نديم محمد

نديم محمد

نجم الأسبوع

الأحد، ٢٩ مارس ٢٠١٥

 انه واحد من اهم الشعراء العرب في القرن العشرين تمرد على كل شيء لم يقبل العادات والتقاليد ولا الشعر اليائس اليابس نديم محمد الشاعر الاصيل ابن سورية الشاعر المجدد والحقيقي نقف اليوم عند محطات في حياته كما نشرتها المواقع الكثيرة ومنها اكتشف سورية ومن اعداد اميرة سلامة نعيد هذه المحطات الرائعة ونشير الى ا ن اخرمجموعة صدرت له كانت عن دار الثقافة بدمشق وتحت عنوان فروع من اصول اشرف عليها الراحل مدحت عكاش ونشرت وزارة الاعلام من عقود ديوانه كاملا وكان الشاعر قد نشرها بمجموعات اشهرها الام وفراشات وعناكب وغير ذلك
انه
حصان لم يعرف إلا الصّهيل والجموح، مسحت سنابكه وعورة الجبال ونامت مكشوفة وسط السّفوح، يركض مع الضّوء، وبصهيل آلامه للوجود يبوح ويبوح.

هو الشّاعر نديم محمد، الذي جازف بالمال والزّعامة، ليربح شمساً من شعر، شمساً لم تغضّ الطّرف عن الجمال والآلام، ولم تبتلع لسانها، بل كانت متأهّبة دوماً للشهوة والحب ولإتمام ما نقص من أعمالها:

«إلى حوّاء ...خطيئتي
أنا ألبستُك الحياة
وأسكنتُكِ دار الخلود
يا حوّائي»

هذه هي لغة نديم محمد، مرآته، ومعشوقته الأولى التي أدخلتْه في كهف المحارم، وهذا هو صوتها الذي نقل للآذان حقيقتها، فلو لم يشته نديم محمد هذه اللغة ويمارس معها الحب، لما استطاع شعره أن يسحرنا.

حياته

ولد الشاعر نديم محمد، يوم الخميس في الخامس والعشرين من شعبان سنة 1327هجرية (1908م)، في قرية عين شقاق، والتي تبعد عن مدينة اللاذقية أربعين كيلومتراً تقريباً إلى الجنوب الشرقي.

أمّه مزنة بنت عباس بنيات، وكان والدها من أوجه أهل قضائه، وأوسعهم رزقاً، وعُرفت بالإنسانية والرّقي.

كان صوت والده محمد حسن، المعروف بالجود ورجاحة العقل، ومعاملته الطيبة للجميع، يهدر زاجراً أبناءه: «إن نديم يغرف من قلبه، ويعطي من دمه، اتركوه»، وقد ترك هذا القول أكبر الأثر في نفسه.

لم ينس نديم محمد الزعقة العاصفة التي أطلقها المشايخ في وجه أبيه، عشية سفره إلى مونبيليه:
«كُفرٌ هو تعلّم اللسان الغريب، نجَس هو طعام الغرباء. ابنك "خاس" (أي ضاع)».

أدى هذا الهجوم الهائل على الشاب الشاعر، إلى كبته، وتهافته على الخمرة، ظناً منه أنها ستحل مشاكله، إضافة إلى لسعات الحب التي عانى منها المرارة، فانطلقت من شعوره الحبيس الذبيح، قصائد راعفة بالدخان والشرر، سوداء، حمراء في جملتها: «آلام»، حيث سجل الشاعر كل مكنوناته التي أخفاها عن أنوف المتطفلين والفضوليين.

نديم محمد في شبابه

كان نديم واسع الجبين، له أنف أشم، يسير شامخاً كنسر، لا يطيق الأحاديث الجدّية، سريع البديهة وسليط اللسان، لا يفكّر قبل أن يطرح آراءه، فهي بالنسبة إليه قول فصل لا جدال فيه. تجرأ الطفل نديم، منذ أن بلغ الرابعة عشرة من عمره، على استخدام أفحش الصّفات وأقذعها لأتفه الأسباب، فشكّل شعر الهجاء، عنده أكثر من نصف شعره، رغم أن المجلدات الخمسة التي صدرت له لا تضمّ من الهجاء سوى ديوانه «فرعون» المخصص لهجاء جمال عبد الناصر.

جذبتْه العصافير فحلّق معها، ونادته الأنهار فسبح في أعماقها، تحدّى إباء الأشجار فتسلّقها، وطارد الأفاعي مسيطراً عليها، حتى أنه أطلق على الحيوانات أسماء خاصة، يناديها بها حين يريد، ويزجرها فتلبّيه مبتعدة عنه.

