اللاذقية في زمن الحرب: «حارة كل مين إيدو إلو»

اللاذقية في زمن الحرب: «حارة كل مين إيدو إلو»

أخبار سورية

الثلاثاء، ١٠ يناير ٢٠١٧

صور الشهداء الموزعة في شوارع اللاذقية وخيم العزاء التي تنتقل من حيّ إلى آخر، لم تعد الوجع الوحيد لأبنائها. سرقاتٌ، عمليات نصب واحتيال، تزوير وخيانة أمانة، كلّها حكايات وجع إضافية يعيشها سكان المدينة في الوقت المستقطع بين شهيد وآخر
ريمه راعي

اللاذقية | «يا خالتي بهي الوكالة بيقدر ابن أخوكي يبيع كل شي عندك ويقلك مالك عندي شي، موافقة؟»، تهزّ المرأة الثمانينية رأسها بالإيجاب، فيُلحّ الكاتب بالعدل: «ببيع البيت والأرض بدون ما يرجعلك، موافقة يا خالتي؟»، تكرر المرأة إجابتها السابقة، فيتابع الكاتب بالعدل سؤالها عن اسمها وتاريخ ميلادها، بينما يقرأ معلومات هويتها، وذلك للتأكد من أنّها «بعقلها وما مضَيعة»، على حدّ تعبير أحد الموظفين في القصر العدلي في اللاذقية.

الوكالات العامة باتت أرضاً خصبة لعمليات النصب والاحتيال وخيانة الثقة، خاصة في ظل الحرب التي اضطرت أعداداً كبيرة من الناس إلى السفر، ما جعلهم يوكلون إلى أحد المعارف متابعة أمورهم القانونية، ليكتشف عدد كبير منهم أنه تم بيع ممتلكاتهم أو نقلها إلى اسم الموّكَل. ويلفت موظف في القصر العدلي إلى أنهم عادة ما ينصحون المواطنين بعدم إدراج البيع والقبض في نص الوكالة، علماً بأن «ثمة قصصاً لا ينفع معها الحذر»، موضحاً أن هناك «تفشّياً كبيراً لقضايا تزوير الوكالات، وهون ما بتنفع شطارة حدا».
مظلوميات كثيرة يشهدها القصر العدلي في اللاذقية يومياً، وينتظر أصحابها تحقيق العدالة. أبو سلمان هو واحد من المنتظرين، غير أنه لا يأمل كثيراً بتحقق العدالة، لأن البلد برأيه «صارت حارة كل مين إيدو إلو». ويشرح بأسى كيف أنفق مدخراته لشراء بيت العمر، ليفاجأ في أحد الصباحات برجل يحاول فتح باب بيته بالمفتاح، ويكتشف أن من حسبه سارقاً، هو صاحب البيت، وأنه وقع ضحية لشبكة تزوير واحتيال تبيع البيوت المهجورة التي سافر أصحابها.
وتتم عملية الاحتيال عبر الحصول على معلومات هوية صاحب البيت، لاستخراج «إخراج قيد» باسمه، بادّعاء فقدان الهوية، وبشهادة المختار وشاهدين اثنين، ومن ثم يتم إجراء عقد بيع للبيت مع أحد الأشخاص المتفق معهم، لترفع لاحقاً دعوى على البائع بحجة أنه يرفض نقل ملكية البيت للمشتري، وبعد صدور قرار القاضي وتنفيذ الحكم بنقل ملكية البيت إلى اسم المشتري، يقومون ببيعه لطرف ثالث. يقول أبو سلمان: «أنا كنت الطرف الثالث يلي أكل المقلب، والشباب شمعوا الخيط وهربوا، والله العالم كيف بدي آخد حقي؟».

التهمة التي
أوقفت على أساسها المحامية كانت تزوير وكالة قضائية

حتى أنت يا بروتوس!

