عبد الرحمن منيف (1933 - 2004 م)

عبد الرحمن منيف (1933 - 2004 م)

نجم الأسبوع

الثلاثاء، ٣١ يناير ٢٠١٧

ربما تساءل كثيرون قبل عقود من الزمن، ما الذي حل بعبد الرحمن منيف ومدن ملحه، وهل مازال واثقاً أنها سوف تضمحل وتتلاشى، وتذوب إلى غير رجعة؟

ربما كان السؤال مشروعا إلى حد ما، ولكنه الان صار معكوسا، وعلينا أن نسأل لماذا كنا نطرح مثل تلك الاسئلة البكماء، ألأننا توغلنا كثيرا في الابتعاد عن واقع الادب والحياة وما ينبض به عبد الرحمن منيف من رؤى استشرافية؟‏

لانبحث عن اجابات، فما من إجابة قاطعة البتة، ولكننا نسجل أننا كنا واهمين جدا فيما ذهبنا إليه، ربما خبا الوهج قليلا، ولكن بعيوننا وليس باتقاده، ولا من نصه وملحمته الكبرى مدن الملح.‏

اليوم ما احوجنا ونحن نعيش ذكرى رحيله أن نعيد القراءة مرات ومرات، ليس له وحده إنما لمبدعين عرب كثيرين كانت رؤاهم حقا استشرافا للقادم، لكننا كنا نغض الطرف عما يمكن أن نصل إليه، ولكن جدلية الحياة وحركة الواقع والتاريخ داهمتنا، وعرتنا أمام انفسنا ومجتمعاتنا، وظهرت كثبان الرمل جلية بينة لايمكن لأحد ان يجعلها ثابتة بمكان واحد، ولهذا كان هبوبها علينا،نحن من اتكأ على وهم العروبة والاخوة وما في المصطلحات من معان فضفاضة بعيدة كل البعد عن الواقع، فلم يبق منها إلا اشواك قست حتى صارت حرابا أدمتنا وفي القلوب كان مستقرها.‏

عبد الرحمن منيف صاحب مدن الملح هو الروائي العربي الاكثر قدرة على القراءة في رمال الربع الخالي، ورسم ملامح كنا نظن أنها بناء روائي وكفى, لكنها حراك مجتمعي، وها قد اتت ثمارها المرة، وصارت مدن الملح علقما.‏

في ذكرى رحيله يمكن لنا أن نقدم باقة مما قرأه النقاد عن ادبه وتناقلته المواقع والصفحات، وهذا دلالة على عمق ثرائه وقدرته على التجدد والبقاء نابضا بالامل والحياة، على الرغم من كل ما جرى ويجري.‏

يقول محمد القشعمي في كتابه عن منيف بمناسبة بلوغه السبعين وعلى لسان منيف:‏

(قلت لنفسي هناك خلل كبير في الحياة ولابد من اكتشافه وفضحه، وربما تكون الوسيلة الاساسية هي الرواية لان الرواية تعنى بإعادة تشكيل العالم ضمن انساق واشكال اكثر انسجاما وربما ايضا لان الحياة في النهاية لاتعدو مجرد رواية.‏

ان العالم الاجتماعي الذي كتبه وعبر عنه وكشف ابعاده ليس اكثر من كتلة من الفوضى الملتهبة على حد تعبيره حالة خاصة الى اقصى حد.‏

وتدور اعمال منيف تقريبا عدا قصة حب مجوسية واعمال قليلة حول محورين اساسيين هما النفط والقمع فمن النفط ومشاكله تنطلق خماسيته مدن الملح (التيه الأخدود تقاسيم الليل والنهار المنبت بادية الظلمات) حيث لاينظر الى النفط كثروة فقط وانما كتغير اجتماعي شامل قلب المنطقة العربية رأسا على عقب.‏

لقد كان منيف ابن بيئته كتب عنها متسلحا بالرؤى والوعي. فهو ابن هذا التيه وشاهد على اضطراب العلاقات وتغير القيم واتساع الهوة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها.‏

في اعماله يقدم لنا حياة كاملة وعالما شاملا، اسكنهما شخصيات روائية ليست لها صلة بالواقع.‏