أصغى نديم محمد الطفل بصمت إلى قصص وحكايا الضيوف عند كل مساء. وقطع المسافات راكضاً، متوغّلاً في الجبال والوديان والحراج. تعارك مع الصّبْية ولم يُغلب، وقادهم في ألعابهم، وسبقهم في القراءة.

تعلم نديم محمد، على يد شيخ الكتاب، وأُرسل بعد ذلك إلى مدرسة العنّازة، فحفظ فيها عن ظهر قلب مضمون الحلقتين الأولى والثانية من سلسلة «قواعد اللغة» للشرتوني، ثم انتقل إلى مدرسة التجهيز (frere) - أي الأخوة - في اللاذقية سنة 1921، وانتقل سنة 1922 إلى جبلة، ثم عاد إلى قريته عين شقاق.

حاز الشهادة الابتدائية سنة 1925، وفي سنة 1926 ضمّته مدارس «اللاييك» في بيروت، وكتب يحيّي شهداء السادس من أيار، ومهاجماً فرنسا التي كانت تحتل لبنان وسورية متباهياً بأنه لم يمدّ للمستعمر سوى السيف، ويد الغضب والرفض والمقاومة، كما مجّد شعره الحرية بعد جلاء الاستعمار.

سافر بعدها إلى مونبيلييه في فرنسا، حيث أتم الدراسة الثانوية، وحصل على إجازة الآداب الفرنسية. ثم درس الحقوق في سويسرا، وفي برن، ولكن أنذرته السلطات السويسرية بمغادرة أراضيها، إثر تلقّيها اتصالاً من القنصل الفرنسي، ثم أعيد مرغماً إلى سورية في حزيران سنة 1930.

 

الوظائف التي كان ما يلبث أن يشغلها حتى يستقيل منها

فتحت الوظيفة عيني الشاعر على الهوة التي يمكن أن يتردّى فيها الآدميون، وهم خضّع خنّع، يجرهم إليها، ويكبكبهم تحت ظلماتها وسواس الشره والحسد، وشيطان الغيرة والانتقام.

وجاءت وفاة والده، مثل زلزال قصف الأرض من تحته، فتخلّعت منه أعصابه، وانفجرَت بعده بسنين، أكبر حادثة مخربة مدمّرة في حياة الشاعر، حين توفّى أصغر أخوته بمنجل السياسة، وعلى يد أربابها عام 1948 وهو طالب، ينتظر النتيجة لنيل إجازة الحقوق، فسافر إلى بحنّس، حيث عانى من العزلة، والقبح النفسي، فانهمر شعره دخاناً وعطراً على دنيا الواقع ليسهم في معارك الحياة في مختلف ميادينها، وانسفكت حياته ظلاماً وفجراً، وصار عنده الملل والمرح، صنوان، والألم والغبطة في نفسه توأمان.

1ـ عام 1933، عُيّن بوظيفة كاتب، واستقال.
2ـ عيّن أميناً لسر المحافظ إحسان الجابري.
3ـ مراقباً في مؤسسة الميرة.
4ـ مديرا لناحية حزّور.
5ـ مديراً لناحية الشيخ بدر عام 1948.
6ـ رئيساً للمركز الثقافي في الحفّة.


المرأة والشعر والخمرة

اشتهر نديم محمد، بالذكاء والنّزق والعصبيّة واحتقار المال، وزوّده والده بمئة ليرة ذهبيّة، إضافة إلى أنّ أبناء عائلته جمعوا له أموالاً لإرسالها إليه في مونبيلييه أو برن، أملاً في تتويجه زعيماً للعائلة والعشيرة لدى عودته ولكنه عندما عاد نسف أحلامهم وانتظارهم وانصرف لغرامه وشعره وخمره:

«راودتني عشيرتي سُدّة الشّمس
وراودتُها هوان التّراب
وجحدْتُ الأباةَ أهلي ولم أحفل
يمين الإله بالأنساب
وأمور..وإنّ منها لما يخلق
فيه.. ملامتي.. وعقابي
إن يكن في الهوى..ضلالي
فهيهات..رجوعي إلى الهدى..ومتابي
والهوى فتنة..فلا يكثر الناس
عتابي..ومالهمْ..وعتابي».

