عفيف بهنسي

عفيف بهنسي

نجم الأسبوع

الأربعاء، ٦ أبريل ٢٠١٦

سوسن صيداوي
أسر سحر الشرق بحضاراته عالما وتمكن منه ليكون عاشقا لجماله وأسيرا في كل مراحل حياته، وفي المقابل وببساطة مستلذة ومستساغة وطّن الباحث والعلامة الدكتور عفيف بهنسي في مسيرته نفسه عالما وباحثا في علم الفن والآثار والمتاحف، كي يكون مرجعا مهما بالعلم والمعرفة التاريخية وبكل ما ينسب لها من عمارة وجمال وفن.
ولأن تذكر جهود الباحثين ضرورة وتكريمهم واجب، أقيم بالمركز الثقافي في أبو رمانة ندوة شارك فيها الأستاذ أحمد بوبس تكريما للدكتور عفيف بهنسي القامة الذي لطالما كان فيّاضا بالعلم والمعرفة في مجال الفن والآثار، حيث تم عرض فيلم وثائقي عن حياته بحضور عدد من الكتاب والأدباء والمهتمين.

هكذا كانت البداية
العلم بتحصيله وبدرجاته وحتى السعي لنيله في بلاد أخرى لم يكن عائقا أمام الدكتور بهنسي فبعد نيله الثانوية حصل على إجازة دار المعلمين وإجازة في الحقوق وفي عام 1950 حصل على دبلوم العلوم الإدارية من جامعة دمشق، وبعدها سافر إلى باريس كي ينال دكتوراه في تاريخ الفن من جامعة «سوربون» بمرتبة شرف، ثم ألحقها في عام 1978 بدكتوراه دولة عن الموضوع نفسه وبمرتبة شرف أيضاً، دكتور عفيف بهنسي: «لقد ولدت من بيئة ثقافية، وفي مراحل دراستي كنت دائما أحقق طموحات كي أكون أستاذاً جامعياً وكان هذا الهدف يلاحقني ويرافقني دائماً أثناء مطالعاتي لكثير من المؤلفات، في بداياتي كنت قاصا وأكتب في العديد من المجلات وكانت هذه القصص والروايات تعبيراً عن موقف وهو بالفعل موقف قومي اجتماعي إنساني».

تحمّل المسؤوليات لإحداث تغيير
لم يكتف الدكتور بهنسي بالجلوس في مكتبه ناهلا من ينابيع المعرفة والعلم بل تولى العديد من المهام الإدارية، فهو أول مدير للفنون الجميلة عام 1962، دكتور عفيف بهنسي في أيام الوحدة بين سورية ومصر كنت أنا في باريس أدرس الفنون وقال لي «عبد اللـه عبد الدايم» إن وزير الثقافة الجديد الذي أسس هذه الوزارة في عهد الوحدة يريدك أن تحظى بها وهنا اكتشفت الطريقة التي يمكن أن أتابع معها حياتي.
وبدأت في الوزارة كمدير للفنون وانتهيت كمدير عام لمديرية الآثار والمتاحف وفي هذه المرحلة كنت أكتب عن الفن والحضارة وعن العمارة، كما أنني وجدت أنه من نطاق عملي أستطيع أن أحقق هذه الأفكار عمليا وكنت سعيدا بمواقعي الوظيفية وسعيدا بعملي مع مجموعة من الزملاء الذين كانوا قدوة ورواداً في نطاق الفن والمتاحف».
تأسيس كلية الفنون الجميلة

