شفيق جبري

شفيق جبري

نجم الأسبوع

الاثنين، ١٧ نوفمبر ٢٠١٤

كيفما قلبت صفحات تاريخنا في الشام في سورية فلن تقع الا على علم من الاعلام وشاعر ملا الدنيا وشغل الناس القائمة طويلة طويلة والذين صنعوا لنا الارث الثقافي والابداعي حري بنا ان نقف عند محطات في حياتهم حتى لو لم تقدم جديدا لكن من باب الاضاءة على عبقهم وما تركوه من ارث وابداع نعتز به وبهم اليوم نقف عند الشاعر الكبير شفيق جبري صاحب اروع قصائد الجلاء على جنبات الشام ام عيد وفي محطات حياته كما تقول المعلومات والمواقع الالكترونية

شاعــــر الشـــــام (شفيق جبري) (1898-1980) كان الشاعر شفيق جبري أحد أولئك الشعراء من الشعلة المضيئة الذين أنجبتهم سورية في القرن العشرين، ولد جبري في منطقة حي الشاغور بدمشق عام 1898م-وكان والده درويش جبري من كبار التجار أرسله إلى كتاب الحي ليحفظ القرآن الكريم ويتعلم القراءة والكتابة ثم حصل على الشهادة الثانوية عام 1913 من مدرسة الآباء العازاريين، أتقن جبري اللغة العربية والفرنسية وألمّ بالإنكليزية، قرأ الشعر الجاهلي ومعظم كتب التراث النثرية والشعرية فقويت لغته وتعمقت ثقافته وضربت بجذورها في أعماق التراث كما قرأ كثيراً للأدباء الفرنسيين وخاصة آناتول فرانس، نشأ في ظل الحكم العثماني وعانى ويلات الحرب العالمية الأولى وما خلفته من مآس ودمار وذاق مأساة إعدام العرب الأحرار على يد جمال باشا السفاح في السادس من أيار عام 1916م وشهد معركة ميسلون حين اندفعت جحافل غورو في 24 تموز 1920 وهي تصب حقدها الدفين على وطنه سورية. عمل جبري موظفاً في وزارة المعارف وانتخب عام 1926 عضواً في المجمع العلمي العربي بدمشق ثم عين أستاذاً بكلية الآداب فعميداً في الجامعة السورية وألقى محاضرات كثيرة عن زعماء الشعراء والنثر العربي وأحيل على التقاعد عام 1958. سافر جبري إلى فرنسا والى أمريكا والى معظم الدول العربية وللشاعر مؤلفات عديدة منها دراسة عن الجاحظ والمتنبي وغيرهم وله كتابان (أنا والشعر) و(أنا والنثر) وهما من أروع ما خلفه لنا جبري وهما مصداق حي لأدبه المعطاء وذوقه المرهف وقدرته على استيحاء الألفاظ وتطويعها لشعره ونثره وله محاضرات كثيرة ومقالات ودراسات نشرها في مجلة المجمع العلمي العربي وله ديوان شعر بعنوان (نوح العندليب) وهو من مطبوعات المجمع اللغوي بدمشق صدر بعد وفاته. توفي جبري في دمشق عام 1980 عن عمر يناهز اثنتين وثمانين سنة ودفن في مقبرة باب الصغير بدمشق. حاكى جبري في شعره الشعراء الأقدمين فقد كان يرى في شعرهم الديباجة القوية وجزالة اللفظ وقوة المعنى وأصالة التعبير وقداسة الصور والتراكيب وكان ذلك اعترافاً منه بعبقرية الأجداد فهو يريد ان يوطد جذور التراث الخالد . لقد عانى جبري ظلم الاستبداد وويلات الاحتلال الفرنسي كان في شعره الوطني يشعل نار الثورة في النفوس وكان دائم التطلع إلى دحر العدو الغاشم وألق الحرية والاستقلال، لقد أخرس الاستعمار الفرنسي الألسنة وكمّ الأفواه لكن الشعب العربي في سورية لم يسكت على الضيم ولا يرضى الذل والهوان ويأبى إلا ان يظل حراً أبياً وفي قوله: لكن جلق في ازدحام خطوبها جبارة بكهولها وشبابها لم تستنم لأذى فإن هاجت بها دهم الخطوب أوت إلى أقطابها عركت عروبتها السنين فأقلقت عبث السنين بحدها وبنابها ظل العروبة وارف في جلق متمكن في أرضها وسحابها إن جلق الشام صامدة وقوية في وجه المحن والخطوب فهي قوية وجبارة ولن تزحزحها النكبات ولا تنال منها فاجعات الدهر ومصائبه. كان شعره الوطني ينزف دماً وحسرة على بلاد الشام وما أصابها من ظلم المستعمر الغاشم فهو دائماً يتطلع إلى انبثاق الفجر