وكتب عام 1932 في عامه الثالث والعشرين، مؤكداً موقفه من الأنساب والعشيرة:

«أنا مخلوق لشعر، وللّهو، وشرابِ فاتركوني لربيع، ولدنّ، وربابِ»

تأثره بالرومانسية

من شجرة الرومانسية قطف الشاعر نديم محمد، ثمار الانفعال، الحب والتمرّد، والمجاهرة باحتساء الخمر والإمعان في اللذات حتى بعد أن تجاوز الثمانين من عمره:

«يا سنا الوحي في ظلام أناشيدي
وخمر الهوى، وسُكر الخيال
مرّ شهر، وضاق صدري من الهجر
وضاقت منه صدور الليالي
فكفاني هجراً ، وما أظلم الهجر
كفاني يا (رأف) ظلم الدلال
جُنّ شوق النديم والشعر والخمر
تعالي يا خمر خمري، تعالي
متّعيني من فيك بالقبلة
الجمر، وثنّي ببرد عذبٍ زُلال».

تأرجح الشاعر نديم محمد ما بين عشقه للمرأة وبين عداوته لها، وقد منّن خطيبته (ابنة القصر) والتي كانت تمتلك فضاء فسيحاً من الحرية، واستقلال في الرّأي، وقدرة على تذوّق الشعر، والدّخول في علاقات مسؤولة، قائلاً:

«خنتُ من أجلكِ المودّة والقربى وعقرتُ عزّتي في الرّغام»

بعد سنوات من الحب العنيف، تزوّجت محبوبته من رجل آخر، مما جعل الشاعر يحترق عشقاً، ناظراً إلى المرأة بشكل متناقض، بعد أن رفعها إلى مرتبة الخلود، هابطاً بها إلى مستوى الجنس الرخيص، مطلقاً عليها أحطّ النّعوت الجنسية، ممعناً في المخالف الصادم، الغريب واللامنطقي، فنرى حواء لعنة وراءه، وغلطة في حسابه، وانحطاطاً خلقياً وجسدياً في آن:

«وتلفتُّ عابراً، فإذا أنتِ على الدّرب لعنة ورائي»

كذلك الأمر في هذا البيت:

«وتلفتّ ساخراً، فإذا أنتِ على الدّهر غلطة في حسابي»

وبعد ذلك يعترف الشاعر بأن العلة تكمن في شعوره هو بالذات:

«يا شعوري، يا حيّة تنفث السمّ فيجري في القلب عن ألف نابِ
كبرتْ فيك علّتي، وتناهى فيك حزني، وطال فيك عذابي»

ولعل النشيد الأول من «آلام» يرسم لنا الاستسلام للحزن والشهوات:

«اتركوني لليل ..للخمر..للدمع
لشهق مر ...وموت زؤام
اتركوني أُطعم شعوري من الحزن
وحسبي..فالحزن كلّ طعامي
أنا طيف الشقاء .. يرجمني الكون
بلحظ البغضاء..والانتقام
أنا كالإثم..يرقصون على لحني
ويُصمون مهجتي.. بالسهام
أنا مشروع صورة ..خطها
المبدع .. بين الإقدام والإحجام».

لم ينسَ الشاعر أن يكتب قصائد مدائحية لابن عمه زعيم العائلة الفعلي والعائلة مقلّداً عمرو بن كلثوم في عنف قصائده واستعلائه وفخره بآل شلحا وفتاها المفدّى بهجت نصّور، والتي اشتهرت بـ «الشلحاويات»، فحفظها الناس وصارت على كل لسان، نظراً لأن أهل الساحل يقدّرون الشعر ويعلون من شأن قائله، كما هجى العائلة المنافسة لعائلته والتي تنتمي إليها حبيبته.

استقر الشاعر نديم محمد بطرطوس بقية حياته، تشاطره السّكنى خادمته التي سجّلها على خانته زوجة له، ولم تنجب أطفالاً، وكان يطلق عليها مزاحاً «عنزته» وقد توفيت قبله بعدّة سنوات.

جامع الأضداد

تميّز الشاعر بجمع النقيضين، فهو قلق ومشاكس وفي نفس الوقت كان أليفاً وصافياً صفاء الطبيعة، حتى أنه جمع الأضداد مع بعضها في تآلف وتوافق، كجمعه للهر والعصفور معاً، وكان يقول: «القلوب نظيفة فهي أوعية الحب، ولكن الناس يملؤونها بالحقد والكراهية».