لقد ساهم الدكتور بهنسي بتأسيس معهدين متوسطين للفنون التطبيقية وللآثار والمتاحف، وثلاثة مراكز للفنون التشكيلية والتطبيقية، ولكن الأمر الذي لا يمكن للتاريخ إغفاله مهما انطوى عليه الزمن هو مساهمة هذا الباحث بإنشاء كلية الفنون الجميلة في دمشق في عام 1959، دكتور عفيف بهنسي «لم يكن في دول الوطن العربي أي شيء يسمى مركزاً للفنون التشكيلية أو التطبيقية ووجدت بأن النوادي في المحافظات وبدعم من الوزارة تستطيع أن تكون مراكز لتعليم الفنون وممارسة نشاطاتها التطبيقية أو التشكيلية وطبعا في ذلك الوقت لم تكن كلية الفنون موجودة، ولكن في أيام الوحدة قمت بزيارة وزير الثقافة المركزي «ثروت عكاشة» الذي كان قد دعاني لحضور افتتاح كلية الفنون في الإسكندرية وفي وقتها سألني إذا كانت دمشق تحوي كلية فنون، فقلت مع الأسف لا يوجد كلية فنون، وفي ذلك الوقت صدر مرسوم بتوقيع الرئيس جمال عبد الناصر، وأنا استحضرت مجموعة من الأساتذة وأنشأنا ما أصبح اسمه كلية للفنون تشمل الفنون التشكيلية والعمارة ومن هنا كلية الفنون في دمشق أصبحت تعلم الرسم والنحت والحفر والزخرفة والعمارة».

نشر الوعي المعرفي
في عام 1972 أنشأ الدكتور بهنسي عشرين متحفا للآثار والفنون والتراث في أنحاء سورية، وشملت هذه المتاحف المتاحف الأثرية ومتاحف الخط العربي والفنون والفسيفساء وأخرى للتقاليد الشعبية، وطموحه وسعيه الجاد للمحافظة على التراث السوري لم يكتف بذلك بل قام بإنشاء متاحف شاملة في المحافظات بكل ما تحويه تلك المحافظات من تراث بأنواعه، الأديب والكاتب الأستاذ غسان كلاس كان له حضور في الندوة التكريمية وقال كلمته في الدكتور بهنسي «الأستاذ الدكتور عفيف بهنسي من الرموز التي تعتز بها سورية ومن المنارات التي تستضيء بنورها بمواقفه ومحاضراته وإنتاجاته وكتبه، ولأنه كان يعتبر المتاحف مؤسسات تعليمية وبأنها التراث الباقي، وتمسكه بهذا الفكر جعله رائدا في تأسيس المتاحف في سورية ومحافظاتها، إنه قامة تستحق التكريم في أكثر من مجال لأنه متعدد ومتنوع سواء من حيث الرسم أو النحت وحتى من حيث التدريس أو الإدارة الثقافية، وهنا لابد من الذكر بأن وزارة الثقافة كرمت الدكتور عفيف بإصدار كتاب مهم تضمن كل المداخلات والمحاضرات والأبحاث التي ألقيت في مكتبة الأسد في عام 2006، والأمر الآخر الذي لا يمكننا إغفاله أبدا من ناحية المجتمع الأهلي والمدني فلقد كان للدكتور بهنسي سبق الريادة تأسيسا في جمعية أصدقاء دمشق والإدارة في مجالسها المتعاقبة، وهنا لابد لنا أن نطلب من الجهات المعنية أن يدرّس الدكتور عفيف فنانا ومؤرخا وعالم جمال في الجامعات وأن يطلب من الطلاب إعداد رسائل الماجستير والدكتوراه عن هذا الرجل وعن منهجه وشخصيته العلمية كي يتم إنصافه، كما أننا نعتز ونفتخر بالشارع الذي يحمل اسمه في منطقة الشعلان الممتد من مصلبة الشعلان حتى نقابة الأطباء الحديثة حيث ولد».

