عندما تحدد الأهداف بيت الدراسة .. فكرة جديدة تغيّر الصورة التقليدية للمقاهي .. وتدعم منظومة الحلول الإسعافية

عندما تحدد الأهداف بيت الدراسة .. فكرة جديدة تغيّر الصورة التقليدية للمقاهي .. وتدعم منظومة الحلول الإسعافية

أخبار سورية

الثلاثاء، ٢٤ يناير ٢٠١٧

تماماً كما تزداد قابلية الطعام ولذته في مطعم يقدّم وجبات شهية، ومأكولات غنية ومتنوعة، أمر مماثل سيحدث في بيت مخصص للدراسة حين تتوفر كل المستلزمات المطلوبة التي غيّبتها الحرب عن منازل سوريين كثر، ويحضر الدفء والهدوء والكهرباء. هناك ستفتح شهية الطلاب الجامعيين للعلم حين تصطف عشرات الطاولات والكراسي لتستقبلهم يومياً، وتوفر لهم بالمجان الظروف الأساسية المطلوبة للنجاح والتفوق من دفء وكهرباء وهدوء، أما في مكان آخر، فهناك فِكرةٌ أخرى يناديك إليها صوت فيروز المتسلل بعذوبة من خلف أبواب أحد المقاهي، يجذبك بلطف لتستطلع وتدخل، ويروق لك في جو كهذا قراءة هادئة لصحيفة، أو ربما تقوم بحل بعض الواجبات، ومراجعة بعض الدروس إن كنت طالباً، في ذاك المقهى ستحظى حتماً بجو مناسب للقراءة دون ضجيج، أو فوضى، أو دخان سجائر ونراجيل، كما الشائع في معظم المقاهي، أفكار جديدة ربما تكون حافزاً لبعض الطلاب الباحثين عن بدائل لظروف أنتجتها الحرب.
بداية الفكرة
وبالعودة إلى الفكرة الأولى، وهي بيت الدراسة، فهي فكرة بسيطة نفذها القائمون على مشروع شبابي تنموي يهتم بالسوريين وفق عدة برامج، ويحمل اسم (أكشن Action)، تقوم الفكرة بحسب مؤسسة المشروع رين الميلع على استقبال الطلاب الجامعيين الراغبين في الدراسة في مقر المشروع، تقول رين: إن البداية كانت حين اقترح أعضاء فريق action الدراسة في المقر لتوفر الكهرباء خلال ساعات النهار، فكان الاقتراح لتوسيع الفكرة من خلال دعوة واستقبال طلاب جامعيين أكثر لتوفر المكان المجهز بالكهرباء والتدفئة، وفعلاً قمنا بنشر إعلان على صفحات التواصل الاجتماعي يبيّن هذه الرغبة، ويشرح الفكرة بشكل مبدئي، وبالتزامن مع ذلك قمنا بالتواصل مع مجموعة من الشركات ممن ترغب بدعم المشروع أو تقديم أفكار واقتراحات ومستلزمات مساعدة ومطلوبة لنجاح الفكرة، وتضيف: لم نكن نتوقع هذا الإقبال الكبير من الطلاب الذين راقت الفكرة لمعظمهم، وبدؤوا يلبون دعوة الحضور بشكل مباشر في اليوم التالي، وكذلك كان الأمر من أكثر من شركة وفعالية رغبت في دعم الفكرة والمساهمة في إنجاحها، فالصعوبات المادية كان يمكن أن  تحول دون نجاحنا، وهي من أبرز العقبات التي تواجه أي فكرة إنسانية لا تعتمد على الربح، لذلك فالدعوة قائمة للمساهمة والدعم.