نديم محمد السياسي

دعا الشاعر نديم محمد إلى تأميم البترول العربي، فأنشد وطنه أروع القصائد وهو في قمة معاناته، فأثارت النخوة العربية حينها، كما تكلم عن الفلاح، وحقه في الأرض التي يعمل بها، وذلك في قصيدة «لن أنحني»، حيث يجري كلامه على لسان فلاح يصرخ في وجه إقطاعي ويقول الأرض ملك أبي وملكي من بعده.. وأنت وقبيلك صنائع الأجنبي:

نديم محمد في شبابه

«لن أنحني
ليهدّ بيتي
معول
لن أنحني
ليشقّ صدري
منجل
أنا مُعرِقٌ
من معرقين
ومالك
حرّ..
بمال أبي
أجود
وأبخل
ليقل
عبيد الأمس
ما يُملى لهم
وليكذبوا
قولوا..
اكذبوا
لا تخجلوا».

بعد جلاء الاستعمار الفرنسي، انقلب نديم محمد ضد سلطة الاستقلال، ورأى فيها وجهاً بشعاً للاستغلال والتسلط وقهر المواطنين، وكان نديم عضواً في الحزب العربي الاشتراكي الذي أسسه وتزعمه أكرم الحوراني الزعيم الشعبي، والذي علق صورته في صدر بيته.

كتب نديم عن ثورة الجزائر، وعمان، والعراق، ولبنان، وليبيا مهللاً حالماً بدولة قومية عربية واحدة، تقارع الأعداء، وكل ذلك برموز شعرية، لا تتجاوز السيف والرمح والجواد والنسر والفخر بتراث الآباء والأجداد.

«كان ما كان، من عثار بَياني
في جماح الخيال والتعبير
أشعلتني عليك غضبة إبراء
عن الدّم لا هوى موتور».

قال عن نفسه

قال الشاعر نديم محمد عن نفسه: «عشت وفياً منصفاً للجار والصديق والقريب، ولكنني لم أُنصَف من أحد فلا أريد من الدنيا إلاّ أن تتركني كما أنا».

كان الشاعر نديم محمد، يرفض كل أمرٍ لا يقبل به عقله، ولا يقبل بأنصاف الحلول، وقد كره كل أنواع الوظائف وقال فيها:

«دعوني فما لي في الوظيفة حاجة
ولا أنا من جور الليالي بخائفِ
فعيشي قرير العين في الكوخ آمناً
أحبُّ وأشهى من جميع الوظائف»

وكان قلقاً من أغلب الناس لتلمسه النفاق في سلوكهم. فقد قال:

«لا يدخلنْ أحدٌ كوخي فلست أرى
في الدّاخلين سوى لصٍ ومغتاب
جارٌ من الوحش أو طيرٌ أعلمها
أوفى وأخلص من جاري وأترابي
حولي من الذئب والعقبان طائفةٌ
هم كل صحبي وسماري وأحبابي».

قدّم الشاعر نديم محمد، وبكل جدارة وثقة، القصيدة العموديّة المطوّرة، التي كان من روادها الكبار بدوي الجبل وعمر أبو ريشة ونزار قباني في شعره العمودي، وغيرهم.

حمل الشاعر نديم محمد لواء الشعر الوجداني، متجاوزاً الزّمان والمكان إلى آفاق المشاعر الإنسانيّة، بومضاتٍ خاطفةٍ وألقٍ إبداعيٍ لا يجارى: «أعزف من قلبي على وتر الشعر، وأعطي من دمي على راحة كفٍ مبسوطة، للوطن والإنسان، وممدودة لتأخذ من خزائن الحياة كل الألوان، فأنا مزيجٌ مختلفٌ، وأنا عجينة النقائص، فالألم والغبطة في نفسي توأمان لا ينفصلان».

نصائح في كتابة الشعر

يقول الشاعر: «الشعر مثل الموسيقى والرسم، وإن كان غير مقيد أو محصور بتعبير، فإن له قاعدتين، اللغة والأوزان، وخطوطاً أهمها:
ـ الفكرة.. لتكون الوحدة في الموضوع.
ـ العمق..حتى لا تطفو الفكرة إلى السطح المبتذل.
ـ الروح.. لتعمر أبيات القصيدة بالحياة.
ـ الفن.. ليتم الجمع والتوفيق بين أولئك.. فتكون الديباجة والصفاء!».

ويتابع الشاعر قائلاً: «في هذا القسطاس، وزنت شعري. فإن بخستُ فنفسي أبخس.. وما أبغي.. فهذا سَويقي، ومنه أجدح».