كتب منيف حياتنا وعينه على مساحات كبيرة من واقعنا ومن وعينا المغيب احيانا والموزع في شتات التضارب والتناحر والبحث عن موقع في هذا العالم احيانا اخرى.‏

كانت رقابة المجتمع هاجسه الاساسي وعنه يقول ان ما يحيره بشكل اساسي هو رقابة المجتمع وليس رقابة الدولة التي تدافع عن وجودها وربما كان ذلك من بين حقوقها لكي ترهن نفسها حسب المنطق الذي تؤمن به ولكن المشكلة تكمن في رقابة المجتمع.‏

أما محمد شكري فيقول:‏

«امير الصعاليك.. يحضر فيما كتبه منيف عن رحيل الروائي (محمد شكري) وكأنه في هذه الكتابة يكتب عن نفسه يقول منيف: ان امير الصعاليك محمد شكري غادر هذه الدنيا بعد ان شبع منها وملها. غادر غير اسف على شيء لم يذقه، وعلى مكان لم يره، فقد احتشدت ذاكرته بكم هائل من الوجوه، والأصوات، واصبحت رؤية وجوه اكثر او سماع اصوات اكثر لاتطاق، ولذلك غادر دون ان يلتفت الى الخلف».‏

في كتابه لوعة الغياب (منيف) يسجل شهادته ويكرس في هذه اللوعة لعدد من الغائبين الذين سعوا وجهدوا لفتح هذه المسارات وكأن سعيهم مميز حتى في موتهم (لوعة الغياب) التي هي رحلة من حياة نصوص، الموتى حدثها والامل جوهرها.‏

ينضم منيف الى شخصيات (لوعة الغياب) واللوعة ستزداد وتزداد الشخصيات.‏

فالامل والموت لايصبحان وجهين لعملة واحدة الا في حالة منفردة. هي حالة الابداع.‏

أليس هو القائل في (الاشجار واغتيال مرزوق)، (لقد فسد العالم.. كل شيء فيه، تفتتت خلاياه، تعفن، لم يعد ممكنا اصلاحه ابدا، يجب ان يدمر نهائيا يقوم على انقاضه، لعل بشرا من نوع جديد يأتون من صلب هذه الارض التي تملؤها طبقة سميكة من القذارة).‏

رحل عبد الرحمن منيف بعد ان خانه دمه ولم يفلح هو في تغيير العالم ولم تفلح الديلزة في تغيير دمه.‏

المنيف في سطور‏



- ولد في عمان 1933م من أب من نجد وأم عراقية وكان والده قد انتقل من نجد إلى العراق ثم سورية ثم الاردن بحثا عن الرزق.‏

- انهى دراسته الثانوية في عمان ثم ذهب الى بغداد للدراسة الجامعية.‏

- دخل كلية الحقوق وطرد من العراق عام 1955م لاسباب سياسية.‏

- رحل الى القاهرة لاكمال دراسته (الحقوق) بعدها ذهب الى يوغسلافيا لدراسة الاقتصاد.‏

- ذهب الى سورية عام 1964م، وظل فيها حتى 1973م موظفا في وزارة النفط وتسويق النفط.‏

- غادر الى لبنان ومكث فيها عامين ومنها الى العراق وظل فيها سبع سنوات رئيسا لتحرير مجلة (النفط والتنمية) وبعدها عاد ليستقر في دمشق.‏

- عمل في السياسة والعمل السياسي بين عامي 1950م و1965م، وهجر العمل السياسي لقناعته انه ليس الاداة الفعالة للتغيير.‏

- اتجه لكتابة الرواية بعد النكسة عام 1967.‏

• أعمال المنيف الروائية واصداراته الخاصة:‏

- كانت أولى روايات منيف الاشجار واغتيال مرزوق عام 1973م - قصة حب مجوسية 1973م - شرق المتوسط 1975م -حين تركنا الجسر 1976م - النهايات 1977م - سباق المسافات الطويلة 1979م - خماسية مدن الملح (1984 1989م): التيه والاخدود، تقاسيم الليل والنهار، المنبت، بادية الظلمات، لوعة الغياب 1998م - السواد.‏

• وله اصدارات اخرى في مجال الاقتصاد منها (البترول العربي: مشاركة أم تأميم)، (الديمقراطية اولا)، وأعمال اخرى منها (سيرة مدينة).‏