عبد السلام العجيلي

عبد السلام العجيلي

نجم الأسبوع

الأربعاء، ٢٥ أكتوبر ٢٠١٧

سارة سلامة

ما إن تبدأ بقراءة نصّ أدبي لعبد السلام العجيلي، حتى تأخذك الكلمات من سطر إلى آخر، وأنت تستمتع بأسلوب الحكاية الذي يبرع فيه، ويشد به قارئه، فهو يضفي الخصوصية على الموضوع، والأهمية على الحدث، فتندمج في إيحاء المكان، ويعايش ذهنك زمن الأحداث والشخصيات..
وضمن سلسلة «أعلام ومبدعون» صدر حديثاً عن وزارة الثقافة، الهيئة العامة للكتاب، كتاب بعنوان «عبد السلام العجيلي»، وهو كتاب شهري مخصص لليافعة من تأليف الدكتورة علياء الداية، من القطع المتوسط وعدد صفحاته 51.

عن العجيلي
العجيلي رائد من رواد فن القصة، وكاتب أبدع في مختلف مجالات الأدب العربي، ولد في الرقة منتصف الصيف أو أواخره عام 1918م، على الضفة الشرقية لنهر الفرات في سورية، وكانت الرقة حينها بلدة صغيرة، جرت عادة عائلة العجيلي على الإقامة فيها شتاء، والارتحال صيفاً لنصب الخيام في مراعي البادية، تلقّى العجيلي دراسته الابتدائية في الرقة، ثم سافر إلى مدينة حلب لدراسة المرحلة الثانوية في ثانوية المأمون، وكان اسمها حينذاك مدرسة التجهيز، وكانت أبرز مدرسة ثانوية بشمال سورية، ثم درس الطبّ في الجامعة السورية بدمشق، وتخرج فيها طبيباً عام 1954م، عاد بعدها إلى الرقة حيث افتتح عيادته، سافر العجيلي في رحلات عبر العالم، وحفلت حياته بنشاطات ثقافية كثيرة، وكان ارتباطه وثيقاً بالرقة حيث استمر يعمل فيها، ويطبّب أهالي بلدته والقرى والأرياف المجاورة حتى أيامه الأخيرة، وقد تخطى الثمانين من العمر.
أحبه أهل مدينته وقراؤه عبر العالم، فكان القاصّ والروائيّ والطبيب والرحالة والجار، وكانت له مكانة أثيرة لدى كثير من معاصريه، وصدر له عبر مسيرة حياته نحو أربعين كتاباً في مؤلفات متنوعة، وترجم بعض كتبه وأعمال كثيرة له في الدوريات والمختارات الأدبية الأجنبية إلى لغات حية عديدة، منها الفرنسية والإنكليزية والروسية والإيطالية والسويدية والألمانية والأرمنية والتشيكية والسلوفينية.

العجيلي الوزير
تقلد العجيلي خلال عام 1962 مناصب وزير الثقافة، وزير الإعلام، ووزير الخارجية، ومن الحوادث الطريفة التي جرت معه أثناء عمله وزيراً للثقافة هذه السطور:
«تلقيت في أحد أيامي الأولى في الوزارة دعوة إلى اجتماع يتلوه غداء مع وفد قادم من إحدى دول وسط إفريقيا، كان وفداً كل أعضائه من الطوارق الملثمين الذين يرتدون ثياباً زرقاً وعمائم، تلتف عذباتها على وجوههم، ولا تنحسر عنها إلا عند الطعام، وأحياناً عند الكلام، كانوا يتكلمون العربية والفرنسية، كما كان حديثهم في أغلبه منصباً على قضايا الزراعة في بلدهم، لم يكن ذلك الوفد على المستوى الوزاري، بل كان مؤلفاً من موظفين كبار يجرون محادثاتهم مع موظفين من مستواهم في حكومتنا السورية، وكنت الوزير الوحيد الذي حضر اجتماعهم ودعوة غدائهم، استمتعت في الواقع بتعرف تلك المجموعة من الضيوف غير المألوفة رؤيتهم في بلادنا، ولكني استغربت أن أدعى وحدي إلى اجتماعهم من دون زملائي الوزراء، إلا أن استغرابي لقي تفسيره في اليوم الثاني حين استفسرت عن هوية الوفد، وعن البلد الذي جاء منه، وعن المهام التي يتولاها أعضاؤه».