الشاعر نديم محمد

وعن شعر هذه الأيام كان الشاعر نديم محمد يرى أن الشعر في سورية، «خَلق أدركه الانحلال، وهو يسير في أعقاب الأخلاق المنحلّة، وأنه لتطغى عليه أمواج من السياسة والتجارة، فيغرق أو يكاد، بحجة الانعتاق من المحافظة والركود، والتبرّؤ من الخيالية والرجعية، وبذريعة الانصراف عن الزخرف التافه، أو اجترار الترف المنعزل، وإعلاء صرح التقدمية، وليس إلاَّ على أساس الخفة والتحرر من قواعد اللغة، وشروط الوزن والقافية وتلزيم الفكر آراء واتجاهات معينة، واستخدامه استخداماً مادياً جافاً مجرداً من جماليات البيان والرجاحة والعاطفة، بمعنى أن لا يكون شعراً، ولا يجوز أن يكون شعراً بجلاء ومفهوم هذه الكلمة».

وفي ديوانه فراشات يقول:
«قالت: مسختَ الشعر حتى صار "مشموم العرار"
لو كنتَ إنساناً، عصرتَ الشعر، من حقد وثار
يا بنت، ما شعري سيوفٌ، أو رماح، للشّجار
يا بنت، ما شعري تلال، أو قلاع، للحصار
شعري، عناقيد اللآلىء، في مصابيح الدراري
وعواطفي، ماء، وأنسام، وظل في صحاري
يا بنت، ما شعري بموسوم، ولا بطليق عار
أنا لم أحطّم "خير" آنيتي، على "شر" الحجار
أبقيتها لزنابق، بيض كأجنحة النهار
لبنفسج وقرنفل، للياسمين، وللبهار
وفم، يقبّلها، طرٍ، ولمعصم ترف السوار
أبقيتها للفن، لم أعدل بها، صنم النضار
أنا لا أحطّمها، ولا أرمي بها، بين الغبار
لتروح في أيدي الصغار، وتحت أقدام الصغار؟».

ويقول الشاعر: «الشعر الحديث عقدٌ جديد من عقود السن من عمر الشعر القديم، وكلمة شعر تحدد في ذاتها المعنى المقصود منها. أما صفة "قديم" و"حديث" فتعريف زمني لا أكثر ولا أقل».

وفي الحقيقة، إن ما جاء به نديم محمد، كان قد استمده من معاناته القاسية على صعيد العلاقات الأسروية، وما لاقاه ممن كانت تربطه بهم صلات صداقة ومحبة، فجاء هذا الدفق الإبداعي والزخم الوجداني المؤثر الذي طبع نتاجه الشعري بطابع المرارة والأسى، والنزوع إلى التحرر من قيود البيئة والمجتمع.

الثائر

نديم محمد ثائر الفكر، معجونٌ إلى حد التماهي بطاقة انفعالية رسَّامة، ومصورة، أعطت شعره هذا الطعم المتمرد، وهذه السمة الحادة، فهو لا يعيش خارج حدود الألم لأنه يعتبره مصدر إلهامه وإبداعه.

فقد حاول منذ الطفولة أن يخرج إلى حيث النور والحقيقة، التي تتوافق مع ما يدور في العقل الصافي والذهن المتفتح، وأن يرفض الواقع المثقل بتشوهات الحياة وسلبياتها في عصره الممتد عبر سنوات طويلة عاشها بين القلق والحيرة وبين الشك واليقين في مجتمع متلون بكل ألوان الطيوف البشرية.

«شرف العروبة والجدود والعز..في خفق البنود
في جحفل بالنار يعصف جانباه..وبالحديد
وبطولة عزّت على..بأس الفوارس والجنود
ماهمّني عصف الرياح..إذا عزمت على الصعود
حرية العربي أبقى..في الوجود من الوجود».

وقال أيضاً:

«لن أستعير الناس في شعري سأبقى طيلة العمر أنا حرّ الصفات»

رأي طه حسين بديوان «آلام»

ويقال عن عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين أنه قال عن ديوانه «آلام» في مؤتمر الأدباء العرب في بلودان: «لو لم يكن لهذا الشاعر إلاَّ هذا الديوان فحريٌّ بالشعر العربي أن يضمه إلى فحوله الكبار».

الشعر الوطني والقومي

تأثر نديم محمد بالمفهوم النازي للقومية، وأعجب بموسوليني وبسمارك والقوميين الأوروبيين، وصبّ همّه على سورية والوطن العربي، وهذا ما دعاه إلى نظم قصيدته «هتلر» أثناء الحرب العالمية الثانية على مبدأ المثل القائل: «عدو عدوك صديقك»، إنه نوع من التشفّي من الغرب، ولكنه تشفّ مغمّس بذرات القوة وجبروتها، وكأنه يريد أن يكون ذلك في متناول القوميين العرب:

«فتحٌ ونصرٌ.. وما أزهى.. وترفعٌ.. أبداً وكبرُ
المجد مولده على راياتنا.. والدهر بكر
لبست مطارفه دمشق وجررت برديه مصرُ
عرس العروبة رشَّه ألقٌ.. وغرَّد فيه عطرُ
شهد العلى أنّا وفينا والعلى نسب وصهرُ
في الأفق نحن الطالعون فكلنا شمسٌ وبدرُ
عُرْبٌ وتنمينا إلى أعراقها مضرٌ وفهر
تاريخنا أغنيةٌ ألوانها خضرٌ وحمرُ».

