي إلا باعتماد أوليات جديدة تتجاوز الواقع والتجربة الحسية. إن التجربة يؤثر فيها الفكر الإنساني وتعين شيئاً فشيئاً إطاره وصيغته، وإن الفكر يتناول الأشياء، ويبرز خطوطها الكبرى وجوانبها التي تبدو بها.


تشييع المفكر الكبير
عبد الكريم اليافي

وإذا كانت المعرفة العلمية تاريخية وجدلية بهذا الاعتبار كانت غير مكتملة لأنها متعلقة بالزمان وتابعة للعصر الذي تحصلت فيه. إن العلم على حد تعبير بشلار لغز يتجدد أو هو حل لمشكلة لا يلبث أن يفضي إلى مشكلة جديدة. ويجب أن نشير أيضاً إلى أن هذا لا يقدح شيئاً في قيمة العلم لأن صحة المعرفة مرتبطة بصحة التحقيقات العلمية ومتصلة بنجوع التجارب المجربة، فهي تشتمل حتماً على جانب من اليقين وإن كان غير نهائي ولا أبدي.

والصفة التاريخية للمعرفة وعدم اكتمالها يقتضيان اتجاهاً فكرياً جديداً وهو إن الفكر ينبغي أن يبقى مفتوحاً أي متهيئاً لالتقاط أي فكرة جديدة ولو غايرت أحياناً الفكرة التي كانت مقبولة. بل أكثر من ذلك ينبغي أن يبتدر هذا الفكر الفكرة الجديدة ويسعى إليها سعياً.

وخلاصة الرأي في الجدل العلمي هي أن يبقى الفكر مستوفر النشاط متيقظ الانتباه، متشوقاً إلى التقدم والكشوف الجديدة، لا يكاد يطمئن إلى مرحلة إلا ويحاول مغادرتها، ولا يخلد إلى معلومات مكتسبة إلا ويتبين ما فيها من عدم اكتمال فيسعى إلى تجاوزها. إن تحصيل العلم - كما قيل - معناه التجدد الفكري.

خاتمة

أعتقد أنه لا يوجد أفضل من خاتمة أنهي فيها حديثي عن اليافي بقصيدة ينشدها عبد الكريم اليافي عن الشام:

الورد أجمل ما حيّا به بلد‏ | فكيف بالورد إذا حييّت به الشام‏
ورد الشآم أفانين محاسنها‏ | تسبي النهى والشذا بالحسن نمام

ومهما درت من بلاد فلن ألقى مثلها:‏

بلاد الشام إن ساءلت داري‏ | ولست ترى كفاء الشام دارا‏
ولن يلقى امرؤ يوماً شبيهاً‏ | لبلدتنا ولو بالأرض دارا‏