ادرس فقط
وتكمل رين مجموعة شروط بسيطة، كانت ضرورية للنجاح واستقبال الطلاب، فكل المطلوب منهم هو بطاقة جامعية ونية حقيقية للدراسة، واحترام الآداب العامة، والهدوء اللازم للسماح لنحو 100 طالب يستوعبهم المكان معاً ليتمكنوا من الدراسة للامتحانات الجامعية بالظروف المناسبة، فالمكان يستقبل 100 شخص جديد كل ثلاث ساعات على 3 دفعات يومية، يمكن أن تصبح 4 بحال زيادة كمية المازوت لتشغيل الإنارة، ويتم استقبال الطلاب مجاناً ويومياً من الساعة 10 صباحاً حتى الساعة 2 ظهراً، ومن الساعة 5 بعد الظهر حتى الساعة 10 مساءً بمقر المشروع في دمشق (الروضة – شارع المحاربين القدماء – تحت نقابة المعلمين)، وفي اليوم الأول الذي زرنا فيه مقر المبادرة، لمسنا هذا الأمر فعلاً، شباب جامعيون ملوا الساعات الطويلة لانقطاع الكهرباء والبرد الشديد في بعض الأيام، فرأوا في هذا المكان فرصة مناسبة للدراسة والتحصيل العلمي المناسب لتجاوز الامتحانات التي قد يرسب الطالب فيها، ولا ذنب له في ذلك، فأذكى الطلاب، قد يهزمه الظلام، وعدم توفر الضوء.

مقهى فيروزي
أما تفاصيل الفكرة الثانية، فهي كما جاء في المقدمة عن مقهى بنمط مختلف، لفت نظرنا في أحد شوارع مدينة دمشق، لا مكان في هذا المقهى لمدخنين أو لاعبي ورق ونرد، ولا مكان فيه أيضاً لعرض الدارج من الأغاني الشعبية، وآخر الفيديو كليبات بصوت مرتفع، بل نمط جديد، ومختلف تماماً في هذا المقهى يلائم طالباً يبحث عن مكان يذاكر فيه، أو قارئ يرغب بتمضية وقت هادئ في قراءة صحيفة أو رواية، والملفت أن المقهى يستقبل الطلاب حتى في حال لم يقوموا بأي طلب، ورغبوا فقط بالدراسة، وذلك مقابل مبلغ مالي بسيط 150 ليرة بالساعة، وذلك كما يوضح مازن صاحب المقهى الذي توسع بشرح الفكرة، قائلاً: أصبح هذا المقهى مقصد الكثير من الطلاب خاصة بعد التسهيلات التي قمنا بتوفيرها، وأهمها عدم إلزام الزبون بالطلب، ووجود عروض مستمرة في أوقات مختلفة، كذلك فنحن من الصالات القليلة جداً في دمشق التي تمنع التدخين منعاً باتاً، وتتوفر فيها خدمات الانترنت والكهرباء تقريباً على مدار الساعة، إضافة إلى ذلك  أننا نفتح في ساعة مبكرة صباحاً من الثامنة وحتى العاشرة والنصف مساء.
قاعة دراسة
وكان ملفتاً في هذا المقهى، وجود قاعة اجتماعات في الطابق السفلي معزولة تماماً عن أي ضوضاء وضجيج، تتسع لـ 12 شخصاً تقريباً، وتتوفر فيها شاشة كبيرة يمكن أن توصل على كمبيوتر محمول، إضافة لمعدات أخرى للتدريس، وبحسب فادي الناطور “مدير المقهى” فإن هذه الصالة يتم حجزها مسبقاً مقابل مبلغ مادي بسيط، حيث تقام فيها عدة دورات (انكليزي- فرنسي- انترنت- تدريس أطفال)، وفي وقت كهذا من العام يصعب الحصول على حجز مسبق في هذه القاعة، فكل الأوقات شاغرة من الطلاب والمدرسين الذين يحظون فيها بجو مثالي جداً للدراسة والتدريس، ويختم الناطور متحدثاً عن تميز المقهى بأشياء أخرى مختلفة أيضاً، وهي مشروباته الغريبة التي لا تخلو من الطرافة والتميز في الأفكار، وهناك يمكن أن تتطلب أصنافاً جديدة من العصير (عصير السفرجل، والتين، والمشمش، والعوجا مع الليمون، والبقدونس، والليمون والخيار والبندورة الطبيعية)، أما المشروبات الساخنة، فمنها الشوفان بالحليب والسحلب مع القرفة وأنواع القهوة المختلفة.

فكّر باختلاف
هكذا إذاً يحدث التفكير المختلف فروقاً، ويقدّم حلولاً نافعة تساعد الطلاب، وربما تكون أفكار من هذا النوع نواة لمشاريع أخرى إنسانية، أو ربحية تطرح مستقبلاً بصورة موسعة، وتفيد في بناء مجتمع أنهكته الحرب، وغيّرت كثيراً من مفاهيمه الحياتية، فكّر بإبداع لتقدّم شيئاً مختلفاً للآخرين.
محمد محمود