ومن قومياته وإحساسه بأن العالم يلعب بقضايانا المقدسة وحقوقنا المسلوبة قال:

«تعب الناس من الرقص ..|.. على مخمل الظل وعاج الزبدِ
ويمين الله لا يعجزنا ..|.. فرقُ ما بين العمى والرمد
أبزندٍ قطعتْ أوصاله ..|.. يُكتبُ النصر، وسيف ومغمد
مات إلاّ ذلُنا في أرضنا ..|.. مات إلاَّ رمق المستنجدِ
سحرونا لعبةٌ واجتذبوا ..|.. ثوبها من خلف باب موصد
لعبة السلم تعرَّى غدها ..|.. فلمسناه بأطرافِ اليد
لعبة مولودة في عالمٍ ..|.. رضع الحُمق ولمّا يولد
خطوُ إسرائيل في لعبتهم ..|.. واضح النهج مريب المقصد».

ويقول أيضاً:

«أدمشق، لبّيك: السماوات العلى يمطرن سعدا
أدمشق، لبيك: الصحارى، كالبحور بمجن أسدا
أدمشق لبيك: القوافي كالحصى والرمل عدا
لسواد عينك، اسرجوا الأفلاك والشهب جندا»

الشاعر الرومانسي الواقعي

نديم محمد، شاعر الألم والحزن والانكسار، كما هو شاعر النهوض و التمرد والعنفوان، ومن الملامح البارزة في شعر نديم محمد على تعدد أغراضه، ارتباطه بالواقع الحياتي الذي عاشه بكل أبعاده الإنسانية والاجتماعية والوطنية والقومية، فجاء أشد لصوقاً بمشاعره وأحاسيسه وانفعالاته، بحيث أنه رسم صورة متكاملة الملامح لمعاناته التي كانت مثقلة بالانكسارات والقلق النفسي من واقعه المضطرب، وأبت عليه رهافة الحس وصفاء السريرة والمشاعر الإنسانية السامية إلاَّ أن يواصل رحلة العنفوان والكبرياء عبر الفسحة الزمنية من العمر التي منحها الله له، فهو ليس عالماً شعرياً واحداً بل مجموعة عوالم، وهو عصر متميز من عصور الشعر العربي الخالد ومن شكواه من صحبه ومجتمعه واعتزازه بنفسه وبشعره يقول في إحدى قصائده:

«حرفي على شفتي في جرحها لهبُ
وبسمُها بلهيب الجرح مختضبُ
شعري عذابي وذلي في الهوى أدبي
يا رب لا كان لي شعرٌ ولا أدبُ
تضيء بالوحي أشعاري فيلفحها
يأسي فتهرب أشعاري وتحتجبُ
لا أبعد الشعر من حزني وأقربه
فالحزن كالشعر منه الوحي ينسكب».

 