ونيل الحرية والاستقلال : فمروج الشام تشكو ضيمها أين من يكشف عنها المحنا أرقب الصبح وليلي سرمد فأناجي في الليالي الدجنا وانصراف العين عن رقدتها في دياجي الليل يقذي الأعينا وطني كيف أرجي بيعه ذل من راح يبيع الوطنا أيها الطامع في حوزته لست أرضى بالثريا ثمنا أيها القوم أفيقوا ويحكم وثب الدهر فما هذا الونى يتطلع الشاعر إلى مروج الشام بقلب ملؤه الحزن والألم وهي تشكو المحن والمصائب التي حلّت بها من جراء المستعمر الغاشم والشاعر يترقب انبلاج الصبح واشراق فجر الحرية لكن الليل يطول ويرخي سدوله ويخيم أستاره السرمدية فالشاعر يعيش مرارة المعاناة وكأن في عينيه قذى يمنع عنه نعمة الهدوء والسكينة فهو محب لوطنه وعاشق له ولا يرضى بالثريا بديلاً عنه ويستنهض الشاعر الهمم والعزائم لتفيق من كبوتها وتصحو من سباتها العميق وتنفض عنها غبار الهزيمة والاستسلام وتنجد هذا الوطن الغالي من براثن العدو الغاشم. وقصيدته (نوح العندليب) تعد مثالاً رائعاً لشاعريته المرهفة وذوقه المبدع فهو يحاكي العندليب ويبثه أشجانه وأحزانه ويبين كيف ان العنادل تبكي أوطانها فالشاعر يتجرع كؤوس الحسرة والألم الدفين ويتفطر قلبه حزناً ولوعة لما يصيب وطنه الغالي من ويلات الاحتلال وظلمه. دع العندليب على غصنه يردد على الغصن أحزانه كتمت الشجون عن العندليب فراح يبثك أشجانه وأخفيت عنه دموع الجفون وقد بلل الدمع أجفانه أتبكي العنادل أوطانها ولا يندب المرء أوطانه فما أروع تلك الموسيقى النفسية التي ينبض بها عالمه الداخلي حين يفور أو حين يسكت نرى في شعره روعة الصور ورهافة الحس والقدرة على استيحاء الألفاظ وتطويعها لأوزانه وقوافيه وقد أضفت عاطفته المشبوبة والمشحونة بحرارة الصدق على الأبيات جمالاً أخاذاً ألهب مشاعرنا وإحساساتنا وقد جعلنا نحلق مع الشاعر في آفاق سحرية ملؤها الحب والحنين إلى الوطن. عاش جبري في الشام وشاركها أفراحها وأحزانها وكان دائماً يشعل نار الثورة والنضال في نفوس أبناء شعبه وينير لهم طريق الحرية والنصر ويصب في شعره حقده وكراهيته للمستعمر الفرنسي واشتعلت في سورية بكاملها الثورات الملتهبة والانتفاضات الكبيرة وكانت هناك قوافل كثيرة لا تعد ولا تحصى من الشهداء الذين رووا بدمائهم الزكية تراب الوطن الغالي وفرشوا لأجيالهم دروب العزة والكرامة، وتحقق الجلاء في السابع عشر من نيسان عام 1946م بعد نضال مرير وكفاح طويل وانبثق الفجر فجر الحرية والسؤدد وانفرجت الأسارير وتبمست الشفاه عن ضحكات الحرية والفرح وكان الشاعر جبري البلبل الذي غنى أفراح العيد ولذلك لقب بشاعر الشام وفي قوله: حلم على جنبات الشام أم عيد لا الهم هم ولا التسهيد تسهيد أتكذب العين والرايات خافقة أم تكذب الأذن والدنيا أغاريد ماء العيون دموع من هناءتها فالدمع در على الخدين منضود لو ينشد الدهر في أفراحنا ملأت جوانب الدهر في البشرى الأناشيد لقد كان جبري شاعر الشام بأصالته ومصداقيته وقد وهبه الله شاعرية مرهفة وقدرة فائقة على استيحاء الألفاظ والتراكيب ووهبه العاطفة المتوهجة والصادقة والشعور الوثاب للتطلع إلى بناء العمل الفني المتكامل فكان شاعراً خالداً على مرّ الدهور والأزمان. الإنتاج الشعري: - جمع المترجم له شعره في ديوان أسماه: «نوح العندليب» لم يتح له أن ينشر في حياته، وبعد رحيله عهد مجمع اللغة العربية بدمشق إلى قدري الحكيم بإخراج الديوان، فرتبه، وبوّبه، وشرحه ووضع فهارسه - مطبعة خالد بن الوليد - دمشق 1984. وقد كتب الدكتور شكري فيصل مقدمة هذه الطبعة، وأعاد رؤوف جبري (شقيق المترجم له) طبع الديوان مضيفًا إليه ثلاث عشرة قصيدة أغفلتها طبعة مجمع اللغة العربية.