العجيلي الطبيب
عمل العجيلي طبيباً في مدينته الرقة، واشتهر بإخلاصه، وبراعته، واستقباله، وطيب تعامله مع مرضاه، من أبناء بلدته وقاصديه من مختلف الأماكن، وبلغ اعتراف العديدين بفضله إطلاقهم اسم «عبد السلام» على كثير من المواليد الجدد في ذلك الحين.
يقول الأديب وليد إخلاصي: «كأنما قدر للعجيلي في حياته أن يكون رسول رحمة لآلاف المرضى من أهل المدينة وبدو صحرائها المتناثرة من حولها، فكانت عيادته محجاً للذين يطلبون العلاج والدواء أكان سحراً تشع به رعاية الطبيب أم أقراصاً تنبض بالشفاء، وسنجد أن أطفالاً قد ولدوا لنساء البدو قد حملوا اسم عبد السلام تبركاً بشيخ الحكمة الذي تحولت عيادته إلى صدر حنون، يقصده المرضى من كل فجّ عميق».
العجيلي الرحالة

بدأت علاقةالعجيلي بعالم الرحلة منذ طفولته حين كانت الأيام المشمسة تحتضنه، والطبيعة البهية في البادية، فيلتفت إلى الجمال المحيط به، فيقول «عن حبي للزهور، أنا لا أختلف عن الآخرين في ذلك، وإن كنت أفضل أن أراها على أغصانها وفي شجيراتها عنها في الفازات، ربما يعود هذا إلى مكتسبات صباي، حين كنت أعجب بالزهور كجزء من الجمال المتكامل في الطبيعة في فلوات البادية، في الربيع تكون سهول البادية التي كنت أرتادها مع «أقراني»، بساطاً أخضر تبرز فيه مساحات ملونة بالأصفر والبنفسجي وأحمر شقائق النعمان، بصورة تتضافر فيها ألوان الورود المتباينة وخضرة العشب وزرقة السماء الصافية على تأليف لوحة متكاملة رائعة الجمال».
لكن رحلته الأولى كانت إلى مدينة حلب بهدف الدراسة وتلقي العلم: «لم أكن تجاوزت الحادية عشرة حين انتزعت من بيئتي التي عشت فيها لأقيم وأتلقى دراستي الثانوية في حلب التي تبعد مئتي كيلومتر عن الرقة، وهي مسافة في تلك الأيام كانت تفوق ما بين دمشق وباريس في هذه الأيام».

في عيون معاصريه
تبدي لنا عبارات موجزة للشاعر شوقي بغدادي جانباً شخصياً واجتماعياً لدى العجيلي: «معه قدرت أكثر الأدب الذي يفوح برائحة البيئة المحلية، ويغدو في الوقت ذاته عالمياً، وفي الجلسات الطوال في المقهى أو في النادي، أو في بيوت الأصدقاء، نأكل ونشرب ونضحك ونسخر ونتألم، كان العجيلي دائماً نجم هذه المجالس».
ومن أشهر ما قيل عن العجيلي عبارة صديقه الشاعر نزار قباني:
«عبد السلام العجيلي أروع بدويّ عرفته الصحراء، وأروع صحراويّ عرفته المدينة».

من مؤلفاته
وإذا ما عرضنا بعض مؤلفاته نجدها بالقصة القصيرة: بنت الساحرة، قناديل إشبيلية، رصيف العذراء، الخيل والنساء، موت الحبيبة، وفي الرواية: قلوب على الأسلاك، ألوان الحب الثلاثة، أزاهير تشرين المدماة، وفي المقالة: أحاديث العشيات، عيادة في الريف، حفنة من الذكريات، فلسطينيات عبد السلام، وفي أدب الرحلات: حكايات من الرحلات، خواطر مسافر، وفي الشعر: الليالي والنجوم، والكثير من المؤلفات.
توفي العجيلي في مدينته الرقة يوم الأربعاء الخامس من نيسان عام 2006م.