بعض من أناشيد ديوانه «آلام»
النشيد الأول:
هبّ من وحشة السنين غرامي ..|.. وأفاقت من غفوها آلامي
أي ذئب مَهَمْهِمِ الشِدْق في صدري ..|.. وسهم ممزِّق وضرام
هدرةٌ.. في جراح نفسي..وجوعٌ ..|.. ينهش الحس بالنيوب الدوامي
وتفحّ الأوجاع ملء ضلوعي ..|.. كالثعابين في الرمال الظوامي
أتركوني أطفئ بنيرانها الخضراء ..|.. ناراً مشبوبة في عظامي
أتركوني للّيل.. للخمر.. للدّمع ..|.. لشهق مرّ.. وموت زؤام
أتركوني أطعم شعوري من الحزن ..|.. وحسبي.. فالحزن كل طعامي
أنا طيف الشقاء.. يرجمني الكون ..|.. بلحظ البغضاء.. والانتقام
أنا كالإثم.. يرقصون على لحني ..|.. ويصمون مهجتي.. بالسهام
أنا كالذرة الحقيرة لا أملك ..|.. أمري في المهمه المترامي
أنا كالقتل في شريعة موسى ..|.. وأنا كالجحود.. في الإسلام
أنا مشروع صورة.. خطها ..|.. المبدع، بين الإقدام.. والإحجام
قبعت في الظلام آمالي الزُّهر ..|.. وضلت سبيلها.. أحلامي
أين زهو الشباب.. أين لِعابي ..|.. أين لهوي.. بل أين اين ابتسامي؟
مات في نظرتي البريق.. وجفّت ..|.. في لهاتي مخضوضلات الكلام
يا رفيف الشعاع في شفة النرجس ..|.. يا غفوة الندى.. في الكِمام
يا رجائي البكر المطهّر.. ياعذراء ..|.. حلمي.. يا فوق كل مرامي
بالذي لوّنت شفاهك يمناه ..|.. وسواك.. فتنة للأنام
بالفتون المخضوب.. في خدّك الأحمر ..|.. ندّي.. بالعطف حرّ أوامي
وأذني لي.. أمسح بكفّي كفّيك ..|.. بخوف.. وذَلّة.. واحتشام
ومريني أنشد بحسنك أشعاري ..|.. وأرفع إليك نجوى هيامي
وعديني برشف ثغرك في الحلم ..|.. فقد يسعد الفتى.. في المنام
ما لهذا الهوى يمزّق أوصالي ..|.. ويفري جوانحي.. كالحسام
ويمجّ اللهيب في كبدي الثكلى ..|.. ركاماً.. ينهدّ فوق ركام
فأغنّيه من دمي.. ويغنّيني ..|.. من السُخر أوجع الأنغام
ما أبالي شحوب لوني وضعفي ..|.. ونحولي ورقّتي وسقامي
ما أبالي ضحك العواذل من شيبي ..|.. وعجزي ورعشتي في الزحام
وخمودي سكران.. في مطلع الفجر ..|.. على الشوك.. والحصى.. والحطام
أيها المشفقون.. لا تلمسوا الكبر ..|.. بنفسي.. فتقصروا أيامي
من بريق في مقلتيك.. مريع ..|.. وانتفاض على لماك.. مهول
ورجاء حيران ملء ذراعيك ..|.. وشوق .. ممنّع .. مكبول
وجموح مقنّع.. واشتهاء ..|.. خلف عينيك.. أعزل مشلول
وشعور طاغ يدمدم كالأنواء ..|.. في صدرك ..المشوق ..الملول
ورغاب سواعر.. كالمنايا ..|.. وأمان جوارف.. كالسيول
وغيوب.. من كلّ لون.. وأسرار ..|.. فؤاد.. محيّر.. مشغول
شهوات عواصف تتنزّى ..|.. في صحارى مرامك المجهول
وتشائين أن ترفّي على الغيم ..|.. وقد تختفين.. بين الطلول
كجناح السنى.. يحوم على الطين ..|.. التماساً.. والمورد السلسبيل
كل حسن هوى جديد ولحن ..|.. سائغ في فؤادك المتبول

 

دفعت الهزائم التي واجهت الأمة العربية ما بين 1948ـ 1956، حتى هزيمة 1967 ثم حرب لبنان نديم ليرحل إلى قريته، وفي عام 1993 أهدى الرئيس حافظ الأسد قصيدة «فيض الخاطر» قبل وفاته بأقل من عام. ومنها:

الشاعر نديم محمد

«حين ضلّ الناس أبواب الحياء
حين لم ينهد كريم لعطاء
حين زال النجم عن موضعه
واستباح الليل أطراف السماء
ذكر السيف أخاه رقّة
ومضاء في زمان الجبناء
فتنادى رهطهم فاستبقوا
جانب الطور وهموا بارتقاء
فثناهم ضعفهم فاستحبوا
عارهم ذيل سباب من وراء
فإذا أمضى من السيف يداً
وإذا أسخى من النور وفاء
إنه ليث العرين المرتضى
والمنادى يوم تهراق الدماء
ومضى حافظ قلباً مؤمناً
وضميراً كسنى الصبح نقاء
فجنى حباً..وأهدى أملاً
وكما شاء رسول الله شاء».

تعالج الشاعر نديم محمد في أواخر أيامه، في مشفى المواساة بدمشق إلى أن توفاه الله في السابع عشر من شهر كانون الثاني عام 1994 عن عمر ناهز السادسة والثمانين. وفي حشرجة الاحتضار كتب آخر أبياته:

«سيذكرني غداً أهلي كثيراً ويسأل بعضهم عنّي طويلا
فلن يجدوا ـ وإن راحوا وجاؤوا ـ ولن يهدوا إلى عندي سبيلا».