الأعمال الأخرى: - له كتابان عن تجربته الإبداعية هما: «أنا والشعر»، و«أنا والنثر»، وثلاثة كتب عن أدب الرحلة: «بين البحر والصحراء»، و«أرض السحر» (الولايات المتحدة الأمريكية)، و«على صخور صقلية» (رحلة إلى أوربا)، ودراسات عن حياة وفن: المتنبي، والجاحظ، ومحمد كرد علي، وأحمد شوقي، وأحمد فارس الشدياق، وأناتول فرانس، كما جمعت مقالاته في كتاب من خمسة مجلدات بعنوان: «أفكاري». وله دراسات أخرى. شعر قدوته كبار شعراء التراث، ونموذجه الفحولة العربية، في عبارته جزالة وجهارة، ومباشرة وتحدد، يهتم بالمطالع والمقاطع، ويعنى بصقل العبارة وحسن وقعها في السمع، يصف كتابه «أنا والشعر» طريقته في اقتناص قصيدة، ومعاناته في تهذيبها، مستعينًا بمحفوظه من شعر القدماء وشعراء عصره، يشغل شعر المناسبات القومية والوطنية، والمشاركات الاجتماعية مساحة كبيرة في ديوانه، ولكن عنايته بالصقل والتجويد ترتفع بالصياغة إلى مستوى الموهبة المتمكنة. من قصائده:

حلم على جنبات الشام ام عيد لا الهم هم ولا التسهيد تسهيد

اتكذب العين و الرايات خافقة ام تكذب الاذن و الدنيا اغاريد

ويل النماريد لا حسن ولا نبأ الا ترى ما غدت تلك النماريد

كأ، كل فؤاد في جلائهم نشوان قد لعبت فيه العناقيد

ملء العيون دموع من هناءتها فالدمع در على الخدين منضود

لو جاء داوود و النعمى تضاحكنا لهنأ الشام في المزمار داود

على النواقيس انغام مسبحة وفي المأذن تسبيح وتحميد

لو ينشد الدهر في افراحنا ملاْت جوانب الدهر في البشرى الاناشيد
وقد جمعت الشاعر صداقة كبيرة مع بدوي الجبل وغيره من الاعلام الكبار الذين كانوا مثالا للعطاء ولابد من الاشارة الى انه كتب عدة كتب عن زيارته للغرب ولا سيما الولايات المتحدة الاميركية وجاء احدها تحت عنوان ارض السحر .