قائمة الإنجازات… لم تنته

هناك أمور عديدة برع بها الباحث والعلامة بهنسي وتجلى ذلك واضحا برصيده التأليفي حيث وضع مجموعة كبيرة من الكتب وصل عددها إلى اثنين وثمانين كتابا شملت موضوعات الآثار وعلم الجمال والعمارة والفنون العربية والإسلامية والفنون التشكيلية، كما ترجم العديد من هذه الكتب إلى اللغتين الانكليزية والفرنسية، ولأن عشق الفن ممزوج بلون قطرات دمه ففي المجال الإبداعي خاض غمار الفن التشكيلي رساما ونحاتا مشاركا في عدة معارض ومن أهم ابداعاته في مجال النحت عدة تماثيل منها ثلاثة تماثيل للجاحظ وتماثيل أخرى للفارابي وابن سينا وابن النفيس وزنوبيا ملكة تدمر وهذه التماثيل موزعة على حدائق وشوارع دمشق، ليس هذا فقط بل شارك الدكتور بهنسي في تصميم الطوابع البريدية والعملة الورقية السورية، واستطاع قطف ثمار جهده الصادق بحصوله على الكثير من الأوسمة الرفيعة والتكريم فإضافة لوسام الاستحقاق السوري من الدرجة الأولى نال أوسمة من عدة دول منها على سبيل الذكر وليس الحصر إيطاليا والدنمارك وبلجيكا والمانيا، كما نال الكثير من الجوائز والميداليات وشهادات التقدير من هيئات علمية وثقافية عربية وعالمية.
كان لمنظم الندوة الباحث والأستاذ أحمد بوبس كلمة «الدكتور عفيف بهنسي أول نقيب للفنون الجميلة وأستاذ كبير في جامعة دمشق ومحاضر لا يشق له غبار في شتى الجامعات العربية والعالمية، وبما أنه كان رائدا في علم الآثار وفي علم المتاحف أقام العديد من المؤتمرات والندوات للتعريف بالآثار في المحافظات السورية وخاصة أنه تولى مهام المدير العام للمديرية العامة للآثار والمتاحف في سورية منذ عام 1971 حتى عام 1989 متمتعا طوال تلك الفترة بالحيوية والحماسة الكبيرتين لاستمرار أبحاثه عن مكنونات الحضارة والتاريخ، وفي زمنه تم إنقاذ آثار الفرات وإعداد لجنة كبرى لإنقاذ سد دجلة والخابور وسد تشرين وكان له دور مهم في ترميم الآوابد والقلاع الآثرية».

في رسالة العطاء
خلال كل المراحل التي قطعها الدكتور بهنسي وبالرغم من كل الإنشغالات وضيق الوقت إلا أن التدريس بقي له ركن مهم في متابعته لمهامه اليومية، ولأنه مؤمن بأهمية أبحاثه وضرورتها لم يكن هناك من حواجز بينه وبين طلابه الذين كانت تغص بهم القاعات لينهلوا منه بساطة المعرفة ويتلقون طواعية عدوى عشق الفن السوري بتراثه وحضارته، هذا الأمر جعله مواظبا على تدريس مادة الفن والعمارة في كلية الفنون وكلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة دمشق لمدة تزيد على الأربعين عاما كما أنه قام بالتدريس كأستاذ محاضر في الكثير من الجامعات العربية والعالمية وفي العديد من المراكز الثقافية ومراكز الأبحاث العالمية.
دكتور عفيف بهنسي «عندما ذهبت إلى باريس لم أجد مراجع باللغة العربية تتعلق بالفن أو حتى بالعمارة وخاصة الفن العربي والفن الإسلامي فالمراجع كلها باللغة الأجنبية لذلك وطنت نفسي كي أسد ثغرات فيما يتعلق بالمكتبة العربية وابتدأت بالثغرات التي تتعلق بالتاريخ سواء تاريخ الفن أو العمارة وحتى تاريخ الفنانين».

في الختام… صدق الكلمة
دكتور عفيف بهنسي: «أنا أشعر اليوم أن وجداني أعطاني من حقي من التكريم لأني قدمت لوطني ما هو بحاجة له فعلا، فالوطن في أعناقنا والوطن من مسؤوليتنا وما نقدمه فهو القليل القليل مما أعطاه لنا، وأرجو أن ما قدمته لكم هو عربون محبة وصداقة وبأنكم أهل لهذا الوطن».