هذا هو الشاعر نديم محمد، الذي كلما قرأنا له، نشعر بأن لغته تعيد عجن نفسها من جديد، لتخبزها في فرن القارىء، حيث تنبعث حول أبياته رائحة شهيّة، تجبر الروح على التهامها طازجة وساخنة.

 

تراث الشاعر نديم محمد المنشور

ـ «آلام» بأجزائه الثلاثة، 1953، وأعيدت طباعته عام 1985، عن دار الحقائق، بيروت.
ـ «فراشات وعناكب»، دار المعجم العربي، الطبعة الثانية عن دار الحقائق، 1985.
ـ «آفاق»، 1949ـ 1985، المطبعة الأهلية بحماة، 1958.
ـ «فرعون»، منشورات دار الثقافة في دمشق، 1960.
ـ «ألوان»، 1965، عن مكتبة ومطبعة الزهراء.
ـ «رفاق يمضون»، منشورات أطلس.
ـ «الأعمال الشعرية الكاملة»: ويتضمن الدواوين: «من وحي الوحدة»، «أشواك ناعمة»، «زهور وشتاء»، «صرخة ثائر»، «شاعر وصومعة»، «صمت الرّعود»، وصدرت الطبعة الأولى لهذا المجلد عن دار الحقائق في بيروت، 1988.
ـ «فروع من أصول»، دار مجلة الثقافة في دمشق، 1993.
- صدرت للشاعر عن وزارة الإعلام في سورية خمسة مجلدات: المجلد الأول عام 1996، ويضم الدواوين: «من خيال الماضي»، «براعم وربيع»، «ورود وخريف».
- المجلد الثاني والثالث عام 1997 ويضمان: «آلام»، «فراشات وعناكب»، «قصائد للوطن»، «ألوان»، «غربة الحس»، «هالة»، «حول الشعر الجديد».
- المجلد الرابع والخامس، 1998، ويضمان الدواوين: «رفاق يمضون»، «من حصاد الحرب»، «من وحي الوحدة»، «فرعون»، «صمت الرعود»، «زهور وشتاء»، «أشواك ناعمة»، «شاعر وصومعة»، «صرخة ثائر»، «وصف أحوال».

التراث غير المنشور

ـ «شلحاويات»: قصائد نضالية ضد الاستعمار الفرنسي.
ـ «إخوانيات»: أبيات للأصدقاء، 1931.
ـ «استظهار الماضي»: مذكرات عما جرى للشاعر خلال نصف قرن مؤيداً بوثائق.
ـ «أعشاب مروج»: ديوان نظمت قصائده ما بين 1938ـ 1948، تتكلم عن «معركة في البحر» وتصف حالة الحرب العالمية الثانية.
ـ «براعم وربيع»، 1921 و1934، «قصة واقعية وضعها الشاعر بالفرنسية ونقلها إلى العربية».
ـ «تيمور»: 1964ـ 1966 تتناول حياة الرفاه في دمشق، والحياة السياسية.
ـ «حول الشعر الجديد»: كتب بلغة نثرية.
ـ «خيال الماضي»: 1921 «بيتان تحت عنوان الجمال»، و1955 «رثاء الشهيد عدنان المالكي».
ـ «رفاق الماضي»: بين 1931ـ 1966.
ـ «شذرات قصائد ضائعة».
ـ «عار ولا أمل»، 1971 و1972.
ـ «عبيد مكة».
ـ «غربة الحس»: 1933 و1984.
ـ «مسارح أفكار»: 1950ـ 1985.
ـ «من حصار الحرب»: 1973ـ 1988.
ـ مسرحيات قصيرة.
ـ مسمى حزب البعث العربي الاشتراكي 1963.
ـ «مقفيّات عامية»: «كان زمان»، «هلا بالواردي»، «حاملة الجرة»، «ثورتنا»، «لمين الشكوى»، «مبارح»، «إلى رفيق الزمان».
ـ «مناقضات»: «آثار الحوافر» 1981، والباقي قصائد أطولها «إلى الاسطبل» 1981، «هروب» 1964.
ـ «نبوءة الشعر»: تبصرة، وهاله 1982.
ـ «هوامش ومسارح أفكار»: 1937ـ 1946.
ـ «ورود خريف»: نظمت ما بين 1930ـ 1980.
ـ «وصف أحوال»: 1927ـ 1988.
ـ «وصف أحوال موصوفة»، 1987.
ـ «يعقوب يتكلم»: «كان ويا ما كان» والإهداء «إلى الحقيقة والحق» و«هذا هو الشاعر» 1970.
ـ «يقظة»: كتبت ما بين 1930ـ 1933.