مشهد صادم لإحدى المحاميات، المعروفات في المحافظة، وهي تنتظر دورها أمام غرفة قاضي التحقيق ويداها مقيّدتان، جعل من رأوها يعيدون النظر في الثقة المطلقة التي يعطيها الموكل لمحاميه، في حين استاء زملاؤها من وضع «الكلبشات» في يديها من دون الأخذ في الاعتبار رمزية صورة المحامي التي اهتزت في أعين الناس.
التهمة التي أوقفت عليها المحامية كانت تزوير وكالة قضائية، إذ حاولت متابعة إجراءات نقل ملكية «فلوكة» في مديرية الموانئ في اللاذقية، ولدى التواصل مع مصدر الوكالة لمطابقتها مع السجلات تبين أن المحامية زوّرت وكالة تبيح لها البيع والقبض بالنيابة عن موكّلها المزعوم الموجود خارج البلاد. ولاحقاً كُشف أيضاً عن قيامها بإجراء «مخالعة رضائية وطلاق» لإحدى السيدات بموجب وكالة مزوّرة عن الزوج الذي فُوجئ بطلاقه زوجته، بعد أن رفض طلبها الطلاق منه مسبقاً، فقامت بالاتفاق مع المحامية المذكورة بتزوير وكالة باسمه تجيز للمحامية تطليق الزوجة.
ويشرح محام، فضّل عدم ذكر اسمه، في حديث إلى «الأخبار»، أنه فيما اكتشف تزوير هذه المحامية، لا يزال هناك «محامون يقومون بعمليات تزوير واحتيال ولم يكتشف أمرهم، خاصة الذين يتابعون دعاوى متعلقة بإرث أو ممتلكات لموكلين غادروا البلاد بعد الحرب، حيث يستغل المحامي الوكالة القضائية التي تتضمن القبض والصرف والبيع وتخوّله بيع أملاك الموكل، مستغلاً عدم درايته بما أوكله إلى محاميه».
ويُذكّر بقضية المحامين الذين كشف تورطهم العام الفائت في الاحتيال على شركات التأمين وجعلها تدفع مبالغ تأمين طائلة لقاء تعويض أشخاص (متفق معهم) عن حوادث سير وهمية. ووفق رأيه، فإن مبررهم «هو البطالة التي يعاني منها المحامون الذين بلغ عددهم في اللاذقية 3000 محام، خاصة أن غالبية الناس باتوا يعتمدون على معقّبي المعاملات لتفادي دفع أتعاب محامين».
نقيب المحامين في اللاذقية، آمنة ميني، لم تنكر استياءها واستنكارها تورط محامين في قضايا كهذه، شارحة في حديث إلى «الأخبار» «دعاوى مسلكية وشطب بحق العديد من المحامين ممن ثبت تورطهم في قضايا تزوير أو إساءة أمانة». وتؤكد أن المحاماة مهنة رفيعة المستوى وقانونها حاد جداً الى حدّ أنه ينص على «أنه لا يجوز للمحامي التهرب من دين شخصي، لأنه يفترض أن يكون شخصاً مؤتمناً وموثوقاً، لكن كما يوجد فاسدون في جميع المهن سيكون هناك فساد بين المحامين».

نحن الأمن افتحوا الباب!

«نحن الأمن افتحوا الباب»، عبارة مألوفة في زمن الحرب ولا تثير الشبهات؛ لذا باتت خياراً مفضّلاً لدى «الحرامية» الذين باتوا ينتحلون صفة رجال أمن ويقتحمون البيوت بملابسهم المموّهة ورشاشاتهم بحجة تفتيش البيت لدواع أمنية. يقول أبو محمد الذي تعرض بيته في حي الزراعة للسرقة: «فاتو وقت كانت الكهربا مقطوعة وكنت لحالي بالبيت، وقف جنبي واحد منهم حامل رشاش والتاني دخل ليفتش غرفة النوم، وبعد ما راحوا اكتشفت إنهم سرقوا مصاغ مرتي ومليوني ليرة كنا ساحبينهم من البنك لنشتري سيارة لابني». وبعد القبض على السارقين تبيّن أن الرأس المدبر لعملية السرقة هو صديق العائلة الذي علم بسحبهم المال من المصرف. لم يستعد أبو محمد ماله كما كان يتمنى، لأن أحد السارقين كان عريساً جديداً واشترى بحصته من المسروقات «براد وغسالة وفرن غاز لبيت الزوجية، في حين استخدم الثاني المال لإجراء عملية جراحية لابنه في مشفى خاص».